الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الحكمُ الشرعيُّ فلا يكونُ إلا فيما يرضاه اللهُ، فلا يُحَرِّمُ اللهُ شيئًا إلا وهو يرضى ألا يَكُونَ، ولا يُوجِبُ شيئًا إلا وهو يرضى أن يكونَ.
كذلك أيضًا فَرْقٌ آخرُ: الحكمُ الكونيُّ - أو القدريُّ والمعنى واحدٌ - لا بد من وقوعِهِ، إذا حَكَمَ اللهُ بشيءٍ كونًا أو حَكَمَ به لا بُدَّ أن يَقَعَ، أمَّا الحُكمُ الشرعيُّ فقد يقعُ وقد لا يقعُ، وليس كلُّ النَّاسِ ملتزمين بأحكامِ اللهِ الشرعيَّةِ. فهذان فَرْقَانِ بَيْنَ الحكمِ الكونيِّ والحكمِ الشرعيِّ، وكلاهما يتضمنُه قولُهُ تعالى:{الْحَكِيمُ} .
من فوائدِ الآياتِ الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: بيانُ قدرةِ اللهِ تبارك وتعالى حيث إن كلامَه المُنَزَّلَ على نبيِّه من الحروفِ التي يتكلمُ بها النَّاسُ، ويركِّبُون منها كلامَهم ومع ذلك أَعْجَزَهُم، وجْهُ الدلالةِ {حم (1) عسق} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثباتُ نُبُوَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بقولِهِ: {يُوحِي إِلَيْكَ} .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثباتُ النبوةِ في الأممِ السَّابقةِ؛ لقولِهِ: {وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثباتُ هذين الإسميْنِ للهِ عز وجل وهما: العزيزُ والحكيمُ، واعلمْ أن أسماءَ اللهِ سبحانه وتعالى لا بُدَّ أن تتضمَّنَ شيئيْن:
الأول: ثبوتُ ذلك اسمًا للهِ تبارك وتعالى فمثلًا العزيزُ الآنَ نحنُ نَشْهَدُ أنَّ من أسماءِ اللهِ العزيزِ، كذلك نَشْهَدُ أن من أسماءِ اللهِ الحكيمُ.
والثاني: الصفةُ التي دلَّ عليها هذا الإسمُ فمثلًا العزيزُ دلَّ على العِزَّةِ، والحكيمُ على الحكمةِ، لا بُدَّ لكلِّ اسمٍ من هذين.
قد يتضمَّنُ الإسمُ شيئًا ثالثًا: وهو الفعلُ المترتِّبُ على ذلك، وإن شئْتَ فَقُلْ:
الأثرُ المترتِّبُ على ذلك، فمثلًا: السميعُ يتضمنُ إثباتَ اسمِ السميعِ للهِ، وإثباتَ السمعِ له، والصفةُ معنًى زائدٌ على الذاتِ، والثَّالث: أنه يسمعُ كُلَّ شيءٍ.
وفي (الحكيمُ) نقولُ كذلك، إثباتُ الحكيمِ اسمًا للهِ، والثاني: إثباتُ الحكمةِ على أَحَدِ المعنييْن، وإثباتُ الحُكمِ على المعنى الآخرِ، والثالثُ: أن اللهَ سبحانه وتعالى يَحْكُمُ بَيْنَ العبادِ، ويَحْكُمُ في العبادِ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: كمالُ عزَّتِه وكمالُ حِكمتِه؛ لأنَّ اللهَ قَرَنَ بَيْنَ العزيزِ والحكيمِ؛ إشارةً إلى أن عِزَّتَهُ وغَلَبَتُه مبنيّةٌ على الحكمةِ.
فعزةُ المخلوقِ قد تُوجِبُ أن يتصرَّفَ تصرفًا سفيهًا، كما في قولِهِ تبارك وتعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} [البقرة: 206]، فهنا صار له عِزَّةٌ لكنها لم تنفعْه؛ لأنَّها ليستْ مقرونة بالحكمةِ.
كذلك أيضًا حِكمةُ اللهِ عز وجل مقرونةٌ بعزَّتِه؛ لأنَّ الحكيمَ قد يكونُ خوَّارًا ليس عنده غَلَبةٌ فيَفُوتُه شيءٌ كثيرٌ، ويَفُوتُهُ الحزمُ من أجْلِ أنه يقولُ: إن ذلك هو الحكمةُ، لكنَّ حكمةَ اللهِ عز وجل مقرونةٌ بعزَّتِه؛ ولهذا نحن نستفيدُ الآنَ من قَرْنِ الأسماءِ بعضِها ببعضٍ، نستفيدُ بذلك معنًى زائدًا على ما نستفيدُهُ من مُجَرَّدِ الإسمِ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الشرائعَ التي أُوحيتْ إلى الرُّسُلِ عزةٌ وحكمةٌ، قال اللهُ تبارك وتعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، وقال اللهُ تعالى:{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء: 113]، فمن تَمَسَّكَ بهذه الشرائعِ نال الأمْرَيْنِ جميعًا، وهما مجتمعانِ وهما: العزةُ والحكمةُ والحُكمُ أيضًا.
* * *