الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيتان (15، 16)
* * *
* * *
لمَّا ذَكَرَ اللهُ تبارك وتعالى أمْرَ النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام أنْ يُنذِرَ قُريشا بِصاعِقةٍ مِثل صاعِقةِ عادٍ وثَمُودَ، بَيَّن ماذا كان مِن عادٍ، وماذا كان مِن ثَمُودَ، قال جَلَّ وَعَلَا:{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} .
(أمَّا) أداةُ شَرْطٍ وتَفصِيلٍ؛ أمَّا كَونُها أداةَ شَرْطٍ؛ فَلأنَّ لها شَرْطًا وجَزاءً؛ {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا} ، وأمَّا كَونُها أداةَ تَفصِيلٍ؛ فلأنَّها تَأتِي كذَلِك في التَّفصِيلِ؛ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5، 6]، {(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 8، 9]. فَهِي إذَنْ حَرْفُ شَرْطٍ وتَفصِيلٍ.
قَولُه تَعالَى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} اسْتكبَروا أيْ أصابَهم الكِبْرُ، وإنَّما أَنْتِ السِّينُ والتَّاءُ لِلمُبالَغةِ؛ أيْ: تَكبَّروا تَكبُّرًا عَظِيمًا.
وقَولُه: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} هَذه لَيْستْ صِفةً مُقيَّدةً، ولَكِنَّها صِفةٌ كاشِفةٌ؛ لأنَّ كُلَّ استِكْبارٍ في الأرْضِ فإنَّه بغَيْرِ الْحَقَّ، فالِاستِكبارُ لا يَنقَسِمُ إلَى قِسمَين، بل هُو قِسْمٌ
واحِدٌ، فكُلُّ استِكبارٍ فإنَّه بغَيْرِ حقٍّ، ويُسمَّى مِثْلُ هَذا القَيْدِ صِفةٌ كاشِفةً؛ أيْ: تَكشِفُ ما سَبَقَ وتُبيِّنُ حقَيقَتَه.
فإِنْ قالَ قائِلٌ: هَل مِثلُه قَولُه تَعالَى: {وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 33]؛ فالجَوابُ: نَعَم مِثلُها، فهِي صِفَةٌ كاشِفَةٌ.
إذَن: فحَقِيقَةُ الِاستِكبارِ أَنَّه بغَيْرِ حقٍّ، والحقُّ ضِدُّ الباطِلِ، والباطِلُ إمَّا أنْ يَكونَ في الخَبَرِ، وإمَّا أنْ يَكونَ في الطَّلَبِ. فأمَّا الباطِلُ في الخبرِ فَأنْ يَكونَ كَذِبًا، وأمَّا الباطِلُ في الحُكم فَأنْ يَكونَ جَوْرًا، وقَولُه تَعالَى:{وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62]، يَشمَلُ الأمْرَيْن؛ يَشْمَلُ دَعْواهم أنَّ هَذه آلهِةٌ وهَذه دَعوَى كاذِبَةٌ، ويَشمَلُ عَمَلَهم لهِذِه الآلِهَةِ، وهُو جَورٌ وظُلمٌ، حَيثُ يَعدِلون المَخلُوقَ بالخالِقِ.
وقولُه: {وَقَالُواْ} يَعنِي: مِن جُملَةِ ما اسْتَكبَروا بِه؛ يَقولُ المُفسِّرُ رحمه الله: [{وَقَالُواْ} لمَّا خُوِّفُوا بالعَذابِ {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}، أي: لا أحَد]، و {مَنْ} هُنا استِفْهامٌ بمَعنَى النَّفْي والإنْكارِ.
وقَدْ كرَّرْنا مِرارًا أنَّ الِاسْتِفهامَ إذا كان بمَعنَى الإنْكارِ والنَّفي صارَ أبْلَغَ مِن النَّفيِ المُجرَّدِ؛ لأنَّه يَتَضمَّنُ التَّحدَيَ.
{مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} {مَنْ} اسْمُ استِفْهامٍ مُبتَدأٌ، و {أَشَدُّ} خَبَرُ مُبتَدأٍ، و {قُوَّهً} تمَيِيزٌ لـ {أَشَدُّ} ، ومنَ الضَّوابِطِ الغالِبةِ: أَنَّه إذا أَتَى الِاسْمُ مَنصُوبًا بَعْدَ اسْمِ التَّفضِيلِ كان تمَيِيزًا.
يَقولُ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} ؛ أي: لا أحَدَ، ، ثُمَّ ذَكَرَ المُفَسِّرُ نَمُوذَجًا مِن قُوَّتِهم، فقال: [كان واحِدُهم يَقلَعُ الصَّخْرةَ العَظِيمةَ مِن الجَبَلِ يَجعَلُها حَيثُ
يَشاءُ]، وهَذا المِثالُ قَد يكونُ حَقًّا وقَد يَكونُ إسرائِيليًّا؛ لأنَّه مِنَ المَعْرُوفِ أنَّ عادًا كانُوا يَعمَلُون بالنَّحت، وإذا ثَبَتَ فيمكِن أنْ يَحمِلُوا الجَبَلَ؛ {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} [الأحقاف: 21]، والمَعرُوف أنَّ الأحْقافَ كُلُّها جِبالٌ رَملِيَّةٌ.
لَكِن سَواءٌ صَحَّ هَذا المِثالُ أوْ لَم يَصِحَّ، فإنَّهم كانوا - بلا شكَّ - أقوِياءَ أشِدَّاءَ.
{وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} قال اللهُ تبارك وتعالى رادًّا عَلَيهم: {أَوَلَمْ يَرَوْا} ، يَقولُ المُفَسِّرُ رحمه الله: أيْ: [يَعلَموا {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}]، وَهَذا تَقرِير لِكَونِ اللهِ تَعالَى هُو أشَدَّ مِنْهُم قُوَّةً.
قال تَعالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ} وَلمْ يَقُلْ: (إنَّ اللهَ أشَدُّ)، بلْ قالَ:{خَلَقَهُمْ} ؛ لِيُبيِّن ضَعفَهم، وأنَّهم مَخلُوقُون، وأنَّ الخالِقَ سَوفَ يَكونُ أقْوى مِنهم، فالَّذِي خَلَقهم أشَدُّ مِنْهُم قُوَّةً؛ لِأَنَّه هُو الَّذي أعْطاهم القُوَّةَ، ومُعْطِي الكَمالَ أوْلَى به، وهَذه هِي الحِكمَةُ مِن كَونِه تَعالَى قال:{أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ} ، ولَم يَقُل: أوَلَم يَعلَموا أنَّ الله الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ والأرْضَ، أوْ أنَّ الله هُو أشَدُّ مِنْهم قُوَّةً لِيُبيِّن ضَعفَهم وأنَّهم مَخْلُوقُون ضُعفاءُ.
قال اللهُ تَعالَى: {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} ، قَولُه:{وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} مَعطُوفةٌ على قَولِه: {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} .
يَقولُ المُفسِّرُ رحمه الله: [{بِآيَاتِنَا} المُعجِزات {يَجْحَدُونَ}]، يَعنِي يُكذِّبون؛ لأنَّ الجَحْدَ هُو التَّكذِيبُ والإنْكارُ، لا سيَّما وهُو مُعدًّى بالباءِ الدَّالَّةِ على ذلِك. وقَولُ المُفسِّرِ:[{بِآيَاتِنَا} المُعجِزات] فِيه نَظَرٌ؛ لأنَّ الآياتِ هِي العَلاماتُ والدَّلالاتُ على الخالِق عز وجل ولَيْست مُعجِزاتٍ.
وقَد ذَكَرنا أنَّ المُعجِزاتِ تَأتِي آيات، وتَأتِي مِن الشَّياطِينِ بِواسِطةِ السَّحَرةِ وغَيْرِ ذلِك، لكِن إذا قُلْنا:"آياتٍ" صار مَعناها عَلاماتٌ دالَّةٌ على الحَقِّ.
يَقولُ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا}، بارِدةٌ شَديدَةُ الصَّوْتِ بِلا مَطَرٍ].
قَولُه تَعالَى: {رِيحًا صَرْصَرًا} ، {رِيحًا} هُنا نَكِرَةٌ يُرادُ بِها التَّعظِيمُ؛ أيْ: رِيحٌ عَظِيمةٌ صَرْصرٌ شَدِيدَةُ الصَّوْتِ، تَسْمَعُ لها صَوتًا كالرَّعدِ مْن شِدَّتِها وشِدَّةِ اصْطِدامِها بالهَواءِ والأشْجارِ والأحْجارِ والبُيوتِ.
وقَولُ المُفَسِّرِ: [بِلا مَطَرٍ] الظَّاهِرُ أنَّها لا يَدُلُّ علَيْها السِّياقُ المَوجُودُ الآنَ، المَوجُودُ في هَذه الآيَةِ لا يدُلُّ على أنَّها بِلا مَطَرٍ - فِيما ظَهَر لِي - لَكِنَّه قَدْ دَلَّ علَيْه قَولُه تَعالَى:{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41]، يَعنِي: الَّتي لَيسَ فيها مَطَرٌ؛ لأنَّ المَطَرَ مِن أسْبابِ الرِّياحِ، يُرسِلُها اللهُ تَعالَى {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [الروم: 48]، لَكِنَّ رِيحَ عادٍ لَيسَ فِيها ذَلِك.
يَقولُ المُفَسِّر رحمه الله: [{فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} بِكَسر الحاءِ وسُكُونِها، مَشؤُوماتٌ عَلَيهِم].
قَولُه تَعالَى: {فِي أَيَّامٍ} هَذِه الأيَّامُ بيَّن اللهُ قَدْرَها في آياتٍ أُخرَى في قَولِه: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7]، ابْتدَأت بِالفَجْرِ، وانْتَهت بِه أو بِالغُرُوبِ. ابْتدَأتْ بِالفَجْرِ، فانْظُرْ: الأوَّلُ والثَّاني والثَّالثُ والرَّابعُ والخامِسُ والسَّادِسُ والسَّاجُ، سَبع لَيالٍ وثَمانيةُ أَيَّامٍ تَنتَهي بالغُرُوبِ، وسَبْعُ لَيالٍ؛ لِأنَّ اللَّيلَةَ الأُولَى حُذِفَتْ.
فإِنْ قالَ قائِل: قَولُ اللهِ عز وجل: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} فِيه إضافَةُ النَّحْسِ إلَى الأيَّامِ؟
فالجَوابُ: لا بَأْس بِه، كَما قال لُوطٌ عليه الصلاة والسلام:{هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77]، وَهَذا إذا كان المُرادُ بِه مجُرَّدُ الخَبَرِ، كَما هُنا، وأمَّا إذا كان المُرادُ بِه العَيْبَ والسَّبَّ فإنَّه لا يجوزُ. فَإذَن يَكونُ هَذا السَّبُّ أوِ العَيْبُ إمَّا أنْ يَكونَ على سَبِيلِ الإِخْبارِ أو على سَبِيلِ السَّبِّ، على الأوَّلِ جائِزٌ وعلى الثَّاني غَيْرُ جائِزٍ.
نَظِيرُ ذلِك: إخْبارُ المَرِيضِ بما يَجِدُ، فأحْيانًا يَسْألُه الصَّاحِبُ: كَيف أَنْتَ البارِحةَ؟ فَيَتَشكى ويَقولُ: واللهِ ما نِمْتُ البارِحةَ؛ آلامٌ في الرَّأسِ، في الرَّقبةِ، في الظَّهْرِ، في البَطْنِ، في الرِّجلَيْن، هَذا إذا قالَه على سَبِيلِ التَّشَكِّي فَلا يَجُوزُ؛ لأنَّه يُنافي الصَّبْرَ، وإذا قالَه على سَبيلِ الإخْبارِ فَلا بَأسَ بِه؛ ولِهَذا بَعْضُ المَرضَى يُقدمُ فَتقولُ إخْبارًا لا شَكوى: حَصَل لِي كَذا وكَذا.
يَقولُ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} والذَّلُّ {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}]، اللَّام لِلعاقِبةِ، ويَحتَمِلُ أنْ تَكون للتَّعلِيلِ وكِلاهُما صَحِيح، فإنَّ اللهَ تَعالى أرْسَل علَيْهمُ الرِّيحَ العَقِيمَ لهَذا الغَرَضِ، أوْ أرْسَلَ علَيهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ حتَّى كانَتْ عاقِبتُهم أنْ ذاقُوا {عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}؛ يَعنِي: هَذه الحَياةُ الَّتي نَحياها، وسُمِّيَتْ دُنيا لِوَجهَيْن:
الوَجْهُ الأوَّل: لدَناءَتِها وحَقارَتها بالنِّسْبَةِ للآخِرَةِ؛ لأنَّ مَوضِعَ سَوْطِ الإنْسانِ في الجنَّةِ خيْرٌ مِن الدُّنْيا وما فِيها؛ ولأنَّها أيْضًا دُنْيا مُنَغِّصةٌ لا تَكادُ يَمُرُّ بِكَ الشَّهْرُ إلَّا وقَد وَجَدتَ تَنْغِيصًا، بَلْ أقَلَّ مِن ذَلِك، كَما قال الشَّاعِر
(1)
:
(1)
البيت للنمر بن تولب، انظر: الكتاب لسيبويه (1/ 86)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 346).
فَيَومٌ عَلَينا ويَوْمٌ لَنا
…
ويَوْم نُساءُ ويَوْم نُسَرُّ
الوَجْهُ الثَّاني: لدُنُوِّها لأنَّها سابِقَة للآخِرَةِ فهِي أدْنَى إلَى المَخْلُوقاتِ مِن الآخِرَةِ، كما قال تَعالَى:{قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23]؛ أي قَريبَةٌ.
يَقولُ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى} أشَدّ {وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ}، بمَنْعه عَنْهم]، اللَّام في قَولِه:{وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ} يُسمُّونها لامَ الابْتِداءِ وهِي للتَّوكِيدِ؛ ولِذلِك إذا جاءَتْ (إنَّ) تُزَحْلِقُ اللَّامَ فتُؤَخَّرُ عَن مَكانِها وتَكونُ في المُتَأخِّرِ مِن اسْمِ (إنَّ) أوْ لِخَبَرِها، وإنَّما زَحلَقْناها لِئَلَّا يَجتَمِعَ في أوَّلِ الكَلامِ مُؤكِّدان مُتَوالِيان؛ ولِهَذا نَقولُ: إنَّ اللامَ في قَولِه: {وَلَعَذَابُ} هِي لامُ الِابْتِداءِ وتُفِيدُ التَّوكِيدَ، ويَدُلُّ هَذا على أنَّها مَع (إنَّ) تُزَحْلَق حتَّى تَبْعُد عَنْها.
قال اللهُ تَعالَى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى} يَعنِي: أشَدَّ خِزْيًا والعِياذُ باللهِ؛ لِأنَّ عَذابَ الدُّنْيا لا يَسْمَعُ به مَن سَبَقَ، ولا يَراه مَن لَحِقَ، لا يَسْمَعُ بِه مَن سَبَقَ؛ لِأنَّه جاء بَعْدَهم، فالقَوْمُ الَّذِين قَبْلَ عادٍ ما عَلِموا بذَلِك، والقَوْم الَّذِين بَعْدَهم ما رَأوْه، سَمِعوا بِه ولَم يَرَوه، لَكِن في الآخِرَةِ سَماعٌ ورُؤيَةٌ والعِياذُ باللهِ، الَّذي يُعَذَّب في الآخِرَةِ سَماعًا ورُؤيَةً يَسمَعُه كُلُّ أحَدٍ؛ السَّابِقُ واللَّاحِقُ، ولِهَذا قال:{أَخْزَى} ، ثُمَّ هُو أيْضًا {أَشَدُّ} كَما قال تَعالَى في آيَةٍ أُخْرَى:{وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 127] أشَدُّ وأعْظَمُ مِن عَذابِ النَّارِ، أعاذَنا اللهُ وَإيَّاكم مِنْها.
قالَ اللهُ تَعالَى: {وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ} ، هَذِه استِئْنافِيَّةٌ يَعنِي: إنَّهم في الآخِرَةِ لا أحَدَ يَنْصُرُهم، ففِي الدُّنيا رُبَّما يُنصَرُ الإنْسانُ مِن العَذابِ بِدَفْعِه قَبْل وُقُوعِه أوْ رَفْعِه بَعْد وُقُوعِه، لَكِن في الآخِرَةِ لا ناصِرَ.