المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات (30 - 32) - تفسير العثيمين: فصلت

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الآيتان (2، 3)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتَين الكَرِيمَتيْن:

- ‌الآية (4)

- ‌مِن فَوائِد الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (5)

- ‌مِن فَوائِد الآيَةِ الكَرِيمَةِ:

- ‌الآيتان (6، 7)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتَيْن الكرِيمَتيْن:

- ‌الآية (8)

- ‌مِنْ فوائِدِ الآيَةِ الكَرِيمةِ:

- ‌الآية (9)

- ‌مِن فوائِدِ الآيةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (10)

- ‌مِنْ فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (11)

- ‌مِنَ فوائِدِ الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (12)

- ‌مِن فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآيتان (13، 14)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيَتين الكَريِمَتَين:

- ‌الآيتان (15، 16)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيَتين الكَرِيمتين:

- ‌الآية (17)

- ‌مِن فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (19 - 24)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائِدِ الآيةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (30 - 32)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (34 - 36)

- ‌من فوائِدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (37 ، 38)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكَريمتَينِ:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (41، 42)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌من فَوَائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (46)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (47)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (48)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (49)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (50)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيةِ الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فَوائِدِ الآيةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (53، 54)

- ‌من فوائِدِ الآيَتين الكريمَتين:

الفصل: ‌الآيات (30 - 32)

‌الآيات (30 - 32)

* * *

* قالَ اللهُ عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30 - 32].

* * *

قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} ، قالوا بألْسِنَتِهم وقُلوبِهم، ولا يَكفي مجُرَّدُ القَولِ باللِّسانِ؛ لأنَّ القَولَ باللِّسانِ يَقعُ مِن المُنافقِ ومِنَ المُخلصِ، لكنَّ المُرادَ: القَولُ باللِّسانِ والقَلبِ.

{قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} وهذا القَولُ الَّذي قالوه ليس مجُرَّدَ قَولٍ باللِّسانِ أو اعتِقادٍ بالجَنانِ، بل هو مُستلزِمٌ لطاعَةِ اللهِ عز وجل ولهذا قال:{ثُمَّ اسْتَقَامُوا} أي: استَقاموا على طاعَةِ اللهِ، في الإيمانِ في القَلبِ والاستِقامَةِ في الجَوارحِ، فلم يَكتَفِ اللهُ بالثَّناءِ عليهم وبَيانِ جَزائِهم على الإيمانِ بالقَلبِ، بل لا بدَّ مِنْ الاستِقامَةِ، ولهذا قال:{ثُمَّ اسْتَقَامُوا} ، وقول المُفسِّرُ رحمه الله:[على التَّوحيدِ وغَيرِه ممَّا وَجبَ عليهم] صَحيحٌ، يعني: استَقاموا على التَّوحيدِ فلا إِشْراكَ، استَقاموا على الِاتِّباعِ فَلا بِدعةَ، استَقاموا على الطَّاعَةِ فلا مَعصيَةَ، استَقاموا على الخَيرِ فلا شَرَّ، وهَلُمَّ جرًّا.

وتَأمَّلْ قولَه: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} أتى بـ {ثُمَّ} الدَّالَّةِ على التَّرتيبِ بمُهلَةٍ يعني:

ص: 166

أنَّ إيمانَهم لم يَكنْ إيمانًا خاطِفًا، آمَنَ ثُمَّ زال، بل إيمانٌ مُستقِرٌّ؛ لأنَّهم استَقاموا على دينِ اللهِ عز وجل، وقد سُئلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سأله رَجلٌ فقال:"يا رَسولَ اللهِ، قُل لي في الإسلامِ قولًا لا أَسألُ عنه أحدًا غَيرَك - يعني: قَولًا فَصلًا -، فقال لَه: قُل آمَنتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ"

(1)

وهو مَأخوذٌ من هذه الآيَةِ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} .

وقولُه: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} ، {تَتَنَزَّلُ} مَدلولهُا يُخالِفُ مَدلولَ تَنَزَّلُ؛ لأنَّ {تَتَنَزَّلُ} فيها زِيادَةُ (التَّاء)، فهذه الزِّيادَةُ تَقتَضي مَعنيينِ: المَعنى الأَوَّلُ أنَّ تَنزُّلَهم يَكونُ شيئًا فشيئًا. {تَتَنَزَّلُ} لا تَنزَّلُ دُفعةً واحدَةً، والثَّاني: أنَّ التَّنزُّلَ أو النُّزولَ مُتكرِّرٌ، {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ} ، يعني: كُلَّما دَعت حالهُم إلى تَنزُّلِ المَلائِكةِ عليهم تَنزَّلت عليهم، فصار الفَرقُ الآنَ بين تَنزَّلُ {تَتَنَزَّلُ} من وجهين:

الوَجهُ الأوَّلُ: أنَّ تَنزَّلُ تَعني النُّزولَ مَرَّةً واحدةً.

والوَجهُ الثَّاني: دُفعَةً واحدةً.

و{تَتَنَزَّلُ} تَقتَضي تَكرارَ النُّزولِ، وأنَّه يَكونُ شيئًا فشيئًا.

قولُه تعالَى: {عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} سَبَقَ الكَلامُ على ذِكرِ المَلائِكَةِ، وقَول المُفسِّرِ رحمه الله:[عندَ المَوتِ] فيه نَظَرٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى لم يُقيِّدْ ذلك، فالظَّاهرُ أنَّ المَلائكَةَ تَتَنزَّلُ عليهم كُلَّما دعت الحالُ إلى النُّزولِ عندَ المَوتِ وعِندَ الخَوفِ وعندَ المَعارِكِ، وفي كُلِّ حالٍ تَقتَضي أن تَنزِلَ المَلائكةُ عليهم؛ لأنَّ اللهَ أَطلقَ:{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ} ، ويَشهَدُ لهذا قولُه تعالى:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12].

(1)

أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام، رقم (38)، من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه.

ص: 167

فإِنْ قال قائلٌ: قولُنا نَستفيدُ نُزولَ المَلائكَةِ في الآخِرَةِ عندَ المَوتِ مِن قَصْر الآيةِ، هل يَصدُرُ هذا عن قولِ اللهِ عز وجل:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124]، يعني أنَّ أكثرَ المُفسِّرينَ على أنَّها في القَبرِ في الآخِرَةِ وهُنا الآيَةُ عامَّةٌ؟

فالجَوابُ: وهو كذلك الآيَةُ عامَّةٌ، ويدُلُّ لعُمومِها قولُه تَعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] ، فإنَّ مَفهومَها أنَّ مَن لم يَتَّصِفْ بذلك فَليسَ لَه حَياةٌ طَيِّبةٌ.

فإن قيل: فما الَّذي حَمَلَهم - على كَثرَتِهم - على هذا؟

فالجَوابُ: لعلَّهم فَهِموا أنَّ السِّياقَ يدُلُّ على هذا، فهُنا مثلًا:{أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} البِشارَةُ بالجنَّةِ حَقيقَةً إنَّما تَكونُ عندَ المَوتِ، فلعلَّه السِّياقُ ظَنُّوا أنَّه يَقتَضي التَّخصيصَ.

يَقولُ المفسِّرُ رحمه الله: [{أَ} بأنْ لا {تَخَافُوا} مِن المَوتِ وما بَعدَهُ {وَلَا تَحْزَنُوا} على ما خَلَّفتم من أهلٍ وولدٍ، فنحن نَخلُفُكم فيهم].

نحن نَقولُ: ألَّا تَخافوا مِن مُستَقْبَلِكم ولا تَحزنوا على ماضيكم؛ لأنَّ الإنسانَ عندَ الخوفِ إمَّا أن يَخافَ من المُستقبَلِ أو يَحزنَ على ما مَضى فيَقولُ: لو أنِّي فَعلتُ كذا لكان كذا، لم يَحدُثْ لي الخَوفُ مثلًا، فالمَلائِكةُ تَتَنزَّلُ عليهم فتَقولُ: لا تَخافوا مِنَ المُستقبَلِ ولا تَحزَنوا مِنَ الماضي، وقَدَّمَ الخَوفَ مِنَ المُستقبَلِ؛ لأنَّه أَهمُّ مِن الحُزنِ على ما مضى؛ لأنَّ مُستقبَلَ الإنسانِ هو الَّذي يَجعَلُه يَسيرُ أو يَتوقَّفُ؛ فلهذا بَدَأَ به قَبْلَ ذِكرِ الحُزنِ.

وإذا جعلناها مَثلًا ممَّا يَدعو إلى التَّنزُّلِ حالَ المَوتِ، فالإنسانُ عندَ المَوتِ حالُه

ص: 168

يَقتَضي أن يَزدادَ قُوَّةً ونشاطًا على الإيمانِ والتَّوحيدِ، فتَتنزَّلُ عليهمُ المَلائِكَةُ عندَ المَوتِ أيضًا وتُبَشِّرُهم بها:{أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} وهي مِن البِشارَةِ، والبِشارَةُ هي الإخبارُ بما يَسُرُّ، وسُمِّيت بِشارَةً؛ لأنَّه إذا سُرَّ الإنسانُ ظَهَرت عَلامَةُ السُّرورِ على وَجهِه فتَغيَّرت بِشرَةُ الوَجهِ.

وقد تُطلَقُ البِشارَةُ على الإِخْبارِ بما يَسوءُ من بابِ التَّهكُّمِ، قال اللهُ تَعالى:{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 138]، وقال تعالى:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]، مع أنَّ هذا مِمَّا يَسوءُ، لكنَّه على سَبيلِ التَّهَكُّمِ بهم كما تَقولُ أنت لِلعاصي: أَبشِرْ بِسوءِ العاقِبةِ أبشِرْ بالنَّارِ وما أَشْبَهَ ذلك ممَّا يَكونُ تَهكُّمًا به، ومثلُ قولِه تعالى:{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 48 - 49].

قال اللهُ تَعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} الجَنَّةُ هي الدَّارُ الَّتي أعدَّها اللهُ لأوليائِه، وفيها كما في القُراَنِ الكريمِ:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]، وفيها كما جاءَ في الحديثِ القُدسيِّ:"ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سَمِعت، ولا خَطَرَ على قَلبِ بشرٍ"

(1)

.

{بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} وعَدَهم بها اللهُ عز وجل قال اللهُ تَعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التوبة: 72].

يَقولُ المُفسِّرُ رحمه الله: [{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}] أي: نَحفَظُكم فيها {وَفِي الْآخِرَةِ} أي: نَكونُ معكم فيها حتَّى تَدخلوا الجَنَّةَ {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي

(1)

أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، رقم (3244)، ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها، رقم (2824)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 169

أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} تَطْلُبون].

تَقولُ لهم المَلائِكَةُ: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} يعني: أنَّ المَلائكَةَ تَتولَّى المُؤمنينَ، تَحثُّهم على الخَيرِ، وتُحذِّرُهم منَ الشَّرِّ، وقد قال النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم-: أنَّ "للمُلكِ في قَلبِ ابنِ آدمَ لَمَّةً وللشَّيطانِ لَمَّةً، فلَمَّةُ المُلكِ إِيعادٌ بالخَيرِ وحثٌّ على الطَّاعَةِ، ولَمَّةُ الشَّيطانِ بالعَكسِ"

(1)

.

فإِنْ قال قائلٌ: هل تَرِدُ اللَّمَّتانِ في آنٍ واحدٍ؟

فالجَوابُ: نعم، قد تَرِدُ اللَّمَّتانِ في آنٍ واحدٍ فيَهوى الإنسانُ الخَيرَ وإذا بالشَّيطانِ يَصُدُّه عنه، وقد يَكونُ لم يَطرأْ على بالِه فِعلُ الخَيرِ، والشَّيطانُ قد وَسوسَ له بالشَّرِّ.

وقولُه: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: نَحفَظُكم فيها؛ وذلك أنَّ الإنسانَ إذا كانت المَلائِكَةُ معه فإنَّها تُسدِّدُه وتَدُلُّه على الخَيرِ وتَحثُّه عليه، {وَفِي الْآخِرَةِ} يَتَولَّونَهم أيضًا، فإنَّ المَلائِكَةَ تَتلقَّاهم:{هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103]، وفي الجَنَّةِ تَدخُلُ عليهم المَلائِكةُ من كُلِّ بابٍ {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24]، فهُمْ أولياءُ المُؤمنينَ في الدُّنيا وفي الآخِرَةِ، جَعلَنا اللهُ منهم وإيَّاكم.

قال اللهُ تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا} أي: في الآخِرَةِ {مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} كُلُّ ما اشتَهاهُ الإنسانُ وإن لم يَطلُبْه فإنَّه يَحصُلُ بين يَديه، وكذلك أيضًا كُلُّ ما طَلَبَه فإنَّه يَحضُرُ بين يَديه.

في الدُّنيا لا يَتسَنَّى للإنسانِ ما يَطلُبُه حتَّى لو طَلَبَ وكرَّرَ الطَّلبَ فإنَّه قد

(1)

أخرجه الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة، رقم (2988)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

ص: 170