الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (48)
* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [فصلت: 48].
* * *
يَقولُ المفسِّرُ رحمه الله: [{وَضَلَّ} {غاب عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ}]{مِنْ قَبْلُ} .
قَولُه تَعالى: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا} {مَا} اسْمٌ مَوصولٌ فاعلٌ بِمعنَى الَّذي.
يَقولُ المُفسِّرُ رحمه الله: [{مَا كَانُوا يَدْعُونَ} يَعبُدونَ {مِنْ قَبْلُ} في الدُّنيا مِن الأصنامِ] أَصْنامَهُم الَّتي كانوا يَتعلَّقونَ بِها وَيعْبُدونها لِتُقرِّبَهم إِلَى اللهِ زُلفى، في ذَلكَ اليَومِ الَّذي هُمْ أَشدُّ ما يَكونون حاجَةً لَها تَغيبُ عَنهم ولا تَنْفعُهم؛ وَلِهَذا قال:{وَضَلَّ عَنْهُمْ} أَيْ: ضاعَ وغابَ ما كانوا يَدعون، أَيْ: يَعْبُدونَ مِنْ قَبلُ، ويُريدُ بِذلكَ الأَصنامَ الَّتي كانوا يَعبُدونها في الدُّنيا.
مَثلًا النَّصارى يَعْبُدونَ عيسى ابنَ مَرْيمَ، وقُريشٌ تَعبُدُ اللَّاتَ والعُزَّى ومَناةَ وهُبَلَ، ومِنهم مَنْ يَعبُدُ النَّارَ كَالمَجوسِ، ومَنْ يَعبُدُ الشَّمسَ، ومَنْ يَعبُدُ القمرَ. . إِلَخْ، هَذه الأصنامُ الَّتي تُعبَدُ مِن دونِ اللهِ لا تَنفعُهم يَومَ القيامةِ؛ ولهِذا قَالَ:{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ} [فصلت: 48]، ورُبَّما نَفْهَمُ مِن قولِه:{وَضَلَّ عَنْهُمْ} أَنَّهم ذَهبوا يَطلُبونها يَبحثونَ عَنْها، ولَكنَّها ضَلَّت وضاعَت، ويَكونُ هَذا أَشدَّ حَسرةً في نُفُوسِهم أَنَّهم طَلبوها في وَقتِ الحاجةِ وَلكنْ لَمْ يَجِدوها.
يَقولُ المفسِّرُ رحمه الله: [{وَظَنُّوا} أيقنوا {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} ظَنَّ هُنا بمَعنَى أَيقنَ، والظَّنُّ يَأتي كَثيرًا بمَعنَى اليَقينِ، قال اللهُ تَعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف: 53] إذن ظَنُّوا بمَعنَى أَيْقَنوا، وقالَ اللهُ تبارك وتعالى:{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46] معنى يَظُنُّونَ: أي: يُوقِنون أَنَّهمْ مُلاقو رَبِّهم، ولو كانَ الظَّنُّ بمعنى الشَّيءِ الرَّاجحِ لَمْ يكونوا مُؤمِنينَ، لَكنْ يَظُنُّونَ بمَعْنى يُوقِنون، إذن الظَّنُّ في اللُّغةِ العربيَّةِ يَأتي بِمعنى اليَقينِ، {وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} أَيقَنوا.
وقَولُه: {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} فِيها تَقديمٌ وتَأخيرٌ وتَوكيدٌ، التَّقديمُ والتَّأخيرُ أَنَّه قَدَّم فيها الخَبرَ وَأخَّر فيها المُبتدَأَ، وَالخَبرُ {لَهُمْ} وَالمُبتدأُ {مَحِيصٍ} ، فيها أيضًا تَوكيدٌ وهو {مِنْ} الزَّائدةُ؛ لِأنَّ مَحيصَ مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ ودَخلَتْ عَليه {مِنْ} الزَّائدةُ للتَّوكيدِ، وإِعْرابُه أَنَّه مُبتدأٌ مَرفوعٌ بِالِابْتِداءِ، وعَلامَةُ رَفعِه ضَمَّةٌ مُقدَّرةٌ عَلى آخِره مَنَعَ مِن ظُهورِها اشتغالُ المَحلِّ بِحَركَةِ المُناسبةِ.
يَقولُ المفسِّرُ رحمه الله: [{مَحِيصٍ} مَهْربٌ مِنَ العَذابِ] يَعني: أَيقَنوا أَنَّه لا مَهْربَ لهم مِنَ العذابِ ولا مَفرَّ لَهمْ مِنه، وأَنَّه واقعٌ بِهمْ لا مَحالةَ.
ثُمَّ قال المفسِّرُ رحمه الله: [والنَّفيُ في المَوضعينِ مُعلَّقٌ عَنِ العَمَلِ، وجُملةُ النَّفيِ سَدَّت مَسدَّ المَفعولَينِ].
النَّفيُ في المَوضِعينِ:
المَوضِعُ الأوَّلُ: {قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} هَذهِ {مَا} نافِيةٌ مُعلَّقةٌ عَنِ العَملِ؛ لِأنَّ {آذَنَّاكَ} أَعْلمناكَ وَهي تَنْصبُ ثلاثةَ مفاعيلَ، تَقولُ مَثلًا: أَعْلمتُ زيدًا عَمرًا قائمًا، نَصَبتْ ثلاثةَ مَفاعيلَ زيدًا وعَمرًا وقائمًا، وهُنا {آذَنَّاكَ} المفعولُ