المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (47) * قال اللهُ تَعالَى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا - تفسير العثيمين: فصلت

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الآيتان (2، 3)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتَين الكَرِيمَتيْن:

- ‌الآية (4)

- ‌مِن فَوائِد الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (5)

- ‌مِن فَوائِد الآيَةِ الكَرِيمَةِ:

- ‌الآيتان (6، 7)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتَيْن الكرِيمَتيْن:

- ‌الآية (8)

- ‌مِنْ فوائِدِ الآيَةِ الكَرِيمةِ:

- ‌الآية (9)

- ‌مِن فوائِدِ الآيةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (10)

- ‌مِنْ فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (11)

- ‌مِنَ فوائِدِ الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (12)

- ‌مِن فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآيتان (13، 14)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيَتين الكَريِمَتَين:

- ‌الآيتان (15، 16)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيَتين الكَرِيمتين:

- ‌الآية (17)

- ‌مِن فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (19 - 24)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائِدِ الآيةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (30 - 32)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (34 - 36)

- ‌من فوائِدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (37 ، 38)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكَريمتَينِ:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (41، 42)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌من فَوَائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (46)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (47)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (48)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (49)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (50)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيةِ الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فَوائِدِ الآيةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (53، 54)

- ‌من فوائِدِ الآيَتين الكريمَتين:

الفصل: ‌ ‌الآية (47) * قال اللهُ تَعالَى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا

‌الآية (47)

* قال اللهُ تَعالَى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} [فصلت: 47].

* * *

قوله: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} {إِلَيْهِ} أي: إِلَى اللهِ وَحدَهُ، وإِنَّما قُلنا: وَحْدَهُ لِتقديمِ المَعمولِ، وتَقديمُ المَعمولِ يُفيدُ الحَصرَ، وذَلكَ أَنَّ المعمولَ مكانُه أَنْ يَكونَ بَعدَ العامِلِ، فَإذا تَقدَّمَ فَإنَّه يَكونُ مِن بابِ تَقديمِ ما حَقُّه التَّأخيرُ، وَالقاعدةُ اللُّغويَّةُ البلاغيَّةُ: أنَّ تَقديمَ ما حَقُّه التَّأخيرُ يُفيدُ الحَصرَ، وعلى هَذا فقَولُه:{إِلَيْهِ يُرَدُّ} المعنَى: إِليه لا إِلى غَيرِه، وأَخَذنا النَّفيَ - لا إِلى غَيرِه - مِن تَقديمِ المعمولِ؛ لِأنَّ المعمولَ حَقُّه أَنْ يَكونَ بَعدَ العاملِ، فَإذا قُدِّم كان هَذا مِن بابِ تَقديمِ ما حَقُّه التَّأخيرُ، وتَقديمُ ما حَقُّه التَّأخيرُ يُفيدُ الحصرَ، هَذه قاعدةٌ لُغويَّةٌ بَلاغيَّةٌ.

{يُرَدُّ} أَيْ: يَرجِعُ {عِلْمُ السَّاعَةِ} .

يَقولُ المفسِّرُ رحمه الله: [مَتَى تَكونُ لا يَعلمُها غَيرُه]، أَخَذَ هَذا الحصرَ لا يَعلَمُها غَيرُه مِن تَقديمِ المَعمولِ وهو {إِلَيْهِ} .

وهَذا لا شَكَّ فيه أَنَّه لا يَعلَمُ مَتَى تَقومُ السَّاعةُ إِلَّا اللهُ سبحانه وتعالى، ولِهذا قال اللهُ تَعالَى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} [الأعراف: 187]

ص: 293

يَعني: ما عِلْمُها إِلَّا عِندَ رَبِّي: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187].

وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "وقَدْ سَألَه جِبريلُ: أَخْبِرني مَتَى السَّاعةُ؟ قال: ما المَسؤولُ عَنها بِأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ"

(1)

.

يعني: أَنَّه لا عِلمَ عِندي كما أَنَّك أنت ليس عِنْدكَ عِلمٌ، وعَلَى هَذا فَمَنِ ادَّعى عِلْمَ السَّاعةِ فهو كاذبٌ لا شَكَّ فيه ثُمَّ هو كافرٌ أيضًا؛ لأنَّه مُكذِّبٌ للقُرآنِ وَالسُّنَّة.

قال اللهُ تَعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} قَوْلُه: {وَمَا تَخْرُجُ} قَدْ يَتراءى لِلإنسانِ أَنَّ (ما) اسمٌ مَوصولٌ يَعني: ويُرَدُّ إِليهِ عِلْمُ: {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} ولكنَّ هذا وَهْمٌ، وعَلَى هَذا فنَقُولُ:(ما) نافيةٌ.

يَقُولُ المفسِّرُ رحمه الله: ["وَما تَخرُجُ مِن ثَمَرَةٍ" وَفي قِراءةٍ {ثَمَرَاتٍ}. المفسِّر فَسَّر على قِراءةِ "ثَمَرةٍ" مُفردةٍ، والقراءَةُ الَّتي بَين أَيْدينا في المصحفِ {مِنْ ثَمَرَاتٍ}، وَاعْلَمْ أنَّ للمُؤلِّف رحمه الله اصطلاحًا وهو أَنَّه إِذا قال: [وفي قراءةٍ] فَهي سَبْعيَّةٌ، وَإِذا قال:[وقُرِئَ] فهي قراءةٌ شاذَّةٌ ليست مِنَ السَّبْعِ هَذا اصطلاحُ الجَلالَينِ - رَحِمَهُمَا اللهُ -.

إِذنْ: في قِراءةِ {ثَمَرَاتٍ} القراءةُ هَذه سَبْعيَّةٌ يَعني: أَنَّها ثابتةٌ تَجوزُ القراءَةُ بِها في الصَّلاةِ، وَتَكونُ حُجَّةً في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ وَفي الأَخبارِ العلميَّة.

فَأمَّا عَلَى صيغةِ الجمعِ فَواضحٌ {مِنْ ثَمَرَاتٍ} كُلُّ الثَّمراتِ، وأمَّا عَلى صيغَةِ الإفرادِ فَهي أيضًا تُفيدُ العمومَ؛ لِأنَّ "ثمرة" نَكِرَةٌ في سياقِ النَّفيِ مُؤكَّدةٌ بِمِن الزَّائدةِ فتَشملُ جَميعَ الثَّمراتِ، وعَلَى هَذا فَلا اختلافَ في المَعنَى بين {ثَمَرَاتٍ} وَ"ثمرة".

يَقولُ المُفسِّرُ رحمه الله: [{وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثمرة} ، وفي قِراءةٍ {ثَمَرَاتٍ} {مِنْ أَكْمَامِهَا}

(1)

أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، رقم (8)، من حديث عمر رضي الله عنه.

ص: 294

أَوعيتُها] الأكمامُ الأَوعيةُ يَقولُ: [جَمْعُ كِمٍّ بِكسرِ الكافِ].

{إِلَّا بِعِلْمِهِ} الأكمامُ هي أَوعيةُ الطَّلِّ هَذا مَعروفٌ في النَّخلِ، وكَذلكَ مَعروفٌ في الأزهارِ تَجِدُ الزَّهرةَ عَليها غِلافٌ يُسمَّى كِمًّا، فما تَخرجُ مِن ثَمَرَةٍ مِنْ كِمِّها إِلَّا بِعِلمِ اللهِ عز وجل أَيُّ ثَمَرةٍ تَكونُ صَغيرةً أَوْ كَبيرةً مَأكولةً أَوْ غَيرَ مَأكولةٍ، فَهي بِعِلمِ اللهِ عز وجل ووَجْهُ كَونِها بِعِلمهِ أَنَّ هَذه الثَّمراتِ مَخلوقةٌ للهِ، وكُلُّ مَخلوقٍ للهِ فَهو مَعلومٌ لَه لِقولِه تَعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].

فأَنت مَتَى أَقْررْتَ أَنَّ اللهَ خالقُ هَذه لَزِمَ مِن إِقْرارِك أَنْ يَكونَ اللهُ عالمًا بِها؛ لِأنَّه لا يُمكنُ أَنْ يَخْلُقَها وهو لا يَعلمُ، ولِهَذا استدَلَّ اللهُ لِذلك بِدَليلٍ عَقليٍّ:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} .

قال اللهُ تَعالى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فصلت: 47]، {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} أَيْ: أُنْثى مِن بَني آدَمَ أو مِن الحَيوانِ ما تَحملُ ولا تَضَعُ إِلَّا بعِلمِ اللهِ عز وجل، فابتداءُ الحملِ مَعلومٌ عِندَ اللهِ، ووَضْعُه كَذَلكَ مَعلومٌ عِندَ اللهِ تبارك وتعالى.

نَرجِعُ إِلى قَولِهِ: {مِنْ أُنْثَى} وإِلَى قَولِه: {مِنْ ثَمَرَاتٍ} الإِعرابُ {مِنْ} حَرفُ جَرٍّ زائدٌ مِن حَيثُ الإِعرابُ وليس زائدًا مِن حَيثُ المعنَى؛ لِأنَّه يُفيدُ مَعنًى وَهو التَّوكيدُ، وعَلَى هَذا فنَقولُ:{مِنْ ثَمَرَاتٍ} {مِنْ} حَرفُ جَرٍّ زائدٌ وَ {ثَمَرَاتٍ} فاعلٌ مَرفوعٌ بِضمَّةٍ مُقدَّرةٍ عَلَى آخِرِه مَنَعَ مِن ظُهورِها اشتغالُ حَركَةِ المَحلِّ بِحرفِ الجرِّ الزَّائدِ، وكَذلِك يُقالُ:{مِنْ أُنْثَى} {مِنْ} حَرفُ جَرٍّ زائدٌ وَ {أُنْثَى} فاعلٌ مَرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقدَّرةٍ عَلَى آخِرِه، مَنَعَ مِن ظُهورِها التَّعذُّر، وهو في مَحلِّ جَرٍّ لَفظًا لِدخولِ {مِنْ} عَليهِ.

ص: 295

وقَولُه: {إِلَّا بِعِلْمِهِ} بعِلْمهِ السَّابقِ؛ لِأنَّ عِلمَ اللهِ تَعالى مُحيطٌ بِكلِّ شَيءٍ أَزلًا وأَبَدًا، فَهو يَعلمُ ما تَخرجُ مِن ثَمَراتٍ مِن أَكمامِها إِلى يَومِ القِيامةِ، وَكَذلكَ ما تَحملُ مِن أُنثَى وَما تَضعُ.

ثُمَّ قال عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي} {وَيَوْمَ} ظَرفٌ والظَّرفُ يَحتاجُ إِلَى ما يَتعلَّقُ بِه؛ لِأنَّه مَفعولٌ فيه، وَإِذا كانَ مَفعولًا فيه فَلا بُدَّ مِن فِعلٍ يَكونُ عاملًا فيه، وَالعاملُ في هَذا مُقدَّرٌ، وَالتَّقديرُ:"وَاذْكُرْ يَومَ يُناديهم أَينَ شُركائِي. ." إلى آخرِه، ومِثْلُ هَذا التَّعبِيرِ مَوجودٌ في القُرآنِ كَثيرًا.

وإِنَّما أَمَرَ اللهُ تَعالَى نَبيَّهُ بِذِكرهِ تخويفًا لهِؤلاءِ المُكذِّبينَ، وتَسليةً لِرَسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عَليه وعَلى آلِهِ وسَلَّم -.

وقَولُه: {يُنَادِيهِمْ} أَيْ: يَدعوهمْ بِصوتٍ رَفيعٍ؛ لِأنَّ النِّداءَ يَكونُ بِصَوتٍ رَفيعٍ والمُناجاةُ تَكونُ بصوتٍ أَدنَى، وفاعلُ {يُنَادِيهِمْ} هو اللهُ بِدَليلِ قَولِهِ:{أَيْنَ شُرَكَائِي} يَعني: أَنَّ اللهَ تَعالى يُنادي هَؤلاءِ المُشرِكينَ يَقولُ: {أَيْنَ شُرَكَائِي} ، وَهذا الِاستِفهامُ لِلتَّعجِيزِ وَالتَّوبيخِ أيضًا، فَهو جامعٌ بَينَ مَعنيَينِ: التَّعْجيزِ، وَالثَّاني التَّوبِيخُ. يَعني: أَينَ الَّذينَ أَشركتُم مَعي؟

يَقولُ المفسِّرُ رحمه الله: [{قَالُوا آذَنَّاكَ} أَعلَمناكَ الآنَ: {مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ}] آذَنَ بِمعنَى أَعلَمَ، ومنهُ قَولُه تَعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ: إِعلَامٌ مِنَ اللهِ ورَسولِه (فَآذَنَ) بِمعنَى أَعْلَمَ، ومِنه في الحَديثِ: أنَّ الرَّسولَ - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلَى آلِهِ وسلَّم - قَالَ لِلنِّساءِ اللَّاتي يَغسِلْنَ ابْنتَه: "إِذا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّني"

(1)

. أي: أَعْلِمْنَني.

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما يستحب أن يغسل وترا، رقم (1254)، ومسلم: كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، رقم (939)، من حديث أم عطية رضي الله عنها.

ص: 296

قَالَ اللهُ تَعالى: {آذَنَّاكَ} ، يَقولُ المفسِّر:[أَعْلمناكَ الآنَ] فَأفادَ المفسِّر بِقولِه: الآنَ أَنَّ الفعلَ الماضيَ {آذَنَّاكَ} بمَعنَى المُضارعِ، فَهوَ إِذن جُملَةٌ خَبريَّةٌ حاليَّةٌ بِمعنَى الآنَ نُعلِمُكَ، {مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ}. وقيلَ:{آذَنَّاكَ} إِنَّها فِعلٌ ماضٍ عَلى بابِها، فَهي بِمعنَى الخبرِ عن شَيءٍ ماضٍ.

فعِندَنا قَولانِ هَلِ الإِعلامُ هُنا يَومَ القيامةِ كَما قال المفسِّر: أَعْلمناكَ الآنَ، أَمْ هو إِعلامٌ سابقٌ في الدُّنيا؟

إِنْ نَظرْنا إِلَى ظاهرِ اللَّفظِ نُرجِّحُ أَنَّه إِعلامٌ في الدُّنيا يَعني: أَعلمْناكَ في الدُّنيا فَيكونُ عَلى ظاهرِه، لَكنْ يَشكُلُ عَلى هَذا التَّفسيرِ أَنَّ واقعَ حالهِم لا يَدُلُّ عَلَى هَذا؛ لِأنَّهم مُشركونَ فِعلًا فَكيْفَ يُؤذِنونَه أَنَّه ما منهم مِن شَهيدٍ بِذلكَ، أَجابَ القائِلونَ بِهذا أنَّ المَعْنَى {آذَنَّاكَ} بِحَسَبِ الفِطرةِ وَما في قُلوبِنا؛ لِأنَّه ما مِن مَوْلودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى الفِطرةِ.

{آذَنَّاكَ} صيغَتُها فِعلٌ ماضٍ يَقتضي أَنْ يَكُونَ هَذا الإِعلامُ سابقًا عَن وَقْتِ الخِطابِ، هَذهِ واحدَةٌ. وَالثَّانيةُ:{آذَنَّاكَ} فِعْلٌ ماضٍ لَكنْ يُرادُ به الخَبرُ عَنِ الحالِ الحاضرَةِ، فَهو بِمعنى نَحنُ نُؤذِنُك الآنَ، وهَذا التَّفسيرُ مُخالفٌ لِظاهِرِ اللَّفظِ لَكنَّه مُوافقٌ لِواقِعِ حالهِمْ.

التَّفسيرُ الأوَّلُ مُوافقٌ لِلَّفظِ لكنَّه مُخالفٌ لِظاهِرِ حالهِمْ؛ لِأنَّهم لا يُعْلِمونه بِذلِكَ، إِذ إِنَّهم مُشركون فِعلًا، وأَجابَ هَؤلاءِ الَّذين يَقولون: إِنَّه آذَنَكَ في الدُّنيا أَنَّهمْ أَعْلَموه بِحسَبِ الفِطرةِ الَّتي فُطِرُوا عَليها؛ لِأنَّه ما من مَولودٍ يُولَدُ إِلَّا على الفِطرةِ.

يَقولُ المُفسِّرُ رحمه الله: [{مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} أَيْ: شاهدٌ بِأنَّ لَكَ شَريكًا].

ص: 297