المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (27) * * *   * قالَ اللهُ عز وجل: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ - تفسير العثيمين: فصلت

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الآيتان (2، 3)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتَين الكَرِيمَتيْن:

- ‌الآية (4)

- ‌مِن فَوائِد الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (5)

- ‌مِن فَوائِد الآيَةِ الكَرِيمَةِ:

- ‌الآيتان (6، 7)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتَيْن الكرِيمَتيْن:

- ‌الآية (8)

- ‌مِنْ فوائِدِ الآيَةِ الكَرِيمةِ:

- ‌الآية (9)

- ‌مِن فوائِدِ الآيةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (10)

- ‌مِنْ فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (11)

- ‌مِنَ فوائِدِ الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (12)

- ‌مِن فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآيتان (13، 14)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيَتين الكَريِمَتَين:

- ‌الآيتان (15، 16)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيَتين الكَرِيمتين:

- ‌الآية (17)

- ‌مِن فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (19 - 24)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائِدِ الآيةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (30 - 32)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (34 - 36)

- ‌من فوائِدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (37 ، 38)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكَريمتَينِ:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (41، 42)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌من فَوَائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (46)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (47)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (48)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (49)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (50)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيةِ الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فَوائِدِ الآيةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (53، 54)

- ‌من فوائِدِ الآيَتين الكريمَتين:

الفصل: ‌ ‌الآية (27) * * *   * قالَ اللهُ عز وجل: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ

‌الآية (27)

* * *

* قالَ اللهُ عز وجل: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فُصِّلَت: 27].

* * *

{فَلَنُذِيقَنَّ} ، الجُملَةُ هذه مُؤكَّدَةٌ بثَلاثَةِ مُؤَكِّداتٍ: القَسَمُ المُقَدَّرُ، ويَدُلُّنا على القَسَمِ تَوكيدُ الفِعلِ واللَّامُ أيضًا، والثَّاني: اللَّامُ، والثَّالثُ: النُّونُ.

{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا} أي: لَنُعذِّبَنَّهم عَذابًا يَذوقونَ أَلمَه، وهو كِنايَةٌ عن شِدَّةِ هذا العَذابِ الَّذي يَصِلُ إلى مَذاقِهم حتَّى كأنَّه شَيءٌ مَحسوسٌ يَتَذَوَّقونَه بأَفواهِهم.

{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، المُرادُ بـ {الَّذِينَ كَفَرُوا} مَن سَبَقَ، وهُم الَّذين قالوا:{لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ} ، وحينَئذٍ قد يَقولُ قائل: لماذا لم يُضْمِرْ فيقول: "فلَنُذيقَنَّهم"، نَقولُ: هُنا إِظهارٌ في مَوضِعِ الإضمارِ، والإظهارُ في مَوضِعِ الإضْمارِ له فَوائِدُ:

الفائِدَةُ الأُولى: تَنبيهُ المُخاطَبِ؛ لأنَّه جَرَت العادَةُ أنَّ الكَلامَ إذا كان السِّياقُ يَقتَضي الإضمارَ، فإنَّه يَأتي الإِضْمارُ، فإذا جاء الإِظْهارُ صار هذا على خِلافِ العادَةِ، فَالعادَةُ أنَّ الكَلامَ إذا كان في سياقِ الإِضْمارِ، فإنَّ الَّذي يَأتي هو الإِضْمارُ، يَعني: الضَّميرُ، فإذا جاء الظَّاهِرُ مَوضِعَ الضَّميرِ فسوف يَتَوقَّفُ الإنسانُ، لماذا جاء الظَّاهرُ مَوضِعَ الضَّميرِ؟ فيكون في ذلك انتباهٌ له هذه فائدَةٌ.

ص: 149

الفائدَةُ الثَّانيَةُ: الحُكْمُ على مَرجِعِ الضَّميرِ بمُقْتَضى هذا الاسمِ الظَّاهرِ، ففي الآيَةِ الَّتي معنا:{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، إذن تَكونُ الفائِدَةُ الحُكمَ عليهم بالكُفْرِ، وهكذا كُلَّما جاء الإِظْهارُ في مَوضِعِ الإِضمارِ فاحكُمْ عليه بهذه الفائِدَةِ.

الفائدَةُ الثَّالثَةُ: العُمومُ لو قال: فلَنُذيقَنَّهم، صار هذا الوَعيدُ خاصًّا بالَّذين قالوا:{لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ} ، فإذا قال:{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} صار عامًّا لهم ولغيرهم.

قال اللهُ تعالى: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا} هنا {عَذَابًا شَدِيدًا} مَنصوبٌ نَصَبَهُ {فَلَنُذِيقَنَّ} وهي تَنْصِبُ مَفعولَينِ؛ لأنَّ لَدينا قاعِدَةً: أنَّ الفِعلَ إذا تَعَدَّى لواحدٍ فأُدخلت عليه هَمْزَةُ التَّعدِيَةِ تَعَدَّى لاثنَينِ، وإذا كان يَتَعَدَّى لاثنينِ فأُدْخِلت عليه الهَمْزَةُ تَعَدَّى إلى ثَلاثَةٍ، مِثالُ ذلك مثلًا (ذاق) تَتَعَدَّى إلى واحدٍ، (ذاقَ طَعمَ الإيمانِ ورَضِيَ باللهِ ربًّا)، فإذا أُدخِلت عليها الهَمْزَةُ تَعَدَّت إلى مَفعولَينِ.

و(رأى) تَقولُ: (رَأيتُ الرَّجُلَ قائمًا) تَنْصِبُ مَفعولَينِ، فإذا أُدْخِلت عليه الهَمْزَةُ تَعَدَّت إلى ثَلاثَةٍ، تَقولُ:(أَريتُ زيدًا لرَّجُلَ قائمًا). هذه قاعِدَةٌ عَربيَّةٌ مُطَّرِدَةٌ، أنَّ الفِعلَ إذا كان لازمًا فدَخَلَت عليه الهَمْزَةُ تَعَدَّى لواحِدٍ، وإذا كان مُتَعَدِّيًا لواحدٍ فدَخَلَت عليه الهَمْزَةُ تَعَدَّى لاثنينِ، وإذا كان متعدِّيًا لاثنينِ فدَخَلت عليه الهَمْزَةُ تَعَدَّى لثَلاثَةٍ.

قال اللهُ تعالى: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا} ، {عَذَابًا} أي: عُقوبَةً، {شَدِيدًا}: قويًّا.

وقولُهُ تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} معطوفَةٌ على {فَلَنُذِيقَنَّ} ، {أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} هذه تَنْصِبُ مَفعولَينِ؛ الأَوَّلُ الهاءُ والثَّاني {أَسْوَأَ} .

ص: 150

يَقولُ المُفسِّرُ رحمه الله: [{أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: أَقْبَحَ جَزاءِ عَمَلِهم].

فهم يُجزَونَ الجَزاءَ، أَمَّا العَمَلُ منهم فليسوا مَجْزِيِّين به، هُمُ الَّذين عَمِلوا، فإذا قال:{أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} صار المُرادُ بذلك: أَسوَأَ الجَزاءِ، وليس المُرادُ: أَسوَأَ العَمَلِ؛ لأنَّ العَمَلَ فِعْلُ العَبدِ، والجَزاءُ فِعلُ اللهِ بهم، والمُرادُ هنا فِعلُ اللهِ بهم، ولهذا قال:{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} .

فإذا قال قائلٌ: لماذا عَبَّرَ بالعَمَلِ عن جَزائِهم؟

نَقولُ: إشارَةٌ إلى أَنَّ الجزاءَ بِقَدْرِ العَمَلِ، ولهذا قالَ العُلماءُ:"الجَزاءُ مِن جِنسِ العَمَلِ"، لكنَّه بالنِّسبَةِ للسَّيِّئاتِ عَدْلٌ، وبالنِّسبَةِ للحَسَناتِ فَضْلُ الحَسَنَةِ بعَشْرِ أَمثالهِا إلى سَبعِ مئَةِ ضِعفٍ إلى أضعافٍ كَثيرةٍ، والسَّيِّئةُ بمِثلِها.

وقولُهُ: {أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} ظاهِرُ الآيَةِ أنَّ اللهَ يَجزيهم أَسوَأَ أعَمالهِم، وغَيرُ الأَسوَأِ ما دون الأَسْوأِ، يَعني: السَّيِّئَ، فهل يُجازَى الكافِرُ بأَقْبَحِ أعمالِه أو بِكُلِّ أعمالِهِ؟ هذا يَنْبَني على: هلِ الكافِرُ مخُاطَبٌ بالفُروعِ أو لا؟ يعني: مثلًا الكافِرُ هل هو مخُاطَبٌ بِصِلَةِ الرَّحمِ؟ هل هو مخُاطَبٌ بالصِّدْقِ؟ هل هو مخُاطَبٌ بالصَّلاةِ؟ هل هو مخُاطَبٌ بالزَّكاةِ؟ وما أَشبَهَ ذلك، في هذا خِلافٌ بينَ العُلماءِ، والصَّحيحُ أنَّه مخُاطَبٌ، مخُاطَبٌ بِفُروعِ الأعمالِ؛ لأنَّه إذا كان المُسلِمُ مُخاطَبًا بها، فالكَافِرُ من باب أَوْلى، كيف نَقولُ: إنَّ المُسلِمَ يُجازَى ويُعاقَبُ على عُقوقِ الوالِدينِ والكَافِرُ لا يُعاقَبُ، لا يُمكِنُ هذا، فالصَّوابُ أنَّهم مُخاطَبونَ بِفُروعِ الشَّريعَةِ، لكنَّهم غَيرُ مُخاطَبينَ بفِعلِها. يَعني لا يُقالُ للكافِرِ مثلًا: لماذا تَشرَبُ الدُّخانَ؟ حَرامٌ عليكَ، هذا غَيرُ لائِقٍ، هذا كافِرٌ، ادعُه أَوَّلًا للإسلامِ ثُمَّ كَلِّمْهُ.

ص: 151

إذن يُخاطَبُ بفُروعِ الشَّريعَةِ ليس مَعناها أنَّه يُؤمَرُ بفِعلِها، ولا يَعني أنَّه يَقضيها إذا أَسلَمَ؛ لأنَّ اللهَ قال:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38].

إذن ما الفائِدَةُ؟ قال العُلماءُ الفائِدَةُ بقولنا: إنَّ الكافِرَ مُخاطَبٌ بفُروعِ الشَّريعَةِ هو زيادَةُ عُقوبَتِهم في الآخِرَةِ أنَّهم يُعاقَبونَ عَليها، وهذا حَقٌّ، أصحابُ اليَمينِ يَتَساءلونَ عَنِ المُجرِمينَ:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدَّثر: 42] يعني: ما الَّذي أَدْخلَكم في النَّارِ؟ {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 43 - 47]، فذَكَروا الصَّلاةَ وإطعامَ المِسكينِ، وهما مِن فُروعِ الشَّريعَةِ، فعلى القَولِ بأنَّهم لا يُجازَونَ بفُروعِ الشَّريعَةِ نَقولُ: نعم، يَومَ القِيامَةِ لا يُجازَون إلَّا على أَسوَأِ أَعمالِهم وهو الكُفْرُ، ولكن على القَولِ الرَّاجحِ أنَّهم يُخاطَبون بفُروعِ الشَّريعَةِ ويُعاقَبونَ عليها، ويَكونُ هنا ذِكْرُ الأَسوَأِ؛ لأنَّه هو الأَشَدُّ، والمَقصودُ هُنا التَّهديدُ، وهل الإنسانُ يُهَدَّدُ بالأَشَدِّ، هذا هو الظَّاهِرُ واللهُ أعلَمُ.

يَقولُ المفسِّرُ رحمه الله: [{الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: أَقبَحُ جَزاءِ عَمَلِهم].

في الآية الكَريمَةِ هُنا وَعيدٌ لهؤلاءِ الكُفَّارِ بالعَذابِ الشَّديدِ، وهذا مِن أَساليبِ القُرآنِ، أنَّ اللهَ تعالى يُهَدِّدُ الكافِرَ والمُجرِمَ وغَيرِهما مِمَّن أَساؤوا، وفيه دَليلٌ على أنَّه ليس مِنَ القَدْحِ أنْ يَقومَ الإنسانُ بطاعَةِ اللهِ خوفًا من عَذابِ اللهِ، أنَّه لا حَرَجَ، وليس مِنَ القَدْحِ أن يَتَجَنَّبَ الإنسانُ مَعصيَةَ اللهِ خوفًا من عِقابِهِ، خِلافًا لمَن قال: أَعبُدُ اللهَ لا طَمَعًا في ثَوابِهِ ولا خوفًا من عِقابِهِ، وهَؤلاءِ تَرُدُّ عليهم النُّصوصُ كُلُّها، بل إِنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ عُقوبَةَ الدُّنيا سَببًا للرَّدعِ عَنِ المَعاصي، قال اللهُ تعالَى في قَضيَّةِ السَّارقِ

ص: 152