المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من فوائد الآيتين الكريمتين: - تفسير العثيمين: فصلت

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الآيتان (2، 3)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتَين الكَرِيمَتيْن:

- ‌الآية (4)

- ‌مِن فَوائِد الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (5)

- ‌مِن فَوائِد الآيَةِ الكَرِيمَةِ:

- ‌الآيتان (6، 7)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتَيْن الكرِيمَتيْن:

- ‌الآية (8)

- ‌مِنْ فوائِدِ الآيَةِ الكَرِيمةِ:

- ‌الآية (9)

- ‌مِن فوائِدِ الآيةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (10)

- ‌مِنْ فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (11)

- ‌مِنَ فوائِدِ الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (12)

- ‌مِن فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآيتان (13، 14)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيَتين الكَريِمَتَين:

- ‌الآيتان (15، 16)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيَتين الكَرِيمتين:

- ‌الآية (17)

- ‌مِن فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (19 - 24)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائِدِ الآيةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (30 - 32)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيات (34 - 36)

- ‌من فوائِدِ الآياتِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (37 ، 38)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكَريمتَينِ:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (41، 42)

- ‌مِن فَوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌من فَوَائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (46)

- ‌مِنْ فَوائِدِ الآيةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (47)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكرِيمَةِ:

- ‌الآية (48)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (49)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (50)

- ‌مِن فَوائِدِ الآيةِ الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فَوائِدِ الآيةِ الكَريمَةِ:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

- ‌الآيتان (53، 54)

- ‌من فوائِدِ الآيَتين الكريمَتين:

الفصل: ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

وَيقولُ عز وجل: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} هُم مَعَ كَونِهم مُستغرِقينَ اللَّيلَ والنَّهارَ في تَسبيحِ اللهِ {لَا يَسْأَمُونَ} . يَقولُ المُفسِّرُ رحمه الله: [لا يَمَلُّون] وكذلك لا يَتعَبونَ؛ لأنَّ المَلَلَ يَكونُ مِنَ الضَّجَرِ والتَّعَبِ وذُلِّ النَّفسِ أَمامَ ما يَتحمَّلُه الإنسانُ، هؤلاء المَلائِكةُ - عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ - {لَا يَسْأَمُونَ} .

‌من فوائِدِ الآيتين الكَريمتَينِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ للهِ آياتٍ كثيرةً لا تَنحَصِرُ بآيتينِ أو ثَلاثٍ نُدركُ ذلك من قَولِه: {وَمِنْ آيَاتِهِ} وما أَكْثَرَها في القُرآنِ الكَريمِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم: 20]{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم: 21]{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ} [الشورى: 29] وهي كَثيرَةٌ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ للهِ تَعالى آياتٍ محَسوسةً تُعينُ على الآياتِ المَعقولَةِ، وهذا من رَحمَةِ اللهِ عز وجل أنَّ اللهَ أرى عِبادَه الآياتِ المَحسوسَةَ ليَستَعينوا بها على الآياتِ المَعقولَةِ.

فالآياتُ المَعقولَةُ كُلٌّ يَعلمُ أنَّ كُلَّ حادثٍ لا بدَّ له من محُدِثٍ هذه آيَةٌ عَقليَّةٌ لا يُنكِرُها أحدٌ؛ ولهذا قال تَعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] الجَوابُ: لا هذا ولا هذا. هم لم يُخلَقوا مِن غيرِ شَيءٍ بل لا بدَّ لهم مِن خالقٍ ولا خَلَقوا أنفُسَهم، إذن لَهم خالِقٌ وهو اللهُ عز وجل؛ ولهذا لمَّا سَمِعَ جُبيرُ بنُ مُطعَمٍ رضي الله عنه هذه الآيةَ وكان من أَسرى بَدرٍ، وسَمِعَ النَبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم - يَقرَأُ بالطُّورِ يَقولُ: كاد قَلبي يَطيرُ

(1)

، يَعني: عَرفْتُ أنَي على خَطأٍ وأنَ المُشركينَ كُلَّهم يُخطِئونَ.

(1)

أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب سورة والطور، رقم (4854).

ص: 205

إذن آياتُ اللهِ عز وجل إمَّا عقليَّةٌ وإمَّا سَمعيَّةٌ مَحسوسَةٌ هنا، {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} الآياتُ هذه محَسوسَةٌ، كُلٌّ يَعرِفُها، اللَّيلُ والنَّهارُ، وأنَّه لا يُمكِنُ لأحدٍ أن يَأتيَ بهما.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ اللَّيلَ والنَّهارَ والشَّمسَ والقَمرَ آياتٌ عَظيمَةٌ، ولهذا نَصَّ اللهُ عليهن، والأمرُ كذلكَ، هذه الشَّمسُ الكَوكَبُ العَظيمُ المُنيرُ الحارُّ لا يُمكِنُ لأيِّ مخَلوقٍ أن يَصنَعَ مِثلَها إطلاقًا، وقد بَيَّنَّا في أثناءِ التَّفسيرِ وَجهَ ذلك.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: النَّهيُ عنِ السُّجودِ للشَّمسِ والقَمرِ؛ لقَولِه: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} مع أنَّهما مِن آياتِ اللهِ، لكنَّها مخَلوقَةٌ، والسُّجودُ إنَّما يَكونُ للخالِقِ.

وننتَقِلُ مِن هذا إلى نُقطةٍ مُهمَّةٍ أشارَ إليها شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رحمه الله وهو أنَّ صِفاتِ اللهِ عز وجل ليست هي اللهُ. فلا يَجوزُ دُعاءُ الصِّفةِ ولا السُّجودُ لصِفاتِ اللهِ، ولهذا قال شَيخُ الإسلامِ رحمه الله: مَن دعا صِفةً من صِفاتِ اللهِ فإنَّه كافرٌ بالاتِّفاقِ

(1)

، يَعني: لو قال قائِلٌ: يا رَحمَةَ اللهِ ارحَميني، كيف يا رَحمَةَ اللهِ ارحميني، هل الرَّحمَةُ شَيءٌ بائنٌ عنِ اللهِ يَستطيعُ أن يَرحَمَ؟ لا، فإذا قُلتَ: يا رَحمةَ اللهِ ارحميني، مَعناها أنَّك جَعلْتَ معَ اللهِ إلهًا آخَرَ وهذا كُفْرٌ.

وكذلك إذا قُلت: يا قُدرَةَ اللهِ أنقِذيني هذا حَرامٌ شِركٌ، قُل: يا اللهُ بقُدرَتِك أَنقِذني، ولا يَرِدُ على هذا قَولُه: اللهُمَّ برحمَتِك أستَغيثُ

(2)

؛ لأنَّ ليس مَعناها أنِّي أستَغيثُ بالرَّحمَةِ وكأنَّني أَعتَقِدُها شيئًا مُستقلًّا، لكنَّ المَعنى التَّوسُّلُ إلى اللهِ تَعالى برَحمَتِه كأنَّه يَقولُ: يا رَبِّ أَغِثني برَحمتِك. فيَجِبُ التَّنبُّهُ لهذه المَسألَةِ.

(1)

انظر: تلخيص كتاب الاستغاثة (ص: 181).

(2)

أخرجه الترمذي: كتاب الدعوات، رقم (3524)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 206

ومن ذلك أيضًا مِنَ الخَطأِ في مِثلِ هذا قَولُ بَعضِ النَّاسِ: شاءَت قُدرَةُ اللهِ، شاءَ القَدَرُ، هذا حَرامٌ، لا يَجوزُ، القُدرَةُ نَفسُها ليس لها مَشيئَةٌ، المَشيئَةُ للهِ عز وجل أمَّا القُدرَةُ فليس لها مَشيئةٌ، لأنَّها صِفةٌ في موصوفٍ والشَّائي والمُختارُ هو اللهُ عز وجل. أمَّا اقتضت قُدرَةُ اللهِ فهذا صَحيح، يعني: أنَّ من مُقتَضَياتِ القُدرَةِ كذا وكذا، أمَّا المَشيئَةُ فلا تَكونُ إلَّا مِن شاءٍ له اختِيارٌ، وهذا لا يُمكِنُ أن يَكونَ من صِفةٍ.

فإِنْ قال قائِلٌ: هُناك عِبارَةٌ شائعَةٌ بَينَ العامَّةِ قَولُهم: نَحمَدُ اللهَ ونَشكُرُ فَضلَه؟

فالجَوابُ: أليس اللهُ تبارك وتعالى يَقولُ: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ} [النحل: 114]، والمُرادُ نِعمَةُ اللهِ المَخلوقَةُ لا الصِّفَةُ، يَعني: ما أَنعَمَ اللهُ، كذلك أَشكُرُ فَضلَ اللهِ ليس مَعناه أنِّي أَجعَلُ هذه الصِّفَةَ مَشكورَةً لكنَّ هذا الفضلَ الَّذي مَنَّ اللهُ عَلَيَّ أشكُرُه عليه، فهذه العِبارَةُ لا شَيءَ فيها.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ من بَلاغةِ القُرآنِ أنَّه إذا ذَكَرَ الحُكْمَ ذَكَرَ الدَّليلَ العَقليَّ عليه؛ لقَولِه: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} اسجُدوا للهِ، هذا واضح أمرٌ شرعيٌّ لكن:{الَّذِي خَلَقَهُنَّ} دَليلٌ كونيٌّ قَدَريٌّ على أنَّ المُستحِقَّ للسُّجودِ الَّذي خَلَقَ هذه الأشياءَ، كيف تَسجدونَ للشَّمسِ والقَمرِ ولا تَسجُدون للهِ الَّذي خَلَقَهنَّ، ونَظيرُ هذا قَولُه تَعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 21] وقَولُه تَعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: 15] قال اللهُ تَعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} ، لم يَقُل: أَوَ لَمْ يَرَوا أنَّ اللهَ هو أَشدُّ منهم قُوَّةً، بل قال:{الَّذِي خَلَقَهُمْ} ليَدُلَّ بذلك دَلالةً عَقليَّةً واضحَةً أنَّهم دونَ اللهِ تعالى في القُدرَةِ؛ لأنَّ اللهَ هو الَّذي خَلَقَهم، وهذا مِن أساليبِ القُرآنِ المُعجزَةِ الَّتي تَدُلُّ على أنَّه من لَدن حَكيمٍ خَبيرٍ.

ص: 207

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: الرَّدُّ على عابدِ الشَّمسِ والقَمرِ؛ لقَولِه: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} ، استنبَطَ بَعضُ العُلماءِ من تلكَ الآيَةِ فائدَةً وهي مَشروعِيَّةُ صَلاةِ الكُسوفِ، قال: لأنَّ اللهَ قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} ، ولم يَقُلْ: للَّيلِ وللنَّهارِ وذلك لأنَّ الشَّمسَ والقَمرَ إذا تَغيَّرتا فَقدْ يَنشأُ في قَلبِ عابِدِهما أن يَسجُدَ لهما كالتائِبِ، فقال: لا تَسجُدوا للشَّمسِ ولا للقَمرِ واسجُدوا للهِ الَّذي خَلَقَهما، وهذا الاستِنباطُ فيه شَيءٌ مِنَ البُعدِ لكنَّه ليس مُمْتنعًا أنْ يَكونَ في ذلك إِشارَةٌ إلى مَشروعِيَّةِ صَلاةِ الكُسوفِ.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّه لا يُمكنُ لإنسانٍ يَدَّعي أنَّه يَعبُدُ اللهَ حقًّا أن يَسجُدَ لغَيرِ اللهِ؛ لقَولِه: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} .

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: التَّحدِّي لمَنْ أَشرَكَ باللهِ - بأيِّ نَوعٍ مِنَ الشِّركِ - أن يَكونَ عابدًا حقًّا للهِ، فالمُرائي مَثلًا نَقولُ: إنَّك لم تَعبُدِ اللهَ حَقًّا لم تُفرِدْه بالعِبادةِ لأنَّك أَردتَ بعِبادتِك التَّقرُّبَ إلى المَخلوقينَ؛ ولهذا قال: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} .

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أنَّ المُستكبرينَ عن عِبادةِ اللهِ لن يَضُرُّوا اللهَ شيئًا؛ لقَولِه: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} .

الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: كَشفُ تَحدِّي هَؤلاءِ الَّذين يَعبُدونَ غَيرَ اللهِ بأنَّهم إذا عَبَدوا غَيرَ اللهِ فللهِ مَن يَعبُدُه عز وجل.

الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: استدَلَّ بها بَعضُهم على أنَّ المَلائِكَةَ أفضلُ مِنَ البَشَرِ، وعَلَّلَ ذلك بأنَّ المَلائكةَ ليس فيهم مُشِركٌ؛ لقَولِه:{الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} وبنو آدَمَ فيهم مُؤمنٌ وكافِرٌ والجِنسُ الَّذي ليس فيهم مُشرِكٌ خَيرٌ مِنَ الجِنسِ الَّذي يَكونُ فيه مُشرِكٌ ومُوحِّدٌ.

ص: 208

ولكن قد يُعارَضُ هذا الاستدلالُ فيُقالُ: عِبادةُ الجِنسِ الَّذي فيه مُشركٌ ومُوحِّدٌ أفضلُ مِن عِبادةِ جِنسٍ ليس فيه مُشرِكٌ، وذلك لمَشقَّةِ التَّوحيدِ في جِنسٍ فيه مُشرِكٌ والمُوحِّدُ فيكونُ المُوَحِّد مِن بَني آدمَ أفضلَ مِن المَلائِكَةِ؛ لأنَّه عَبَدَ اللهَ في قَومٍ لا يَعبُدون اللهَ، أمَّا المَلائكةُ فكُلُّهم يَعبُدونَ اللهِ ولا يَستكبِرون عن عِبادتِه.

وهذه المَسألَةُ فيها خِلافٌ بينَ أهلِ العِلمِ ولكُلٍّ منهم أَدِلَّة لكن جَمَعَ شَيخُ الإسلامِ رحمه الله بينَ الأَدِلَّة فقال: المَلائكَةُ أفضلُ باعتِبارِ البِدايةِ وصالِحُ البَشَرِ أفضلُ باعتِبارِ النِّهايَةِ

(1)

، وهذا قَولٌ لا بأسَ به، جَمَعَ بين الأَدِلَّةِ الدَّالَةُ على التَّفضيلِ تَفضيلِ المَلائكَةِ على البَشَرِ والبَشَرِ على المَلائكَةِ، ولهذا قال السِّفارينيُّ رحمه الله

(2)

:

وعِندَنا تَفضيلُ أعيانِ البَشَرِ

على مَلائكِ رَبِّنا كما اشتُهِرَ

قال: ومَن قال سِوَى هذا افْتَرَى

..................

قوله: "قال" الأُولى يَعني: الإمامُ أحمدُ -يَعني: مَن قال بغَيرِ تَفضيلِ أعيانِ البَشَرِ على المَلائكَةِ فهو مُفتَرٍ، لكنَّ الصَّوابَ أن نَقولَ كما قال شَيخُ الإسلامِ رحمه الله، أمَّا باعتِبارِ البِدايَةِ فالمَلائكَةُ أفضلُ؛ لأنَّهم خُلِقوا مِن نورٍ، و {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]. لكن في النِّهايَةِ يَكونُ لصالِحِ البَشَرِ مِنَ الثَّوابِ والأَجْرِ والقُربِ مِنَ اللهِ ما ليس للمَلائِكَةِ.

فإِنْ قال قَائلٌ: كيف تَكونُ المَلائكَةُ أفضَلَ بِدايَةً والبَشَرُ أفَضَلَ نِهايَةً؟

فالجَوابُ: المَلائكَةُ أفضَلُ مِن حيثُ البِدايَةُ؛ لأنَّهم خُلِقوا مِن نورٍ وامتَثَلوا

(1)

الاختيارات العلمية [المطبوع مع الفتاوى الكبرى](5/ 379).

(2)

العقيدة السفارينية (ص: 90).

ص: 209

أمْرَ اللهِ، وليس فيهم مَن يَستَكبِرُ عن عِبادَةِ اللهِ، لكن في النِّهايَةِ يَكونُ مآلُ البَشرِ أفضَلَ حتَّى المَلائِكَةُ عَملُهم في يومِ القِيامَةِ أنَّهم يَدخُلون عليهِمْ مِن كُلِّ بابٍ يُهَنَّئونَهم يَقولُون:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 24] ولا يَنالون مِنَ النَّعيمِ مِثلَما يَنالُه المُؤمنونَ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أنَّ للمَلائِكَةِ إِرَادةً، يُؤخَذُ مِن {يُسَبِّحُونَ لَهُ} ولا تَسبيحَ إلَّا بإِرادَةٍ. ومِن هُنا نَقفِزُ إلى فائدَةٍ ثانيَةٍ:

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: وهي أنَّ جَميعَ المَخلوقاتِ مِن الأشجارِ والأحجارِ والأنهارِ والشَّمسِ والقمرِ والسَّماءِ والأرضِ لها إِرادَةٌ؛ لأنَّها كُلَّها تُسبِّحُ اللهَ: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44].

وبهذا نَرُدُّ على الَّذين قالوا: إنَّ قَولَه تَعالى: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] يعني: الجِدارَ، هذا مَجازٌ؛ لأنَّ الجِدارَ ليس له إِرادَةٌ، فيُقالُ: مَن قال لكم إِنَّه ليس له إِرادَةٌ؟ بل له إرادَةٌ، ومَيلُه يَدُلُّ على أنَّه أرادَ، ولقد قال النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام في أُحُدٍ:"إنَّه يُحبُّنا ونُحبُّه"

(1)

، والمَحبَّةُ أخصُّ مِنَ الإِرادَةِ وأثبَتَها الرَّسولُ عليه الصلاة والسلام للجَبَلِ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أنَّ بَعضَ أهلِ العِلمِ استَدَلَّ بها على عُلوِّ اللهِ، وأنَّ الأشياءَ ليست كُلُّها سَواءً بالنِّسبَةِ للقُربِ منه؛ لقَولِه:{فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} ، والعِندِيَّةُ تَقتَضي القُربَ، وأنَّ بعضَ المَخلوقاتِ إلى اللهِ أَقرَبُ مِن بعضٍ، وهذا لا إِشكالَ فيه، مَن يَقولُ: إنَّ مَن كان في الأرضِ السَّابعَةِ السُّفلى هو في القُربِ إلى اللهِ كالَّذي في السَّماءِ السَّابعَةِ لا أحدَ يَقولُ بهذا.

أمَّا مِن جِهةِ الإِحاطَةِ بالخَلقِ فلا شَكَّ أنَّ القَريبَ والبَعيدَ عِندَ اللهِ على حدٍّ

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الجهاد، باب فضل الخدمة في الغزو، رقم (2889)، ومسلم: كتاب الحج، باب أحد جبل يحبنا ونحبه، رقم (1393)، من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 210

سواءٍ، وأمَّا من جِهةِ الواقعِ فلا شكَّ أنَّ مَن كان في السَّمواتِ أَقربَ إلى اللهِ مِمَّن كان في الأرضِ، ولهذا قال:{فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} .

أَقولُ: إنَّ بَعضَ العُلماءِ استَدَلَّ بهذه الآيَةِ على عُلوِّ اللهِ، وقال: نحنُ في الأرضِ والَّذين عِندَ اللهِ لا بَّد أن يَكونوا في السَّماءِ؛ لأنَّه لولا عُلوُّه لكُنَّا نحن أيضًا عِندَه، فكَونُه يَقولُ:{فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} يُخاطِبُ مَن في الأرضِ يَدُلُّ على عُلوِّ اللهِ عز وجل وهذا لا شكَّ أنَّه استنِباطٌ جَيِّدٌ، لكنَّنا لسنا بحاجَةٍ إلى أن نَأتيَ بهذا الدَّليلِ الَّذي قد تَخفى دَلالتُه على كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ.

وعِندَنا أدِلَّةٌ كَثيرةٌ واضحَةٌ على عُلوِّ اللهِ عز وجل أدِلَّةٌ عَقليَّةٌ وأدِلَّةٌ سمعيَّةٌ وأدِلَّةٌ فِطريَّةٌ على عُلوِّ اللهِ، ولا أَحَدَ يُنكِرُ عُلوَّ اللهِ عز وجل العُلوَّ الذَّاتيَّ إلَّا مَخبولٌ غيرُ عاقلٍ، وهو بَيْن أَمرينِ: إمَّا أن يَقولَ بالحُلولِ، وإمَّا أن يَقولَ بالعَدَمِ، وفِعلًا التَزِموا ذلك، فالَّذين أنكَروا عُلوَّ اللهِ انقَسَموا إلى قِسمَينِ:

قِسمٌ قال: إنَّ اللهَ في كُلِّ مَكانٍ، ولم يُنزِّهِ اللهَ عز وجل عَن الحُشوشِ والأقذارِ والأنتانِ والأسواقِ الَّتي بها اللَّغو والكَذِبُ والغِشُّ، وهذا فيما أَرى كُفْرٌ صَريحٌ، أنَّ من قال: إِنَّ اللهَ بذاتِه في كُلِّ مكانٍ، فهو كافِرٌ لو مات ما صَلَّيتُ عليه ولا دَعوتُ له بالرَّحمَةِ؛ لأنَّه مُكذِّبٌ للقُرآنِ وللأدِلَّةِ العَقليَّةِ وواصمٌ لرَبِّه بكُلِّ عيبٍ.

ومنهم مَن يَقولُ: إنَّ اللهَ تَعالى ليس داخلَ العالَمِ ولا خارِجَ العالَمِ ولا مُتَّصِلٌ بالعالَمِ ولا مُباينٌ ولا محُايثٌ ولا فوقُ ولا تَحتُ ولا يَمينَ ولا شِمالَ، بماذا وَصَف اللهَ؟ بالعَدَمِ، لو قيل لنا صِفوا المَعدومَ ما وَصَفناه بأَكثرَ مِن هذا، فيُقالُ: أين هو ما دام لا داخِلُ العالَمِ ولا خارِجُه ولا مُتَّصلٌ بالعالَمِ ولا هو مُنفصِلٌ عنِ العالَمِ، ولا فَوقُ ولا تَحتُ ولا يَمينَ ولا شِمالَ أين يَروحُ إلَّا العَدمَ! ؟

ص: 211

ولهذا لما قال ابنُ فَورَكٍ لمَحمودَ بنِ سُبُكْتِكِين رحمه الله: إنِّي لا أقولُ: إنَّ اللهَ فَوقَ العالَمِ ولا تَحتَ إلى آخرِه، قال: بيِّنْ لنا الفَرقَ بين وُجودِ رَبِّك وعَدمِه أو كَلِمَةً نحوَها

(1)

يَعني: مَعناه أنَّك إذا وَصَفتَ الله بهذه الأوصافِ فهذا هو العَدمُ تمامًا.

وتَقريرُ أنَّ اللهَ تَعالى في السَّماءِ يَعني: العُلوَّ الذَّاتيَّ أمرٌ لا إِشكالَ فيه، والعَجَبُ أنَّك تَأتي العَجوزَ الَّتي لم تَدرُسْ ولم تَفهَمْ ولم تَعلَمْ وتَسألهُا أين اللهُ؟ تَقولُ في السَّماءِ، إلَّا إذا كان الأمرُ كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه"

(2)

أي: إلَّا إذا كانت عائشَةُ بين قومٍ يُنكِرونَ العُلوَّ فرُبَّما تُنكِرُ بِناءً على أنَّ البِيئَةَ تُغيِّرُ، أمَّا لو أتينا إلى الإنسانِ مِن حيثُ الفِطرةُ لرأينا أنَّه لا يشكُّ في أنَّ اللهَ في السَّماءِ.

ولذلك أَفْحَمَ الهَمَذانيُّ رحمه الله أبا المَعالي الجُوَينيَّ حين كان أبو المَعالي الجُوينيُّ يُنكرُ استِواءَ اللهِ على العَرشِ ويَقولُ: إنَّ اللهَ تَعالى كانَ ولا عَرشَ.

وهو الآنَ على ما كان عليه يُريدُ أن يُنكِرَ استواءَه على العَرشِ، واستواءُ اللهِ على العَرشِ دَليلُه سَمعيٌّ، يَعني: لولا أنَّ اللهَ أخبَرَنا أنَّه استَوى على العَرشِ ما عَلِمنا بخِلافِ العُلوِّ، فالعُلوُّ دَليلُه عَقِليٌّ وسَمْعيٌّ وفِطرِيٌّ، أمَّا هذا فدَليلُه سَمعِيٌّ.

قال له الهَمَذانيُّ رحمه الله: يا شَيخُ دَعْنا مِن ذِكرِ العَرشِ، وأَخْبرنا عن هذه الضَّرورَةِ، فما قال عارفٌ قطُّ: يا أللهُ إلَّا وَجَدَ من قلبه ضَرورَةً بطَلَبِ العُلوِّ، صَحيحٌ هذا أم لا؟

(1)

انظر: درء تعارض العقل والنقل (6/ 253).

(2)

أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، رقم (1358)، ومسلم: كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، رقم (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 212

يَعني: أيُّ إنسانٍ يَقولُ: يا أللهُ يَجِدُ قَلبَه يَتَّجهُ إلى السَّماءِ، وكَلمَةُ (عارف) اصطِلاحٌ صوفيٌّ، العارِفُ عِندَهم هو العالِمُ الواسعُ العِلمَ، العابِدُ الكَثيرُ العِبادةَ.

فصَرَخَ أبو المَعالي وجَعَلَ يَضرِبُ على رَأسِه وَيقولُ: حَيَّرني الهَمَذانيُّ حَيَّرني الهَمَذانيُّ

(1)

، وعَجَز أن يَرُدَّ على هذا.

فنحن نَقولُ والحَمْدُ للهِ: إنَّ العُلوَّ أمر لا غُموضَ فيه ولا إِشكالَ فيه، ولا يُنكِرُه إلَّا شَخصٌ مَغموسٌ -والعِياذُ باللهِ- بالبِدعَةِ، ونحن نَرى أنَّه كافرٌ وأنَّه لا تَنفَعُه صَلاةٌ ولا صَدقةٌ ولا صيامٌ ولا حَجٌّ ولو مات ما صلَّينا عليه.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أنَّ المَلائكَةَ مُستغرِقون الزَّمنَ كُلَّه في العِبادَةِ؛ لقَولِه: {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} ، و (الباءُ) وإن كانت بمَعنَى (في) الَّتي للظَّرفِيَّةِ لكن فيها نَوعٌ مِنَ الدَّلالَةِ على الِاستِيعابِ، كما قال اللهُ تَعالى في آيةٍ أُخرى:{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20].

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: بَيانُ قُوَّةِ المَلائكةِ؛ لقَولِه: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} أي: لا يَمَلُّون ولا يَتْعَبون مِمَّا يَدُلُّ على قُوَّيهم.

والأَدلَّةُ على قُوَّتِهم كَثيرةٌ منها قِصَّةُ سُليمانَ عليه الصلاة والسلام حين جاءَه الهُدهُدُ بخَبَرِ مَلِكةِ سَبأٍ أنَّ لها عَرشًا عَظيمًا، فقال سُليمانُ:{أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} وكان له وَقتٌ محُدَّدٌ يَقومُ فيه: {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 38 - 39] جِنِّيٌّ يَأتي به مِن أقصى اليَمَنِ إلى الشَّامِ وهو واحدٌ وَيقولُ: إنِّي عليه لقَوِيٌّ يُؤكِّدُ قُوَّتَه أمينٌ لن أَخونَ فيه: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (3/ 220).

ص: 213

عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40] اللهُ أكبرُ! في الحالِ وَجَدَه أَمامَه: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} [النمل: 40] و (الفاء) تَدُلُّ على التَّرتيبِ والتَّعقيبِ، ثُمَّ قال:{فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} ، ولم يَقُلْ فلمَّا رآه عِندَه، {مُسْتَقِرًّا} كأنَّه وَضَع في هذا المَكانِ مِن سنواتٍ مُستقِرًّا، {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} ، الآنَ حَضَرَ مِن هناك بلَحظَةٍ، يَعني: كأنَّ العَرشَ مثلًا على يَمينِك فنَقلتَه على يَسارِك بل أدنى، وهذا أشدُّ، قال أهلُ العِلمِ: لأنَّ هذا دَعا اللهُ عز وجل فحَمَلَته المَلائكَةُ، والمَلائكَةُ أقوى مِن الجِنِّ، وهذا لا شكَّ فيه أنَّهم أَقوى مِنَ الجِنِّ.

مسألةٌ: يَقولون عنِ السِّحْرِ أنَّه عِلمٌ ويَستدِلُّون بهذه الآيَةِ: {الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} [النمل: 40] فكيفَ نَرُدُّ على هَؤلاءِ النَّاسِ؟

فالجَوابُ: نحنُ نَقولُ: السِّحْرُ عِلمٌ، أليس اللهُ تَعالى قال عَنِ المَلَكينِ:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102]، لا إِشكالَ هُنا أنَّه عِلم، أمَّا استِدلالهُم بهذه الآيَةِ فلا، ليس بصَحيحٍ، يَعني: كأنَّهم يُريدون أنَّ هذا الَّذي عِندَه عِلمٌ بالكِتابِ ساحِرٌ، وقد قال تَعالَى:{عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} ، وما قال عِلمٌ مِنَ السِّحْرِ، ثُمَّ إنَّ السِّحرَ لا يُمكنُ أن يُغيِّرَ الحَقائقَ، السِّحرُ يُخيِّلُ الأشياءَ، إمَّا أن يَجعلَ المَسحورَ يَرى السَّاكنَ مُتحَرِّكًا أو المُتحرِّكَ ساكنًا.

ص: 214