الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها أبدًا. ويدل على ذلك قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} . فالزيادة التي شاءها الله تعالى فسرت في آيات أخر بالخلود المؤبد. وقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبًا تقديره: يعطيهم الله ذلك الجزاء عطاء غير مقطوع ولا ممنوع، والمعنى أنه ممتد إلى غير نهاية. مأخوذ من جذَّ إذَا قطعه أو كسره، وهو كقوله:{لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} ؛ أي: إن (1) هذا الجزاءَ هبة منه، وإحسانٌ دائم غَير مقطوع. وقد كثر وعد الله تعالى للمؤمنينَ المحسنينَ بأنه يزيدهم من فضله، وبأنه يُضاعِفُ لهم الحسنة بعشرة أمثالها، وبأكثر إلى سبع مئة ضعف، وبأنه يجزيهم بالحسنى، وبأحسنَ مما عملوا، ولم يُوعد بزيادة جزاء الكافرين والمجرمين على ما يستحقون، بل أوعدهم بأنه يجزيهم بما عملوا، وبأنَّ السيئة بمثلها، وهم لا يُظلمون، وبأنه لا يَظْلِم أحدًا، وهذا الجزاء، وهو الخلود في النار أثر طبيعي لتدسية النفس بالكفر والظلم والفساد.
109
- وبعد أن شرحَ سبحانه أقاصيصَ عَبدةِ الأوثان ثم أتبعه بأحوال الأشقياء والسعداء أَنْذرَ أعداء النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين من قومه، بما حَلَّ بالأمم المهلكة من العذاب فقال:{فَلَا تَكُ} يا محمَّد أصله: لا تكنْ، حذفت النون لكثرة الاستعمال؛ أي: إذا تبين عندك يا محمَّد ما قصصت عليك من قَصَصِ المتقدمينَ وسوءِ عاقبتهم فلا تكن {فِي مِرْيَةٍ} ؛ أي: في شك {مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ} المشركون من أهل مكةَ من الأصنام؛ أي: لا تكن في شك في أن ما يعبدونه من الأصنام غير نافع ولا ضار، ولا تأثير له في شيء أو لا تكن في شك في بطلان عبادتهم لها، أو لا تكن في شك من سوء عاقبتهم، وكن على يقين في أنها ضلال سيء العاقبة. وهذا النهي له صلى الله عليه وسلم هو تعريض لغيره ممن يداخله شيء من الشك، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يشك في ذلك أبدًا. وكأنه قيل: لم لا أكون في شك؛ فأُحبيب لأنهم {مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا} كان {يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ} ؛ أي: إن معبودات هؤلاء كمعبودات آبائهم من قبل، في أنها لا تنفع ولا تضر، أو إن عبادتَهم لها كعبادةِ آبائهم من قبل في أنها ضلال باطلٌ؛ أي: فحالهم كحال آبائهم من غير تفاوت،
(1) المراغي.
فهم على الباطل، والتقليد لا على الحق والتحقيق.
وفيه (1): إشارةٌ على أنَّ أهلَ الفترة الذينَ عَبَدوا الأصنامَ من أهل النار، فإن الذَّم ينادي على ذلك. والمعنى (2): أنهم سواء في الشرك بالله، وعبادة غيره، فلا يكن في صدرك حرج مما تراه من قومك فهم كمن قبلهم من طوائف الشرك، وجاء بالمضارع في {كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ} لحكاية الحال الماضية.
والخلاصة (3): أي إذا كَانَ أمر الأمم المشركة الظالمة في الدنيا ثم في الآخرة كما قصصناه عليك، فلا تكن في أدنى ريب مما يعبد قومك هؤلاء في عاقبته بمقتضى تلك السنن التي لا تبديلَ لها. وفي ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم، ووعيد لقومه كما لا يخفى. ثم بيَّن حالَهم في عبادتهم وجزاءهم عليها فقال:{مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ} ؛ أي: لأنهم أشبهوا آباءَهم في الجهل والتقليد، فهم مقلدون لهم {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} ، وتوفية الشيءِ تأديته، وإعطاؤه على وجه التمام والضمير لهؤلاء الكفرة؛ أي: لمعطوهم حظهم المتعين لهم من العذاب الدنيوي والأخروي كما وفينا آباءهم أنصباءَهم المقدرةَ لهم حسب جرائمهم، فسيلحقهم مثل ما لَحَقَ بآبائهم، فإن التماثل في الأسباب يقتضي التماثل في المسببات، فإن قيل: لا سبب عندنا إلا الله. قلنا: يكفينا السببية العادية، وهو ما يفضي إلى الشيء بحسب جريان العادة. وقوله:{غَيْرَ مَنْقُوصٍ} حال مؤكدة من النصيب؛ لأنَّ التوفية تَقتضِي التكميلَ كقوله: {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} . وفائدته مع دفع توهم التجوز: تقرير ذي الحال؛ أي: جعله مقررًا ثَابِتًا لا يظن أنه غيره؛ لأن التوفيةَ لا تستلزم عدمَ النقص، فقد يجوز أن يُوفَّى، وهو ناقص، كما يجوز أن يوفَّى وهو كامل. وفي الآية ذَمٌّ للتقليد، وهو قبولُ قول الغير بلا دليل. وقيل: المعنى (4): وإنا لمعطوهم نصيبَهم من جزاءِ أعمالهم في الدنيا وافيًا تامًّا لا ينقص منه شيء، كما وفينا آباءهم الأولين من قبل، فأعمال الخير التي
(1) روح البيان.
(2)
الشوكاني.
(3)
المراغي.
(4)
المراغي.