المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

من بين يديه ولا من خلفه   ‌ ‌48 - {قِيلَ}؛ أي: قال - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: من بين يديه ولا من خلفه   ‌ ‌48 - {قِيلَ}؛ أي: قال

من بين يديه ولا من خلفه

‌48

- {قِيلَ} ؛ أي: قال الذي (1) بيده ملكوت كل شيء ومدبر أمر العالم كلّه لنوح بعد أن انتهى الطوفان، وأقلعت السماء عن المطر، وابْتَلَعَت الأرْضُ ماءَها، وصَارَت السكنى على الأرض، والعملُ عليها سَهْلًا مُمْكِنًا، {يَا نُوحُ اهْبِطْ} وانزل من الجودي الذي استوَتْ عليه السفينة، وقرىء {اهبط} بضم الباء ممتعًا {بِسَلَامٍ}؛ أي: بسلامةٍ وتحية وأمن {مِنَّا} كما قال تعالى {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)} ، وذلك أنَّ الغَرَق لما كان عَامًّا في جميع الأرض، فعندما خَرَجَ نوح عليه السلام من السفينة عَلِمَ أنه ليس في الأرض شيءٌ مما ينتفع به من النبات والحيوانات، وقيل: فكان كالخائف في أنه كيف يَعِيش، وكيف يدفع جهات الحاجات عن نفسه من المأكول والمشروب، فلَمَّا قَالَ الله له: اهبط بسلام مِنَّا زَالَ عَنْهُ الخَوْفُ؛ لأن ذلك يَدُلُّ على حصول السلامة، وأن لا يكون إلا مع الأمن وسعة الرزق {وَبَرَكَاتٍ} في المعايش والأرزاق، وقيل: أي: ونعم ثابتة، وفي هذا الخطاب له دليل على قبول توبته، ومغفرة زلته، وحَكَى عبد العزيز بن يحيى {وبركة} على التوحيد عن الكسائي؛ أي: وبركات فائضة {عَلَيْكَ} وعلى مَن مَعَكَ في السفينة، {وَعَلَى أُمَمٍ} مؤمنة ناشئة {مِمَّنْ مَعَكَ} في السفينة؛ أي: وعلى ذريات يتناسلون منهم، ويتفرقون في الأرض، فيكونون أُمَمًا مستقلًا بعضها من بعض، يعني بهؤلاء المؤمنين من ذرياتهم، ولم يُعْقِبْ أحدٌ منهم إلَّا أولادَ نوح الثلاثةَ، فانحصر النوع الإنسانيُّ بعد نوح في ذريته، {وَأُمَمٌ} كافرة متناسلة ممن معك {سَنُمَتِّعُهُمْ} في الدنيا بالأرزاق، والبركات، ولا يصيبهم لطفٌ من ربهم ورحمة كما يصيب المؤمنين، فإنَّ الشَّيْطانَ سيغويهم، ويزين لهم الشرك، والظلمَ، والبغْيَ {ثُمَّ} بعد رجوعهم إلى ربهم {يَمَسُّهُمْ مِنَّا} في الآخرة {عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: وَجيع، فيكون جزاؤُهم فيها دارَ البوار، وبئس القرار.

‌49

- ثم ذكر الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنَّ هذا قصَصٌ من عالم الغيب لا يعرفه هو، ولا قوْمُه من قبل، فقال:{تِلْكَ} ؛ أي: هذا القصص الذي قصصته عليك من خبر نوح وقومه {مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} ؛ أي: من أخبار الغيب التي لم تشهدها حتى

(1) المراغي.

ص: 106

تَعْلَمَها {نُوحِيهَا إِلَيْكَ} ؛ أي: نُخْبِرُها لك فنعرفكها تفصيلًا، و {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} الوحي الذي نَزَل مبينًا لها تفصيلًا، وربما كَانَ يعلمها هو، وقومه على سبيل الإجمال {فَاصْبِرْ} يا محمَّد على أَذَى هؤلاء الكفار كما صبر نوح على أذى أولئك الكفار؛ أي: فاصبرْ على القيام بأمر الله، وتبليغ رسالته، وما تَلْقى مِنْ قومك من أذًى، كما صَبَرَ نوح على قومه، {إِنَّ الْعَاقِبَةَ} المحمودة؛ أي: آخِرَ الأمر بالظفر في الدنيا، وبالفوز في الآخرة {لِلْمُتَّقِينَ} لله المؤمنين بما جاءَتْ به رسله؛ أي: فإنَّ سُنَّة الله سبحانه وتعالى في رسله، وأقوامهم أن تكونَ العاقبة بالفوز، والنجاة للمتقينَ الذين يتجنبون المعاصيَ، ويعملونَ الطاعاتِ، فأنتم الفائزون المفلحون، والمصرُّون على عُداونكم هم الخاسرون الهالكون، وفي هذا تسلِيةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتبشير له بأن الظفر للمتقين في عاقبة الأمر ولا اعتبار بمباديه. وفي مصحف ابن مسعود (1):{مِنْ قبلِ هذا القرآن} .

الإعراب

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)} .

{أَمْ} منقطعة مقدرة ببل الإضرابية وهمزة الاستفهام الإنكاري، {يَقُولُونَ} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {افْتَرَاهُ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، أو على نوح على الخلاف في معنى الآية، كما سبق، والجملة في محل النصب مقول القول {قُلْ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، أو على نوح، والجملة مستأنفة {إِنِ افْتَرَيْتُهُ} إلى آخر الآية، مقول محكي، وإن شئت قلت:{إِنِ افْتَرَيْتُهُ} فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم، بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها {فَعَلَيَّ} {الفاء} رابطة {عليَّ} خبر مقدم {إِجْرَامِي} مبتدأ مؤخر والجملة الإسمية في محل الجزم بـ (إن) على كونها جوابًا لها، وجملة إن الشرطية في محل النصب، مقول القول {وَأَنَا بَرِيءٌ} مبتدأ وخبرٌ، والجملة

(1) البحر المحيط.

ص: 107

الاسمية في محل النصب حال من الضمير المستكن في الخبر، {مِمَّا} جار ومجرور متعلق بـ {بَرِيءٌ} ، {تُجْرِمُونَ} فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما تجرمونه.

{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)} .

{وَأُوحِيَ} الواو: استئنافية {أوحي} فعل ماض مغير الصيغة {إِلَى نُوحٍ} متعلق به، {أَنَّهُ} ناصب واسمه {لَنْ يُؤْمِنَ} ناصب وفعل منصوب {مِنْ قَوْمِكَ} متعلق به {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ {مَن} اسم موصول في محل الرفع فاعل {يُؤْمِنَ} ، {قَدْ آمَنَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مَن} الموصولة، والجملة الفعلية صلة {مَن} الموصولة، وجملة قوله:{لَنْ يُؤْمِنَ} في محل الرفع خبر أنَّ وجملة أنَّ في تأويل مصدر مرفوع على كونه نائِبَ فاعل لأُوحي تقديره وأُوحي إلى نوح عدمُ إيمان قومه، وجملة أوحي مستأنفة {فَلَا} الفاء: حرف عطف وتفريع، لا: ناهية جازمة {تَبْتَئِسْ} فعل مضارع مجزوم بـ (لا) الناهية، وفاعله ضمير يعود على نوح، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة قوله:{لَنْ يُؤْمِنَ} ، {بِمَا} جار ومجرور متعلق بـ {تَبْتَئِسْ} ، {كَانُوا} فعل ناقص واسمه، وجملة {يَفْعَلُونَ} خبر {كان} وجملة {كان} صلةٌ لما أو صفة لها.

{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)} .

{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على نوح، والجملة معطوفة على جملة قوله:{أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ} والتقدير: أوحي إلى نوح أن اصنع الفلك، {بِأَعْيُنِنَا} جار ومجرور حال من فاعل {اصنع} {وَوَحْيِنَا} معطوف عليه، والتقدير: واصنع الفلكَ حالةَ كونك محروسًا بأعيننا، ومعلمًا بوحينا {وَلَا} (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة {تُخَاطِبْنِي} فعل ومفعول ونون وقاية مجزوم بـ (لا) الناهية، وفاعله ضمير يعود على نوح {فِي الَّذِينَ} جار ومجرور متعلق به، والجملة معطوفة على جملة {اصنع} {ظَلَمُوا} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} ناصب واسمه، وخبره، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل النهي.

ص: 108

{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} .

{وَيَصْنَعُ الْفُلْك} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على نوح، والجملة مستأنفة {وَكُلَّمَا} (الواو) حالية {كلما} اسم شرط غير جازم في محل النصب على الظرفية الزمانية مبني على السكون، والظرف متعلق بـ {سَخِرُوا} ، {مَرَّ} فعل ماض {عَلَيْهِ} متعلق به {مَلَأٌ} فاعل {مَرَّ} ، {مِنْ قَوْمِهِ} صفة لـ {ملأ} والجملة الفعلية فعلُ شرط لـ {كلما} لا محلَّ لها من الإعراب. {سَخِرُوا} فعل وفاعل، والجملة جواب {كلما} ، {مِنْهُ} متعلق به وجملة {كلما} في محل النصب حال من فاعل {يصنع} .

{قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} .

{قَالَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على نوح، والجملة مستأنفة {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا} إلى قوله:{عَذَابٌ مُقِيمٌ} مقول محكي، وإن شئت قلت:{إِنْ تَسْخَرُوا} جازم وفعل وفاعل {مِنَّا} متعلق به {فَإِنَّا} (الفاء) رابطة {إِنَّا} ناصب واسمه {نَسْخَرُ} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على نوح ومن معه {مِنْكُمْ} متعلق به، والجملة في محل الرفع خبر (إنَّ) وجملة (إنَّ) في محل الجزم بـ (إن) الشرطيةِ على كونها جوابًا لها، وجملة (إن) الشرطية في محل النصب مقول (قال){كَمَا} و {الكاف} حرف جر وتشبيه (ما) مصدرية {تَسْخَرُونَ} فعل وفاعل، والجملة صلة (ما) المصدرية (ما) مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف تقديره: كسخريتكم {مِنَّا} الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: نسخر منكم سخريةً كسخريتكم منا.

{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)} .

{فَسَوْفَ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم ما قلت لكم، وأردتم بيانَ عاقبتِنا، وعاقبتكم .. فأقول لكم {سوف تعلمون} {سوف} حرفُ تنفيس للاستقبال البعيد، {تَعْلَمُونَ} فعل

ص: 109

وفاعل {مَن} اسم موصول في محل النصب مفعول به؛ لأنَّ (عَلِم) هنا بمعنى عرف يتعدَّى لمفعول واحد، أو (مَن) استفهامية في محل الرفع، وجملة {يَأْتِيهِ} خبر (مَن) الاستفهامية، وجملة (من) الاستفهامية سادة مسدَّ مفعول (علم)، وجملة {تَعْلَمُونَ} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة {يَأْتِيهِ} فعل ومفعول {عَذَابٌ} فاعل، والجملة صلة (مَن) الموصولة {يُخْزِيهِ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {عَذَابٌ} والجملة في محل الرفع صفة لـ {عَذَابٌ} . {وَيَحِلُّ} فعل مضارع {عَلَيْهِ} متعلق به {عَذَابٌ} فاعل {مُقِيمٌ} صفة {عَذَابٌ} وجملة {يحل} معطوفة على جملة {يَأْتِيهِ} على كونها صلة (من) الموصولة.

{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)} .

{حَتَّى} حرف جر وغاية، وابتداء {إِذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان {جَاءَ أَمْرُنَا} فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعلَ شرط لها، والظرف متعلق بالجواب، {وَفَارَ التَّنُّورُ} فعل وفاعل معطوف على {جَاءَ} ، {قُلْنَا} فعل وفاعل، والجملة جواب {إِذَا} لا مَحَلَّ لها منَ الإعراب {احْمِلْ فِيهَا} إلى قوله:{وَقَالَ} مقول محكي، والجملة الفعلية جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذَا} من فعل شرطها وجوابها في محل الجر بـ {حَتَّى} الغائية، والتقدير: ويصنع الفلك إلى قولنا: احمل فيها وَقْتَ مجيء أمرنا وفوران التنور، الجار والمجرور متعلق بـ {يصنع} وسميت {حَتَّى} غائية لكونها غاية لما قبلها، أعني قوله:{وَيَصْنَعُ} وما بينهما اعتراض، وابتدائية، لدخولها على الجملة، وإن شئت قلت:{احْمِلْ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على نوح، والجملة في محل النصب مقول لـ {قُلْنَا} . {فِيهَا} متعلق بـ {احْمِلْ} ، {مِنْ كُلٍّ} بالتنوين جار ومجرور حال من {زَوْجَيْنِ} لأنه صفة نكرة قُدمت عليها، {زَوْجَيْنِ} مفعول به لـ {احْمِلْ} ، {اثْنَيْنِ} صفة مؤكدة لـ {زَوْجَيْنِ}؛ أي: احمل فيها زوجين اثنين حالةَ كونهما مِنْ كل حيوان، وعلى قراءة الإضافة الجار

ص: 110

والمجرور حالٌ من {اثْنَيْنِ} و {اثْنَيْنِ} مفعول به لـ {احْمِلْ} ، {وَأَهْلَكَ} معطوف على المفعول على كلا القراءتين {إِلَّا} أداة استثناء {مَن} اسم موصول في محل النصب على الاستثناء {سَبَقَ} فعل ماض {عَلَيْهِ} متعلق به، {الْقَوْلُ} فاعل، والجملة صلة من الموصولة، {وَمَنْ} الواو: عاطفة {مَن} اسم موصول في محل النصب معطوف على المفعول {آمَنَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مِن} والجملة صلة {مَن} الموصولة {وَمَا} (الواو) استئنافية (ما) نافية {آمَنَ} فعل ماض {مَعَهُ} متعلق به {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ {قَلِيلٌ} فاعل {آمَنَ} ، والجملةُ مستأنفةٌ.

{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)} .

{وَقَالَ} فعل ماض وفاعله ضمير يعود على نوح، والجملة معطوفة على محذوف تقديره: فحمل غير الإنس، وقال للإنس: اركبوا. {ارْكَبُوا فِيهَا} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئتَ قلت:{ارْكَبُوا} فعل وفاعل {فِيهَا} متعلق به، والجملة في محل النصب، مقول {قَالَ} ، {بِسْمِ اللَّهِ} جار ومجرور خبر مقدم {مَجْرَاهَا} مبتدأ مؤخر {وَمُرْسَاهَا} معطوف عليه، والجملة في محل النصب حال مقدرة من (الواو) في {ارْكَبُوا} تقديره: اركبوا فيها حالةَ كونكم مُسمين اللهَ أو قائلينَ بسم الله، وَقْتَ جَرَيَانِها وإرْسَائِها، أو حال مقدرة مِن (الهاء) في {فِيهَا} كما ذكره أبو البقاء، {إِنَّ رَبِّي} ناصب واسمه {لَغَفُورٌ} خبره {رَحِيمٌ} صفة {غَفُورٌ} أو خبر ثان، وجملة (إنَّ) في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها تعليلةً.

{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)} .

{وَهِيَ} الواو: حالية {هِيَ} مبتدأ {تَجْرِي} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على السفينة {بِهِمْ} متعلق به، وكذا قوله:{فِي مَوْجٍ} يتعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من شيء محذوف، تضمنته جملة محذوفة، دلَّ عليها سياق الكلام، تقديره: فركبوا فيها

ص: 111

حالَ كونها تجري بهم أو مستأنفة {كَالْجِبَالِ} جار ومجرور صفة لـ {مَوْجٍ} {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة، {وَكَانَ} فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الابن {فِي مَعْزِلٍ} خبر {كَانَ} وجملة {كَانَ} في محل النصب حال من {ابْنَهُ} ، {يَا بُنَيَّ} {يا} حرف نداء {بني} منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياءِ المتكلم المنقلبة ألِفًا محذوفة اجتزاءً بالفتحة، وياء المتكلم المنقلبة ألِفًا محذوفة في محل الجر مضاف إليه، وجملة النداء في محل النصب مقول لقول محذوف تقديره: قائلًا: {يا بنيّ اركب معنا} {ارْكَبْ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على الابن {مَعَنَا} ظرف ومضاف إليه متعلق به، والجملة جواب النداءِ {وَلَا تَكُنْ} جازم وفعل ناقص، واسمها ضمير يعود على الابن {مَعَ الْكَافِرِينَ} خبرها، والجملة معطوفة على جملة {ارْكَبْ} .

{قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} .

{قَالَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الابن والجملة مستأنفة {سَآوِي} فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الابن، والجملة في محل النصب مقول (قال){إِلَى جَبَلٍ} متعلق به {يَعْصِمُنِي} فعل مفعول ونون وقاية، وفاعله ضمير يعود على {جَبَلٍ} ، {مِنَ الْمَاءِ} متعلق به، والجملة في محل الرفع خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو يعصمني، والجملة الاسمية في محل الجر صفة لـ {جَبَلٍ} .

{قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} .

{قَالَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على نوح، والجملة مستأنفة {لَا} نافية تعمل عمل إنَّ {عَاصِمَ} في محل النصب اسمها {الْيَوْمَ} ظرف متعلق بـ {أَمْرِ اللَّهِ} ، {مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} جار ومجرور خبر {لَا} ، والتقدير: لا عاصم كائن من أمر الله اليوم، كما ذكره أبو البقاء. وجملة {لَا} في محل النصب مقول {قَالَ} {إِلَّا} أداة استثناء {مَن} اسم موصول، في محل النصب على الاستثناء، والاستثناء متصل إن كان {عَاصِمَ} بمعنى معصوم، ومنقطع إن كان على معناه،

ص: 112

{رَحِمَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} والجملة صلة من الموصولة، والعائد محذوف تقديره إلا من رحمه الله {وَحَالَ} فعل ماض {بَيْنَهُمَا} متعلق به {الْمَوْجُ} فاعل، والجملة مستأنفة {فَكَانَ} (الفاء) عاطفة (كان) فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الابن، {مِنَ الْمُغْرَقِينَ} خبرها، والجملة معطوفة على جملة {حال} .

{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)} .

{وَقِيلَ} الواو: استئنافية {قيل} فعل ماض مغير الصيغة {يَا أَرْضُ ابْلَعِي} إلى {وَغِيضَ الْمَاءُ} نائب فاعل محكي، والجملة مستأنفة، وإن شئت قلت:{يَا أَرْضُ} منادى نكرة مقصودة، وجملة النداء في محل الرفع نائِبُ فاعل {ابْلَعِي مَاءَكِ} فعل أمر، وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع نائب فاعل على كونها جوابَ النداء، {وَيَا سَمَاءُ} منادى نكرة مقصودة معطوف على قوله:{يَا أَرْضُ} . {أَقْلِعِي} فعل وفاعل جواب لنداء {يا سماء} ، {وَغِيضَ الْمَاءُ} فعل ونائب فاعل معطوف على {وَقِيلَ} ، {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} فعل ونائب فاعل معطوف على {وَغِيضَ} ، {وَاسْتَوَتْ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {الْفُلْكَ} بمعنى السفينة، والجملة معطوفة على جملة {قضي} . {عَلَى الْجُودِيِّ} متعلق بـ {استوت} . {وَقِيلَ} فعل ماض مغير الصيغة، {بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} نائب فاعل محكي، والجملة معطوفة على وقيل الأول، وإن شئت قلت:{بُعْدًا} مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أبعد بعدًا، وفاعله ضمير يعود على الله {لِلْقَوْمِ} متعلق بالفعل المحذوف {الظَّالِمِينَ} صفة {لِلْقَوْمِ} .

{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)} .

{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة {فَقَالَ} (الفاء) عاطفة {قال} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على نوح، والجملة معطوفة على جملة {نادى} ، {رَبِّ إِنَّ ابْنِي} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:

ص: 113

ناصب واسمه {مِنْ أَهْلِي} خبر (إن) وجملة (إن) في محل النصب مقول (قال) على كونها جوابَ النداء {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} ناصب واسمه وخبره، والجملة معطوفة على (إن) الأولى {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب حال من كاف {وَعْدَكَ} .

{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} .

{قَالَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {اللَّه} والجملة مستأنفة {يَا نُوحُ} إلى آخر الآية، مقول محكي، وإن شئت قلت:{يَا نُوحُ} منادى مفرد العلم {إِنَّهُ} ناصب واسمه {لَيْسَ} فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الابن {مِنْ أَهْلِكَ} جار ومجرور خبر {لَيْسَ} ، وجملة {لَيْسَ} في محل الرفع خبر (إنَّ)، وجملة (إن) في محل النصب مقول (قال) على كونها جَوَابَ النداء {إِنَّهُ} ناصب واسمه {عَمَلٌ} خبره، ولكنه على حذف مضاف، تقديره: ذو عمل {غَيْرُ} صفة لـ {عَمَلٌ} {صَالِحٍ} مضاف إليه، وجملة (إن) في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها مُعلّلةً لما قبلها، {فَلَا} (الفاء) حرف عطف وتفريع (لا) ناهية جازمة {تَسْأَلْنِ} فعل مضارع مجزوم بـ (لا) الناهية، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت و (النون) نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاءً عنها بكسرة نون الوقاية في محل النصب مفعول أول {مَا} موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ثان لـ (سأل)، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة (إن) على كونها مفرعةً عليها {لَيْسَ} فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على {مَا} ، {لك} خبر مقدم لـ {لَيْسَ} {به} متعلق بـ {عِلْمٌ} ، {عِلْمٌ} اسم {لَيْسَ} مؤخر، وجملة {لَيْسَ} صلة لـ (ما) أو صفة لها {إِنِّي} ناصب واسمه {أَعِظُكَ} فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول {قَالَ} على كَوْنِها مُعَلَّلَةً لما قبلها {أَنْ تَكُونَ} ناصب وفعل ناقص، واسمه ضمير يعود على نوح

ص: 114

{مِنَ الْجَاهِلِينَ} خبر {تَكُونَ} ، وجملة {تَكُونَ} في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: إني أعظك من كونك من الجاهلين.

{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)} .

{قَالَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على نوح، والجملة مستأنفة، {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ} إلى آخر الآية، مقول محكي، وإن شئت قلت:{رَبِّ} منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول (قال)، {إِنِّي} ناصب، واسمه {أَعُوذُ} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على نوح {بِكَ} متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع، خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول (قال) على كونها جَوَاب النداء {أَنْ أَسْأَلَكَ} ناصب وفعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على نوح {مَا} موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول ثان لـ (سأل){لَيْسَ} فعل ماض ناقص {لِي} خبر {لَيْسَ} مقدم {بِهِ} متعلق بـ {عِلْمٌ} ، {عِلْمٌ} اسم {لَيْسَ} مؤخر، وجملة {لَيْسَ} صلة لـ (ما) أو صفة لها، وجملة {سأل} في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: إني أعوذ بك من سؤالي إياك ما ليس لي به علم، {وإلا} (الواو) عاطفة (إلا)(إن) حرف شرط جازم مبني بسكون على النون المدغمة في (لام)(لا)، (لا) نافية {تَغْفِرْ} فعل مضارع مجزوم بـ (إن) الشرطية، وفاعله ضمير يعود على اللَّه {لِي} متعلق به، {وَتَرْحَمْنِي} فعل ومفعول ونون وقاية معطوف على {تَغْفِرْ} وفاعله ضمير يعود على الله {أَكُنْ} فعل مضارع ناقص مجزوم بـ (إن) الشرطية على كونه جوابًا لها، واسمها ضمير يعود على نوح {مِنَ الْخَاسِرِينَ} خبرها، وجملة (إن) الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة (إن) على كونها مقول (قال).

{قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)} .

{قِيلَ} فعل ماض {يَا نُوحُ} إلى آخر الآية نائب فاعل محكي، والجملة

ص: 115

مستأنفة، وإن شئت قلت:{يَا نُوحُ} منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل الرفع، نائب فاعل لـ {قِيلَ} {اهْبِطْ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على نوح {بِسَلَامٍ} جار ومجرور، حال من فاعل {اهْبِطْ}؛ أي: متلبسًا بسلام، {مِنَّا} صفة لـ (سلام)، وجملة {اهْبِطْ} في محل الرفع، نائب فاعل، لـ (قيل) على كونها جَوَابَ النداء، {وَبَرَكَاتٍ} معطوف على (سلام)، {عَلَيْكَ} صفة لـ {بركات} ، {وَعَلَى أُمَمٍ} جار ومجرور، معطوف على الجار والمجرور قبله، {مِمَّنْ} جار ومجرور صفة لـ {أُمَمٌ} تقديره: وعلى أمم متناسلين ممن معك، أو كائنينَ ممن معك {مَعَكَ} ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة (من) الموصولة {وَأُمَمٌ} مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة، وقوعه في معرض التقسيم، {سَنُمَتِّعُهُمْ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الرفع نائب فاعل لـ (قيل){ثُمَّ يَمَسُّهُمْ} فعل ومفعول معطوف على سنمتعهم {مِنَّا} حال من {عَذَابٌ} لأنه صفة نكرةِ قُدَّمَت عليها {عَذَابٌ} فاعل {أَلِيمٌ} صفة له.

{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)} .

{تِلْكَ} مبتدأ {مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} جار ومجرور ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة {نُوحِيهَا} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله {إِلَيْكَ} متعلق به، والجملة في محل النصب حال {مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} والعامل فيه ما في الإشارة من معنى الفعل، {مَا} نافية {كُنتَ} فعل ناقص واسمه {تَعْلَمُهَا} فعل ومفعول به، لأن علم هنا: بمعنى عرف، وفاعله ضمير يعود على محمَّد {أَنْتَ} تأكيد للضمير المستتر في الفعل ليعطف عليه {وَلَا قَوْمُكَ} معطوف على ضمير الفاعل {مِنْ قَبْلِ هَذَا} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ (تعلم) وجملة {تعلم} في محل النصب خبر (كان) وجملة (كان) مستأنفة {فَاصْبِرْ} (الفاء) فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما أوحينا إليك من قصة قوم نوح، وإذايتهم له، وأردت بيانَ ما هو الأصلحُ لك .. فأقول لك: اصبر إن العاقبة للمتقين {اصبر} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد،

ص: 116

والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {إِنَّ الْعَاقِبَةَ} ناصب واسمه {لِلْمُتَّقِينَ} خبره، وجملة {إن} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة على كونها مُعَلّلةً لما قبلها.

التصريف ومفردات اللغة

{فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} الإجرام والجرم بمعنى، وهو اكتساب الذنب، وفي "المصباح" جرم جرمًا من باب: ضرب إذا أذنب، واكتسب الإثم، وبالمصدر سُمِّيَ الرجلُ، والاسم منه الجُرم بالضم، والجريمة مثله، وأجرمَ إجرامًا كذلك، اهـ.

{فَلَا تَبْتَئِسْ} يقال: ابتأس فلانُ إذا بَلَغَه ما يَكْرَه، اهـ "سمين"، وفي "المختار": فلا تبتئس؛ أي: لا تَحْزَن ولا تشتك، والمبتئسُ: الكَارِهُ الحزينُ، اهـ. ويقال: ابْتَأَس إذا اشتد بُؤْسُه وحُزْنُه {الْفُلْكَ} السفينةُ، ويطلق على الجمع كما في قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} وعلى المفرد كما هنا، ويذكر بمعنى المركب، ويؤنَّث بمعنى السفينة {بِأَعْيُنِنَا} ، والمرادُ بالأعين هنا شدة الحِفاظ والحراسة، وفي "الكرخي": قوله: {بِأَعْيُنِنَا} ؛ أي: بمرأى منَّا، وحفِظَنا، فلا يمكن إجراؤُه على ظاهره، لوجوه:

منها: أنَّه يقتضي أن يكونَ لله أعين كثيرة، وهذا يناقض قولَهُ تعالى:{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} .

ومنها: أنه يقتضي أن يُصْنَعَ الفلك بتلك الأعين كقولك: قطعتُ بالسكين، وكتبت بالقلم، ومعلوم أنَّ ذلك باطلٌ إلى غير ذلك {سَخِرُوا مِنْهُ} يقال: سَخِرَ منه إذا استهزأ به، {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}؛ أي: يذله ويفضحه، ويَحِلُّ التلاوةُ بكسر الحاء، ويجوزُ لغةً ضَمُّها. {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا}؛ أي: عذابُنا أو وقته، اهـ "زاده". فهو واحد الأمور، لا الأوامر، ويصح أن يُرادَ الثاني على معنى: جاء أمْرُنا بركوب السفينة، اهـ "شهاب".

{وَفَارَ التَّنُّورُ} الفور والفَوران: الارتفاع القويُّ يقال في الماء إذا نَبَعَ وجرى، وإذا غلا وارتفع، والمرادُ منه هنا اشتداد غضب الله على أولئك المشركين الظالمين لأنفسهم وللناس وحلول وقت انتقامه منهم، والتنور ما يُخْبَزُ

ص: 117

فيه الخبز، اتَّفقَتْ فيه لغة العرب والعجم، كان من حجارة، وكانت حواء تَخْبِزُ فيه، وصار إلى نوح، وكان ذلك التنُّور في الكوفة على يمين الداخل مما يلي باب كندة، اهـ "خازن". وفي "السمين": والتنور قيل: وزنه تفعول فقلبت الواو الأولَى همزةً لانضمامها، ثمَّ حُذِفَت ثمَّ شُدِّدَت النون للعوض عن المحذوف، ويُعْزَى هذا لِثَعْلب، وقيل: وَزْنُه فعول، ويعزَى لأبي علي الفارسي، وقيل: هو أعجميُّ، وعلى هذا فلا اشتقاقَ له، والمشهور أنه مما اتفق فيه لغةُ العرب والعجم كالصابون {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} والزوجان: هما الاثنان اللذان لا يستغني أحدهما عن الآخر، ويطلق على كل واحد منهما زوجٌ، كما يقال للرجل: زوج، وللمرأة: زوجة، ويطلق الزوج على الاثنين، إذا استعمل مقابلًا للفرد، ويُطلق الزوج على الضرب والصنف، ومثلُه قولُه تعالى:{مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} والمعنى: من كل صنف زوجين اثنين.

{وَأَهْلَكَ} ؛ أي: واحمل أهلك، وأهلُ بيتِ الرجل: نساؤه وأولاده وأزواجَهم، {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} ، والركوبُ: العلو على شيء متحرك، ويتعدَّى بنفسه، واستعماله هنا بكلمة (في) ليس لأجل أنَّ المأمورَ به كونهم في جوفها، لا فوقَها؛ كما ظنَّ فإنَّ أَظْهَرَ الروايات أنه عليه السلام جَعَلَ الوُحُوشَ ونظائِرَها في البطن الأسفل، والأنعام في الأوسط، ورَكِبَ هو ومن معه في الأعلى، بل لرعاية جانب المحلية، والمكانية في الفلك، والسر فيه أنَّ معنى الركوب العلو على شيءٍ له حركة إمَّا إراديَّةٌ كالحيوان، أو قسرِيَّةٌ كالسفينةِ، والعَجَلَة ونحوهما، فإذا استعمل في الأول توفر له حظ الأصل، فيقال: ركبت الفرس، وعليه قوله تعالى:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} ، وإن استعمل في الثاني يلوح بمحلية المفعول بكلمة (في) فيقال: ركبتُ في السفينة، وعليه الآية الكريمة وقوله:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} ، وقوله:{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} اهـ، "أبو السعود".

{مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} بفتح الميم فيهما إما مصدران، الأول من جَرَتْ تَجْري جَرْيًا، والثاني: من رَسَتْ تَرْسُو رسُوًّا من باب سما أو رَسْوًا من باب عدا ومرسىً إذا ثبتَتْ؛ أي: جَرَيانُهَا ورسُوّها، أو اسمَا زمان؛ أي: زمان جَرْيها ورُسوها، أو مكان؛ أي: مكان جريها ورسوها.

ص: 118

{يَا بُنَيَّ} أصله بثلاث ياءات الأولى: ياء التصغير، والثانية: لَامُ الكلمة، وأصلُها واو عند قوم، وياءٌ عند آخرين، والياءُ الثالثةِ ياء المتكلم، ولكنَّها حذفت لدلالة الكسرة عليها فرارًا من توالي الياءين، ولأنَّ النداءَ موضع تخفيف، وقيل: حذفت من اللفظ لالتقائها مع الراء في {ارْكَبْ} ويقرأ بالفتح، وفيه وجهان:

أحدهما: أنه أبْدلَ الكسرةَ فتحةً فانقلبت ياءُ الإضافة ألِفًا، ثُمَّ حذفت الألِفُ كما حُذفت الياءُ مع الكسرة؛ لأنها أصلُها.

والثاني: أنَّ الألِفَ حذفت من اللفظ لالتقاء الساكنين {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ} والموج جمع موجة، وهي ما ارتفعَ عن جملة الماء الكثير عند اشتداد الريح، وشبهها بالجبال المرتفعة على الأرض {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي} يقال: بَلَعَ الماءَ يبلعه مثل مَنَعَ يمنَع وبلع يَبلَع مثل حَمِدَ يَحْمَدَ لغتان؛ حكاهما الكسائِي، والفراء، والبَلَعُ الشرب، ومنه البَالُوعَةُ: وهي الموضع الذي يُشْرَب منه الماء، وبئر ضيِّقُ الرأس، يجري إليها مَاءُ الغُسَالة {وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} الإقلاع الإمساك، يقال: أقلع المطر إذا انقطع، ومنه أقْلَعَت الحُمَّى، وقيل: أقلع عن الشيء إذا تركه، وهو قريب من الأوّل {وَغِيضَ الْمَاءُ}؛ أي: نقص يقال: غاض الماء وغضته، وهو هنا مبنيٌّ للمجهول إذ يستعمل لازمًا ومتعديًا، وعبارة "السمين": الغَيْضُ: النقصانُ، وفعله لازمٌ ومتعد، فمن اللازم قوله تعالى:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} ؛ أي: تَنْقُص، وقيل: بل هو هنا متعدٍ أيضًا؛ لأنه لا يبنى للمفعول من غير واسطة حرف جر إلا المتعدي بنفسه، اهـ "سمين". وفي "المختار": غاض الماء إذا قَلَّ ونَضَبَ؛ أي: ذَهَب في الأرض، وبابه بَاعَ وانغَاضَ مثله وغيضَ الماء: فعِل به ذلك، وغَاضَ الله يتعدَّى وَيلْزَمُ، وأغَاضَه الله أيضًا، وغيض الماء تَغْيِيضًا نَقَصه، وحبَسَه ويقال: غَاض الكرام؛ أي: قلوا، وفَاضَ اللئَامُ؛ أي: كَثُرُوا، اهـ. {وَقُضِيَ الْأَمْرُ}؛ أي: أحكم، وفرغ منه يعني أهلك قومُ نوح علَى تَمَامِ، وإحكام اهـ "قرطبي" {بُعْدًا} يقال: بَعِدَ بكسر العين بُعْدًا بضم فسكون، وبَعَدًا بفتحتين: إذا بَعُدَ بُعْدًا بعيدًا بحيث لا يُرجى عوده، اهـ "بيضاوي".

{فَلَا تَسْأَلْنِ} يقرأ بتشديد النون مع فتح اللام قبلَها، فالنون المشددة للتوكيد،

ص: 119

والفعل مبني على الفتح لاتصاله بها، وحينئذ فيقرأ بثبوت الياء، وحذفها وهذا عند كسر نون التوكيد، ويُقرَأ أيضًا بفتحها، وبلا ياءٍ أصلًا، فالقراءات السبعية في التشديد ثلاثة، ويقرأ بتخفيفها؛ أي: تخفيف النون مع سكون اللام قَبْلَها، وعليه فالنون للوقاية، ويقرأ بثبوت الياء، وحذفها في الوصل، فالقراءات السبعية في هذا المقام خمسة، وثبوت الياء في بعض هذه القراءات سواء مع التخفيف والتشديد؛ إنما هو عند الوصل، وأمَّا عند الوقف فلا تثبت في شيء من هذه القراءات كُلِّها، بل ولا تثبُتُ في الرسم؛ لأنها من ياءات الزوائد، وهي تثبتُ في الوصل دون الوقف، ودون الرسم اهـ "جمل"{وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي} هذه إن الشرطية، و (لا) النافية كما مَرَّ في بحث الإعراب أُدْغِمَتْ نونَ إن في لَام (لا) ولا تُرْسَمُ النونُ كما ترى.

{وَبَرَكَاتٍ} وهي عبارة عن بقاء النعمة ودَوامِها، وثَباتِها مشتق من بروك الجَمَل، وهو ثبوته، ومنه البُرْكَةُ لثبوت الماءِ فيها {مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} والأنباءُ جمع نبأ وهو الخبر الذي له شَأن.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة، وضروبًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: مجاز بالحذف في قوله: {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} ؛ أي: عقوبةُ إجرامي.

ومنها: جناس الاشتقاق بين إجرامي، وتجرمون.

ومنها: الإتيان، بـ (إن) الدالة على الشك في قوله:{إِنِ افْتَرَيْتُهُ} لبيان أنه على سبيل الفرض بخلاف إجرامهم، فإنه محقق.

ومنها: الجناسُ المماثل بين قوله: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ} ، وقوله:{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ} .

ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ} ، لأنَّ حقَّ العبارة أنْ يقال: ويصنعها.

ص: 120

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {بِأَعْيُنِنَا} ؛ لأنَّ المراد به بحراستنا، وحفظنا ففيه إطلاق السبب الذي هو الأعين، وإرادةُ المسبب الذي هو الحراسةُ والحفظ لأنَّ الأعين آلة للحراسة مبالغةً في الحفظ.

ومنها: حكاية الحال الماضية لاستحضار الصورة في قوله: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ} فالمضارع بمعنى الماضي، أي وصَنَعَها.

ومنها: المشاكلة في قوله: {فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ} إذ السخرية لا تليق بمقام الأنبياء، وقيل: لجزائهم من جنس صنيعهم، فلا يَقْبُحُ كما في "الشهاب".

ومنها: الطباق بين الأرض والسماء، والجناس الناقص بين {ابْلَعِي} و {أَقْلِعِي} في قوله:{يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} وكلاهما من المحسنات البديعية.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {ابْلَعِي} شبَّهَ تغويرَ الماء وشُرْبَه في بطنها ببلع الحيوان؛ أي: إزدراده لطعامه وشرابه في جوفه بجامع الوصول إلى الجوف في كلٍّ، فاشتق منه ابلعي بمعنى غوري على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، واستُعير البلع الذي هو من فعلِ الحيوانَ للنَّشَفِ دلالةً على أنَّ ذلك ليس كالنَّشَفِ المعتاد الكائن على سبيل التدريج.

ومنها: التفخيم في قوله: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} عَبَّر عن الغرق بأمر الله تفخيمًا لشأنه وتهويلًا لأمره.

ومنها: الإبهام ثُمَّ التفسيرُ في قوله: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ} ؛ أي: إلا الراحمَ، وهو الله تعالى تفخيمًا لشأنه الجليل بالإبهام ثمّ التفسير، وبالإجمال ثُمَّ التفصيل، وإشعارًا بعلية رحمته في ذلك بموجب سبقها على غضبه.

ومنها: حكاية الحال الماضية استحضارًا لصورتها، في قوله:{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ} ، وحقُّ العبارة أن يقال، وهي جَرَت بهم.

ومنها: التشبيهُ في قوله: {فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} شبَّه كلَّ موجة من ذلك بالجبل في عِظَمِها وارْتِفاعِها على الماء وتراكمها.

ص: 121

ومنها: الاستعارة التصريحيةُ الأصلية في قوله: {بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} لأنَّ البُعْدَ هنا مستعارٌ للهلاك.

ومنها: التعرُّض لوَصف الظلم في قوله: {لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} للإشعار بعِلِّيَّتِهِ للهلاك، ولتذكير ما سَبَق مِنْ قوله تعالى:{وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} .

ومنها: الحذف والزيادة في عِدَّة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 122

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا

} الآيات، هذا القصصُ ذكِرَ في سورة الأعراف بأسلوب ونظم يخالف ما هنا، وفي كل منهما من العظة والعبرة ما

ص: 123