المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وشؤون الاجتماع، وأصول العُمْرَانِ وأدَب السِّيَاسَةِ لتعقلوا معانِيه، وتَفْهَموا ما - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وشؤون الاجتماع، وأصول العُمْرَانِ وأدَب السِّيَاسَةِ لتعقلوا معانِيه، وتَفْهَموا ما

وشؤون الاجتماع، وأصول العُمْرَانِ وأدَب السِّيَاسَةِ لتعقلوا معانِيه، وتَفْهَموا ما ترشد إليه من مطالب الروح، ومداركِ العقل وتزكيةِ النفس، وإصلاح حَالِ الجماعات والأفراد بما فيه سعادتهم في دنياهم وأخراهم.

‌3

- {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} يا محمَّد؛ أي: نخبرك ونحدثك {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} ؛ أي: أحسن ما يقص به، ويتحدث عنه من الأنباء والأحاديث موضوعًا، وفائدةً لما يتضمنه من العبر والحكم.

والمعنى: نحن نبين لك أخبارَ الأُممِ السالفة أحسنَ البيان. وقيل: المراد خصوص قصة يوسف. {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} ؛ أي: بسبب إيحائنا وإنزالنا إليك هذه السورةَ من القرآن الكريم؛ إذ هي الغاية في بلاغتها، وتأثيرها في النفس، وحسْنِ موضوعها، {وَإِنْ} أي والحال أن الشأن قد {كُنْتَ} يا محمَّد {مِنْ قَبْلِهِ}؛ أي: من قبل إيحائنا هذا القرآن إليك {لَمِنَ الْغَافِلِينَ} ؛ أي: لمن زمرة الغافلين عن هذا القصص؛ أي: من قومك الأميينَ الذينَ لا يَخْطُرُ في بالهم التحديث بأخبار الأنبياء وأقوامهم، وبيان ما كانوا عليه من دين وشرع، كيعقوب وأولاده، وهم في بَداوتهِم، ولا ما كان فيه المصريون الذين جاءَ إليهم يوسف مِنْ حضارة وترف، ولا ما حدث له في بعض بيوتات الطبقة الراقية، ولا حاله في سياسة الملك، وإدارة شؤون الدَّوْلَةِ وحُسْنِ تنظيمها. وقيل (1): كانت هذه السورة أحسن القصص لانفرادها عن سائرها بما فيها منْ ذكر الأنبياء، والصالحين، والملائكة، والشياطين، والجن، والإنس، والأنعام، والطَّيْر، وسير الملوك، والممالك والتجار، والعلماء، والرجال، والنساء وكيدهن، ومكرهن، مع ما فيها من ذِكْر التوحيد، والفقه، والسِّير، والسياسة، وحسن المَلَكَة، والعفو عند المقدرة، وحسن المعاشرة، والحِيل، وتدبير المعاشِ والمعاد، وحسن العاقبة في العفة، والجهاد، والخلاص من المرهوب إلى المرغوب، وذكر الحبيب، والمحبوب، ومَرأى السنينَ وتعبيرِ الرؤيا والعجائبِ التي تصلح للدين والدنيا.

(1) البحر المحيط.

ص: 310

وقيل: كانت أحسنَ القصص؛ لأنَّ كُلَّ من ذكر فيها كان مآله إلى السعادة، انظر إلى يوسف، وأبيه، وإخوته، وامرأة العزيز، والمَلِك أسلم بِيُوسُفَ وحسن إسلامه، ومعبر الرؤيا الساقي، والشاهد فيما يقال. وقال بعضهم (1): لأنَّ يوسفَ عليه السلام، كان أحسنَ أبناءِ بني إسرائيل، ونسبه أحسن الأنساب، كما قال صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الكريمَ ابنَ الكريمِ ابنِ الكريمِ ابنِ الكريم يوسفُ بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام". والكرم اسم جامع لكل ما يحمد به، واجتمع في يوسف مع كونه ابنَ ثلاثة أنبياء متراسلينَ شرف النبوة، وحسن الصورة، وعلم الرؤيا، ورياسةَ الدنيا، وحِياطةَ الرَّعايا في القحط، والبلايا، فأي رجل أكَرمَ مِنْ هذا. وقال بعضهم: لأنَّ دُعاءه كان أحْسنَ الأدعية {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} ، وهو أول من تمنى لقاء الله تعالى بالموت.

وقيل (2): {أحسَنَ} هنا ليست أفعلَ التفضيل بل هي بمعنى حَسَنَ كأنه قيل: حَسَنَ القصص من باب إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: القصص الحسن ومعنى: {لَمِنَ الْغَافِلِينَ} لم يكن لك شعور بهذه القصة، ولا سبق لك علم فيها، ولا طَرَق سَمْعَكَ طرف منها. وقيل: إن بمعنى قَدْ، والمعنى، قد كنْتَ مِنْ قبلِ وحينا إليك من الغافلين عن هذه القصة. والغفلة عن الشيء هي: أن لا يخطر ذلك ببالِهِ؛ أي: لمن الغافلين عن هذه القصة، لم تُخْطُر ببالك، ولم تَقْرَع سمعك قطُّ، وهو تعليل لِكَوْنِهِ موحًى، والتَّعْبِيرُ عن عدم العِلْم بالغفلةِ لإجلالِ شأنه صلى الله عليه وسلم كما في "الإرشاد" فليسَتْ هي الغفلة المتعارفَةُ بين الناس، ولله تعالى أَنْ يُخَاطِب حَبيبَه بما شاء ألَا تَرى إلى قوله:{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} ، وقوله:{وَوَجَدَكَ ضَالًّا} ونحوهما، فإنَّ مثلَ هذا التعبير إنما هو بالنسبة إلى الله تعالى، وقد تعارَفَهُ العربُ من غير أن يخطر ببالهم نقص، ويجب علينا حسن الأداء في مثل هذا المقام، رعاية للأدب في التعبير، وتقرير الكلام مع أنَّ الزمانَ وأَهْلَه قد مضى، وانقضَتِ الأيام والأنامُ، اللهم اجعلني فيمن هديتهم إلى لطائف البيان،

(1) روح البيان.

(2)

البحر المحيط.

ص: 311