الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سخَّر لهم هذه السفينةَ لنجاة بقيَّةِ الإنسان والحيوان من هذا الطوفان الذي اقتضته مشيئته، ورُوي في الحديث:"أنَّ نوحًا رَكِبَ في السفينة، أوَّل يوم من رجب، وصام الشهر أجْمَعَ - وعن عكرمة لعشر خلون من رجب - ونَزَلَ عنها عَاشِرَ المحرم، فصَامَ ذلك اليوم، وأمَرَ مَنْ معه بصيامه شكرًا لله تعالى" وكانَتْ مدة مُكْثِه على السفينة سِتَّةَ أشهر تقريبًا.
وأخرج الطبرانيُّ (1) وغيره عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنَّه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا: باسم الله الملك الرحمن الرحيم بسم الله مجريها" الآية.
42
- قوله: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} هذه الجملة (2) متصلة بجملة محذوفة دلَّ عليها الأمر بالركوب، والتقدير فركبوا مُسَمِّينَ وهي تَجْري بهم، والموج جمع مَوْجَةٍ وهي ما ارتفعَ مِن جملةِ الماء الكثير عند اشتدادِ الريح، وشبَّهَها بالجبال المرتفعة على الأرض.
أي: فركبوها، والحال أنها تَجْرِي بهم في موج يشبه الجبالَ، في عُلُوهِ وارتفاعه وامتداده، ومَنْ كابد ما يحدث في البحار العظيمة من الأمواج حين ما تهيجها الرياحُ الشديدة .. عَرَفَ أنَّ المبالغةَ في هذا التشبيه غير بعيدة، فإنَّ السفينة لترى كأنها تهبط في غور عميق كَوادٍ سحيق يُرَى البحر من جانبيه كجبلين عظيمين يكادان يطبقان عليهَا، وبعد هنيهة يرى أنَّها قد اندفعت إلى أعلى الموج كأنَّها في شاهق جبلٍ تُريدُ أن تنقضَّ منه، والملَّاحُون يَرْبِطُون أنْفُسُهم بالحبال على ظهرها وجوانبها لئلا يجرفهم ما يفيضُ من الموج عليها.
وهذه الجملةُ تدُلُّ على وجود الرياح الشديدة في ذلك الوقت، قال علماءُ (3) السير: أرسلَ الله تعالى المطَرَ أربعين يومًا وليلةً، وخرج الماء من الأرض، وارتفع الماء على أعلى جبل وأطوله أربعين ذراعًا، وقيل: خَمْسَةَ عَشَر ذِراعًا حتى أغرَق كل شيء.
(1) المراغي.
(2)
الشوكاني.
(3)
المراح.
ورُوي (1) أنه لما كَثُر المَاءُ في السكك خَافَتَ أم صبيٍّ على ولدها من الغرق، وكانت تحبه حبًّا شديدًا، فخرجت به إلى الجبل حتى بَلغت ثلثه، فلَحِقَهَا الماء، فارتفعَتْ حتى بلغت ثلثَيه فلَمّا لَحِقَها الماء ذهبَتْ حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء إلى رقبتها رفعت الصبيَّ. بِيَدَيْها حتى ذَهَبَ بهِمَا الماءُ فأغرقهما، فلَوْ رحم الله منهم أحدًا .. لرَحِمَ أمُّ الصبِيّ ثم بَيَّنَ أنَّ نوحًا دَعَته الشفقة على ابنه، فناداه كما أشار إلى ذلك بقوله:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} هو كنعانُ (2)، وقيل: يَام، قيل: وكان كَافِرًا، واستبعِدَ كون نوح ينادي مَنْ كان كافرًا مع قوله:{رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} وأُجيب بأنه كان منافقًا، فظنَّ نوح أنه مؤمن، وقيل: حملته شَفَقةُ الأُبُوَّة على ذلك، وقيل: إنه كان ابنَ امرأته، ولم يكن بابنه، ويؤيِّده ما روى أنّ علّيًا قرأ:{ونادى نوح ابنها} ، وقيل: إنَّه كان لغير رشدة، وولدَ على فراش نوح، ورُدَّ بأن قوله:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} ، وقوله:{إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} يَدْفَعُ ذلك على ما فيه من عدم صيانةِ مَنْصِبِ النبوة.
أي: ونادى نوح ابنه كنعانَ قَبْلَ سَيْرِ السَّفينَةِ {و} الحال أنه {كان في معزل} ؛ أي: في مكان بعيد عزل وبعد وفصل فيه نفسه عن أبيه وإخوته وقرابته وقومه، بحيث لم يَبْلُغه الخطاب بارْكَبُوا؛ أي: قول نوح لمَنْ آمَن {اركبوا} وقيل: {في معزل} عن دين أبيه، وقيل: من السفينة، قيل: وكان هذا النداء قبل أنْ يَسْتَيْقِنَ الناسُ الغرَقَ بل كان في أوَّلِ فور التنور.
وقرأ الجمهورُ (3): بكسر تنوين {نوحٍ} ، وقرأ وكيع بن الجراح بضمه أتبع حركتَه حركةَ الإعراب في الحاء، قال أبو حاتم: هي لغة سوء لا تُعْرَف، وقرأ الجمهور بوصل (هَاءِ) الكناية، بواو، وقرأ ابن عباس:{ابنَهْ} بسكون الهاء، قال ابن عطية وأبو الفضل، وأبو الفضل الرازي، وهذا على لغة الأزد الشراة يسكنون هاء الكناية من المذكر، ومنه قول الشاعر:
(1) الخازن.
(2)
الشوكاني.
(3)
البحر المحيط.