الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسلطنةَ، فآل أمره إلى الصفاء بعد أنواع الجفاءِ، فمنْ حَافَظَ على تلاوة سورة يوسف، وتدبَّر في معانيها .. وَصَلَ إلى ما وصل يوسف إليه من أنواع السرور، كما قال عطاء رحمه الله تعالى: لا يسمع سورة يوسف محزونٌ إلَّا استراحَ، كما في "تفسير الكواشي": نسأل الله الراحةَ من جميع الحواشي. وقال خالد بن مَعْدان: سورةُ يوسفَ، وسورةُ مريم تَتَفكَّهُ بهما أَهْلُ الجنةِ في الجنة.
التفسير وأوجه القراءة
1
- {الر} ؛ أي: أنا الله أرَى، وأسمع سؤالَهُم إيَّاك يا محمدُ عن هذه القصة، ويقال: أَنَا الله أرى صنيعَ إخوة يوسف، ومعاملتهم معه، ويقال: أنا الله أرى ما يَرَى الخَلْقُ، وما لا يَرى الخَلْقُ، ويقال:{الر} تعديد للحروف على سبيل التحدي، فلا محل له من الإعراب، أو خبر مبدأ محذوف؛ أي: هذه السورة {الر} ؛ أي: مسماة بهذا الاسم. والقول بأنَّ هذه الحروف المقطعة في أوائل السور من المتشابهات القرآنية التي لا يعلم معانِيهَا إلا الله تعالى، هو الطريق الأَسْلَمُ. والقول الأعلم لما فيه من تفويض الأمر إلى أهله. {تِلْكَ}؛ أي: هذه الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة المسمَّاة {الر} أشار إليها بإشارة البعيد تنزيلًا للبعد الرتبيّ، منزلةَ البعد الحِسِّيِّ، وهو مبتدأ خبره {آيَاتُ الْكِتَابِ}؛ أي: آياتٌ من القرآن الكريم {الْمُبِينِ} ؛ أي: المظهر للحق من الباطل، فهو منْ أَبَانَ المتعدي. وَفِي "الخازن" المبين: أي: البين حلاله وحرامُه، وحدودُه وأحكامُه. وقال الزجَّاجُ: المبين للحق من الباطل، والحلال من الحرام، فهو من أبان بمعنى أظهر. وفي "بحر العلوم": الكتاب المبين هو اللوحُ المحفوظ، وإبانَتهُ أنه قد كتب وبيِّنَ فيه كل ما هو كائن. والمعنى: أيْ آيات هذه السورة هي آيات الكتاب البين الظاهر بنفسه، والمظهر لما شاء الله تعالى من حقائق الدين، وأحكام التشريع، وخَفَايَا المُلْك، والملكوت، وأسرار النشأتين، والمرشد إلى مصالح الدنيا، وسبيل الوُصُولِ إلى سعادة الآخرة.
2
- {إِنَّا} نحن {أَنْزَلْنَاهُ} بعظمتنا وجلالتنا؛ أي: إنَّا أنزلنا هذا الكتاب المتضمِّنَ قِصَّةَ يُوسُفَ وغَيرهَا على هذا النبي العربي الأمي حالةَ كونه {قُرْآنًا} ؛
أي: مجموعًا، أو مقروءًا {عَرَبِيًّا}؛ أي: منسوبًا إلى العرب لكونه نزل بلغتهم. والمعنى: أنَّ القرآن نَزَل بلغة العرب، فليس فيه شيء غير عربيّ. فإن قلت: قد ورد في القرآن شيء غير عربي كسجيل، ومشكاة، وإستبرق، وغير ذلك.
أجيب (1): بأنَّ هذا مما توافقت فيه اللغات، والمراد: أنَّ تراكيبه، وأسالِيبَه عربية، وإن وَرَدَ فيه غير عربي، فهو على أسلوب العرب، والمرادُ أنَّ هذه الألفاظ لما تكلمت بها العربُ، ودارَتْ على ألسنتهم .. صارت عربية، فصيحة، وإن كانت غير عربية في الأصل لكنهم لما تكلموا بها .. نسبت إليهم، فصارت لهم لغة؛ وإنما كان القرآن عربيًّا؛ لأنَّ تِلكَ اللُّغَةَ أفصح اللغات، ولأنها لُغَةُ أهل الجنة في الجنة.
فَعَربِيًّا (2) نعت لِقرآنًا نعت نسبة لا نعت لزوم، لأنه كان قرآنًا قبل لزومه، فلَمَّا نزل بلغة العرب نسب إليها كما في "الكواشي". و {قُرْآنًا} حال موطئة؛ أي: توطئةً للحالِ التي هي عربيًّا؛ لأنه في نفسه لا يبين الهيئة، وإنما بينها ما بعده من الصفة، فإنَّ الحالَ الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هي الحال في الحقيقة، فكأنَّ الاسمَ الجامد، وطأ الطريقَ لما هو حال في الحقيقة بمجيئه قبلها موصوفًا بها كما في "شرح الكافية". وقوله:{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} علة لكونه عربيًّا؛ أي: لكي تفهموا معانيه وتحيطوا بما فيه، وتطلعوا على أنه خارج عن طوق البشر، مُنَزَّلٌ من عند خالق القُوَى والقدر. وقال في "بحر العلوم":(لعلَّ) مستعار لمعنى الإرادة لتلاحظ العرب معناه أو معنى الترجي؛ أي أنزلنا قرآنًا عربيًّا إرادة أن تعقله العرب، ويفهموا منه ما يدعوهم إليه، فلا يكون لهم حجة على الله، ولا يقولوا لنبيهم ما خُوطبنا به كما قال:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ} انتهى.
والمعنى (3): أي إنا أنزلنا هذا الكتابَ على النبي العربي، ليبيِّنَ لكم بلغتكم العربية، مَا لَمْ تكونوا تعلمونه من أحكام الدين، وأنباءِ الرسل، والحكمة،
(1) الصاوي.
(2)
روح البيان.
(3)
المراغي.