المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحجةَ القاهرة على طريق الاستفهام، لأنهما كانا ممن يَعبُد الأصنام، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الحجةَ القاهرة على طريق الاستفهام، لأنهما كانا ممن يَعبُد الأصنام،

الحجةَ القاهرة على طريق الاستفهام، لأنهما كانا ممن يَعبُد الأصنام، وقد قيل: إنه كان بَيْنَ أيديهما أصنامٌ يعبدونها، عند أن خاطبهما بهذا الخِطَاب.

وعبارة المراغي: وهذا الاستفهام لتقرير ما يذكر بعده، وتوكيده، والمرادُ بالتفرق التفرقُ في الذوات، والصفات المعنوية التي يَنْعتونهم بها، والصفات الحسية التي يصوِّرها لهم بها الكَهَنة والرؤساء من رسوم منقوشة وتماثيل منصوبة في المعابد والهياكل.

والمعنى (1): أأرباب كثيرون متفرِّقون شأنهم التنازعُ والاختلاف في الأعمال، والتدبير الذي يُفْسِدُ النظام خير لكما، ولغيركما فيما تطلبون من كشف الضر، وجلب النفع، وكلِّ ما تحتاجون فيه إلى المعونة من عالم الغيب، أم اللَّهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمد الذي لا ينارع ولا يعارض في تصرفه، وتدبيره، وله القدرة التامَّةُ، والإرادةُ العامَّةُ، وهو المسخر لجميع القوى، والنواميس الظاهرة التي تَقُوم بها نظم العوالم السماوية، والأرضية، من نور وهواء وماء، والغائبة عنا كالملائكة، والشياطين مما كان الجهل بحقيقتها، هو سبب عبادتها، والقولُ بربوبيتها، ولا شكَّ أنَّ الجوابَ عن هذا مما لا يختلف فيه عاقلٌ، فلا خيرَ في تفرق المعبودات التي لا تستطيع ضرًّا ولا نفعًا في السموات والأرض.

‌40

- ثم بين لهما أنَّ ما يعبدونه، ويسمونه آلهة إنما هي جَعْلٌ منهم، وتسمية من تلقاء أنفسهم، تَلَقَّاها خلف عن سلف، ليس لها مستندٌ من العقل، ولا الوحي السماويّ فقال:{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ} ؛ أي: ما تعبدون من دون الواحد القهار {إِلَّا أَسْمَاءً} لمسميات {سَمَّيْتُمُوهَا} ؛ أي: وضعتموها {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} من قِبَلِكُم وتحملتموها صفات الربوبية، وأعمالها، وما هي بأرباب تَخْلُق، وترزق وتضر وتنفعُ {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}؛ أي: ما أنزل الله حجةً وبرهانًا على أحد من رسله بتسميتها أربابًا، حتى يقالَ: إنكم تتبعونها تعبدًا له وحده، وطاعةً لرسله.

(1) المراغي.

ص: 424

والخلاصة: أنها تسمية لا دليلَ عليها من نقل سماوي، فتكونُ أصلًا من أصول الإيمان، ولا دليل عليها من عقل، فتكون من نتاج الحجة والبرهان.

وقيل المعنى (1): ما تعبدون من دون الله تعالى إلا مسميات أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم آلهةً من عند أنفسكم، وليس لها من الإلهية شيء إلا مجردَ الأسماء لكونها جمادات لا تَسمع، ولا تبصر، ولا تنفع، ولا تضر. {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا}؛ أي: بتلك التسمية {مِنْ سُلْطَانٍ} ؛ أي: من حُجَّةٍ تدل على صحتها، وإنما قال: ما تعبدون على خطاب الجَمع، وكذلك ما بعده من الضمائر؛ لأنه قَصَدَ خطاب صاحبي السجن، ومَنْ كان على دينهم. ومفعول سَمَّيتموها، الثاني محذوف كما قدرناه آنِفًا؛ أي: آلهةً من عند أنفسكم. {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} ؛ أي: ما الحكم (2) الحق في الربوبية، والعبادة إلا لله سبحانه وتعالى وحده، يوحيه لِمَن اصطفاه من رسله، ولا يمكن بشرًا أن يَحْكُم فيه بهواه، ورأيه، ولا بعَقْله، واستدلاله ولا باجتهاده واستحسانه. وهذه قاعدة اتفقت عليها كلُّ الأديان دونَ اختلاف الأمكنة والأزمان.

ثمَّ بيَّنَ ما حَكَمَ به الله تعالى فقال: {أَمَرَ} سبحانه وتعالى على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام بـ {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} سبحانه وتعالى؛ أي (3): أمَرَ ألَّا تعبدوا غَيْرَه، ولا تَدْعُوا سِوَاه، فله وحده اركعوا، واسجدوا، وإليه وحده توَجَّهوا حنفاءَ غير مشركين به شيئًا من مَلَك من الملائكة ولا ملك من الملوك الحاكمين، ولا شمس، ولا قمر، ولا نجم، ولا شجر، ولا حيوان كالعِجْل (أبِيسُ) لدى المصريين؛ لأنَّ (4) العبادَة نهاية التعظيم، فلا تليق إلا بمَنْ حَصَلَ منه نهاية الإنعام، وهو الله تعالى؛ لأنَّ منه الخلق والإحياء، والرزق والهداية، ونعم الله كثيرة، وجهاتُ إحسانه إلى الخلق غير متناهية، فالمؤمن الصادق الإيمان، لا يذِلُّ ولا يَخْضَعُ لأحد غير الله تعالى مما خلق بدعاء ولا استغاثة، ولا طلب فرج من

(1) الشوكاني.

(2)

المراغي.

(3)

المراغي.

(4)

المراح.

ص: 425