المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أي (1): صفة الكافر كصفةِ شخصٍ متصفٍ بالعمى، والصمم، فلا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: أي (1): صفة الكافر كصفةِ شخصٍ متصفٍ بالعمى، والصمم، فلا

أي (1): صفة الكافر كصفةِ شخصٍ متصفٍ بالعمى، والصمم، فلا يهتَدي لمقصوده، وصفَةُ المؤمن كصفة شخص متصف بالبصر والسمع فاهتدى لمطلوبه.

والمعنى: مَثَلُ (2) فريقَيْ الكافرين والمؤمنين، وصفتهما الحِسيَّةُ التي تطابق حالَهما كمثل الأعمى الفاقدِ لحاسَّةِ البصر في خِلْقَتِهِ والأصم الفاقد لحاسةِ السمع الذي حُرِمَ وَسَائِلَ العلم والمعرفة الإنسانية والحيوانية، ومَنْ هو كاملُ حَاستَي السمع والبصر، فهو يستمد العِلْمَ من آيات الله في خَلقِهِ بما يسمعُ من القرآن، وبما يَرَى في الأكوان، وهما وسيلتا العلم والهدى لعقل الإنسان.

والاستفهام في قوله {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} للإنكار، وهذه الجملة مقررةُ لِمَا تقدم من قوله:{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} ؛ أي: هل يستوي الفريقان صفةً وحالًا ومآلًا؟ كلَّا، إنهما لا يَستويان، و (الهمزةُ) في قوله:{أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155)} للتوبيخ داخلةٌ على محذوف، و (الفاءُ) عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتَغْفُلُون عن ذلك المَثَلِ الجَليِّ الواضح وتَشكُّون في عدم الاستواء، فلا تَتَذكَّرون ما بينهما من التَّباين والاختلاف، فتعتبرُوا به؛ أي أفلا تذكرون في عدم استوائهما، وفيما بينهما من التفاوت الظاهر الذي لا يَخْفى على مَنْ له تذكُرٌ وعنده تأمُّلٌ، والهمزةُ لإنكارِ عدم التذكر، وابتعاد صدورِه من المخاطبين.

وإجمالُ المعنى: أنه شَبَّهَ الكافرين بالعُمْي الذين لا يستعملون أبْصَارهم فيما يفضلون به الحيوانَ الأعجم من فَهْمِ آيات الله التي تزيدُهم عِلْمًا وهُدًى وبالصم الذين لا يَسْمَعون داعِيَ الله إلى الرشاد والهدى فيجيبونه، ويهتدون به، وشبه المؤمنين الذين انْتَفَعُوا بأسماعهم وأبصارهم، واهتدوا إلى الجنة، وتركوا مَا كَانوا خابطينَ فيه من كفر وضلال، بحال مَنْ هو سميع بصير، فيهتدي بِسَمْعِهِ إلى ما يبعدُه من مواضع الهلاك، ويهتدي ببصرِه بواسطة النور حين السير في الظلام، وقرأ الجمهور:{أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ} بإدغام التاء الثانية في الأصل في الذال، وفي قراءة سبعية:{تَذَكَّرُون} بحذف إحدى التائَين تخفيفًا.

‌25

- ولمّا أورد سبحانه على

(1) المراح.

(2)

المراغي.

ص: 55

الكفار المعاصِرينَ لمحمد صلى الله عليه وسلم أنواعَ الدلائل التي هي أوْضَحُ من الشمس .. أكَّد ذلك بذكر القصص طريقةِ التَّفَنُّنِ في الكلام، ونَقْلِه من أسلُوب إلى أسلوب لِتكونَ الموعظةُ أظْهَر، والحجةُ أبْينَ، والقبولُ أتمَّ، فقال:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} .

فصل فيما حوته قصص القرآن

إنَّ في قصص (1) القرآن لأَشِعَّةٌ من ضياء العلم والهدى، جاءَتْ على لسان رَجْلٍ أمّيّ لم يكن منشئًا، ولا راويةً، ولا حافظًا، ويمكن أن نَجْعَلَ أغراضَها فيما يلي:

1 -

بيان أُصول الدين المشتركة بين جميع الأنبياء من الإيمان بالله، وتوحيده، وعلمه، وحكمته، وعدله، ورحمته، والإيمان بالبعث والجزاء.

2 -

بيانُ أنَّ وظيفة الرسل تَبْليغُ وَحْيِ الله تعالى لعباده فحَسْبُ، ولا يملكون وَراءَ ذلِكَ نَفْعًا، ولا ضَرًّا.

3 -

بيانُ سُنن الله في استعدادِ الإنسان النفسيّ والعقليّ لكلّ من الإيمان، والكفر، والخير، والشر.

4 -

بيان سُنَنِ الله في الاجتماع، وطباع البشر، وما في خلقه للعالم من الحكمة.

5 -

آياتُ الله وحججه على خلقه في تأييد رسله.

6 -

نصائح الأنبياء ومواعظُهم الخاصَّة بكل قوم بحسَبِ حَالِهم كَقَوْمِ نوح في غِوَايتهم، وغرورهم، وقوم فرعون، ومَلَئِهِ في ثَرْوَتِهم، وعُتوِّهم، وقوم عاد في قُوَّتِهم وبطشهم، وقوم لوط في فحشهم.

7 -

تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث يَعْلَمُ ما وقع لغيره من الأنبياء.

(1) المراغي.

ص: 56

وجملة ما ذكره في هذه السورة من القصص سبعةٌ (1):

القصة الأولى: قصة نوح عليه السلام، المذكورة في قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} إلخ.

القصة الثانية: قصة هود عليه السلام، المذكورة في قوله تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} .

القصة الثالثة: قصة صالح عليه السلام، المذكورة في قوله تعالى:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} إلخ.

القصة الرابعة: قصة إبراهيم عليه السلام، مع الملائكة، المذكورة في قوله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} .

القصة الخامسة: قصة لوط عليه السلام، المذكورة في قوله تعالى:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} إلخ.

القصة السادسة: قصة شعيب المذكورة في قوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} إلخ.

القصة السابعة: قصة موسى المذكورة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} إلخ، وهي آخر القصص.

وتقدَّم أنَّ نوحًا اسمه عَبْدُ الغفار، ونوحُ لقبه، قال ابن عباس (2): بُعث نوح بعد أربعينَ سنةً، ولبِثَ يدعو قومَه تسع مئة سنة وخمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان ستين سنةً، فكان عُمْرُه ألف سنة وخمسين سنة، وقال مقاتل: بُعِثَ، وهو ابن مئة سَنَةٍ، وقيل: وهو ابن خمسين سنة، وقيل: وهو ابنُ مئتين وخمسين سنة، ومكَثَ يَدْعُو قَوْمَه تسع مئة سنةٍ وخمسين سنةً، وعاش بعد الطوفان مئتين وخمسين سنةً، فكان عمره ألفَ سنة وأربع مئة سنة وخمسين سنة، اهـ "خازن".

(1) الفتوحات.

(2)

الخازن.

ص: 57