الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعنى: يشهد فيه الخلائق الموقفَ لا يغيب عنه أحد، ومنه قولهم: لفلان مجلس مشهود، وطعام محضور، وإنما لم يجعل اليومَ مشهودًا في نفسه كما قال:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} لأن الغرض وصف ذلك اليوم بالهول والعِظم وغيره من بين الأيام، وكونه مشهودًا في نفسه لا يميزه إذ هو موافق لسائر الأيام في كونها مشهودةً، انتهى.
104
- {وَمَا نُؤَخِّرُهُ} ؛ أي: وما نؤخِّر ذلك اليومَ {إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ} ؛ أي: إلا لأجل انقضاء أجل معلوم عدده. وانتهاء مدة معلومة في علمنا مضروبة بحسب ما تقتضيه الحكمة لا تزيد، ولا تنقض، وهي انتهاء مدة الدنيا، وكل شيء معدود محدود قريب، ولم يطلع الله سبحانه وتعالى أحدًا من خلقه على معرفة ذلك اليوم. وفي (1) الآيات تهديد وتخويفٌ من الله تعالى، وحث على تصحيح الحال، وتصفيةِ البال وتزكية الأعمال، ومحاسبة النفوس قبل بلوغ الآجال، فإن العبد لا يحصد إلا ما يزرع، ولا يشرب إلا بالكأس التي يَسْقي، فعلى العاقل أن يتداركَ ما فاتَ ولا يضيع الأوقاتَ.
105
- والظرف في قوله: {يَوْمَ يَأْتِ} منصوب بقوله: {لَا تَكَلَّمُ} وفاعل (يأت) ضمير يعود على (اليوم) أي: حين يأتي ذلك اليوم المؤخر بانقضاء أجله، وهو يوم القيامة، فلا يلزم أن يكونَ للزمان زمانٌ، وذلك لأن الحينَ مشتمل على ذلك اليوم، وغيره من الأوقات، ولا محذور في كون الزمان جزءًا من زمان آخر، ألا ترى أنَّ الساعةَ جزء من اليوم، واليوم من الأسبوع، والأسبوع من الشهر، والشهر من العام.
و {يَأْتِ} بحذف الياء اجتزاءً عنها بالكسرة، كما قالوا: لا أدر ولا أُبال، وهو كثير في لغة هذيل. روي عن عثمانَ رضي الله عنه أنه عرض عليه المصحف، فوجد فيه حروفًا من اللحن، فقال: لو كان الكاتب من ثقيف، والمملي من هذيل .. ما وجد فيه هذه الحروف. فكأنه مَدَح هذيْلًا بالفصاحة.
{لَا تَكَلَّمُ} بحذف إحدى التاءين؛ أي: لا تتكلم {نَفْسٌ} من الأنفس
(1) روح البيان.
الناطقة بما ينفع، ويُنجي من جواب، أو شفاعة {إِلَّا بِإِذْنِهِ} سبحانه وتعالى إذ لا يملك أحد فيه قولًا، ولا فعلًا إلا بإذنه تعالى في التكلم. فالمأذون (1) من الكلام هو الجوابات الصحيحة، والممنوعُ منه هو ذكر الأعذار الباطلة كما قال تعالى:{لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} ، وقوله:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ، وقوله:{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} ، ويوم القيامة يوم مقداره ألف سنة من سني الدنيا. ففيه مواقف، وأزمنة، وأحوال، مختلفة يتكلمون في بعضها، ويتساءلون كما قال:{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} . ولا يتكلمون في بعضها لشدة الهول، والفزع، وظهور آثار سطوة القهر، أو لعدم الإذن لهم في الكلام، كما قال تعالى:{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)} ، ويُختم في بعضها على أفواههم، وتتكلم أيديهم، وتشهد أرجلهم، وبهذا التفصيل يجمع بينَ الآيات المتعارضة ظَواهِرُها.
وقرأ الأعمش (2): {وما يؤخره} بالياء. وقرأ النحويان أبو عمرو، والكسائي، ونافع:{يأتي} بإثبات الياء وصلًا، وحذفَها وقفًا. وقرأ ابن كثير بإثباتها وصلًا ووقفًا، وهي ثابتة في مصحف أُبيٍّ. وقرأ باقي السبعة بحذفها وصلًا ووقفًا. وسقطت في مصحف الإِمام عثمان رضي الله عنه. وقرأ الأعمش:{يأتون} وكذا في مصحف عبد الله، وإثباتها وقفًا ووصلًا هو الوجه. ووجه (3) حذف الياء مع الوقف ما قاله الكسائي أن الفعلَ السالمَ يوقف عليه كالمجزوم، فحذفت الياء، كما تحذف الضمة، ووجه قراءة مَنْ قرأ بحذف الياء مع الوصل أنهم رأوا رَسْمَ المصحف كذلك. وَحَكى الخليل، وسيبويه: أن العرب تقول: لا أدر فتحذف الياء، وتجتزىء بالكسر. وأنشد الفراء في حذف الياء:
كَفَاكَ كَفٌّ مَا تَلِيْقُ دِرْهَمًا
…
جُوْدًا وَأُخْرَى تُعْطِ بِالسَّيْفِ الدَّمَا
قال الزجاج: والأجود في النحو إثبات الياء، انتهى.
(1) المراح.
(2)
البحر المحيط.
(3)
الشوكاني.
{فَمِنْهُمْ} ؛ أي: فممن يجمع في ذلك اليوم {شَقِيٌّ} وجبت له النار بموجب الوعيد، فهو مستحق للعذاب الأليم، الذي أوعدَ به الكافرون {وَسَعِيدٌ}؛ أي: ومنهم سعيد، وجَبَت له الجنة بمقتضى الوعد، فهو مستحق لما وعد به المتقون من الثواب، والنعيم الدائم، وتقديم الشقي على السعيد؛ لأن المقامَ مقام التحذير والإنذار، والأطفال والمجانين لا يدخلون في هذا التقسيم لعدم التكليف، ويدخل فيه من استوت حَسَناتهم وسيئاتهم من المؤمنين، ومن تغلب سيئاتهم، ويعاقبون عليها إلى حين ثم يدخلون الجنةَ؛ لأنهم فريق السعداءِ باعتبار العاقبة، فالسعداء درجات، والأشقياء دركات، وتخصيص هذين القسمين بالذكر لا يدل على نفي القسم الثالث، كالأطفال والمجانين.
روى الترمذي وأبو يعلى وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما نزلت {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} ، قلت: يا رسول الله، فعلام نعمل على شيء قد فرغ منه، أو على شيء لم يفرغ منه، قال:"بل على شيء قد فرغ منه، وجَرَتْ به الأقلام يا عمر، ولكن كل ميسر لما خلق له". وروي عن علي كرم الله وجهه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في جنازة فأخَذَ عودًا فجعل يَنْكتُ في الأرض، فقال:"اعملوا فكل ميسر لما خلق له"، وقرأ:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} .
والمراد أن الله يعلم الغيب، وأنه يعلم المستقبل كلَّه بجميع أجزائه، وأطرافه، ومنه عمل العاملين، وما يترتب على كل عمل من الجزاء بحسب وعده ووعيده في كتابه المنزل، وكتابته للمقادير، والنبي صلى الله عليه وسلم، علَّمنا أنَّ الجزاء بالعمل، وأنَّ كُلًّا ميسر له، ومسهل عليه ما خلقه الله لأجله من سعادة الجنة، أو شقاوة النار، وأنَّ ما وَهَبه من الاستعداد والعزيمة يكون له تأثير في تربية النفس، وتوجيهها إلى ما تعتقد أنَّ فيه سعادتَها وخَيْرُها.
قال في "التبيان"(1): علامة الشقاوة خمسة أشياء: قساوة القلب، وجمود العين، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل، وقلة الحياء. وعلامة السعادة خمسة
(1) روح المعاني.
أشياءٍ أيضًا: لين القلب، وكثرة البكاء، والزهد في الدنيا، وقصر الأمل، وكثرة الحياء. وفي "التأويلات النجمية"{شَقِيٌّ} محكوم عليه بالشقاوة في الأزل، {وَسَعِيدٌ} محكوم عليه بالسعادة في الأزل، وعلامة الشقاء الإعراض عن الحق، وطلبه، والإصرار على المعاصي من غير ندم عليها، والحرص على الدنيا، حلالها وحرامها، واتباع الهوى، والتقليد، والبدعة. وعلامة السعادة: الإقبال على الله وطلبه، والاستغفار من المعاصي، والتوبة إلى الله، والقناعة باليسير من الدنيا، وطلب الحلال منها، واتباع السنة، واجتناب البدعة، ومخالفة الهوى، انتهى.
الإعراب
{قَالُوا} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {يَا شُعَيْبُ} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{يَا شُعَيْبُ} منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالُوا} . {أَصَلَاتُكَ} (الهمزة) للاستفهام الإنكاري الاستهزائي. (صلاتك) مبتدأ. {تَأْمُرُكَ} فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على (صلاتك) والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالُوا} . {أَنْ نَتْرُكَ} ناصب ومنصوب، وفاعله ضمير يعود على قوم شعيب. {مَا} موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول الترك، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر، محذوف تقديره: بترك عبادة ما يعبد آباؤنا، الجار والمجرور متعلق بـ {تأمر} . {يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} فعل وفاعل، والجملة صلة لـ (ما) أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: ما يعبد آباؤنا. {أَوْ} حرف عطف بمعنى الواو، التي للجمع. {أَنْ نَفْعَلَ} ناصب وفعل، وفاعله ضمير يعود على قوم شعيب. {فِي أَمْوَالِنَا} متعلق به. {مَا نَشَاءُ} (ما) موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به، وجملة {نفعل} في تأويل مصدر معطوف على {ما} في قوله:{مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} تقديره: أصلاتك تأمرك بترك عبَادة ما يعبد آباؤنا؛ أو بترك فعلنا في أموالنا ما نشاء. {نَشَاءُ} فعل مضارع،
وفاعله ضمير يعود على قوم شعيب، والجملة صلة لـ (ما) أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: ما نشاؤه. {إِنَّكَ} ناصب واسمه. {لَأَنْتَ} {اللام} حرف ابتداء. {أنت} تأكيد للكاف أو ضمير فصل. {الْحَلِيمُ} خبر إن. {الرَّشِيدُ} صفة للحليم، وجملة إن في محل النصب مقول {قَالُوا} على كونها معلَّلةً لما قبلها.
{قَالَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على شعيب، والجملةُ مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. {يَا قَوْمِ} إلى قوله:{قَالُوا يَا شُعَيْبُ} مقول محكي، وإن شئت قلت:{يَا قَوْمِ} منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ} . {أَرَأَيْتُمْ} فعل وفاعل، وهي هنا بمعنى: أخبروني فتنصب مفعولين، وقد حذفا معًا من النظم الكريم، وتقدير الأول أخبروني فياء المتكلم هي المفعول الأول، والثاني محذوف أيضًا تقديره: أرأيتم إن كنت على بينة من ربي، ورزقني منه رزقًا حسنًا أفأشوبه بالحرام، فالجملة الاستفهامية في محل النصب مفعول ثان، وجملة {أَرَأَيْتُمْ} في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها جوابَ النداء. {إِنْ كُنْتُ} جازم، وفعل ناقص واسمه. {عَلَى بَيِّنَةٍ} خبره، وجملة {كان} في محل الجزم بـ (إن) على كونه فعلَ شرط لها. {مِنْ رَبِّي} صفة لـ {بينة} . {وَرَزَقَنِي} فعل ومفعول أول و (نون) وقاية، وفاعله ضمير يعود على الرب، والجملة في محل الجزم معطوفة على جملة (كان). {مِنْهُ} جار ومجرور حال من {رزقًا} لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {رِزْقًا} مفعول ثان. {حَسَنًا} صفة له، وجواب (إن) الشرطية محذوف، تقديره:{أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} ، ورزقني منه الرزقَ الحلالَ، والهداية، والنبوة، والمعرفة فهل يسعني مع هذه النعم العظيمة أن أخون في وجه أو أن أخالف أمره أو أتبع الضلال أو أبخس الناس أشياءَهم، وهذا الجواب شديد المطابقة لما تقدم، وذلك أنهم قالوا له: إنك لأنت الحليم الرشيد، والمعنى: فكيف يليق بالحليم الرشيد أن يخالف أمر ربه، وله عليه نعم
كثيرة، ذكره في "الخازن" وجملة (إن) الشرطية مَعَ جوابها المحذوف في محل النصب مقول {قَالَ} . {وَمَا أُرِيدُ} (الواو) عاطفة. (ما) نافية. {أُرِيدُ} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على شعيب، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {أَرَأَيْتُمْ} على كونها مقولَ قال. {أَنْ أُخَالِفَكُمْ} ناصب وفعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على شعيب. {إِلَى مَا} جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: وما أريد مخالفتَكَم إلى ما أنهاكم عنه. {أَنْهَاكُمْ} فعل ومفعول. {عَنْهُ} متعلق به، وفاعله ضمير يعود على شعيب، والجملة صلة لـ (ما) أو صفة لها. {إِنْ أُرِيدُ} (إن) نافية. {أُرِيدُ} فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على شعيب، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ} . {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ. {الْإِصْلَاحَ} مفعول به. {مَا اسْتَطَعْتُ} {ما} مصدرية ظرفية. {اسْتَطَعْتُ} فعل وفاعل، والجملة صلة {ما} المصدرية {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف المقدر إليه، تقديره: إن أريد إلَّا الإصلاحَ مدة استطاعتي. {وَمَا تَوْفِيقِي} (الواو) عاطفة. {ما} نافية. {تَوْفِيقِي} مبتدأ. {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ. {بِاللَّهِ} جار ومجرور خبر المبتدأ، تقديره: وما توفيقي إلا كائن بالله، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلَها على كونها مقولَ {قَالَ} . {عَلَيْهِ} جار ومجرور متعلق بما بعده. {تَوَكَّلْتُ} فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ} . {وَإِلَيْهِ} جار ومجرور متعلق بما بعده. {أُنِيبُ} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على شعيب، والجملة معطوفة على جملة {تَوَكَّلْتُ} على كونها مقول {قَالَ} .
{وَيَا قَوْمِ} منادى مضاف، وجملة النداء معطوف على المنادى الأولى على كونها مقولَ {قَالَ} . {لا} ناهية. {يَجْرِمَنَّكُمْ} فعل ومفعول و (نون) توكيد في محل الجزم بـ {لا} . {شِقَاقِي} فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول
{قَالَ} على كونها جوابَ النداءِ. {أَنْ يُصِيبَكُمْ} ناصب وفعل ومفعول أول. {مِثْلُ} فاعل وهو مضاف. {مَا} مضاف إليه، والجملة الفعلية في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا ثانيًا لجرم تقديره: ويا قوم لا يكسبنكم عداوتي إصابتكم عَذَاب مثل ما أصاب. {أَصَابَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مَا} . {قَوْمَ نُوحٍ} مفعول به، ومضاف إليه، والجملة الفعلية صلة لـ (ما) أو صفة لها. {أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} معطوفان على {قَوْمَ نُوحٍ} . {وَمَا} (الواو) عاطفة. {ما} نافية أو حجازية. {قَوْمُ لُوطٍ} مبتدأ أو اسم {ما} . {مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} (الباء) زائدة. {بعيد} خبر المبتدأ، أو خبر لـ (ما) منصوب بفتحة مقدرة، والجملة الاسمية في محل النصب مقولُ {قَالَ} . وأتى {بِبَعِيدٍ} مفردًا، وإن كان خبرًا عن جمع لأحد أوجه: إما لحذف مضاف تقديره: وما إهلاك قوم لوط، وإما باعتبار زمان؛ أي بزمان بعيد، وإما باعتبار مكان؛ أي: بمكان بعيد، وإما باعتبار موصوف غيرهما؛ أي: بشيء بعيد، كذا قدره الزمخشري، وتبعه الشيخ، وفيه إشكال من حيث إنَّ تقدير زمان يلزم فيه الإخبار بالزمان عن الجثة، وقال الزمخشري أيضًا: ويجوز أن يستوي في بعيد، وقريب، وقليل، وكثير، بين المذكر والمؤنث لورودها على زنة المصادر التي هي كالصهيل، والنهيق، ونحوهما، اهـ "سمين". {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يَجْرِمَنَّكُمْ} على كونه مقول {قَالَ} . {ثُمَّ تُوبُوا} فعل وفاعل. {إِلَيْهِ} متعلق به، والجملة معطوفة على جملة {اسْتَغْفِرُوا} . {إِنَّ رَبِّي} ناصب واسمه. {رَحِيمٌ} خبره. {وَدُودٌ} خبر ثان، وجملة (إن) مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها على كونها مقول {قَالَ} .
{قَالُوا} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {يَا شُعَيْبُ} إلى قوله:{قَالَ} مقول محكي، وإن شئت قلتُ:{يَا شُعَيْبُ} منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ} . {مَا} نافية. {نَفْقَهُ كَثِيرًا} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على قوم شعيب، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها
جوابَ النداء. {مِمَّا} جار ومجرور صفة لـ {كَثِيرًا} ، وجملة {تَقُولُ} صلة لـ (ما) أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: مما تقوله. {وَإِنَّا} ناصب واسمه. {لَنَرَاكَ} (اللام) حرف ابتداء. {لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} فعل ومفعولان. {فِينَا} جار ومجرور حال من {ضَعِيفًا} لأنه صفة نكرة قدمت عليها، وفاعله ضمير يعود على قوم شعيب، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر إن، وجملة إن في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{مَا نَفْقَهُ} على كونها مقول {قَالَ} . {وَلَوْلَا} (الواو) عاطفة. {لولا} حرف امتناع لوجود. {رَهْطُكَ} مبتدأ والخبر محذوف وجوبًا تقديره: ولولا رهطك موجود {لَرَجَمْنَاكَ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب {لولا} وجملة {لولا} معطوفة على ما قبلَها على كونها مقول {قَالَ} . {وَمَا أَنْتَ} (ما) حجازية أو تميمية. {أَنتَ} اسمها أو مبتدأ. {عَلَيْنَا} متعلق {بِعَزِيزٍ} . {عزيز} خبر (ما) أو خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالَ} .
{قَالَ} فعل ماض وفاعله ضمير يعود على شعيب، والجملة مستأنفة. {يَا قَوْمِ أَرَهْطِي} إلى قوله:{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} مقول محكي، وإن شئت .. قلت:{يَا قَوْمِ} منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ} . {أَرَهْطِي} (الهمزة) للاستفهام الإنكاري المضمن للتوبيخ {رهطي أعزُّ} مبتدأ وخبر. {عَلَيْكُمْ} متعلق بـ {أَعَزُّ} . وكذا يتعلق به {مِنَ اللَّهِ} والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها جوابَ النداء. {وَاتَّخَذْتُمُوهُ} فعل وفاعل، ومفعول أول. {وَرَاءَكُمْ} ظرف، ومضاف إليه حال من {ظِهْرِيًّا} . {ظِهْرِيًّا} مفعول ثان، والجملة الفعلية في محل النصب، معطوفة على الجملة الاسمية على كونها مقولَ {قَالَ} . {إِنَّ رَبِّي} ناصب واسمه. {بِمَا} جار ومجرور متعلق بـ {مُحِيطٌ} . وجملة {تَعْمَلُونَ} صلة لـ (ما) أو صفة لها. {مُحِيطٌ} خبر (إن) وجملة (إن) في محل النصب مقول {قَالَ} {وَيَا قَوْمِ} منادى معطوف على المنادى الأول.
{اعْمَلُوا} فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها جوابَ النداء. {عَلَى مَكَانَتِكُمْ} جار ومجرور حال من (واو){اعْمَلُوا} أي حالةَ كونكم موصوفينَ بغاية إمكاناتكم. {إِنِّي عَامِلٌ} ناصب واسمه وخبره والجملة في محل النصب مقول {قَالَ} . {سَوْفَ} حرف تنفيس. {تَعْلَمُونَ} فعل وفاعل. {مَن} اسم موصوف في محل النصب مفعول به، لأن علم هنا بمعنى عرف، والجملة الفعلية مستأنفة استئنافًا بيانيًّا على كَوْنِها مقول {قَالَ} . {يَأْتِيهِ عَذَابٌ} فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة (من) الموصولة. وجملة {يُخْزِيهِ} صفة {عَذَابٌ} . {وَمَن} معطوف على {مَن} الأولى. وجملة {هُوَ كَاذِبٌ} صلة {من} الموصولة. {وَارْتَقِبُوا} فعل وفاعل معطوف على {اعْمَلُوا} . {إِنِّي} ناصب واسمه. {مَعَكُمْ} متعلق بـ {رَقِيبٌ} . {رَقِيبٌ} خبر (إن) وجملة (إن) في محل النصب مقول {قَالَ} .
{وَلَمَّا} {الواو} استئنافية. (لما) حرف شرط. {جَاءَ أَمْرُنَا} فعل وفاعل، والجملة فعل شرطًا لـ (لما). {نَجَّيْنَا شُعَيْبًا} فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب (لمَّا) وجملة (لمَّا) مستأنفة. {وَالَّذِينَ} معطوف على {شعيب} . {آمَنُوا} فعل وفاعل صلة الموصول. {مَعَهُ} ظرف، ومضاف إليه حال من (واو){آمَنُوا} . {بِرَحْمَةٍ} جار ومجرور متعلق بـ {نَجَّيْنَا} . {مِنَّا} صفة لـ {رَحْمَةٍ} . {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ} فعل ومفعول. {ظَلَمُوا} فعل وفاعل صلة الموصول. {الصَّيْحَةُ} فاعل، والجملة معطوفة على جملة {نَجَّيْنَا} . {فَأَصْبَحُوا} (الفاء) عاطفة. {أصبحوا} فعل ناقص واسمه. {فِي دِيَارِهِمْ} متعلق بما بعده. {جَاثِمِينَ} خبر {أصبحوا} ، وجملة {أصبحوا} معطوفة على جملة {أخذت} .
{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)} .
{كَأَنْ} مخففة من الثقيلة واسمها محذوف تقديره: كأنهم. {لَمْ يَغْنَوْا} فعل وفاعل مجزوم بـ (لم). {فِيهَا} متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
{كَأَنْ} وجملة {كَأَنْ} في محل النصب حال من الضمير المستكن في {جَاثِمِينَ} ؛ أي: أصبحوا جاثمين حالَ كونهم مماثلينَ لِمَنْ لَمْ يوجد، ولم يقم في مكان قط. {ألا} حرف تنبيه. {بُعْدًا} منصوب على المصدرية بفعل محذوف وجوبًا تقديره: بعدت مدين بعدًا، والجملة مستأنفة. {لِمَدْيَنَ} متعلق بـ {بُعْدًا} . {كَمَا} (الكاف) حرف جر. (ما) مصدرية. {بَعِدَتْ ثَمُودُ} فعل وفاعل صلة (ما) المصدرية (ما) مع صلتها في تأويل مصدر مجرور (بالكاف) الجار، والمجرور صفة لـ {بُعْدًا} تقديره: ألا بعدًا لمدينَ مثلَ بُعد ثَمودَ.
{وَلَقَدْ} (الواو} استئنافية. (اللام) موطئة للقسم. {قد} حرف تحقيق. {أَرْسَلْنَا مُوسَى} فعل وفاعل، ومفعول، والجملة جواب القسم، وجملة القسم مستأنفة. {بِآيَاتِنَا} جار ومجرور حال من {مُوسَى}؛ أي: حالَة كونه متَلبِسًا {بِآيَاتِنَا} . {وَسُلْطَانٍ} معطوف على {آياتنا} . {مُبِينٍ} صفة {سلطان} . {إِلَى فِرْعَوْنَ} متعلق بـ {أرسلنا} . {وَمَلَئِهِ} معطوف على {فِرْعَوْنَ} . {فَاتَّبَعُوا} فعل وفاعل. {أَمْرَ فِرْعَوْنَ} مفعول به، ومضاف إليه، والجملة الفعلية معطوفة على مقدر تقديره: فكَفَر بها فرعون، وأمرهم بالكفر فاتَّبعوا أمر فرعون. {وَمَا} {الواو} حالية. (ما) حجازية. {أَمْرَ فِرْعَوْنَ} اسمها، ومضاف إليه. {بِرَشِيدٍ} (الباء) زائدة. {رشيد} خبرها، ويصح أن يكونَ مبتدأً، وخبرًا على إهمال (ما)، والجملة في محل النصب حال من فرعون، والتقدير: حال كون فرعون غيرَ رشيد.
{يَقْدُمُ قَوْمَهُ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على فرعون، والجملة مستأنفة على كونها معلِّلَةٌ لِما قبلها. {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} متعلق بـ {يقدم} . {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود إلى فرعون، والجملة معطوفة على جملة {يَقْدُمُ} . {وَبِئْسَ} {الواو} استئنافية. {بئس الورد} فعل وفاعل.
{الْمَوْرُودُ} صفة لـ (الورد)، والمخصوص بالذم محذوف وجوبًا تقديره: وردهم هذا، وهو مبتدأ خبره جملة {بِئْسَ} ، والجملة الاسمية مستأنفة؛ لأنها إنشائية. {وَأُتْبِعُوا} فعل، ونائب فاعل، والجملة مستأنفة. {فِي هَذِهِ} متعلق بـ {أتبعوا}. {لَعْنَةً} مفعول (ثان). {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} ظرف معطوف على الجار والمجرور في قوله:{فِي هَذِهِ} على كونه متعلقًا بـ {أتبعوا} مقدرًا؛ أي: وأتبعوا يوم القيامة لعنةً ثانيةً. {بِئْسَ الرِّفْدُ} فعل وفاعل. {الْمَرْفُودُ} صفة لـ {الرفد} والجملة الفعلية في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف وجوبًا هو المخصوص بالذم تقديره: رفدهم هذا.
{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)} .
{ذَلِكَ} مبتدأ. {مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى} خبر أول، والجملة مستأنفة. {نَقُصُّهُ} فعل ومفعول. {عَلَيْكَ} متعلق به، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ثان للمبتدأ. {مِنْهَا} خبر مقدم. {قَائِمٌ} مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا لوقوعها في جواب سؤال مقدر تقديره: ما حال هذه القرى أباقية آثارها أم لا؟ فأجاب بقوله: منها: قائم ومنها حصيد. {وَحَصِيدٌ} مبتدأ خبره محذوف تقديره: ومنها حصيد، والجملة معطوفة على جملة قوله:{مِنْهَا قَائِمٌ} .
{وَمَا} (ما) نافية. {ظَلَمْنَاهُمْ} فعل، وفاعل، ومفعول، والجملة مستأنفة. {وَلَكِنْ} {الواو} عاطفة. {لكن} حرف استدراك. {ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} فعل وفاعل ومفعول معطوفة على جملة {ظَلَمْنَاهُمْ} . {فَمَا} (الفاء) عاطفة. {ما} نافية. {أَغْنَتْ} فعل ماض. {عَنْهُمْ} متعلق به. {آلِهَتُهُمُ} فاعل، والجملة معطوفة على جملة {ظَلَمُوا} . {الَّتِي} صفة لـ {آلِهَتُهُمُ} . {يَدْعُونَ} فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: يدعونها. {مِنْ دُونِ اللَّهِ} جار ومجرور حال من (واو){يَدْعُونَ} ؛ أي: حالةَ كونهم متجاوزينَ الله إلى غيره. {مِنْ شَيْءٍ} (من) زائدة. {شَيْءٍ} منصوب على المفعولية المطلقة بـ {أَغْنَتْ} . {لَمَّا} حينية في محل النصب
على الظرفية متعلق بـ {أَغْنَتْ} . {جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه للمَا الحينية. {وَمَا زَادُوهُمْ} فعل وفاعل، ومفعول معطوف على قوله:{فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ} . {غَيْرَ تَتْبِيبٍ} مفعول به، ومضاف إليه.
{وَكَذَلِكَ} {الواو} استئنافية. {كذلك} خبر مقدم. {أَخْذُ رَبِّكَ} مبتدأ مؤخر؛ أي: ومثل ذلك الإهلاك المذكور في الأمم الماضية أخذ ربك، والجملة مستأنفة. {إِذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرطية في محل النصب على الظرفية الزمانية، والظرف متعلق بالأخذ الذي هو المصدر. {أَخَذَ الْقُرَى} فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر مضاف لـ {إِذَا} ، وكل من المصدر والفعل تنازعا في {الْقُرَى} فأُعمل الفعل، وحذف الضمير من المصدر؛ لأنَّ الضمير هنا فضلة على حد قول ابن مالك:
وَلَا تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلَا
…
بِمُضْمَرٍ لِغَيْرِ رَفعٍ أُوْهِلَا
والتقدير: وكذلك أخذ ربك إياها، إذا أخذ القرى، اهـ "جمل". {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من {الْقُرَى} . {إِنَّ أَخْذَهُ} ناصب واسمه. {أَلِيمٌ} خبره. {شَدِيدٌ} خبر بعد خبر، وجملة (إنَّ) مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. {إنَّ} حرف نصب. {فِي ذَلِكَ} خبر مقدم لها. {لَآيَةً} (اللام) حرف ابتداء. {آيةً} اسمها مؤخر، وجملة {إنَّ} مستأنفة. {لِمَنْ} جار ومجرور حال من الضمير المستكن في خبر (إنَّ). {خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} والجملة الفعلية صلة لـ {مَنْ} الموصولة. {ذَلِكَ} مبتدأ. {يَوْمٌ} خبره والجملة مستأنفة. {مَجْمُوعٌ} صفة لـ (يوم)، ولكنَّها سببية. {لَهُ} متعلق به. {النَّاسُ} نائب فاعل لـ {مَجْمُوعٌ} لأنه اسم مفعول يعمل عملَ الفعل المغير الصيغة. {وَذَلِكَ يَوْمٌ} مبتدأ وخبر.
{مَشْهُودٌ} صفة {يوم} ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. {وَمَا} {الواو} مستأنفة. {ما} نافية. {نُؤَخِّرُهُ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ. {لِأَجَلٍ} متعلق بـ {نؤخر} . {مَعْدُودٍ} صفة {أَجَلٍ} . {يَوْمَ} منصوب على الظرفية متعلق بـ {تكلم} الآتي. {يَأْتِ} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفَةِ للتخفيف في اللفظ، واتباعًا لرسم المصحف العثماني في الخط منع من ظهورها الثقل، لأنه فعل معتل بالياء، وفاعله ضمير يعود على اليوم، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} . {لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ. {بِإِذْنِهِ} متعلق بـ {تَكَلَّمُ} . {فَمِنْهُمْ} (الفاء) فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أنه لا تكلم نفس في ذلك اليوم، وأردتم بيانَ طبقات الناس، وأحوالهم في ذلك اليوم، فأقول لكم. {مِنْهُمْ} خبر مقدم. {شَقِيٌّ} مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {وَسَعِيدٌ} مبتدأ خبره محذوف تقديره: ومنهم سعيد، والجملة معطوفة على جملة {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ} .
التصريف ومفردات اللغة
{الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} ، {الْحَلِيمُ} ذو الأناة، والتروي الذي لا يتعجل بأمر قبل الثقة من فائدته، و {الرَّشِيدُ} الذي لا يأمر إلا بما استبانَ له من الخير والرشد. {أَنْ أُخَالِفَكُمْ} قال الزمخشري: يقال: خَالَفني فلان إلى كذا إذا قصده، وأنت مول عنه، وخالفني عنه إذا ولَّى عنه، وأنت قاصده، ويلقاكَ الرجلُ صادرًا عن الماء، فتسأله عن صاحبه فيقول لك: خالفني إلى الماء، يريد أنه ذَاهِب إليه واردًا، وأنا ذاهب عنه صادرًا، ومنه قوله تعالى:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} يعني أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم، اهـ "سمين". والمخالفة: أن يأخذ كل واحد طريقًا غير طريق الآخر في قوله، أو فعله، أو حاله.
{إِلَّا الْإِصْلَاحَ} وهو الإبلاغ والإنذار فقط، وأما إجباركم على الطاعة فلا
أستطيعُه، اهـ "خازن". {وَمَا تَوْفِيقِي} المصدر هنا من المبني للمفعول؛ أي: وما كوني موفقًا، اهـ شهاب. وأناب إلى الله رَجَعَ إليه. {لَا يَجْرِمَنَّكُمْ} بَابه ضرب كما في "المختار"، وينصب مفعولين كما مرَّ في مبحث الإعراب. وجَرمَ الذنبَ، أو المالَ كسبه. وفي "السمين" قوله:{لَا يَجْرِمَنَّكُمْ} العامة على فتح ياء المضارعة من جَرَم ثلاثيًّا، وقرأ الأعمش بضمها من أجرم، وقد تقدَّم أنَّ جَرم يتعدى لواحد ولاثنين مثل كَسَب، فيقال: جَرَم زيد مالًا مثل كسبه، وجرمته دينًا؛ أي: كسبته إياه فهو مثل كَسَب، فتكون الكاف والميم المفعول الأول، والثاني: هو أن يصيبكم؛ أي: لا يكسبنكم عن عداوتي إصابة العذاب، وقد تقدم أنَّ جرم، وأجرم بمعنًى، أو بينهما فرق. ونسَبَ الزمخشري ضَمَّ الياء من يجرم لابن كثير كما مر في مبحث القراءة، اهـ. {شِقَاقِي} مصدر مضاف إلى المفعول؛ أي: شقاقكم إيَّايَ. {رَحِيمٌ وَدُودٌ} ، {رَحِيمٌ}؛ أي: عظيم الرحمة للمستغفرين. {وَدُودٌ} ؛ أي: كثير اللطف والإحسان إليهم، وهو صيغة مبالغة من ود الشيء يود ودًّا وودادًا وودادة إذا أحبه وآثره، والمشهور: وددت بكسر العين، وسمع وددت بفتحها، والودود: بمعنى فاعل؛ أي: يود عبادَه ويَرْحَمُهُم. وقيل: بمعنى مفعول بِمعنى أنَّ عباده يحبونه، ويواددون أولياءه فهم بمنزلة الموادِّ مجازًا، اهـ "سمين".
{مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا} الفقهُ: الفهمَ الدقيق المؤثر في النفس الباعث على العمل. {وَلَوْلَا رَهْطُكَ} الرهط: قال ابن عطية: جماعة الرجل. وقيل: الرهط، والراهط: اسم لما دون العشرة من الرجال، ولا يقع الرهط والعصبة والنفر إلا على الرِّجال. وقال الزمخشري: من الثلاثة إلى العشرة. وقيل: إلى التسعة، ويجمع على أرهط، ويجمع أرهط على أَراهِطَ فهو جمع جمع. قال الرماني: وأصل الرهط الشَّد، ومنه الرهيط شدَّة الأكل، والراهط: اسم لجحر اليربوع؛ لأنه يتوثق به، ويخبأ فيه ولده. اهـ "أبو حيان". ورهط الرجل عَشِيرَته الذين يستند إليهم، ويتقوى بهم. {لَرَجَمْنَاكَ} ؛ أي لقتلناك بالرمي بالحجارة، وكانوا إذا قتلوا إنسانًا رجموه بالحجارة، والرَّجم بالحجارة أسوأُ القَتلات، وأشرها. وقيل: معنى لرجمناك: لشَتَمْنَاكَ، وأَغْلَظنَا لك القول. ومنه قول الجعدي:
تَرَاجَمْنَا بِمُرِّ الْقَوْلِ حَتَّى
…
نَصِيْرَ كَأنَّنَا فَرَسَا رِهَانِ
ويطلق الرجم على اللعن، ومنه: الشيطان الرجيم. {بِعَزِيزٍ} ؛ أي: ذي عزة، ومنعَة، واتخذه {ظِهْرِيًّا} بالكسر والتشديد؛ أي: جعله نسْيًا مَنْسِيًّا لا يذكر كأنه غير موجود. والظهري بكسر الظاء: هو المنسوب إلى الظهر بفتحها، وهو من تغييرات النسب، كما قالوا: في أمس إمسي بكسر الهمزة كما مرَّ. وقيل: الضمير يعود على العصيان؛ أي: واتخذتم العصيانَ عونًا على عداوتي، فالظهريُّ على هذا بمعنى المعين المقوي. {عَلَى مَكَانَتِكُمْ}؛ أي: على غاية تمكنكم من أمركم، وأقصى استطاعتكم، وإمكانكم يقال: مكن مكانة إذا تَمَكن أبلغَ تمكن.
{وَارْتَقِبُوا} ؛ أي: وانتظروا. {الصَّيْحَةُ} بوزن فعلة المرة؛ أي: صيحة العذاب. {جَاثِمِينَ} ؛ أي: باركين على ركبهم منكبين على وجوههم. {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا} يقال غنِيَ بالمكان إذا أقام به. {أَلَا بُعْدًا} واعلم أن بُعَدًا وسحقًا، ونحوهما مصادر قد وضعت مواضعَ أَفْعَالِها التي لا يستعمل إظهارها، ومعنى (بُعْدًا) بعدوا؛ أي: هلكوا. وقوله: {لِمَدْيَنَ} بيان لمن نبه عليه بالبعد نحو: هيت لك، اهـ "روح البيان". {كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} والجمهور على كسر العين من بعدت على أنها من بعد يبعد، من باب: طرب، بكسر العين، في الماضي وفتحها في المضارع، بمعنى هلك يهلك، أرادَتْ العرب أن تفرق بين البعد بمعنى الهلاك، وبين البعد الذي هو ضد القرب، ففرقوا بينهما بتغيير البناءِ، فقالوا: بَعُد بالضم من باب كرم، في ضد القرب، وبَعِدَ بالكسر من باب طرب، في ضد السلامة، والبعد بالضم، فالسكون مصدر لهما، والبَعَد بفتحتين، إنما يستعمل في مصدر مكسور العين. قال ابن الأنباري: ومن العرب من يسوي بين الهلاك، والبعد الذي هو ضد القرب فيقول فيهما: بَعِدَ يبعد، وبعد يبعد الأول من باب طرب، والثاني من باب شَرف، اهـ.
{بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} الآيات هي الآيات التسع المعدودة في سورة الإسراء، والمفصلة في سورة الأعراف وغيرها، والسلطان المبين هو ما أتاه الله من الحجة البالغة في محاوراته مع فرعون وملئه. والملأ: أشراف القوم وزعماؤههم. {وَمَاَ أَمرُ فِرْعَوْنَ} ؛ أي: ما شأنه وتصرفه. {بِرَشِيدٍ} ؛ أي: بذي رُشد وهدى. {يَقْدُمُ قَوْمَهُ} في "المختار" قدم يقدم كنصر ينصر قُدْمًا بوزن قفل،
وقدومًا أيضًا أي: تقدَّم. قال تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، اهـ. وفي "المصباح": وقدم الشيء بالضم قَدَمًا وزان عنب خلاف حدث فهو قديم، وقدم الرجل البلد يقدمه من باب تعب قدومًا، ومقدمًا بفتح الميم والدال، وقدمت القوم قدمًا من باب قتل مثل تقدمتهم، اهـ.
{فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} ؛ أي: أدخلهم إياها. {وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} ، والوردُ: بلُوغُ الماء في مورده من نهر وغيره، والمورود الماءِ، والمرادُ به هنا النار. قال ابن السكيت: الوردُ هو ورودُ القوم الماءَ، والورد: الإبلُ الواردة، انتهى فيكون مصدرًا بمعنى الورود، واسم مفعول في المعنى كالطِحن بمعنى المطحون.
{بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} وفي "المختار": الرفد بالكسر العطاء، والصلة، والعونُ، وبفتحها المصدر فيقال: رَفَده إذا أعطاه، ورفده إذا أعانه، وبابهما ضَرَب، والإرفاد أيضًا الإعطاء والإعانة، اهـ. و (المرفود) المعطَى، ويقال: رفد الرجل يرفده رفدًا، ورفدًا إذا أعطاه، وأَعَانه من رَفَد الحائط إذا دَعَمَه. وذكر الماوردي: حكاية عن الأصمعي الرَّفد بالفتح القدح والرِّفْدُ بالكسر ما في القدح من الشراب، فكأنه ذم ما يستقونه في النار، وهذا أنسب بالمقام. وقال الليث: أصل الرِّفد العطاء، والمعونة، ومنه، رفادة قريش. {وَحَصِيدٌ} والحصيدُ: بمعنى المحصود، وجمعه حصدى وحصاد مثل مريض ومرضى ومراض، اهـ "سمين". {غَيْرَ تَتْبِيبٍ} وفي "السمين": التتبيب التخسير، يقال: تببه غيره، وتب هو بنفسه، فيستعمل لَازِمًا ومتعدِّيًا، ومنه {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ، اهـ. وفي "المصباح": التباب: الخسرانُ، وهو اسم من تببه بالتشديد، وتبَّتْ يده تتِب بالكسر خَسِرَتْ كناية عن الهلاك، وتبًّا له؛ أي: هَلاكًا واستتبَّ الأمرُ، إذا تَهَيَّأَ، اهـ. قال لبيد:
وَلَقَدْ بُلِيْتُ وَكُلُّ صَاحِبِ جِدَّةٍ
…
يُبْلَى بعَوْدِ وَذَاكُمُ التَّتْبِيْبُ
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: اللف والنشر المرتَّب في قوله: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} ، فقولهم:{أَنْ نَتْرُكَ} رد لقوله: {اعْبُدُوا اللَّهَ} ، وقولهم:{أَوْ أَنْ نَفْعَلَ} إلخ، رد لقوله:{وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ} إلخ.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} إذا أريد به الأَحْمَقُ السفيه نَزَّلُوا التضاد منزلة التناسب على سبيل الهزء، فاستعاروا الحلم والرشد للسفه، والغواية، ثم سرت الاستعارة منهما إلى الحليم الرشيد، ذكره في "روح البيان".
ومنها: القصر في قوله: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} ، وقوله:{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} .
ومنها: الجناس المماثل في قوله: {أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} .
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {لَرَجَمْنَاكَ} ؛ أي: لقتلناك من إطلاق السبب الذي هو الرجم بالحجارة، وإرادةِ المسبب الذي هو القتل، وإن لم يكن بالحجارة.
ومنها: تقديم الفاعل المعنوي لإفادة الحصر، والاختصاص في قوله:{وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} وإن كان الخبر صفةً لا فعلًا.
ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في قوله: {أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ} .
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} شبَّه الله سبحانه وتعالى بالشيء المرميِّ وراء الظهر، ولا يكترث به بجامع الإعراض في كل، والعرب تقول: لكل ما لا يعبؤُ بأمره، قد جعل فلانٌ هذا الأمر بظهره.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {مُحِيطٌ} ، لأنَّ الإحاطةَ حقيقة في الأجسام كإحاطة الجدران، فإحاطَةُ الله بالأعمال مجاز عن علمها، وإدراكها بكمالها.
ومنها: الإيجاز في قوله: {إِنِّي عَامِلٌ} لأنَّ الأصل عامل على مكانتي فَحَذَفَه للاختصار.
ومنها: ما يسمى بالاستئناف البياني عند البلغاء في قوله: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ}
لأنه واقع في جواب سؤال مقدر كما قررناه في مبحث الإعراب.
ومنها: إيراد المستقبل بلفظ الماضي في قوله: {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} مبالغة في تحققه. وفيه أيضًا: الاستعارة المكنية؛ لأن الورودَ في الأصل يقال: للمرور على الماء للاستقاء منه، فشبه النارَ بماء يورد، وترك ذكر المشبه به، ورمَزَ إليه بشيء من لوازمه، وهو الورود، وإثبات الورود لها تخييلٌ، وشبه فرعون في تقدمه على قومه إلى النار بـ (من) يتقدم على الواردين إلى الماء لِيَكْسِرَ العطش، فقَالَ في حق فرعونَ وأتباعه {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} على سبيل التهكم. وقوله:{وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} تأكيد له لأن الوِرْدَ إنما يُورَدُ لتسكين العطش، وتبريد الأكباد، وفي النار إلهاب للعطش، وتقطيعٌ للأكباد.
ومنها: التشبيه البليغ في قوله: {مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} ؛ أي: كالزرع القائم على ساقه، وكالزرع المحصود بالمناجل، فشبه ما بقي من آثار القرى وجدرانها بالزرع القائم على ساقه، وشبه ما عفى منها بالحصيد، اهـ "زاده" و"شهاب".
ومنها: طباق السلب في قوله: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} .
ومنها: حكاية حال ماضية في قوله: {آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ} ؛ أي: عبدوها، لأن المرادَ بالدعاء العبادة.
ومنها: المجاز المرسلُ {إِذَا أَخَذَ الْقُرَى} ؛ أي: أخذَ أهلَ القرى.
ومنها: الطباق في قوله: {شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} وهو من المحسنات البديعية.
ومنها: الجمع في قوله: {لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ، والتفريق في قوله:{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} والتقسيم في قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} إلخ، وهذه الثلاثة أيضًا من المحسنات البديعية.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (1) ذكر العبرة في إهلاك الأمم الظالمة في الدنيا .. ذكر هنا العبرةَ بجزاءِ الآخرة للأشقياءِ والسعداء، فالأولون يصلون النار التي لهم فيها
(1) المراغي.
شهيق وزفير، والآخرون يمتعون بالجنة التي فيها ما تشتهيه الأنفسُ وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون.
قوله تعالى: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لما (1) ذكر قصص عبدة الأوثان من الأمم السالفة، وأتبع ذلك بذكر أحوال الأشقياء والسعداء، شرح للرسول صلى الله عليه وسلم أحوالَ الكفار من قومه، وأنَّهُمْ مُتَّبِعُوا آبائهم كحال من تقدَّم من الأمم في اتباع آبائهم في الضلال والفساد، تسليةً له صلى الله عليه وسلم في ضمن النهي له عن الامتراء في أنَّ ما يعبدونه غير نافع ولا ضار، ولا تأثيرَ له في شيء.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ
…
} الآيتين، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (2) ذكر مشركي مكة بأقوام غلب عليهم الكفرُ والجحود، ولم يؤمن إلا القليل منهم، فوفَّاهم جَزَاءَ أعمالهم في الدنيا، وسيوفيهم جزاءهم في الآخرة، ذكرهم في هاتين الآيتين بقوم موسى الذين آتاهم الكتابَ فاختلفوا فيه، وأن مثل الذين يختلفون من أمته في الكتاب مثل هؤلاء.
وعبارة أبي حيان: مناسبتها لما قبلها: أنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لما بين إصرارَ كفارِ مكةَ على إنكار التوحيد ونبوة الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي أتى به، بيَّن أنَّ الكفار من الأمم السابقة كانوا على هذه السيرة الفاجرة مع أنبيائهم؛ فليس ذلك ببدع ممن عاصرَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم، وضَرَب لذلك مثلًا، وهو إنزال التوراة على موسى فاختلفوا فيها، والكتاب هنا هو: التوراة، فقبله بعض، وأنكره بعض كما اختلف هؤلاء في القرآن.
قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ
…
} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لمَّا بينَ أمرَ المختلفينَ في التوحيد، والنبوة وأطنبَ في وعدهم، ووعيدهم .. أمرَ رسولَه صلى الله عليه وسلم، ومَنْ تاب معه بالاستقامة، وهي كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعِلْم والعمل والأخلاق الفاضلة.
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.
قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
…
} الآية، مناسبةُ هذه الآية لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لما أَمَر رسوله بالاستقامة، وعدم تجاوز ما رسمه الدين، وعدم الركون إلى أولي الظلم، أمره هنا بأفضلِ العبادات، وأجلِّ الفضائل التي يستعان بها على ما سلف.
قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ
…
} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لما (1) ذكر عاقبةَ الأمم المكذبةِ لرسلها في الدنيا والآخرة، وإنذارَ قومه صلى الله عليه وسلم بهم، وبين ما يجب عليه، وعلى مَن آمن به، وتاب معه من الاستقامة والصلاح، واجتنابِ أهل الظلم والفساد .. ذكر هنا بيانَ السنن العامة في إهلاك الأمم الذين قص الله قصصهم، وأمثالهم ممن عصوا رسلَ ربهم، أن أنذَروهم عقابَه، ووَعَدهم إذا أطاعوهم ثوابَه.
قوله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لما (2) قص قصص أشهر الأنبياء مع أممهم الماضين .. بيَّن هنا ما لذلك من فائدة لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وهي تثْبِيت الفؤادِ، والعظةُ، والاعتبار ثم أمَرَ رسولَه بالعبادة، والتوكل عليه، وعدم المبالاة بعداوة المشركينَ، والكيدِ له.
أسباب النزول
قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ
…
} الآية، سبب نزولها (3): ما أخرجه البخاري ومسلم، وأحمد، والترمذي، وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أنَّ رجلًا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} الآية، فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذه؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لجميع أمتي كلهم".
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
(3)
لباب النقول.