المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{و} إنْ زعمتم أنَّ لي من يعينني على تأليفِهِ ووصْفِه، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: {و} إنْ زعمتم أنَّ لي من يعينني على تأليفِهِ ووصْفِه،

{و} إنْ زعمتم أنَّ لي من يعينني على تأليفِهِ ووصْفِه، فـ {ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ} ممن تعبدون {مِنْ دُونِ اللَّهِ} تعالى، ومِنْ سَائِرِ خلقه لِيُسَاعدوكم على الإتيان بهذه السور العشر، ولتكن مِثلَه مفترياتٍ تشملُ على مثل ما فيه من تشريع دينيٍّ، ومَدَنيٍّ، وحكم ومواعظ، وآداب، وأَنْباء غيبية إخبارًا عن ماض، وأنباء غيبية. إخبارًا عن مستقبل بمثل هذا النظام البديع، والأسلوب البالغ حَدَّ الإعجاز، والبلاغَةِ الساحِرَة للألباب، والسلطان الحَاكِم على الأنفس والأرواح {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في ادعاءِ كونِ القرآن مفترًى على الله تعالى.

والخلاصة (1): أنّ مشركي مكَّةَ المعانِدِينَ، لم يجدوا شبهةً في القرآن بعد شبهة السحر التي لم تَجِد أُذنًا صاغيةً عند العرب؛ لأنهم أربابُ الفصاحة، واللسن، فعرفوا فضله على سائر الكلام، إلا زَعْمَهُمْ أنَّ محمدًا قد افتراه جملةً، وليس بوحي من عند الله، فتحداهم بالإتيان بعشر سور مثله، في النظم والأسلوب محتويةٍ على التشريع القيم من دينيٍّ ومدَنيٍّ، وسياسيّ، وحكم، ومواعظ، وآداب، وكلَّفهم دعوةَ مَن استطاعوا من دون الله، لِيُظاهِرُوهم، ويُعَاوِنُوهم على ذلك، فعَجَزُوا، ولم يجدوا من فصحائهم من يستجيب لهم، فقامت الحُجَّةُ عليهم، وعلى غيرهم إلى يوم الدين، وهذا معنى قوله:

‌14

- {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} ؛ أي: فإن لم يستجب لكم مَنْ تَدْعونهم من دونِ الله ليعاونوكم على الإتيان بالعشر السور المُمَاثلةِ للقرآن من فحول الكتَّاب، ومَصَاقِع الخطباء، وعلماء أهلِ الكتاب العارفين أخْبارَ الأنبياء {فَاعْلَمُوا} أيها المشركون {أَنَّمَا أُنْزِلَ} هذا القرآنُ على محمَّد صلى الله عليه وسلم {بِعِلْمِ اللَّهِ}؛ أي: بمقتضَى علم الله وإرادتِه أن يبلِّغَه لعباده على لسان رسوله، ولا يقدرُ عليه محمَّد ولا غيره ممن تدعونه زورًا أنهم أعانُوه، لأنه من علم الغيب الذي لا يَعْلَمُه إلا مَنْ أعلمه الله به.

{وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ؛ أي: واعلموا أيها المشركونَ، أنه لا معبودَ بحق في

(1) المراغي.

ص: 24

الوجود إلا اللهُ سبحانه وتعالى، إذ من خصائص الإلَه أن يَعْلَمَ ما لا يعلمه غيره، وأن يُعْجِزَ مَن عداه عن مثلِ ما يقدر عليه، والاستفهام، في قوله:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} للتوبيخ المضَمَّنِ للأمر؛ أي: فهل أنتم أيها المشركون بعد أن قامت عليكم الحجة، داخلون في الإِسلام الذي أدعوكم إليه، بهذا القرآن، مؤمنون بما فيه من عقائدَ، ووعد، ووعيد، وأحكام، وحِكم وآداب؛ أي: أسْلِمُوا، وأخْلِصُوا لله العبادةَ.

والخلاصة: أنه لم يَبْقَ لكم بَعْدَ أنْ دُحِضَتْ شبهتَكم، وانقطعَتْ مَعَاذِيركُم إلَّا جُحودَ العناد، وإعراض الاستكبار، والعاقل المنصِفُ لا يرضَى لنفسه بمِثْل هذا.

والمعنى (1): فإن لم يستجِب لكم آلهتكم، وسائرُ مَنْ إليه تجأرُونَ في مُلِمَّاتِكم إلى المعاونة، فاعلموا أنَّ القرآنَ خارج عن دائرة قدرة البشر، وأنه منزل من خالق القِوَى والقُدَرِ، واعلموا أيضًا أنَّ آلِهَتَكُم بمعزل عن رتبة الشركة في الألوهية، فهل أنتم داخلون في الإِسلام بعد قيام هذه الحجة القاطعة؟.

وقرأ زيد بن علي (2): {أنَّما نَزَّل} بفتح النون والزاي وتشديدها، ويحتملُ أن تكونَ {ما} مصدرية، أي:{أنَّ} التنزيلَ، ويحتمل أن تكونَ بمعنى الذي؛ أي: أن الذي نزَّله، وحذف الضمير المنصوب لوجود شرط جواز الحذف. فإن قلت:(3) قد تحدَّاهم بأن يأتوا بسورة مثله، فلم يقدروا على ذلك، وعجزوا عنه، فكيف قال:{فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} ، ومَنْ عجزَ عن سورة واحدة، فهُو عن العشرة أعْجَز؟

قلتُ: قد قال بعضهم: إن سورة هود نزلَتْ قبل سورة يونس، وأنه تحدَّاهم أوَّلًا بعشر سور، فلما عجزوا تحداهم بسورة يونس، وأنكر المُبرِّد هذا القول، وقال: إن سورةَ يُونُسَ نَزَلَتْ أوَّلًا. قالَ: ومعنى قولِه في سورة يونس: {فَأْتُوا

(1) المراح.

(2)

البحر المحيط.

(3)

الخازن.

ص: 25