المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إبراهيم عليه السلام بين قصة صالح ولوط؛ لأن له مَدْخَلًا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: إبراهيم عليه السلام بين قصة صالح ولوط؛ لأن له مَدْخَلًا

إبراهيم عليه السلام بين قصة صالح ولوط؛ لأن له مَدْخَلًا في قصة لوط، وكان إبراهيمُ ابنَ خالةِ لوط.

قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (1) ذَكَرَ بَعضَ ما جرى بين إبراهيم والملائكة، وَصَل به بعضًا آخر كالتتمة له.

قوله تعالى: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ

} الآية، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بيَّن ما يدل على أن لوطًا كان قلقًا على أضيافه مما يوجب الفضيحة لهم، وذلك قوله:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ذَكَرَ هنا أنَّ الرُّسلَ بشروه بأن قومَه لن يصلوا إلى ما هموا به، وأنَّ اللَّهَ تعالى مهلِكُهُم ومنجيه مع أهله من العذاب.

قوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا

} الآية، تقدم ذكر قصة شعيب في سورة الأعراف، وذكرت هنا مرة أخرى، وقد جاء في كل منهما من العظات والأحكام والحكم ما ليس في الآخر، مع الإحكام في السبك، وحسن الرصف، والسلامة من التعارض والاختلاف والتفاوت.

التفسير وأوجه القراءة

‌69

- {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} ؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد جاءت رسلُنَا من الملائكة جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ، على ما قاله ابن عباس وعطاء في صورة الغلمان، الذين يكونون في غاية الحُسنِ والبهاءِ والجمالِ، إلى إبراهيم عليه السلام حالةَ كونهِم متلبسينَ بالبشارة له بالولد من سارةَ بدليل ذكره في سورة أخرى، ولأنه أطلق البشرَى هنا، وقيَّد في قوله:{فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} والمطلق محمول على المقيد، وهذا شروع (2) في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام، لكنها مذكورة هنا توطئةً لقصة لوط لا استقلالًا، ولذا لم يذكرهما على أسلوب ما قبلها وما بعدها، فلم يقل وأَرْسَلنا إبراهيمَ إلى كذا كما قال {وَإِلَى مَدْيَنَ} ، {وَإِلَى

(1) المراغي.

(2)

الفتوحات.

ص: 161

ثَمُودَ}، {وَإِلَى عَادٍ} مثلًا وعاش إبراهيم من العمر مئة وخمسًا وسبعينَ سنةً، وبينه وبين نوح ألفًا وست مئة وأربعون سنة. وابنه إسحاق عاش مئةً وثمانين سنةً. ويعقوب بن إسحاق عاش مئةَ وخمسًا وأربعين سنةً.

و {رُسُلَنَا} يقرأ بسكون السين وضمها حيثما وقع مضافًا للضمير بخلاف ما إذا أضيف إلى مظهر، فليس فيه إلا ضمها، والرسل: هم الملائكة كما مر، واختلفوا في عددهم. فقال ابن عباس، وعطاء، كانوا: ثلاثةً جبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ. وقال الضحاك: كانوا تسعةً. وقال مقاتل: كانُوا اثني عشر مَلَكًا. وقال محمَّد بن كعب القرظي كان جبريلُ، ومعه سبعة أملاك. وقال السدي: كانوا أحَدَ عَشَرَ مَلَكًا على صور الغلمان الحسان الوجوه.

وقول ابن عباس هو الأولى؛ لأن أقلَّ الجمع ثلاثةٌ. وقوله: {رُسُلَنَا} جمع فيحمل على الأقل، وما بعده غير مقطوع به، ومثل هذا لا يعلم إلا بتوقيف من الوحي، ولم يثبت شيء منه في عددهم. والبشرى هي: البشارة بإسحاقَ ويعقوبَ. وقيل: بإهلاك قوم لوط وإنجائه. والأول أظهر. وقوله: {قَالُوا} استئناف بياني؛ أي: قالت الرسلُ لإبراهيم. {سَلَامًا} ؛ أي: سلمنا عليك سلامًا أو نسلم عليك سلامًا، هذه تحيتهم التي وَقَعَتْ منهم، وهي لفظ سلامًا، وهو مصدر معمول لفعل محذوف وجوبًا؛ أي: سلمنا سلامًا {قَالَ} إبراهيم عليكم {سَلَامٌ} هذه تحيته الواقعةُ منه جوابًا، وهي لفظ سلام، وهو مبتدأ خبره محذوف كما قَدَّرنا، فقد حيَّاهم بالجملة الاسمية في جواب تحيتهم بالفعلية، ومن المعلوم أنَّ الاسمية أبلغُ من الفعلية؛ لأن الجملةَ الاسمية دالة على الثبات والاستمرار، والفعليةَ دالة على التجدد والحدوث، فكانَتْ تحيتُه أحسنَ من تحيتهم كما قال:{فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} .

وفي "السمين": {قَالُوا سَلَامًا} في نصبه وجهان:

أحدهما: أنه مفعول به، ثمَّ هو محتمل لأمرين:

1 -

أن يُرادَ: قالوا هذا اللفظَ بعينه، وجاز ذلك؛ لأنه يتضمن معنى الكلام.

ص: 162

2 -

أنه أرادَ قالوا معنى هذا، وقد تقدم ذلك في نحو قوله تعالى:{وَقُولُوا حِطَّةٌ} .

وثاني الوجهين: أن يكونَ منصوبًا على المصدر بفعل محذوف، وذلك الفعل في محل نصبٍ بالقول، تقديره: قالوا: سلمنا سلامًا، وهو من باب: ما نابَ فيه المصدر عن العامل فيه، وهو واجبُ الإضمار، وقوله:{قَالَ سَلَامٌ} في رفعه وجهان:

1 -

أنه مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: سلام عليكم.

2 -

أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أمري، أو قولي سلام، وقد تَقَدَّم أول هذا الموضوع، أن الرفعَ أدل على الثبوت من النصب، والجملةُ بأسرها، وإن كان أحدُ جزأيها محذوفًا في محل نصب بالقول. وقرأ الأخوان حَمزةُ والكسائيّ:{قال سلم} هنا، وفي سورة الذاريات: بكسر السين، وسكون اللام، ويلزم بالضرورة سقوطُ الألف. فقيل: هما لغتان كحِرْم، وحرام، وحِلٍ وحَلَال. وقيل: السِّلْمُ، بالكسر، ضدُّ الحرب، وناسبَ ذلك، لأنه نكرهم فكأنه قال: أنَّا مُسَالِمكم غيرُ محارب لكم، اهـ.

ولفظةُ (ما) في قوله: {فَمَا لَبِثَ} نافية، و {لبث} فعل ماض بمعنى أَبْطأَ، وجملة:{أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} فاعله؛ أي: فما أبطأ (1) وتأخَّر عنهم مجيء إبراهيم بعجل حنيذ؛ أي: بولد بقر مشويّ بحجارة محماة في حفرة من الأرض من غير أن تمسه النار، فوضَعَه بين أيديهم، وكان مِنْ فعلِ أهل البادية، وكان سَمينًا يسيل منه الوَدَكُ. قال قتادة: وإنما جاءهم بعجل؛ لأنه كان عامَّة مال إبراهيم البقر، وقيل: مُكَثَ إبراهيم عليه السلام خَمَسَ عشرة ليلةً لم يأته ضيف، فاغتم لذلك، وكان يحب الضيف، ولا يأكل إلا معه، فلما جاءت الملائكة رأى أَضيافًا لم يرَ مِثْلُهُم قطُّ فَعَجَّلَ قراهم، فجاءهم بعجل سمينٍ مشويٍّ.

وقال أكثر النحويينَ (2): (أنْ) هنا بمعنى حتى. والمعنى: فما لَبِث إبراهيم

(1) الخازن.

(2)

الشوكاني.

ص: 163