المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فقال: إنكما سبب البلاء، فلا أحْمِلُكما، فقالتا: إحملنا معك، فنحن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: فقال: إنكما سبب البلاء، فلا أحْمِلُكما، فقالتا: إحملنا معك، فنحن

فقال: إنكما سبب البلاء، فلا أحْمِلُكما، فقالتا: إحملنا معك، فنحن نَضْمَنُ لك أن لا نَضُرَّ أحدًا ذَكَرَك، فَمَنْ قرأ حين يخاف مضرَّتُهما {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} ، لم تضرَّاهُ، ذكره في "الخازن".

وقوله: {وَأَهْلَكَ} معطوف على زوجين على قراءة حفص، وعلى اثنين على قراءة غيره؛ أي: واحمل فيها أهلَ بيتك ذكرانًا وإناثًا {إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} ، والقضاءُ بأنهم من المغْرَقِين بسبب ظلمهم، كما قال:{وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} والمرادُ (1) به: ابنه كَنعَان، وأمه واعلة أم كنعان، فإنهما كَانَا كافرين، فحَمَل في السفينة زوجتَه المؤمِنةَ وأولادَها الثلاثةَ مع نسائهم: سامًا، وحامًا، ويافثًا، فسامُ أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك، وإفرادُ الأهلِ منهم لمزيد العناية بهم، أو للاستثناء منهم، وقوله:{وَمَنْ آمَنَ} معطوف على زوجين، أو على اثنين على اختلاف القراءة؛ أي: واحمِل معك مَنْ آمن، وصَدَّقَكَ واتبعك من غير أهلك.

{وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} من قومه، قيل: إنهم كانوا ثمانية: نوحًا عليه السلام، وأبناءه الثلاثة، وأزواجهم. وعن ابن عباس (2) قال: كان في سفينة نوح ثمانون إنسانًا، نصفهم رجال، ونصفُهم نساءٌ. وقال مقاتل: في ناحية الموصل قريةٌ يقال لها: قرية الثمانين، سميت بذلك؛ لأنَّ هؤلاء لَما خرجوا من السفينةِ بَنَوْها فسُمِّيَتْ بهذا الاسم.

ولكن لم يبين (3) الله سبحانه وتعالى لَنَا ورَسولُه صلى الله عليه وسلم عَدَدَهم فحصره في عدد معين من قبيل الحدس والتخمين، كما لَمْ يبيَّنِ لنا أنواعَ الحيوان التي حملها، ولا كيف حَمَلها، وأدْخلها السفينة، وقد فصل ذلك في سفر التكوين من التوراة.

‌41

- وقوله: {وَقَالَ} معطوف على محذوف تقديره، فحَمَلهم نوحٌ، وقال:{ارْكَبُوا فِيهَا} ؛ أي: في جوف السفينة، والخطابُ فيه للإنس، وأما غيرهم من

(1) المراح.

(2)

المراح.

(3)

المراغي.

ص: 93

الحيوانات أخَذه بيده، وألقاه فيها {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}؛ أي: باسم الله سبحانه وتعالى جريانُ السفينة على الماء وإرساؤها؛ أي: وقوفها، فهو الذي يتولَّى ذلك بحوله وقوته، وحفظه وعنايته، وروي (1) أنه كان إذا أراد أنْ تجري قال: بسم الله، فَجَرَتْ، وإذا أراد أن تَرْسُو قَالَ: بسم الله، فرَسَتْ؛ أي: وقفت، ويجوز أن يكون الاسمُ مُقْحمًا كقوله:

إِلَى الْحَوَلِ ثُمَّ اسْم السَّلَامِ عَلَيْكُمَا

وهذا تعليم من الله لعباده أنه ينبغي لهم أن يستعينوا بالله تعالى، وقد يكون المعنى أنَّ نوحًا أمرهم بأن يقولُوها كما يقولُها على تقدير اركبوا فيها قائلينَ باسم الله؛ أي: بتسخيره، وقدرته، مجْراها حين تَجْرِي ومرساها حين يرسيها، لا بحولنا ولا بقوتنا، ويحتمل أن يكونَ مجْريها ومُرْسَاهَا اسمي مكان أو زمان، أي: اركبوا فيها ذاكرينَ اسمَ الله، وقتَ جريانها أو إرسائِهَا، أو مكانهما.

وقرأ مجاهدٌ والحسنُ وأبو رجاء، والأعرج، وشيبة، ونافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر (2):{مُجراها} بضم الميم، وقَرأ حمزةُ والكسائِيّ وحَفْصٌ بفتحها، وكلهم ضمَّ ميم {مُرساها} ، وقرأ ابن مسعود، وعيسى الثقفيَّ وزيد بن علي والأعمش:{مجراها ومرساها} بفتح الميمين ظرفيْ زمان، أو مكان، أو مصدرين على التقارير السابقة، وقرأ الضَّحاك، والنخعيُّ، وابن وثاب، وأبو رجاء، ومجاهد، وابن جندب، والكلبيُّ، والجحدري:{مجريها، ومرسيها} سمي فاعل من أجرى وأَرْسى على البدل من اسم الله، ولا يكونان صفتين لكونهما نكرتَين.

{إِنَّ رَبِّي} سبحانه وتعالى {لَغَفُورٌ} ؛ أي: سَتُورٌ عليكم ذنوبَكم، بتوبتكم وإيمانكم {رَحِيمٌ} لكم إذ نَجَّاكم من الغرق، ولولا مغفرتُه تعالى ورحمته إياكم، لما نجَّاكم لأنكم لا تنفكون عن أنواع الزَّلَّات؛ أي: إنَّ ربِّي لواسع المغفرة لعباده حيثُ لم يهلكهم بذنوبهم، بل يهلك الكافرينَ الظالمينَ منهم، رحيم بهم إذ

(1) البيضاوي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 94