الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعنى (1): أي فاصبر أيها الرسول لأمر ربك، وبلغ قومك ومن أمرت بإبلاغه ما أنزل إليك، وأيقن بأن الله منجز وعده، وناصرك وناصر من صدقك وآمن بك على من كذبك، وأنكر ما جئت به من عند ربك، وسل غفران ذنبك وعفوه عنك، وصلّ شكرًا له طرفي النهار كما جاء في الآية الأخرى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} .
وقد يكون المراد من ذلك المواظبة على ذكر الله، وأن لا يفتر اللسان عنه، ولا يغفل القلب، حتى يدخل في زمرة الملائكة الذين قال سبحانه في وصفهم:{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} .
56
- ولما ابتدأ سبحانه بالرد على الذين يجادلون في آيات الله، واتصل الكلام بعضه ببعض، على النسق المتقدم .. نبه هنا إلى السبب الذي يحملهم على تلك المجادلة، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} ويخاصمون {في آيَاتِ اللهِ} سبحانه ويجحدون بها {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} وحجة قاهرة {أَتَاهُمْ} في ذلك من جهته تعالى؛ أي: جادلوا في ردها بغير حجة ظاهرة واضحة جاءتهم من جهته تعالى، وتقييد (2) المجادلة بذلك مع استحالة إتيانه؛ للإيذان بأن التكلم في أمر الدين لا بد من استناده إلى سلطان مبين البتة {إِنَّ}: نافية {في صُدُورِهِمْ} ؛ أي: في قلوبهم، عبر بالصدر عن القلب؛ لكونه موضع القلب {إِلَّا كِبْرٌ} وحسد، وفي الحصر إشعار بأن قلوبهم قد خلت عن كل شيء سوى الكبر؛ أي: ما في قلوبهم إلا تكبر عن الحق، وتعظم عن التكبر والتعليم، أو إلا إرادة الرياسة والتقدم على النبي والمؤمنين، أو إلا إرادة أن تكون النبوة لهم دونك يا محمد، حسدًا وبغيًا، ولذلك يجادلون فيها، لأن فيها موقع جدال ما، أو أن لهم شيئًا يتوهم أن يصلح مدارًا لمجادلتهم في الجملة، واعتبرت الإرادة في هذين الوجهين؛ لأن نفي الرياسة والنبوة ليستا في قلوبهم. وجملة قوله:{مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} : صفة {كِبْرٌ} فالضمير راجع إلى الكبر، بتقدير مضاف؛ أي: ما هم ببالغي مقتضى كبرهم، وهو دفع الآيات، فإني أنشر أنوارها في الآفاق، وأعلي قدرك، أو ما هم بمدركي مقتضى ذلك الكبر، وهو ما أرادوه من الرياسة والنبوة، وقال ابن قتيبة: المعنى: إن
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.
في صدورهم إلا كبر؛ أي: تكبر على محمد صلى الله عليه وسلم، وطمع أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك.
والمعنى (1): أي إن الذين يخاصمونك أيها الرسول فيما أتيتهم به من عند ربك من الآيات بغير حجة، وهم المشركون أوِ اليهود، ما يحملهم على هذا الجدال إلا كبر في صدورهم يمنعهم عن اتباعك، وعن قبول الحق الذي جئتهم به، إذ لو سلموا بنبوّتك .. لزمهم أن يكونوا تحت لوائك، وطوع أمرك ونهيك، لأن النبوة ملك ورياسة، وهم في صدورهم كبر لا يرضون معه أن يكونوا في خدمتك، وما هم ببالغي موجب الكبر، وهو دفع الرياسة والنبوة عنك، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس ذلك بالذي يدرك بالأماني.
والخلاصة: أنه ما يحملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر والحسد لك، وما هم ببالغي إرادتهم فيه، فإن الله قد أذلّهم.
قال المفسرون: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} الآية، وإن نزل في مشركي مكة، لكنه عام لكل مجادل مبطل، فإن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
ثم أمر رسوله أن يستعيذ من هؤلاء المجادلين المستكبرين، فيقيه من أذاهم وشرهم، ويكلؤه ويحفظه منهم، فقال:{فَاسْتَعِذْ} يا محمد {بِاللهِ} سبحانه والتجىء إليه من شرهم وكيدهم وبَغيهمْ عليك، واطلب السلامة منه من كيد كل من يحسدك ويبغي عليك {إِنَّهُ} سبحانه {هُوَ السَّمِيعُ} لأقوالهم {الْبَصِيرُ} لأفعالهم، لا تخفى عليه من ذلك خافية.
وقيل (2): المجادلون هم اليهود كما مرت الإشارة إليه، وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لست صاحبنا المذكور في التوراة، بل هو المسيح بن داود، يريدون أن الدجال يخرج في آخر الزمان، ويبلغ سلطانه البر والبحر، وتسير معه الأنهار، وهو آية من آيات الله تعالى، فرِجع إلينا الملك، فسمى الله تمنيهم ذلك كبرًا، ونفى أن يبلغوا متمنّاهم، فإن الدجال وإن كان يخرج في آخر الزمان، لكنه
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.