الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفهمه {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} معانيه لكونه جاء بلغتهم، فهم أهل اللسان فيفهمونه بلا واسطة وغيرهم لا يفهمه إلا بواسطتهم،
4
- حالة كونه {بَشِيرًا} ؛ أي: مبشرًا، وليائه بالجنة والنعيم المقيم، إن داموا على العمل بما فيه من أوامر ونواه {وَنَذِيرًا}؛ أي: منذرًا مخوفًا لأعدائه بالعذاب الأليم، إن هم أصروا على التكذيب به، والجدل فيه بالباطل، وترك أوامره وفعل نواهيه، فهما صفتان أخريان لـ {قُرْآنًا} أو حالان من {كِتَابٌ} وقرأ (1) زيد بن علي:{بشير ونذير} برفعهما على أنهما صفتان لـ {كِتَابٌ} أو على أنهما خبران لمبتدأ محذوف.
ثم بين حال المشركين حين أنزل إليهم فقال: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} عن تدبره مع كونه على لغتهم، والضمير (2) لأهل مكة أو العرب أو المشركين، دل عليه ما سيجيء من قوله:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} ؛ أي: فأعرض المشركون عما اشتمل عليه من النذارة {فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} ـه سماع تفكر وتأمل وقبول، حتى يفهموا جلالة قدره وجزالة معانيه فيؤمنوا به، وفي "التأويلات النجمية": فأعرض أكثرهم عن أداء حقه، فهم لا يسمعون بسمع القبول والانقياد، وفيه إشارة إلى أن الأقل هم أهل السماع، وإنما سمعوا بأن أزال الله تعالى بلطفه ثقل الآذان، فامتلأت الأذهان بمعاني القرآن.
والمعنى (3): أي فاستكبر أكثر المشركين عن الإصغاء إليه، ولم يقبلوه ولم يطيعوا ما فيه من أوامر ونواه، إعراضًا عن الحق،
5
- ثم صرحوا بنفرتهم منه وتباعدهم عنه، وذكروا لذلك ثلاثة أسباب، تعللًا واحتقارًا لدعوته:
1 -
{وَقَالُوا} ؛ أي: المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند دعوته إياهم إلى الإيمان، وللعمل بما في القرآن {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ}؛ أي: في أغطية متكاثفة مثل الكنانة التي فيها السهام {مِمَّا تَدْعُونَا} يا محمد {إِلَيْهِ} ؛ أي: في أغطية تمنعنا من فهم ما تدعونا وتورده علينا، وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وحذف متعلق حرف الجر أيضًا، والأكنّة: جمع كنان كأسلحة جمع سلاح وهو الغطاء، قال مجاهد: الكنان للقلب: كالجنة للنبل، شبهوا (4) قلوبهم بالشيء المحوي المحاط
(1) البحر المحيط.
(2)
روح البيان.
(3)
المراغي.
(4)
روح البيان.
بالغطاء، المحيط له بحيث لا يصيبه شيء من حيث تباعدها عن إدراك الحق واعتقاده.
فإن قلت: لِمَ عبَّر هنا بكلمة في حيث قال: {فِي أَكِنَّةٍ} ، وعبر بكلمة على في سورة الكهف حيث قال:{إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} فما الفرق بين المقامين؟
قلت: عبر هنا بكلمة {فِي} لأن القصد هنا المبالغة في عدم القبول، والأكنة إذا احتوت عليها احتواء الظرف على المظروف، لا يمكن أن يصل إليها شيء؛ وليست تلك المبالغة في {عَلَى} ، والسياق في الكهف للعظمة، فيناسبه أداة الاستعلاء. اهـ سعدي المفتي.
أي: إن قلوبنا في أغطية متكاثفة مما تدعونا إليه من الإيمان بالله وحده، وترك ما ألفينا عليه آباءنا، فهي لا تفقه ما تقول من التوحيد، ولا يصل إليها قولك يا محمد.
2 -
{وَفِي آذَانِهِمْ} وأسماعنا {وَقْرًا} ؛ أي: صمم يمنعها من استماع قولك، وفي "القاموس": الوقر: ثقل في الأذن أو ذهاب السمع كله، شبهوا أسماعهم بآذان بها صمم من حيث إنها تمج الحق ولا تميل إلى استماعه.
وفي "التأويلات النجمية": {وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} : ما ينفعنا كلامك، قالوه حقًا، وإن قالوا على سبيل الاستهزاء والاستهانة، لأن قلوبهم في أكنة حب الدنيا وزينتها مقفولة بقفل الشهوات والأوصاف البشرية، ولو قالوا ذلك على بصيرة .. لكان ذلك منهم توحيدًا، فتعرضوا للمقت لما فقدوا من صدق القلب.
وقرأ طلحة بن مصرف (1): {وقر} بكسر الواو وسكون القاف، وقرىء:{وقر} بفتحتين، وقرأ الجمهور:{وَقْرٌ} بفتح الواو وسكون القاف.
3 -
{وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} عظيم، وستر غليظ يمنعنا عن إجابتك، وعن التواصل والتوافق معك، روي أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوابًا وقال: يا محمد، بيننا وبينك حجاب استهزاءً منه، و {مِنْ}: للدلالة (2) على أن الحجاب
(1) الشوكاني.
(2)
روح البيان.