الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصراط المستقيم، ونوصلكم إلى جنات النعيم.
{وَلَكُمْ} أيها المؤمنون لا لغيركم من الأعداء {فِيهَا} ؛ أي: في الآخرة {مَا تَشْتَهِي} وتحب {أَنْفُسُكُمْ} من صنوف اللذات وفنون النعم {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} ؛ أي: ما تتمنون وتطلبون، افتعال من الدعاء بمعنى الطلب، والفرق بين الجملتين: أن الأولى باعتبار شهوات أنفسهم، والثانية باعتبار ما يطلبونه، أعم من أن يكون مما تشتهيه أنفسهم أو لا، إذ لا يلزم أن يكون كل مطلوب مشتهًى للنفس، كالفضائل العلمية ونحوها، وعدم الاكتفاء بعطف {مَا تَدَّعُونَ} على {مَا تَشْتَهِي} للإشباع في البشارة، والإيذان باستقلال كل منهما،
32
- وقوله: {نُزُلًاُ} حال من {مَا تَدَّعُونَ} ؛ أي: من الموصول، أو من ضميره المحذوف، تقديره: ما تدعونه مفيدة لكون ما يدعونه ويتمنونه بالنسبة إلى ما يعطون من عظائم الأمور، كالنزل، وهو: ما يهيأ للنزيل؛ أي: الضيف من الرزق، كأنه قيل: وثبت لكم فيها الذي تدعونه حال كونه كالنزل للضيف، وأما أصل كرامتكم فمما لا يخطر ببالكم، فضلًا عن الاشتهاء أو التمني.
وقرأ الجمهور: {نُزُلًا} ، بضمتين، وقرأ أبو حيوة بإسكان الزاي؛ أي: حالة كون ما تدعونه نزلًا؛ أي: رزقًا كائنًا {مِنْ} رب {غَفُورٍ} للذنوب العظام، مبدل للسيئات بالحسنات {رَحِيمٍ} بالمؤمنين من أهل الطاعات بزيادة الدرجات والقربات.
وفي "التأويلات النجمية": {نُزُلًا} ؛ أي: فضلًا وعطاءً وتقدمةً لما سيديم إلى الأبد من فنون الأعطاف وأصناف الألطاف، وذلك لأن عطاء الله تعالى يتجدد في كل آن، خصوصًا لأهل الاستقامة من أكامل الإنسان، ويظهر في كل وقت وموطن، ما لم يظهر قبله وفي غيره، ويكون ما في الماضي كالنزل لما يظهر في الحال، ومن هنا قالوا: ما ازداد القوم شربًا إلا ازدادوا عطشًا، وذلك لأنه لا نهاية للسير إلى الله تعالى في الدنيا والآخرة. انتهى.
حكي: أن يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله كتب إلى أبي يزيد البسطامي رحمه الله: سكرت من كثرة ما شربت من كأس حبه، فكتب إليه أبو يزيد:
شَرِبْتُ الْحُبَّ كَاسًا بَعْدَ كَأْسٍ
…
فَمَا نَفِدَ الشَّرَابُ وَلَا رُويْتُ
33
- {وَمِن} للاستفهام الإنكاري، وهو مبتدأ، خبره:{أَحسَنُ} . و {قَولَا} تمييز
محول عن المبتدأ؛ أي: وقول من أحسن {مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} ؛ أي: من قول من دعا غيره إلى توحيده وطاعته {وَعَمِلَ صَالِحًا} فيما بينه وبين ربه {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ابتهاجًا وسرورًا بأنه منهم، واتخاذًا للإسلام دينًا ونحلةً، إذ لا يقبل طاعةً بغير دين الإِسلام، من قولهم: هذا قول فلان؛ أي: مذهبه، لا أنه تكلم بذلك فحسب.
وقرأ ابن أبي عبلة وإبراهيم بن نوح عن قتيبة الميال: {إنى} بنون واحدة مشددة، والجمهور:{إنَّنِى} بها وبنون الوقاية. وفيه رد على من يقول: أنا مسلم - إن شاء الله - فإنه تعالى قال مطلقًا غير مقيد بشرط إن شاء الله. وقال علماء العقائد: إن قاله للشك .. فهو كفر لا محالة، وإن كان للتأدب مع الله، وإحالةً للأمور إلى مشيئة الله تعالى أو للشك في العاقبة والمآل، لا في الآن والحال، أو للتبرك بذكر الله، أو للتبرُّؤ من تزكية نفسه، والإعجاب بحاله .. فجائز، لكن الأولى تركه لما أنه يوهم الشك.
والمعنى: لا أحد أحسن قولًا ممن جمع بين هذه الخصال الثلاث، وحكم الآية عام لكل من جمع ما فيها من الخصال الحميدة، التي هي الدعوة إلى الله والعمل الصالح، وهو تأدية ما فرضه الله عليه مع اجتناب ما حرمه عليه، والقول المذكور؛ أي: كونه من المسلمين دينًا لا من غيرهم، فلا شيء أحسن منه، ولا أوضح من طريقه، ولا أكثر ثوابًا من عمله، وإن نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في أصحابه رضي الله عنهم أو في المؤذنين، فإنهم يدعون الناس إلى الصلاة، فالأولى حمل الآية على العموم، كما يقتضيه اللفظ، ويدخل فيها من كان سببًا في نزولها دخولًا أوليًا.
فإن قلت: السورة بكاملها مكية بلا خلاف، والأذان إنما شرع بالمدينة.
قلت: يجعل هذا من باب ما تأخر حكمه عن نزوله، وكم في القرآن من هذا النوع، وإليه ذهب بعض الحفاظ كابن حجر وغيره.
فائدة: وأول من أذن في السماء جبرائيل (1)، ثمَّ ميكائيل عليهما السلام عند
(1) روح البيان.