المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌46 - ثم بيَّن عذابهم في البرزخ بقوله: {النَّارُ}؛ أي: - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌46 - ثم بيَّن عذابهم في البرزخ بقوله: {النَّارُ}؛ أي:

‌46

- ثم بيَّن عذابهم في البرزخ بقوله: {النَّارُ} ؛ أي: نار جهنم، وهو مبتدأ، خبره:{يُعْرَضُونَ} ؛ أي: يعرض فرعون وآله {عَلَيْهَا} ؛ أي: على النار، ومعنى عرضهم على النار: إحراق أرواحهم وتعذيبهم بها {غُدُوًّا وَعَشِيًّا} ؛ أي: في أول النهار وآخره، وذكر الوقتين: إما للتخصيص، وإما فيما بينهما، فالله تعالى أعلم بحالهم إما أن يعذّبوا بجنس آخر، أو بنفس عنهم، وإما للتأييد كما في قوله تعالى:{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} ؛ أي: على الدوام، فارتفاع {النَّارُ} (1) علي أنها بدل من {سُوءُ الْعَذَابِ} وقيل: على أنها خبر مبتدإٍ محذوف، أو مبتدأً، خبره:{يُعْرَضُونَ} كما مر، ويقوي هذا الوجه قراءة من نصب، وهي على تقدير فعل يفسره {يُعْرَضُونَ} من حيث المعنى؛ أي: يدخلون النار، يعرضون عليها، أو على الاختصاص، وأجاز الفراء الخفض على البدل من {الْعَذَابِ} .

قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود، يعرضون على النار مرتين، فيقال: يا آل فرعون هذه داركم، قال ابن الشيخ في "حواشيه": وهذا يؤذن بأنّ العرض ليس بمعنى التعذيب والإحراق بل بمعنى الإظهار والإبراز، وأنّ الكلام على القلب، كما في قولهم: عرضت الناقة على الحوض، فإن أصلح: عرضت الحوض على الناقة بسوقها إليه، وإيرادها عليه (2)، فكذا هنا أصل الكلام: تعرض عليهم؛ أي: على أرواحهم، بأن يساق الطير التي أرواحهم فيها؛ أي: في أجوافها إلى النار، وفي الحديث: إن أحدكم إذا مات .. عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، إن كان من أهل الجنة .. فمن الجنة، وإن كان من أهل النار .. فمن النار، يقال: هذا مقعدك حين يبعثك الله يوم القيامة. أخرجه البخاري ومسلم.

يقول الفقير: أما كون أرواحهم في أجواف طير سود .. فليس المراد ظرفية الأجواف للأرواح حتى لا يلزم التناسخ، بل هو تصوير لصور أرواحهم البرزخية، وأما العرض بمعنى الإظهار .. فلا يقتضي عدم التعذيب، فكل روح إما معذَّب أو منعم، وللتعذيب والتنعيم مراتب، ولأمر ما ذكر الله تعالى عرض أرواح آل فرعون على النار، فإنّ عرضها ليس كعرض سائر الأرواح الخبيثة.

(1) الشوكاني.

(2)

روح البيان.

ص: 212

وهذا العرض ما دامت الدنيا {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} وتعود الأرواح إلى الأبدان، يقال للملائكة:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} ؛ أي: فرعون وقومه {أَشَدَّ الْعَذَابِ} وأغلظه؛ أي: عذاب جهنم، فإنه أشد مما كانوا فيه، فإنه للروح والجسد جميعًا، وهو أشد مما كان للروح فقط، كما في البرزخ، وذلك أن الأرواح بعد الموت ليس لها نعيم ولا عذاب حسي جسماني، ولكن ذلك نعيم أو عذاب معنوي روحاني، حتى تبعث أجسادها فترد إليها، فتعذب عنه ذلك حسًا ومعنًى أو تنعم.

ويجوز أن المعنى (1): أدخلوا آل فرعون أشد عذاب جهنم، فإن عذابها ألوان بعضها أشد من بعض، وفي الحديث:"أهون أهل النار عذابًا رجل في رجليه نعلان من نار، يغلي منهما دماغه".

ومعنى الآية (2): أي تعرض أرواحهم من حين موتهم إلى قيام الساعة على النار بالغداة والعشي، وينفس عنهم فيما بين ذلك، ويدوم هذا إلى يوم القيامة، وحينئذ يقال لخزنة جهنم:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} .

قال بعض العلماء: وفي الآية دليل على عذاب القبر، ويؤيده ما رواه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أحدكم إذا مات .. عرض عليه مقعده بالغداة والعشي"

الحديث. كما مر ثم قرأ: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} .

قال العلماء (3): عذاب القبر هو عذاب البرزخ، أضيف إلى القبر؛ لأنه الغالب، وإلا فكل ميت أراد الله تعذيبه ناله ما أراد به، قبر أو لم يقبر، بأن صلب أو غرق في البحر، أو أحرق حتى صار رمادًا، وذري في الجو، قال إمام الحرمين: من تفرقت أجزاؤه يخلق الله الحياة في بعضها أو كلها، ويوجه السؤال عليها، ومحل العذاب والنعيم؛ أي: في القبر هو: الروح والبدن جميعًا باتفاق أهل السنة، قال اليافعي: وتختص الأرواح دون الأجساد بالنعيم والعذاب ما دامت في علّيين أو سجين، وفي القبر يشترك الروح والجسد.

قال الفقيه أبو الليث: الصحيح عندي أن يقر الإنسان بعذاب القبر ولا يشتغل بكيفيته، وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحسن محسن مسلم أو كافر ..

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

(3)

روح البيان.

ص: 213