الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو أنّ الله لا يعلم كثيرًا من قبائح أعمالكم ومساويها، هو الذي أوقعكم في مواقع التلف والردى، فصرتم اليوم من الهالكين، إذ صرفتم ما منحتم من أسباب السعادة من القوّة العاقلة، والأعضاء الكاملة إلى الشقاء، فكفرتم نعم الخالق والرازق، وانهمكتم في الشهوات والمعاصي.
أخرج مسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد والطيالسي وعبد بن حميد وابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يحسن الظنّ بالله تعالى، فإن قومًا قد أرداهم سوءُ ظنهم بالله، فقال الله: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} ".
قال العلماء (1): الظنّ قسمان:
1 -
حسن، وهو أن يظن بالله عز وجل الرحمة والفضل والإحسان، قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله عز وجل:"أنا عند ظنّ عبدي بِي".
2 -
قبيح، وهو أن يظن أن الله يعزب عن علمه بعض الأعمال، وقال قتادة: الظن نوعان: منجٍ ومردٍ.
فالمنجي: قوله: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)} ، وقوله:{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} .
والمردي: هو قوله: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه الآية: هؤلاء قوم كانوا يدمنون على المعاصي، ولا يتوبون منها، ولا يتكلمون على المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا مفاليس، ثمّ قرأ:{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ} الآية، وقال الحسن البصري: إن قومًا ألهتهم الأماني، حتى خرجوا من الدنيا ومالهم حسنة، ويقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وقد كذب، ولو أحسن الظن .. لأحسن العمل، وتلا قول الله تعالى:{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ} الآية.
24
- ثمّ أخبر عن حالهم فقال: {فَإِنْ يَصْبِرُوا} في النار على العذاب، وأمسكوا عن الاستغاثة والجزع مما هم فيه، انتظارًا للفرج، زاعمين أنّ الصبر مفتاح الفرج
(1) المراغي.
{فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} ؛ أي: محل ثواءٍ وإقامة أبّدت لهم بحيث لا خلاص لهم منها، فلا ينفعهم صبرهم.
وقيل المعنى (1): فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار .. فالنار مثوًى لهم. والالتفات (2) فيه عن الخطاب إلى الغيبة؛ للإشعار بإبعادهم عن حيّز الخطاب، والإبقاء في غاية دركات النار {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا}؛ أي: يسألوا العتبى، وهو الرجوع إلى ما يُحبّونه جزءًا مما هم فيه .. {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}؛ أي: من المجابين إلى العتبى لأنهم لا يستحقون ذلك، فيكون صبرهم وجزعهم سواءً في أنّ شيئًا منهما لا يؤدّي إلى الخلاص، ونظيره قوله تعالى:{سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} ؛ أي: وإن يبدوا معاذير .. فلن تقبل منهم، ولا تقال لهم العثرات.
والمعنى (3): وإن يطلبوا الرضى .. لم يقع الرضى عنهم، بل لابدّ لهم من النار.
وقرأ الجمهور: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} بفتح التحتية وكسر الفوقية الثانية مبنيًا للفاعل، وقرؤُوا:{مِنَ الْمُعْتَبِينَ} بفتح الفوقية اسم مفعول، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وموسى الأسواري وأبو العالية:{وإن يُستعتبوا} بضم التحتية مبنيًا للمفعول {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} اسم فاعل؛ أي: وإن طلب منهم أن يرضوا ربهم .. فما هم بفاعلين، ولا يكون ذلك منهم، لأنهم فارقوا الدنيا دار الأعمال، كما قال صلى الله عليه وسلم:"ليس بعد الموت مستعتب" وقال أبو ذؤيب:
أَمِنَ الْمَنُوْنِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ
…
وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
وقيل المعنى: أنهم إن أقالهم الله، وردهم إلى الدنيا .. لم يعملوا بطاعته كما في قوله سبحانه:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} . وبعدما ختمت تفسير هذه الآية في اليوم السادس والعشرين من رمضان .. نمت وقت الضحوة قبيل الظهر، ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في تلك النومة، كأني من مقدمة جيشه من فرسانهم، وأردت إدراك واحد من العدو شرد منا، وأجريت فرسي وراءَهُ، والنبي صلى الله عليه وسلم يجري فرسه معي، وقربت
(1) الشوكاني.
(2)
روح البيان.
(3)
البحر المحيط.
عمامتي إلى السقوط من رأسي لذلك الجري، فأصلحها لي النبي صلى الله عليه وسلم على رأسي، فالحمد لله والشكر له على هذه البشارة العظيمة.
الإعراب
{حم (1)} : خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذه السورة حم؛ أي: مُسمّاة بحم، أو مبتدأ خبره: محذوف؛ أي: سورة حم هذا محلها، أو مفعول به لفعل محذوف؛ أي: اقرأ حم، والجملة على كل التقادير: مستأنفة، ويجري فيه من أوجه الإعراب ما يجري في أسماء التراجم إن قلنا: إنها اسم للسورة، وإن قلنا: إنها رمز أو مما استؤثر الله سبحانه بعلمه .. فلا محل لها من الإعراب؛ لأنّ الإعراب فرع عن إدراك المعنى. {تَنْزِيلٌ} : خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هذا القرآن منزّل من الرحمن الرحيم، و {مِنَ الرَّحْمَنِ}: متعلق بـ {تَنْزِيلٌ} و {الرَّحِيمِ} صفة لـ {الرَّحْمَنِ} ، وأجاز الزجاج أن يكون {تَنْزِيلٌ}: مبتدأ، وقوله:{كِتَابٌ} الآتي: خبره وسوّغ الابتداء بـ {تَنْزِيلٌ} : تخصُّصه بالصفة، وعليه درج الجلال وشرّاحه، وما ذكرناه أولًا أولى. {كِتَابٌ}: بدل من {تَنْزِيلٌ} أو خبر بعد خبر {فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} : فعل مغيّر ونائب فاعله، والجملة الفعلية: في محل الرفع صفة لـ {كِتَابٌ} . {قُرْآنًا} : حال مقصودة من {كِتَابٌ} لتخصصه بالصفة و {عَرَبِيًّا} : صفة له أو حال منه أو حال أخرى من {كِتَابٌ} أو هو حال موطئة و {عَرَبِيًّا} : هي الحال المقصودة، ذكره في "الفتوحات". {لِقَوْمٍ} متعلق بـ {فُصِّلَتْ} وجملة {يَعْلَمُونَ} صفة {لِقَوْمٍ}. {بَشِيرًا} إما صفة ثانية لـ {قُرْآنًا} أو حال ثانية من {كِتَابٌ}. {وَنَذِيرًا}: معطوف على {بَشِيرًا} ، {فَأَعْرَضَ}:{الفاء} : عاطفة {أَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} : فعل وفاعل، والجملة: في محل الرفع معطوفة على جملة {فُصِّلَتْ} : على كونها صفة لـ {كِتَابٌ} والرابط: محذوف، تقديره: فأعرض عنه أكثرهم {فُصِّلَتْ} : {الفاء} : عاطفة تفريعية، {هم}: مبتدأ، وجملة {لَا يَسْمَعُونَ}: خبره، والجملة الاسمية: في محل الرفع معطوفة على جملة {أَعْرَضَ} .
{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ
فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)}.
{وَقَالُوا} : {الواو} : استئنافية أو عاطفة. {قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة أو معطوفة على جملة قوله: {فَأَعْرَضَ} . {قُلُوبُنَا} : مبتدأ، {فِي أَكِنَّةٍ}: خبره، والجملة الاسمية: في محل النصب مقول {قَالُوا} . {مِمَّا} : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لـ {أَكِنَّةٍ} ؛ أي: في أكنة تمنعنا مما تدعونا إليه، وقال أبو البقاء: هو محمول على المعنى، إذ معنى {فِي أَكِنَّةٍ}: أنها مَحْجُوبة عن سماع ما تدعونا إليه {تَدْعُونَا} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على محمد ومفعول به، والجملة: صلة لـ {ما} الموصولة {إِلَيْهِ} : متعلق بـ {تَدْعُونَا} وهو العائد على {ما} الموصولة {وَفِي آذَانِنَا} : خبر مقدم. {وَقْرٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة: في محل النصب معطوفة على جملة {قُلُوبُنَا} ، {وَمِنْ بَيْنِنَا}:{الواو} : عاطفة. {مِنْ بَيْنِنَا} خبر مقدم {وَبَيْنِكَ} : معطوف عليه {حِجَابٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة: معطوفة على جملة {قُلُوبُنَا} . {فَاعْمَلْ} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت، ما قلنا لك، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فنقول {اعمل
…
}: إلخ. {اعمل} : فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة: مستأنفة. {إِنَّنَا} : ناصب واسمه. {عَامِلُونَ} : خبره، وجملة {إِن}: في محل النصب مسوقة لتعليل الأمر قبلها؛ أي: فاستمرّ على دعوتك، فإننا مستمرون على ديننا، وهو الإشراك.
{قُلْ} : فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة: مستأنفة، {إِنَّمَا}: أداة حصر؛ أو {إِنَّمَا} : مكفوفة وكافة. {أَنَا} : مبتدأ. {بَشَرٌ} : خبر {مِثْلُكُمْ} : صفة لـ {بَشَرٌ} والجملة الاسمية: في محل النصب مقول لـ {قُلْ} ، {يُوحَى}: فعل مضارع مغير الصيغة. {إِلَيَّ} : متعلق بـ {يُوحَى} ، {أَنَّمَا} مكفوفة وكافة. {إِلَهُكُمْ}: مبتدأ. {إِلَهٌ} : خبر. {وَاحِدٌ} : صفة لـ {إِلَهٌ} ، والجملة الاسمية: صلة لـ {أَن} المكفوفة، و {أَن} المكفوفة مع صلتها: في تأويل مصدر مرفوع على كونه نائب فاعل لـ {يُوحَى} والتقدير: يوحى إليّ كون إلهكم إلهًا واحدًا، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول {قُلْ} أو في محل الرفع خبر ثان لـ {أَنَا} .
{فَاسْتَقِيمُوا} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أنه يوحى إلى التوحيد، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم .. فأقول لكم:{اسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ} . {اسْتَقِيمُوا} : فعل أمر وفاعل، {إِلَيْهِ}: متعلق به، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة. مستأنفة. {وَاسْتَغْفِرُوهُ}: فعل أمر وفاعل ومفعول به معطوف على {اسْتَقِيمُوا} ، {وَوَيْلٌ} {الواو}: عاطفة. {ويل} : مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة: قصد الدعاء {لِلْمُشْرِكِينَ} : خبر، والجملة الاسمية: في محل النصب معطوفة على جملة قوله: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} .
{الَّذِينَ} صفة {لِلْمُشْرِكِينَ} ، وجملة {لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}: صلة {الَّذِينَ} {وَهُمْ} {الواو} : عاطفة. {هُمْ} : مبتدأ. {بِالْآخِرَةِ} : متعلق بـ {كَافِرُونَ} . {هُمْ} الثانية تأكيد للأولى، {كَافِرُونَ}: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: معطوفة على جملة قوله: {لَا يُؤْتُونَ} على كونها صلة الموصول. {إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه. {آمَنُوا} : صلة الموصول. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} : معطوف على {آمَنُوا} ، {لَهُمْ}: خبر مقدم، {أَجْرٌ}: مبتدأ مؤخر، {غَيْرُ مَمْنُونٍ}: صفة {أجر} ، والجملة الاسمية: في محل الرفع خبر {إِنَّ} وجملة {إِنَّ} : مستأنفة أو في محل النصب مقول {قُلْ} .
{قُلْ} : فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة: مستأنفة. {أَئِنَّكُمْ} : {الهمزة} : للاستفهام الإنكاري المضمن للتوبيخ. {إنكم} : ناصب واسمه. {لَتَكْفُرُونَ} {اللام} : حرف ابتداء {تكفرون} : فعل وفاعل. {بِالَّذِي} : جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر {إن} وجملة {إن} : في محل النصب مقول {قُلْ} {خَلَقَ الْأَرْضَ} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة: صلة الموصول، {فِي يَوْمَيْنِ}: متعلق بـ {خَلَقَ} . {وَتَجْعَلُونَ} : فعل وفاعل معطوف على
{تكفرون} . {لَهُ} : متعلق بـ {تَجْعَلُونَ} على أنه مفعول ثان له. {أَنْدَادًا} : مفعول أول له، {ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}: مبتدأ وخبر، والجملة: في محل النصب مقول لـ {قُلْ} .
{وَجَعَلَ} : فعل وفاعل مستتر معطوف على {خَلَقَ} وما بينهما اعتراض. {فِيهَا} : جار ومجرور متعلق بـ {جعل} على كونه مفعولًا ثانيًا له. {رَوَاسِيَ} : مفعول أول لـ {جعل} ولم ينون لأنه على زنة مفاعل، ولك أن تعلق الجار والمجرور بـ {جعل} على أنه بمعنى خلق، و {رَوَاسِيَ}: مفعول به لـ {جعل} لأنه يتعدى إلى مفعول واحد. {مِنْ فَوْقِهَا} صفة لـ {رَوَاسِيَ} وما أجمل وقع هذا النعت؛ لئلا يتوهم أنها من تحتها، فتكون ممسكة لها ومانعة من الميدان. {وَبَارَكَ فِيهَا}: معطوف على {جَعَلَ فِيهَا} . {وَقَدَّرَ فِيهَا} : معطوف على {جعل} أيضًا. {أَقْوَاتَهَا} : مفعول به لـ {قدر} . {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} : متعلق بـ {قدر} {سَوَاءً} : بالنصب منصوب على المصدرية بفعل محذوف وجوبًا؛ أي: استوت الأيام الأربعة استواءً لا تزيد ولا تنقص، أو حال من {أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} لتخصصه بالإضافة؛ أي: حال كونها مستوية كاملة تامةً بلا زيادة ولا نقصان، كما مر بسطه في مبحث التفسير، وقرىء: بالرفع، على أنه خبر لمبتدأ محذوف هي؛ أي: تلك الأيام الأربعة مستوية تامة، وبالجر على أنه صفة لـ {أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ}؛ أي: في أربعة أيام مستوية تامة كاملة. {لِلسَّائِلِينَ} : متعلق بـ {قَدَّرَ} ؛ أي: قدر فيها أقواتها للسائلين؛ أي: لأجل الطالبين للأقوات، المحتاجين إليها من المقتاتين بها، أو خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هذا الحصر في الأربعة كائن للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها، وجواب لسؤالهم في كم مدة خلقت الأرض وما فيها، كما مر بسطه أيضًا فراجعه.
{ثُمَّ} : حرف عطف وترتيب للترتيب الذكري لا الزماني، {اسْتَوَى}: فعل ماض وفاعل يعود على الله، والجملة: معطوفة على جملة {خَلَقَ} ، {إِلَى السَّمَاءِ}:
متعلق بـ {اسْتَوَى} . {وَهِيَ دُخَانٌ} : مبتدأ وخبر، والجملة: في محل النصب حال من {السَّمَاءِ} . {فَقَالَ} {الفاء} : عاطفة. {قال} : فعل ماض وفاعل مستتر معطوف على {اسْتَوَى} ، {لَهَا}: متعلق بـ {قَالَ} . {وَلِلْأَرْضِ} : معطوف على {لَهَا} ، {ائْتِيَا}: فعل أمر مبني على حذف النون، والاْلف: فاعل، والجملة: في محل النصب مقول {قَالَ} {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} : مصدران في موضع الحال من فاعل {ائْتِيَا} ؛ أي: حالة كونكما طائعتين أو كارهتين، {قَالَتَا}: فعل وفاعل. التاء علامة تأنيث الفاعل. والجملة مستأنفة {أَتَيْنَا} فعل وفاعل {طَائِعِينَ} : حال من فاعل: {أَتَيْنَا} ، والجملة: في محل النصب مقول {قَالَتَا} .
{فَقَضَاهُنَّ} : {الفاء} : عاطفة. {قَضَاهُنَّ} : فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول أول. {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} : مفعول ثان؛ لأن {قضى} هنا: بمعنى صير، ويجوز أن يكون {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}: حالًا من مفعول {قَضَاهُنَّ} إذا كان {قضى} بمعنى صنع؛ أي: صنعهن حالة كونهن معدودة بالسبع، ويجوز أن يكون بدلًا من الضمير، والجملة الفعلية: معطوفة على جملة قوله: {اسْتَوَى} ، {فِي يَوْمَيْنِ}: متعلق بـ {قضى} . {وَأَوْحَى} فعل ماض والفاعل مستتر يعود على الله. {فِي كُلِّ سَمَاءٍ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلقان بـ {أوحى} . {أَمْرَهَا} مفعول به ومضاف إليه. {وَزَيَّنَّا} : فعل وفاعل {السَّمَاءَ} : مفعول به. {الدُّنْيَا} : صفة للسماء، {بِمَصَابِيحَ}: متعلق بـ {زَيَّنَّا} وهو غير منصرف؛ لكونه على زنة مفاعيل، والجملة: معطوفة على جملة {قَضَاهُنَّ} . {وَحِفْظًا} {الواو} : عاطفة {حِفْظًا} : مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: وحفظناها حفظًا من استراق الشياطين السمع بالشهب، والجملة المحذوفة: معطوفة على جملة {زَيَّنَّا} . {ذَلِكَ} : مبتدأ، والإشارة إلى ما ذكر كله بتفاصيله، وأفرد الكاف لأنه ليس المراد تعين المخاطبين. {تَقْدِيرُ}: خبر المبتدأ. {الْعَزِيزِ} : مضاف إليه. {الْعَلِيمِ} : صفة لـ {الْعَزِيزِ} والجملة الاسمية: مستأنفة.
{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)} .
{فَإِنْ} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر،
تقديره: إذا قلت لهم ما ذكر من دلائل التوحيد، ولم يقبلوا التوحيد، وأردت بيان ما تقول لهم في حالة إعراضهم .. فأقول لك: إن أعرضوا {إن} : حرف شرط. {أَعْرَضُوا} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها. {فَقُلْ} : {الفاء} : رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا. {قُلْ} : فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة: في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إِنْ} الشرطية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة: مستأنفة. {أَنْذَرْتُكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول أول. {صَاعِقَةً} : مفعول ثان. {مِثْلَ} : صفة لـ {صَاعِقَةً} . {صَاعِقَةً} : مضاف إليه، وهو مضاف {عَادٍ}: مضاف إليه. {وَثَمُودَ} : معطوف على {عَادٍ} ، ولم يصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، كما مر في مبحث التفسير، وجملة {أَنْذَرْتُكُمْ}: في محل النصب مقول {قُلْ} .
{إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان. {جَاءَتْهُمُ} : فعل ومفعول به، و {التاء}: تاء التأنيث. {الرُّسُلُ} : فاعل، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذَا} ، والظرف: متعلق بمحذوف حال من {صَاعِقَةِ عَادٍ} ، والتقدير: حالة كونها نازلةً بهم وقت مجيء الرسل إياهم. {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {جَاءَتْهُمُ} {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} معطوف على {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} ، وجعل بعضهم الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من {الرُّسُلُ}؛ أي: حال كون الرسل كائنين من بين أيدي عاد وثمود ومن خلفهم. {أَلَّا تَعْبُدُوا} : يجوز في {أن} ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون مخففةً من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن. {لا} : ناهية جازمة، {تَعْبُدُوا}: فعل مضارع مجزوم بـ {لا} الناهية، و {الواو}: فاعل. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ، ولفظ الجلالة {اللَّهَ}: مفعول به، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر {أن} المخففة، وجملة {أن} المخففة في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، والتقدير: إذ جاءتهم الرسل بعدم عبادتهم إلا الله، والجار والمجرور: متعلق بمحذوف حال من {الرُّسُلُ} ؛ أي: حالة كونهم قائلين: بأن لا تعبدوا إلا الله.
والوجه الثاني: أن تكون مصدرية تنصب الفعل المضارع. و {لا} : نافية؛ {لأن} {لا} النافية لا تمنع عمل العامل فيما بعدها.
والوجه الثالث: أن تكون مفسرةً؛ لأن مجيء الرسل يحتمل القول، وتكون الجملة: لا محل لها من الإعراب. {قَالُوا} : فعل وفاعل. والجملة: مستأنفة. {لَوْ} : حرف شرط غير جازم. {شَاءَ رَبُّنَا} : فعل وفاعل، والجملة: فعل شرط لـ {لَوْ} لا محل لها من الإعراب. {لَأَنْزَلَ} : {اللام} : رابطة لجواب {لَوْ} الشرطية. {أنْزَلَ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الرب. {مَلَائِكَةً} : مفعول به، والجملة: جواب {لَوْ} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} الشرطية في محل النصب مقول {قَالُوا}. {فَإِنَّا}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم ما قلنا لكم، وأردتم بيان حالنا .. فنقول لكم: إنا بما أرسلتم
…
إلخ، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {كَافِرُونَ} . {أُرْسِلْتُمْ} : فعل مغير ونائب فاعل. {بِهِ} : متعلق بـ {أُرْسِلْتُمْ} والجملة: صلة الموصول. {كَافِرُونَ} : خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة: مستأنفة.
{فَأَمَّا} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت قصة عاد وثمود إجمالًا، وأردت بيان قصتها تفصيلًا .. فأقول لك:{أما عاد} {أما} : حرف شرط وتفصيل. {عَادٌ} : مبتدأ، {فَاسْتَكْبَرُوا}:{الفاء} : رابطة لجواب {أما} ، واقعة في غير موضعها؛ لأن موضعها موضع {أما} ، {اسْتَكْبَرُوا}: فعل ماض وفاعل، {فِي الْأَرْضِ}: متعلق به. {بِغَيْرِ الْحَقِّ} : حال من فاعل {اسْتَكْبَرُوا} ؛ أي: غير محقين في استكبارهم، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: جواب {أما} الشرطية؛ وجملة {أما} الشرطية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة؛ وجملة إذا المقدرة: مستأنفة، {وَقَالُوا}: فعل وفاعل معطوف على {اسْتَكْبَرُوا} . {مَنْ} : اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، {أَشَدُّ}: خبره، والجملة: في محل النصب مقول {قَالُوا} . {مِنَّا} : متعلق بـ {أَشَدُّ} . {قُوَّةً} : تمييز محول عن المبتدأ، منصوب باسم التفضيل.
{أَوَلَمْ} : {الهمزة} : للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف يقتضيه السياق، و {الواو}: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أغفلوا وضلوا ولم يروا، والجملة المحذوفة: جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب. {لَمْ} : حرف نفي وجزم. {يَرَوْا} : فعل مضارع وفاعل مجزوم بـ {لَمْ} والجملة: معطوفة على تلك المحذوفة. {أَنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه. {الَّذِي} : صفة للجلالة. {خَلَقَهُمْ} فعل ماض وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة: صلة {الَّذِي} . {هُوَ} مبتدأ. {أَشَدُّ} : خبره، {مِنْهُمْ}: متعلق بـ {أَشَدُّ} ، {قُوَّةً}: منصوب على التمييز، وجملة المبتدأ: في محل الرفع خبر {أَنَّ} وجملة {أَنَّ} : في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {يَرَوْا} ؛ لأنها علمية تتعدى إلى مفعولين. {وَكَانُوا} : فعل ناقص واسمه، {بِآيَاتِنَا}: متعلق بـ {يَجْحَدُونَ} وجملة {يَجْحَدُونَ} خبر {كَانُوا} وجملة {كَانُوا} : معطوفة على جملة قوله: {فَاسْتَكْبَرُوا} وجملة {أَوَلَمْ يَرَوْا} مع المعطوفة عليها المقدرة معترضة.
{فَأَرْسَلْنَا} : {الفاء} : عاطفة، {أَرْسَلْنَا}: فعل وفاعل معطوف على {كَانُوا} . {عَلَيْهِمْ} متعلق بـ {أَرْسَلْنَا} . {رِيحًا} : مفعول به، {صَرْصَرًا}: صفة لـ {رِيحًا} . {فِي أَيَّامٍ} : صفة ثانية لـ {رِيحًا} أو حال منها. {نَحِسَاتٍ} : صفة لـ {أَيَّامٍ} ، {لِنُذِيقَهُمْ}:{اللام} : حرف جر وتعليل. {نُذِيقَهُمْ} : فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به أول منصوب بأن مضمرة. {عَذَابَ الْخِزْيِ} : مفعول ثان. {فِي الْحَيَاةِ} متعلق بـ نذيق. {الدُّنْيَا} : صفة لـ {الْحَيَاةِ} وجملة {نذيقهم} : صلة أن المضمرة، وأن مع صلتها: في تأويل مصدر مجرور بـ {اللام} والجار والمجرور: متعلق بـ {أرسلنا} ؛ أي: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} لإِذاقتنا إياهم {عَذَابَ الْخِزْيِ} . {وَلَعَذَابُ} : {الواو} : استئنافية، و {اللام}: حرف ابتداء. {عَذَابُ الْآخِرَةِ} : مبتدأ ومضاف إليه {أَخْزَى} : خبره، والجملة: مستأنفة. {وَهُمْ} : {الواو} : عاطفة. {هُمْ} : مبتدأ، وجملة {لَا يُنْصَرُونَ}: خبره، والجملة: معطوفة على الجملة التي قبلها.
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)}.
{وَأَمَّا} : {الواو} : عاطفة، {أما}: حرف شرط. {ثَمُودُ} : مبتدأ. {فَهَدَيْنَاهُمْ} : {الفاء} : رابطة لجواب {أَمَّا} ، {هَدَيْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: جواب {أَمَّا} : لا محل لها من الإعراب، وجملة {أما}: معطوفة على جملة قوله: {فَأَمَّا عَادٌ} . {فَاسْتَحَبُّوا} {الفاء} : عاطفة، {اسْتَحَبُّوا}: فعل وفاعل معطوف على {هديناهم} : {الْعَمَى} : مفعول به. {عَلَى الْهُدَى} : متعلق بـ {اسْتَحَبُّوا} ؛ لأنه متضمن معنى آثروا {فَأَخَذَتْهُمْ} . {الفاء} : عاطفة. {أَخَذَتْهُمْ} : فعل ومفعول به. {صَاعِقَةُ الْعَذَابِ} : فاعل. {الْهُونِ} : صفة لـ {الْعَذَابِ} والجملة الفعلية: معطوفة على جملة {اسْتَحَبُّوا} . {بِمَا} : جار ومجرور متعلق بـ {أَخَذَتْهُمْ} {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه، وجملة {يَكْسِبُونَ}: خبره، وجملة {كان}: صلة لـ {ما} الموصولة. {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {أخذتهم} ، {آمَنُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول، {وَكَانُوا}: فعل ناقص واسمه، وجملة {يَتَّقُونَ}: خبره، وجملة {كَانُوا}: معطوفة على جملة {آمَنُوا} .
{وَيَوْمَ} : {الواو} : استئنافية. {يَوْمَ} : منصوب على الظرفية الزمانية، متعلق بمحذوف تقديره: واذكر يا محمد لقومك قصة ويوم يحشر أعداء الله والجملة المحذوفة مستأنفة. {يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ} : فعل ونائب فاعل، {إِلَى النَّارِ}: متعلق بـ {يُحْشَرُ} والجملة الفعلية: في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} ، {فَهُمْ}:{الفاء} : عاطفة. {هم} : مبتدأ، وجملة:{يُوزَعُونَ} : خبره، والجملة الاسمية: معطوفة على جملة {يُحْشَرُ} . {حَتَّى} : حرف جر وغاية. {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان في محل النصب على الظرفية. {مَا} زائدة زيدت لتأكيد معنى الظرفية. {جَاءُوهَا} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذَا} على كونها فعل شرط لها، والظرف: متعلق بالجواب الآتي. {شَهِدَ} : فعل ماض. {عَلَيْهِمْ} : متعلق به. {سَمْعُهُمْ} : فاعل. {وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ} : معطوفان على {سَمْعُهُمْ} والجملة الفعلية: جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب وجملة {إِذَا} :
في محل الجر بـ {حَتَّى} والجار والمجرور: متعلق بـ {يُوزَعُونَ} والتقدير: فهم يوزعون إلى شهادة سمعهم وأبصارهم عليهم وقت مجيئهم النار، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {شَهِدَ} ، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، وجملة {يَعْمَلُونَ}: خبره، وجملة {كَانُوا}: صلة لـ {ما} الموصولة.
{وَقَالُوا} : فعل وفاعل معطوف على {شَهِدَ} ، {لِجُلُودِهِمْ} متعلق بـ {قَالُوا} {لِمَ} (اللام): حرف جر، (مَ): اسم استفهام للاستفهام التوبيخي التعجبي، في محل الجر بـ {اللام} مبني بسكون على الألف المحذوفة؛ فرقًا بينها وبين {ما} الموصولة. الجار والمجرور: متعلق بـ {شَهِدْتُمْ} ، و {شَهِدْتُمْ}: فعل وفاعل. {عَلَيْنَا} : متعلق بـ {شَهِدْتُمْ} والجملة: في محل النصب مقول {قَالُوا} . {قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة. {أَنْطَقَنَا} : فعل ومفعول. {اللَّهُ} : فاعل، والجملة: في محل النصب مقول {قَالُوا} . {الَّذِي} : صفة للجلالة. {أَنْطَقَ} : فعل ماض وفاعل مستتر. {كُلَّ شَيْءٍ} : مفعول به، والجملة: صلة الموصول. {وَهُوَ} {الواو} : عاطفة {هُوَ} مبتدأ {خَلَقَكُمْ} : فعل ماض ومفعول به، وفاعله: ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: معطوفة على جملة {أَنْطَقَ} ، {أَوَّلَ مَرَّةٍ}: ظرف متعلق بـ {خَلَقَكُمْ} . {وَإِلَيْهِ} : متعلق بـ {تُرْجَعُونَ} . {تُرْجَعُونَ} : فعل مضارع مغير الصيغة ونائب فاعل، والجملة: معطوفة على جملة {خَلَقَكُمْ} .
{وَمَا} {الواو} : عاطفة أو استئنافية. {ما} : نافية، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، وجملة {تَسْتَتِرُونَ}: خبر {كان} وجملة {كان} : معطوفة على جملة {أَنْطَقَنَا} : إن كان من كلام الجلود، أو مستأنفة إن كان من كلام الله تعالى، {أَنْ}: حرف مصدر. {يَشْهَدَ} : فعل مضارع منصوب بـ {أَنْ} ، {عَلَيْكُمْ}: متعلق به، {سَمْعُكُمْ}: فاعل. {وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} : معطوفان على {سَمْعُكُمْ} ،
و {لا} : في الموضعين: زائدة لتأكيد نفي ما قبلها، وجملة {يَشْهَدَ} مع {أَنْ} المصدرية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: وما كنتم تستترون من شهادة سمعكم إلخ. {وَلَكِنْ} : {الواو} : عاطفة. {لكن} : حرف استدراك. {ظَنَنْتُمْ} : فعل وفاعل، والجملة: معطوفة على جملة {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} . {أَنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه. {لَا} نافية. {يَعْلَمُ كَثِيرًا} : فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به. {مِمَّا} : صفة لـ {كَثِيرًا} وجملة {تَعْمَلُونَ} : صلة لـ {ما} الموصولة، وجملة {لَا يَعْلَمُ}: خبر {أَنَّ} وجملة {أَنَّ} : في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {ظَنَنْتُمْ} ؛ أي: ولكن ظننتم عدم علم الله سبحانه كثيرًا مما تعملون.
{وَذَلِكُمْ} : {الواو} : عاطفة. {ذَلِكُمْ} : مبتدأ. {ظَنُّكُمُ} : خبره، والجملة: معطوفة على جملة الاستدراك. {الَّذِي} : صفة لـ {ظَنُّكُمُ} أو بدل منها. {ظَنَنْتُمْ} : فعل وفاعل، وهو بمعنى الاعتقاد يتعدى إلى مفعول واحد، وذلك المفعول محذوف، تقديره: ظننتموه، وهو العائد على الموصول. {بِرَبِّكُمْ}: متعلق بـ {ظَنَنْتُمْ} وجملة {ظَنَنْتُمْ} : صلة الموصول. {أَرْدَاكُمْ} : فعل وفاعل مستتر يعود على الظن ومفعول به، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر ثان لاسم الإشارة، أو حال من {ظَنُّكُمُ} ، {فَأَصْبَحْتُمْ}:{الفاء} : عاطفة، {أَصْبَحْتُمْ}: فعل ناقص واسمه. {مِنَ الْخَاسِرِينَ} : خبره، وجملة {أصبح}: معطوفة على جملة {أَرْدَاكُمْ} ، {فَإِنْ}:{الفاء} : استئنافية. {إن} : حرف شرط جازم. {يَصْبِرُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {إن} الشرطية، على كونه فعل شرط لها. {فَالنَّارُ} {الفاء}: رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا. {النَّارُ} : مبتدأ. {مَثْوًى} : خبر. {لَهُمْ} : صفة لـ {مَثْوًى} والجملة الاسمية: في محل الجزم {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية مستأنفة. {وَإِنْ}:{الواو} : عاطفة. {إن} : حرف شرط. {يَسْتَعْتِبُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {إن} على كونه فعل شرط لها. {فَمَا} : {الفاء} : رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا لاقترانه بـ {ما} النافية. {ما} : حجازية: أو تميمية. {هُمْ} : اسمها، أو مبتدأ. {مِنَ الْمُعْتَبِينَ}: خبرها، أو خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: في محل الجزم بـ {إِنْ} الشرطية على كونها جوابًا لها،
وجملة {إن} الشرطية معطوفة على جملة {إن} الأولى.
التصريف ومفردات اللغة
{فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} ؛ أي: ميزت آياته لفظًا باعتبار فواصل الآيات ومقاطعها ومبادىء السور، ومعنًى بكونها وعدًا ووعيدًا وقصصًا وأحكامًا، وخبرًا وإنشاءً كما في "الشهاب". {فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}؛ أي: لا يقبلون ولا يطيعون، من قولهم: تشفّعت إلى فلان فلم يسمع قولي؛ أي: لم يقبله ولم يعمل به، فكأنه لم يسمعه. {فِي أَكِنَّةٍ} جمع كنان، كأغطية جمع غطاء، وهي خريطة السهام، والمراد: أنها في أغطية متكاثقة، والكنان في الأصل: الغطاء الذي يكنّ فيه الشيء؛ أي: يحفظ ويستر، وأصل أكنة: أكننة بوزن أفعلة، نقلت حركة النون الأولى إلى الكاف فسكّنت فأدغمت في النون الثانية، فصار أكنة بوزن أفلة. {وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} قال في "القاموس": الوقر: ثقل في الأذن، أو ذهاب السمع بالكلية، فهو بمعنى الصمم.
{فَاعْمَلْ} ؛ أي: فاستمر على دينك الذي هو التوحيد. {إِنَّنَا عَامِلُونَ} ؛ أي: مستمرون على ديننا الذي هو الإشراك. {يُوحَى إِلَيَّ} أصله: يوحى بضم الياء، فيقال: تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا، فصار يوحى بالألف في آخره، ولكن كتبت بصورة الياء إشارةً إلى أن أصله ياء. {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ}؛ أي: أخلصوا له العبادة، وفيه إعلال بالنقل والتسكين والقلب، أصله: فاستقوموا، نقلت حركة الواو إلى القاف فسكنت إثر كسرة فقلبت ياءً حرف مدّ، مأخوذ من الاستقامة، والاستقامة: الاستمرار على جهة واحدة ولزومها، بحيث لا يلتفت عنها إلى غيرها. {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}؛ أي: هلاك لهم جملة خبرية اللفظ، إنشائية المعنى، قصد بها الدعاء. {غَيْرُ مَمْنُونٍ}؛ أي: غير مقطوع من قولهم: مَنَنْتُ الحبل: إذا قطعته، ومنه قول ذي الإِصبع:
إِنِّيْ لَعَمْرُكَ مَا بابِيْ بِذِيْ غَلَقٍ
…
عَلَى الصَّدِيْقِ وَلَا خَيْرِيْ بِمَمْنُوْنِ
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} ؛ أي: جبالًا ثوابت لا تتحرّك ولا تميل، جمع راسيةٍ، من رسا الشيء يرسو رسوًّا: نظير سما يسمو سموًا إذا ثبت، وأرساه: غيره إذا أثبته، ومنه المرساة وهو أنجر السفينة إذا وقفت على الأنجر، وفي {رَوَاسِيَ}: إعلال بالقلب، أصله: رواسو من الرسو، قلبت الواو ياءً لتطرفها إثر كسرة. {وَقَدَّرَ فِيهَا
أَقْوَاتَهَا} جمع قوت، والقوت من الرزق: ما يمسك الرمق، ويقوم به بدن الإنسان، يقال: قاته يقوته: إذا أطعمه قوته، والمقيت المقتدر الذي يعطي كل أحد قوته، ومن بلاغات الزمخشري:
إِذَا حَصَّلْتُكَ يَا قُوْتُ
…
هَانَ عَلَيَّ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ
{فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} جمع يوم، أصله: أيوام بوزن أفعال، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما ساكنةً فقلبت الواو ياءً وأدغمت فيها الياء. {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} والاستواء: ضدّ الاعوجاج، من قولهم: استوى العود: إذا اعتدل واستقام، وحمل في هذا المقام على معنى القصد والتوجه، يقال: استوى إلى مكانه، كذا كالسهم المرسل إذا توجه إليه توجهًا مستويًا من غير أن يلوي على غيره، والمعنى: وجّه سبحانه قصده وإرادته إلى خلق السماء. {وَهِيَ دُخَانٌ} ؛ أي: كالدخان، وفي "المفردات": الدخان: العثان المستصحب للهب، والبخار: أجزاء مائية رطبة ترتفع في الهواء مع الشعاعات الراجعة من سطوح المياه، قال الراغب: قوله تعالى: {وَهِيَ دُخَانٌ} ؛ أي: هي مثل الدخان، إشارة إلى أنها لا تماسك بها. انتهى.
وعبارة "السمين": قوله: {وَهِيَ دُخَانٌ} الدخان: ما ارتفع من لهب النار، ويستعار لما يرى من بخار الأرض عند جدبها، وقياس جمعه في القلة: أدخنة، وفي الكثرة دخيان، مثل: غراب وأغربة وغربان، وقوله:{وَهِيَ دُخَانٌ} في باب التشبيه الصوريّ؛ لأنَّ صورتها صورة الدخان في رأي العين. اهـ، وقال بعضهم: وهي دخان؛ أي: دخان مرتفع من الماء، يعني السماء بخار الماء كهيئة الدخان. انتهى. {قَالَتَا} الأصل في تاء التأنيث المتصلة بالفعل الماضي: السكون، ولكنها هنا لما التقت بالألف ساكنةً .. حركت بالفتح لمناسبة الألف. وقوله:{طَائِعِينَ} فيه، إعلال بالإبدال، أصله: طاوعين، أبدلت الواو همزةً في الوصف، حملًا له في الإعلال على فعله. {بِمَصَابِيحَ} جمع مصباح، والياء فيه: مبدلة من الألف، حيث كسر ما قبلها في صيغة منتهى المجموع. {رِيحًا صَرْصَرًا} من الصر، وهو: البرد أو من الصرير، وفي "القاموس": الصرّة بالكسر، شدّة البرد، أو البرد. كالصر فيهما، وأشدّ الصياح وبالفتح: الشدّة من الكرب والحرب والحرّ، وصرّ يصر: من باب ضرب صرًّا وصريرًا: إذا صوّت وصاح شديدًا كصرصر، وفي "السمين": قوله:
{صَرْصَرًا} والصرصر: الريح الشديدة، وقيل: هي الباردة من الصرّ وهو البرد، وقيل: هي الشديدة السموم، وقيل: هي المصوّتة، من صرّ الباب؛ أي: سمع صريره، والصرة: الصيحة، ومنه:{فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} وهي الصيحة، قال الراغب: صرصر لفظه من الصرّ، وذلك يرجع إلى الشدة لما في البرودة من التعقد اهـ. {نَحِسَاتٍ} بكسر الحاء جمع نحسة بكسرها، فهو وصفٌ على فعل، وفعله فعل بكسر العين أيضًا، يقال: نحِسَ فهو نَحِسٌ، كفَرِحَ فهو فَرِحٌ، وأشِرَ فهو أَشِرٌ. {عَذَابَ الْخِزْيِ} من إضافة الموصوف إلى صفته؛ أي: العذاب الخزي ولهذا قال: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى} فلو لم يكن من إضافة الموصوف إلى صفته لم يأت بلفظ {أَخْزَى} الذي يقتضي المشاركة. و {أَخْزَى} أصله: أخزي بوزن أفعل، قلبت ياؤه ألفًا؛ لتحركها بعد فتح.
{فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} حقيقة الاستحباب: أن يتحرّى الإنسان في الشيء أن يحبّه، واقتضى تعديته بـ {عَلَى} تضمُّنه معنى الإيثار والاختيار، كما في "المفردات"؛ أي: اختاروا الضلالة على الهدى، وأصله: استحببوا بوزن استفعلوا، نقلت حركة الباء الأولى إلى الحاء فسكنت، فأدغمت في الباء الثانية. {الْعَمَى} أصله: العمي، بوزن فعل، فقلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.
{صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} الهون: مصدر بمعنى الهوان والذلة، يقال: هان هونًا وهوانًا: إذا ذلّ. {أَعْدَاءُ اللَّهِ} جمع عدوٍ، وأصله: أعداو، أبدلت الواو همزة لتطرفها بعد ألف أفعال الزائدة {فَهُمْ يُوزَعُونَ} من وزع الثلاثي لا من أوزع الرباعي، كما وهمه بعضهم، يقال: وزعته عن كذا كوضع كففته، وفي معاجم اللغة: وزع يزع من باب فتح، ووزع يزع من باب ضرب، وزع فلان بفلان: كفّه ومنعه، وزع الجيش حبس أولهم على آخرهم، فمعنى {يُوزَعُونَ}: يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم. {وَجُلُودُهُمْ} جمع جلد، والجلد: قشر البدن. {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} أرداكم فيه إعلال بالقلب، أصله: أرديكم بوزن أفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح. {مِنَ الْمُعْتَبِينَ} وفي "القاموس": العتبى: الرضا، واستعتبه أعطاه العتبى، كأعتبه وطلب إليه العتبى، وفي "المفردات": أعتبته: أزلت عنه عتبة، نحو: أشكيته، ومنه {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} والاستعتاب: أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه فيعتب، والعتب: الشدة والأمر الكريه، والغلظة التي يجدها
الإنسان في نفسه على غيره، فمعنى {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا}؛ أي: يطلبوا العتبى؛ أي: الرضا والرجوع لهم إلى ما يحبّون جزعًا مما هم فيه.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الطباق بين: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} ، وبين {طَوْعًا} و {كَرْهًا} ، وبين {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} .
ومنها: المجاز في قوله: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} لأن التعبير عن المفعول بالمصدر مجاز مشهور، كقولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير؛ أي: مضروبه.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} حيث شبّهوا قلوبهم بالشيء المحوي المحاط بالغطاء، المحيط له بحيث لا يصيبه شيء، من حيث تباعدها عن إدراك الحق واعتقاده.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} حيث شبّهوا أسماعهم بآذان بها صمم، من حيث إنها تمجّ الحق ولا تميل إلى استماعه.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} حيث شبّهوا حال أنفسهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحال شيئين بينهما حجاب عظيم، يمنع من أن يصل أحدهما إلى الآخر ويراه ويوافقه.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: {فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} .
ومنها: الحصر في قوله: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} .
ومنها: الترهيب والتنفير من الشرك في قوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} إثر ترغيبهم في التوحيد.
ومنها: التحذير والتخويف من منعِ الزكاة حيث جعله من أوصاف المشركين.
ومنها: اختلاف جملتي الصلة بالفعلية والاسمية في قوله: {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)} لما أنّ عدم إيتائها متجدد والكفر أمر
مستمر، فالأولى تفيد التجدّد، والثانية تفيد الاستمرار.
ومنها: الاستفهام في قوله: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ} للإنكار والتشنيع لكفرهم، وفيه أيضًا جمع المؤكدات الهمزة وإن واللام لتأكيد الإنكار، وتقديم الهمزة لاقتضائها الصدارة.
ومنها: التشبيه البليغ الصوري في قوله: {وَهِيَ دُخَانٌ} ؛ أي: كدخان، ففيه تشبيه بليغ صُوري؛ لأنّ صورتها صورة الدخان في رأي العين، والمراد بالدخان البخار الذي تتشكّل منه الطبقات الهوائية، فتسميتها دخانًا تشبيهًا لها به من حيث إنها أجزاء متفرقة غير متواصلة، عديمة النور كالدخان، فإنه ليس له صورة تحفظ تركيبه.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا} فقد شبه تأثير قدرته تعالى فيهما، وتأثرهما عنها بأمر آمر نافذ الحكم يتوجّه نحو المأمور المطيع فيمتثل أمره، فعبّر عن الحالة المشبّهة بما يعبر به عن الحالة المشبّه بها ذكره في "الروح".
ومنها: المجاز العقلي في قوله: {قَالَتَا أَتَيْنَا} حيث أسند القول للأرض والسماء مع كونهما غير عاقلين تنزيلًا لهما منزلة العقلاء، ويجوز أن يكون هذا من باب الاستعارة المكنية، فقد شبّههما بمخلوقين حيّين عاقلين، ثمّ حذف المشبه به وأثبت شيئًا من لوازمه لتمثيلهما بأمر المطاع وإجابة الطائع، كما تقول: نطقت الحال بكذا بدل دلّت، فيجعل الحال كالإنسان الذي يتكلّم في الدلالة والبرهان، ثم يتخيل له النطق الذي هو من لوازم المشبّه به، وينسب إليه.
ومنها: تنزيل غير العقلاء، منزلة العقلاء الذكور في قوله:{أَتَيْنَا طَائِعِينَ} حيث جمعه جمع المذكر السالم.
ومنها: الالتفات في قوله: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} التفت فيه من الغيبة في قوله: {خَلَقَ} و {قَدَّرَ} إلى التكلم، فقد أسند التزيين إلى ذاته سبحانه لإبراز مزيد العناية بالتزيين المذكور.
ومنها: الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا} فقد خاطبهم أولًا بقوله: {أَئِنَّكُمْ} فلما لم يأبهوا لخطابه، ولم يستوعبوا نصحه .. التفت من
الخطاب إلى الغيبة؛ لأنهم فعلوا الإعراض فليس له إلا أن يعرض عن خطابهم، ليصح التلاؤم ويناسب اللفظ المعنى، وهذا من أرفع أنواع البلاغة وأرقاها، وكم للالتفات من أسرار ذكروها في محلها.
ومنها: العدول عن صيغة المضارع المستقبل، إلى الماضي في قوله:{فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ} للدلالة على أن ما ينذرهم به أمر متحقّق لا مندوحة عنه، وعبارة "الروح": وصيغة الماضي فيه الدلالة على تحقق الإنذار المنبىء عن تحقق المنذر به.
ومنها: الإسناد المجازيّ في قوله: {عَذَابَ الْخِزْيِ} فإنه أضاف العذاب إلى الخزي الذي هو الذلّ والاستكانة، وهو في الأصل صفة المعذّب، ولكنّه جنح إلى وصف العذاب به للمبالغة.
ومنها: المشاركة في قوله: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى} وجعل الخزي هذه المرّة خبرًا للمشاكلة، على حدّ قول الشاعر:
قَالُوْا: اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ
…
قُلْتُ: اطْبُخُوْا لِيْ جُبَّةً وَقَمِيْصَا
أي: خيطوا لي، فأطلق الخياطة بلفظ الطبخ، لمشاكلة ما قبله.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} فقد شبّه الكفر بالعمى؛ لأنّ الكافر ضال عن القصد، متعسف الطريق كالأعمى، وشبّه الإيمان بالهدى؛ لأن المؤمن مهتد إلى محجّة القصد وسواء السبيل، ثم حذف المشبّه في كليهما وأثبت المشبّه به الذي هو العمى والهدى.
ومنها: الطباق بين {الْعَمَى} و {الْهُدَى} .
ومنها: صيغة جمع العقلاء في خطاب الجلود في قوله: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} وكذا في قوله: {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ
…
} إلخ. لوقوعهما في موقع السؤال والجواب المختصين بالعقلاء كما مرّ.
ومنها: تخصيص الجلود، لكون شهادتها أعجب من شهادة السمع والبصر، إذ ليس شأنها الإدراك.
ومنها: الالتفات من الخطاب في قوله: {أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} إلى الغيبة في قوله: {فَإِنْ يَصْبِرُوا
…
} إلخ. للإشعار بإبعادهم عن حيّز الخطاب،
والإبقاء في غاية دركات النار.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} .
ومنها: الإتيان بصيغة المضارع في قوله: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} مع أنّ هذه المحاورة بعد البعث والرجوع إلى الله، لما أنّ المراد بالرجوع ليس مجرد الردّ إلى الحياة بالبعث، بل ما يعمه ويعمّ ما يترتّب عليه من العذاب الخالد المترقّب عند المخاطبة، فغاب المتوقع على الواقع. اهـ "أبو السعود".
ومنها: عطف العامّ على الخاص في قوله: {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ} إذ المراد بالجلود: الجوارح. مطلقًا، فعطفها على ما قبلها من عطف العام على الخاصّ.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
فائدة: قال الشيخ النيسابوري: خلق الله السماء قبل خلق الأرض؛ ليعلم أنّ فعله خلاف أفعال الخلق؛ لأنه خلق أولًا السقف ثم الأساس، ورفعها على غير عمد؛ دلالةً على قدرته وكمال صنعه، وروي أنه تعالى خلق جرم الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، ودحاها وخلق ما فيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، وخلق السموات وما فيهن يوم الخميس ويوم الجمعة، وخلق آدم في آخر ساعةٍ منه، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة، وسمي الجمعة لاجتماع المخلوقات لها وتكاملها، ولمَّا لم يخلق الله في يوم السبت شيئًا .. امتنع بنو إسرائيل من الشغل فيه، كما في "فتح الرحمن".
والظاهر: أنه ينبغي أن يكون المراد به أنه تعالى خلق العالم في مُدّة لو حصل فيها فلك وشمس وقمر .. لكانَ مبدأ تلك المدة أول يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة، كما في "حواشي ابن الشيخ". وفي كلام بعضهم أولى الأسبوع الأحد لغةً، وأوله السبت عرفًا؛ أي: في عرف الفقهاء.
واستشكل: هل تسمية الأيام بهذه الأسماء، هي من الله تعالى أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو من العرب؟ وروي:"أن الله تعالى خلق يومًا فسمّاه الأحد، ثم خلق ثانيًا فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثًا فسماه الثلاثاء، بضم الثاء المثلثة وفتحها، ثم خلق رابعًا فسماه الأربعاء، بتثليث الباء الموحّدة، ثم خلق خامسًا فسماه الخميس"، وعلى هذا
فالتسمية من الله تعالى، إلا السبت فلم يذكره، وبهذا يندفع ما قال السهيلي: تسمية هذه الأيام طارئة، ولم يذكر الله منها في القرآن إلا يوم الجمعة والسبت، والعرب أخذوا معاني الأسماء من أهل الكتاب، فألقوا عليها هذه الأسماء اتباعًا لهم، فلم يسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأحد والاثنين إلى غير ذلك، إلا حاكيًا للغة قومه، لا مبتدِئًا بتسميتها. هذا كلام السهيليّ، وعلى هذا فالتسمية من العرب.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
المناسبة
قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه لما ذكر (1) الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة على الكفر والمعاصي .. أردف ذلك بذكر السبب الذي من أجله وقعوا في الكفر، ثم حكى عنهم جنايةً أخرى، وهي أنهم كانوا إذا سمعوا القرآن .. أعملوا الحيلة في عدم اسماع الناس له، حتى لا يتدبرّوا معناه، فتشاغلوا حين قراءَته يرفع الأصوات، وإنشاء الأشعار حتى يهوّشوا على القارىء، ويغلبوا على قراءَته، ثم ذكر أنهم حين يقعون في العذاب الشديد، يطلبون أن يروا من كانوا السبب في وقوعهم في الضلال من الجنّ والإنس، ليدوسوهم تحت أقدامهم، انتقامًا منهم على أن صيروهم في هذه الهاوية.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه لما أسلف القول في وعيد الكفار بما لم يبق بعده في القوس منزع .. أعقبه بهذا الوعد الشريف للمؤمنين، كما هي سنة القرآن من اتباع أحدهما بالآخر، كما جاء في قوله:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)} . قال عطاء عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أنّ قرناء السوء يدعون إلى المعاصي .. أردف ذلك بذكر حال أضدادهم، الذين يدعون الناس إلى توحيد الله تعالى وطاعته، ثم أعقب هذا بأن الحسنة والسيئة لا يستويان ثوابًا عند الله تعالى، ثمّ أمر رسوله بدفع سفاهات المشركين وجهالاتهم بطريق الحسنى، لما في ذلك من تألّف القلوب وارعواء النفوس عن غيّها وثوبها إلى رشدها، وأرشد إلى أن هذه فعلة لا يتقبّلها إلا الصابرون على احتمال المكاره، ومن لهم حظ عظيم من الثواب عند الله، ثمّ ختم ذلك بتلك النصيحة الذهبية، وهي أنه إذا صرف الشيطان المرء عن شيء مما شرعه الله تعالى .. فليتعوّذ من شرّه، ولا يطعه في أمره، والله سميع لما يقول،
(1) المراغي.
عليم بكل ما يفعل، وهو المجازي له على ذلك.
قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمَّا ذكر في الآيات السابقة. أن أحسن الأعمال والأقوال هو الدعوة إلى الله تعالى .. (1) أردفه بذكر الدلائل على وجوده تعالى وقدرته وحكمته؛ تنبيهًا إلى أنَّ الدعوة إلى الله تقرير الدلائل على ذاته وصفاته، ثمّ ذكر منها الدلائل الفلكية، وهي الليل والنهار والشمس والقمر، ثمّ أتبعها بآيات أرضية تشاهد رأْي العين في كل حين؛ وهي حال الأرض حين خلوِّها من المطر والنبات، ثم حالها بعد نزول المطر، فهي تنتعش بعد أن كانت ميتةً، وتهتزّ بعد أن كانت ساكنةً، والذي أحياها هو الذي يحيي الموتى، إنه على كل شيء قدير.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه (2) لما بيّن أنّ الدعوة إلى دين الله أسمى المقاصد، وأنها إنما تحصل بذكر دلائل التوحيد وصحة البعث يوم القيامة .. أعقب هذا بتهديد من ينازع في تلك الدلائل بإلقاء الشبهات، ثم هدّدهم بضروب من التهديد، فهدّدهم بقوله:{لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} وبقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، وبقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ
…
} إلخ.
قوله تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما هدَّد الملحدين في آياته .. سلّى رسوله على ما يصيبه من أذى المشركين وطعنهم في كتابه، وحثّه على الصبر، وأن لا يضيق صدره بما حكاه عنهم من نحو قولهم:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} . وقولهم: {فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} فما قاله أولئك الكفار في شأنه وشأن ما أنزل إليه من القرآن .. لا يعدو شأن ما قاله أمثالهم من الأمم السابقة، ثم أجاب عن شبهة قالوها، وهي: هلا نزل القرآن بلغة العجم، بأنه لو نزل كما يريدون .. لأنكروا أيضًا، وقالوا: ما لنا ولهذا، ثمَّ ذكر أنَّ القرآن هدايةٌ وشفاء للمؤمنين، والذين لا يؤمنون به في آذانهم صمم عن سماعه، ثم ذكر أنَّ الاختلاف في شأن الكتب عادة قديمة للأمم، فقومك ليسوا ببدع فيها بيت الأمم، ثم أبان أن المرء وما عمل، فمن أحسن فلنفسه، ومن
(1) المراغي.
(2)
المراغي.