المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الآخرة، كما قال: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} إلخ؛ أي: فإما نرينك في - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الآخرة، كما قال: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} إلخ؛ أي: فإما نرينك في

الآخرة، كما قال:{فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} إلخ؛ أي: فإما نرينك في حياتك بعض الذي نعدهم من العذاب والنقمة، كالقتل والأسر يوم بدر، فذاك ما يستحقّونه، أو نتوفّينك قبل ذلك فإلينا يرجعون يوم القيامة، فنجازيهم بأعمالهم، وننتقم منهم أشدّ الانتقام، وناخذهم أخذ عزيز مقتدر، ونحو الآية قوله:{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)} .

وقرأ الجمهور (1): {يُرْجَعُونَ} بياء الغيبة مبنيًا للمفعول، وقرأ أبو عبد الرحمن ويعقوب: بفتح الياء، وطلحة بن مصرف ويعقوب في رواية الوليد بن حسان: بفتح تاء الخطاب.

‌78

- ثم ردّ سبحانه وتعالى على العرب في إنكارهم بعثة الرسل، فقال:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} روي إن الذين كانوا يجادلون في آيات الله تعالى، اقترحوا معجزات زائدة على ما أظهره الله على يده صلى الله عليه وسلم، من تفجير العيون، وإظهار البساتين، وصعود السموات ونحوها، مع كون ما أظهره من المعجزات كافية في الدلالة على صدقه، فأنزل الله تعالى قوله:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} ؛ أي: وعزتي وجلالي لقد بعثنا {رُسُلًا} ذوي عدد كثير إلى قومهم {مِنْ قَبْلِكَ} ؛ أي: من قبل بعثتك يا محمد، أو من قبل زمانك {مِنْهُمْ}؛ أي: من أولئك الرسل، خبر مقدم {مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ}: مبتدأ مؤخر، والجملة: صفة {رُسُلًا} من قصّ عليه إذا بيّن، وأخبر؛ أي: من بيّناهم وأخبرناهم وسميناهم لك في القرآن، فأنت تعرفهم؛ أي: أنبأناك بأخبارهم، وما لقوه من قومهم {وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}؛ أي: لم نسمّهم، ولم نخبرك خبرهم، ولا أوصلنا إليك علم ما كان بينهم وبين قومهم.

وعن علي وابن عباس: أن الله بعث نبيًا أسود في الحبش، فهو ممن لم يقصص على محمد صلى الله عليه وسلم، أخرجه الطبراني في "الأوسط" وابن مردويه. قال بعضهم: لعل معناه: أن الله بعث نبيًا أسود إلى السودان، فلا يخالف ما ورد من أنّ الله تعالى ما بعث نبيًا إلا حسن الاسم، حسن الصورة حسن الصوت، وذلك لأنَّ في كل جنس حسنًا بالنسبة إلى جنسه. انتهى.

(1) البحر المحيط.

ص: 267

والحاصل (1): أنّ المذكور قصصهم من الأنبياء أفراد معدودة، وقد قيل: عدد الأنبياء مئة وأربعة وعشرون ألفًا، قال في "شرح المقاصد": روى أحمد في "مسنده" عن أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه أنه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كم عدد الأنبياء؟ فقال: "مئة ألف وأربعة وعشرون ألفًا" فقلت: فكم الرسل منهم؟ فقال: ثلاث مئة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا" وفي رواية مئتا ألف وأربعة وعشرون ألفًا، كما في "شرح العقائد" للتفتازاني. قال ابن أبي شريف: لم أر هذه الرواية.

لكن ذكر بعض العلماء أن الأولى أن لا يقتصر على عددهم؛ لأنّ خبر الواحد على تقدير اشتماله على جميع الشرائط، لا يفيد إلا الظن، ولا يعتبر إلا في العمليات دون الاعتقادات، وهاهنا حصر عددهم يخالف ظاهر قوله تعالى:{مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا} إلخ. ويحتمل أيضًا مخالفة الواقع، وإثبات من ليس بنبي إن كان عددهم في الواقع أقلّ مما ذكر، ونفي النبوة عمن هو نبي إن كان أكثر، فالأولى عدم التنصيص على عدد.

والمذكور في القرآن باسم العلم على ما ذكر بعض المفسرين: ثمانية وعشرون، وهم: آدم ونوح وإدريس وصالح وهود وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويوسف ولوط ويعقوب وموسى وهارون وشعيب وزكريا ويحيى وعيسى وداود وسليمان وإلياس واليسع وذو الكفل وأيوب ويونس ومحمد وذو القرنين وعزيز ولقمان على القول بنبوة هذه الثلاثة الأخيرة، وفي "الأمالي":

وَذُوْ القَرْنَينِ لَم يُعْرَفْ نَبِيًّا

كَذَا لُقْمَانُ فَاحْذَرْ عَنْ جِدَالِ

وذلك لأنّ ظاهر الأدلّة يشير إلى نفي النبوة عن الأنثى، وعن ذي القرنين ولقمان ونحوهما، كتبع، فإنه عليه السلام قال:"لا أدري أهو نبي أم ملك" وكالخضر، فإنه قيل: نبي، وقيل: ولي، وقيل: رسول، فلا ينبغي لأحد أن يقطع بنفي أو إثبات، فإن اعتقاد نبوّة من ليس بنبي كفر، كاعتقاد نفي نبوة نبي من الأنبياء، يعني إذا كان متفقًا على نبوته أو عدم نبوته، وأما إذا كان فيه خلاف .. فلا يكفر؛ لأنه كالدليل الظنّي، والكفر في القطعيّ.

(1) روح البيان.

ص: 268

{وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} لاستغنائك عن ذلك، تخفيفًا لك عمَّا لا يعنيك، وهذا أمارة كمال العناية فيما قصّ عليه، وفيما لم يقصص عليه.

والمعنى: أي ولقد أرسلنا رسلًا وأنبياء من قبلك إلى أممهم، منهم من أنبأناك بأخبارهم في القرآن، وبما لاقوه من قومهم، وهم خمسة وعشرون، ومنهم من لم نقصص عليك فيه خبرهم، ولا أوصلنا إليك علم ما كان بينهم وبين أقوامهم.

{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ} ، أي: وما صحّ وما استقام لرسول منهم {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ} ومعجزة تقترح عليه {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} وإرادته، لا من قبل نفسه فإن المعجزات تشعب فنونها عطايا من الله تعالى، قسمها بينهم حسبما اقتضته مشيئته المبنيّة على الحكم البالغة، كسائر القسم، ليس لهم اختيار في إيثار بعضها، ولا استبداد بإتيان المقترح بها، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنه قيل: ما من رسول من قبلك سواء كان مذكورًا أو غير مذكور، أعطاه الله آيات ومعجزات إلا جادله قومه فيها، وكذّبوه عنادًا وعبثًا، فصبروا وظفروا، فاصبر كما صبروا، تظفر كما ظفروا {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} سبحانه بالعذاب في الدنيا والآخرة .. {قُضِيَ بِالْحَقِّ}؛ أي: حكم بين الرسل ومكذّبيهم بإنجاء المحق، وإهلاك المبطل وتعذيبه {وَخَسِرَ}؛ أي: هلك أو تحقّق، وتبيّن أنه خسر {هُنَالِكَ}؛ أي: وقت مجيء أمر الله تعالى، وهو اسم مكان استعير للزمان {الْمُبْطِلُونَ} المتمسّكون بالباطل على الإطلاق، فيدخل فيهم المعاندون المقترحون دخولًا أوليًا، جمع مبطل، والمبطل: صاحب الباطل والمتمسك به العامل له، كما أن المحق صاحب الحق والعامل به، والباطل؛ ضد الحق.

ولم يقل هنا (1): وخسر هنالك الكافرون، لما سبق من نقيض الباطل الذي هو الحق. كما في "برهان القرآن". وفي الآية إشارة إلى أنه يجب الرجوع إلى الله قبل أن يجيء أمرُه وقضاؤه بالموت والعذاب، فإنه ليس بعده إلا الأحزان.

وحاصل المعنى (2): أي وليس في الرسل أحد إلا آتاه الله آيات ومعجزات جادله قومه فيها وكذّبوه، وجرى عليه من الإيذاء ما يقارب ما جرى عليك، فصبر على ما أوذي، وكانوا يقترحون عليه المعجزات على سبيل التعنّت والعناد، لا

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 269