الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجمال المعنى: أنّه لا ينبغي لهم ذلك إذ لا يخطر على بال عاقل فائدة لهذا، ومن ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتهكم بهم، ويحمقهم على ما يفعلون، فقال:{قُلْ} لهم أيها الرسول {أَ} تتخّذونهم شفعاء كما تزعمون، {وَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ} لكم {شَيْئًا} من حوائجكم {وَلَا يَعْقِلُونَ} أنكم تعبدونهم، فـ {الهمزة} (1): لإنكار الواقع واستقباحه. والتوبيخ عليه، دالة على محذوف كما قدّرنا، و {الواو}: عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي: أيشفعون ولو كانوا إلخ، وجواب {لَوْ}: محذوف، تقديره: تتخذونهم؛ أي: وإن كانوا بهذه المنزلة تتخذونهم شفعاء.
ومعنى (2){لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا} : أنهم غير مالكين لشيء من الأشياء، وتدخل الشفاعة في ذلك دخولًا أوليًا، ولا يعقلون شيئًا من الأشياء؛ لأنها جمادات لا عقل لها، وجمعهم بالواو والنون جمع العقلاء؛ لاعتقاد الكفار فيهم أنهم يعقلون.
والمعنى: قل لهم يا محمد: أفتتخذون الأصنام شفعاء ولو كانوا لا يملكون شيئًا ولا يعقلونه، فضلًا عن أن يملكوا الشفاعة عند الله سبحانه، ويعقلوا أنكم تعبدونهم.
وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى أن اتخاذ الأشياء للعبادة أو للشفاعة بالهوى والطبع، لا بأمر الله تعالى ووفق الشرع يكون ضلالةً على ضلالة، وأن المقبول من العبادة والشفاعة ما يكون بأمر الله ومتابعة نبيّه صلى الله عليه وسلم على وفق الشرع.
44
- ثم أمر سبحانه رسوله أن يخبرهم أن الشفاعة لله وحده، فقال:{قُلْ} لهم يا محمد، بعد تبكيتهم وتجهيلهم بما ذكر تحقيقًا للحق؛ {لِلَّهِ} سبحانه، لا لغيره {الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} نصب على الحال من الشفاعة، فليس لأحد منها شيء إلا أن يكون بإذنه لمن ارتضى، كما في قوله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} وقوله: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وأكد الشفاعة بما يؤكد به الاثنان فصاعدًا؛ لأنها مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة.
والخلاصة (3): أنه تعالى مالك الشفاعة كلها، لا يستطيع أحد أن يشفع لديه
(1) روح البيان.
(2)
الشوكاني.
(3)
المراغي.
إلا أن يكون المشفوع له مرتضى، والشفيع مأذونًا له، وكلاهما مفقود هاهنا. قال البقلي: بين أنه تعالى، مرجع الكل: الشافع والمشفوع فيه، حتى يرجع العبد العارف إليه بالكلّية، ولا يلتفت إلى أحد سواه، فلا يصل إليه أحد إلا به تعالى.
ونِعْمَ ما قالت رابعة العدوية - رحمها الله تعالى -: محبّة الله تعالى ما أبقت محبة غيره، ومحبّة الرسول صلى الله عليه وسلم مندرجة في محبة الله تعالى.
وفي "فتح الرحمن": إن قلت: كيف قال ذلك مع أن للأنبياء والعلماء والشهداء والأطفال شفاعة؟
قلت: معناه: أن أحدًا لا يملكها إلا بتحليلها من الله تعالى، كما قال:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} .
ثمّ بين العلة في أن الشفاعة جميعًا له تعالى، فقال:{لَهُ} تعالى، وحده {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: له السلطان في السموات والأرض، وكل من فيهما ملك له، ومنه ما تعبدون من دونه، فاعبدوا مالك الملك كله، الذي لا يتصرّف أحد في شيء منه إلَّا بإذنه ورضاه، وفيه إشارة (1) إلى أن الله تعالى هو المالك حقيقةً، فإن ما سواه عبد ولا ملك للعبد، ولو ملّكه مولاه، وإنما هو عارية عنده، والعارية مردودة إلى مالكها. {ثُمَّ إِلَيْهِ} تعالى لا إلى غيره {تُرْجَعُونَ} يوم القيامة؛ أي: إليه مصيركم بعد البعث لا إلى أحد سواه، لا استقلالًا ولا اشتراكًا، فيفعل يومئذ ما يريد، وهو معاقبكم على إشراككم به سواه، إن أنتم متم على هذه الحال.
وفي "الكواشي": يحيى أعمالكم، ثم إلى حسابه ترجعون؛ أي: تردّون فيجازيكم، فاحذروا سخطه، واتّقوا عذابه، فيا ربح الموحّدين يومئذ، ويا خسارة المشركين.
وخلاصة ذلك: اعبدوا من يقدر على نفعكم في الدنيا، وعلى ضرّكم فيها، وفي الآخرة بعد مماتكم يجازيكم بما قدّمتم من عمل خيرًا كان أو شرًّا، ولا يخفى ما في هذا من التهديد والوعيد، الذي تقشعر منه الجلود خشيةً.
واعلم: أن افتخار الخلق في الدنيا بعشرة، ولا ينفع ذلك يوم القيامة:
(1) روح البيان.