المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الرب تعالى، فيقول: ووالديكم معكم، فيثب كل طفل إلى أبويه، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الرب تعالى، فيقول: ووالديكم معكم، فيثب كل طفل إلى أبويه،

الرب تعالى، فيقول: ووالديكم معكم، فيثب كل طفل إلى أبويه، فيأخذون بأيديهم، فيدخلونهم الجنة، فهم أعرف بآبائهم وأمهاتهم يومئذ من أولادكم الذين في بيوتكم".

{إِنَّكَ} يا ربنا {أَنْتَ الْعَزِيزُ} الغالب الذي لا يمتنع عليه مقدور ما {الْحَكِيمُ} الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة الباهرة، من الأمور التي من جملتها إنجاز الوعد والوفاء به

‌9

- {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} ؛ أي (1): واحفظهم عما يسوْءُهم يوم القيامة، وادفع عنهم العقوبات؛ لأن جزاء سيئة سيئة، فتسميتها سيئة. إما لأن السيئة اسم للملزوم، وهو الأعمال السيئة، فأطلق على اللازم، وهو جزاؤها، أو المعنى: قهم جزاء السيئات، على حذف المضاف، على أن {السَّيِّئَاتِ} بمعنى الأعمال السيئة، وهو تعميم بعد تخصيص، لقوله:{وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} أو عذاب القبر وموقف القيامة والحساب والسؤال والصراط ونحوها، أو مخصوص بمن صلح من الأتباع، والأول دعاء للأصول، قال أبو السعود: والضمير في {وَقِهِمْ} : راجع للمعطوف، وهو الآباء والأزواج والذرية.

{وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ} ؛ أي: ومن تصرف عنه سوء عاقبة ما ارتكب من السيئات {يَوْمَئِذٍ} ؛ أي: يوم القيامة {فَقَدْ رَحِمْتَهُ} ونجيته من عذابك؛ لأن (2) المعافى من العذاب مرحوم، ويجوز أن يكون المراد بـ {السَّيِّئَاتِ} الأولى: المعاصي في الدنيا، فمعنى قوله:{وَمَنْ تَقِ ....} إلخ؛ أي: ومن تقه المعاصي في الدنيا .. فقد رحمته في الآخرة، كأنهم طلبوا لهم السبب بعدما سألوا المسبب {وَذَلِكَ} المذكور من الرحمة والوقاية {هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي لا فوز أجمل منه، والظفر الجسيم الذي لا مطمع وراءه لطامع؛ إذ وجدوا بأعمال منقطعة نعيمًا لا ينقطع، وبأفعال قليلة ملكًا لا تصل العقول إلى كنه جلاله.

‌10

- ولما ذكر سبحانه حال أصحاب النار، وأنها حقت عليهم كلمة العذاب، وأنهم أصحاب النار .. ذكر أحوالهم بعد دخول النار، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالله ورسله {يُنَادَوْنَ} ؛ أي: تناديهم الملائكة، وهم خزنة جهنم من مكان بعيد، تنبيهًا على بعدهم عن الحق:{لَمَقْتُ اللَّهِ} جواب قسم محذوف، والمقت: البغض

(1) روح البيان.

(2)

روح البيان.

ص: 129

الشديد لمن يراه متعاطيًا لقبيح، والبغض: نفار النفس من الشيء، ترغب عنه، وهو ضد الحب، وهو انجذاب النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه، ومقت الله: غضبه وسخطه، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، وحذف مفعوله؛ لدلالة المقت الثاني عليه، والمعنى: والله لمقت الله أنفسكم الأمارة بالسوء {أَكبَرُ} وأشد {مِنْ مَقْتِكُمْ} وبغضكم {أَنْفُسَكُمْ} الأمارة بالسوء، وذلك أن الكفار يمقتون في جهنم أنفسهم الأمارة بالسوء، التي وقعوا بها فيما وقعوا فيه من العذاب المخلد باتباع هواها؛ أي: يغضبون عليها حتى يأكلوا أناملهم، ويبغضونها أشد البغض، وينكرونها أشد الإنكار، ويظهرون ذلك على رؤوس الأشهاد، فعند ذلك تناديهم الملائكة من مكان بعيد.

والظرف في قوله: {إِذْ تُدْعَوْنَ} في الدنيا من جهة الأنبياء {إِلَى الْإِيمَانِ} فتأبون قبوله {فَتَكْفُرُونَ} بالله تعالى وتوحيده، اتباعًا لأنفسكم، ومسارعة إلى هواها .. متعلق بالمقت الأول، ولا يقدح فيه وجود الخبر في "العين"؛ لأنَّ في الظروف اتساعًا.

والمعنى: إن الذين كفروا تناديهم الملائكة يوم القيامة، وهم يتلظون النار، ويذوقون العذاب، فيمقتون أنفسهم، ويبغضونها أشد البغض، بسبب ما أسلفوا من سيء الأعمال التي كانت سبب دخولهم في النار، والله إن مقت الله إياكم في الدنيا حين تدعون إلى الإيمان، فتكفرون، أشد من مقتكم أنفسكم اليوم، وأنتم على هذه الحال.

وقال الأخفش: {اللام} في قوله: {لَمَقْتُ اللَّهِ} : لام الابتداء، دخلت على معمول خبر {إنَّ}. وقيل: الظرف في قوله: {إِذْ تُدْعَوْنَ} : متعلق بمحذوف، تقديره: اذكروا إذ تدعون في الدنيا.

والخلاصة (1): أن مقت الله لأهل الضلال حين عرض عليهم الايمان في الدنيا فتركوه، وأبو أن يقبلوه، أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذابه يوم القيامة. قاله قتادة ومجاهد والحسن البصري وابن جرير.

(1) المراغي.

ص: 130