المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والمعنى (1): أي ولولا ما سبق من قضاء الله وحكمه - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: والمعنى (1): أي ولولا ما سبق من قضاء الله وحكمه

والمعنى (1): أي ولولا ما سبق من قضاء الله وحكمه فيهم بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة .. فعجل الفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، بإهلاك المكذبين، كما فعل بمكذبي الأمم السالفة.

ثم بين ما يقتضي إهلاكهم فقال: {وَإِنَّهُمْ} ؛ أي: وإن كفار قومك {لـ} كائنون {فِي شَكٍّ} وريب {مِنْهُ} ؛ أي: من حقية هذا القرآن {مُرِيبٍ} ؛ أي: موجب ذلك الشك للإضطراب فيه موقع في الإنكار به، والشك: عبارة عن تساوي الطرفين في التردد فيهما من غير ترجيح، والوهم: ملاحظة الطرف المرجوح، وكلاهما تصور لا حكم معه؛ أي: لا تصديق معه أصلًا، وقيل: إن المراد بالكناية: اليهود؛ أي: وإنهم في شك من التوراة مريب، والأول أولى.

أي: وإن قومك يا محمد لفي شك من أمر القرآن موجب لقلقهم واضطرابهم، فما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم حين قالوا ما قالوا، بل كانوا شاكين غير محققين لشيء مما كانوا فيه من عنادك ومقاومة دعوتك.

‌46

- ثم بين أن الجزاء من جنس العمل، وأنه لا يظلم ربك أحدًا، فقال:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا} ؛ أي: عمل عملًا صالحًا؛ أي: عملًا موجبًا لصلاح صاحبه، بأن آمن بالكتب وعمل بموجبها {فَلِنَفْسِهِ}؛ أي: ضعطه أو فنفعه لنفسه لا لغيره {وَمَنْ أَسَاءَ} ؛ أي: ومن عمل عملًا فيه إساءة أدب الله ورسوله، بأن كذب كتب الله ورسله، وعمل بخلاف ما أمر به ونهى عنه {فَعَلَيْهَا}؛ أي: فعلى نفسه ضرر إساءته وعقابها، لا على غيرها، قال تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .

والمعنى: أي من عمل بطاعة الله في هذه الحياة الدنيا، فائتمر بأمر، انتهى عما نهى عنه .. فلنفسه جزاء عمله وثوابه؛ لأنه يجازى عليه الجزاء الذي هو له أهل، فينجو من النار ويدخل جنة النعيم، ومن عصى الله سبحانه .. فعلى نفسه جنى؛ لأنه أكسبها سخطه وأليم عذابه، وقد قالوا في أمثالهم: إنك لا تجنى من الشوك العنب.

{وَمَا رَبُّكَ} أيها الرسول {بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ؛ أي: بحامل عقوبة ذنب على غير

(1) المراغي.

ص: 387

مكتسبه، فلا يُعذِبُ أحدًا إلا بذنبه، ولا يقع منه الظلم لأحدٍ، كما في قوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} بل هو (1) العادل المتفضل، الذي يجازي كل أحد بكسبه، وهو اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله، مبني على تنزيل ترك إثابة المحسن بعمله، أو إثابة الغير بعمله، وتنزيل التعذيب بغير إساءة، أو بإساءة غيره منزلة الظلم الذي يستحيل صدوره عنه سبحانه؛ أي: هو تعالى منزه عن الظلم، يقال: من ظلم وعلم أنه يظلم .. فهو ظلام، وقال بعضهم: أصله: وما ربك بظالم، ثم نقل مع ثفيه إلى صيغة المبالغة، فكانت المبالغة راجعةً إلى النفي، على معنى أن الظلم منفي عنه نفيًا مؤكدًا مضاعفًا، ولو جعل النفي داخلًا على صيغة البالغة بتضعيف ظالم بدون نفيه، ثم أدخل عليه النفي .. لكان المعنى: أن تضعيف الظالم منفي عنه تعالى، ولا يلزم منه نفيه عن أصله، والله تعالى منزه عن الظلم مطلقًا. ويجوز أن يقال: صيغة المالغة باعتبار كثرة العبد، لا باعتبار كثرة الظلم، كما قال تعالى:{وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} .

وفي الحديث القدسى: "إني حرمت الظلم على نفسي، وعلى عبادي فلا تظالموا" والظلم: هو التصرف في ملك الغير، أو مجاوز الحد، وهذا محال في حق الله تعالى؛ لأن العالم كله مثك له سبحانه وتعالى، وليس فوقه أحد يحد له حدًا فيتجاوز عنه.

فالمعنى: تقدست وتعاليت عن الظلم، وهو ممكن في حق العباد، ولكن الله منعهم عنه.

وفي الحديث: "من مشى خلف ظالم سبع خطوات .. فقد أجرم. قال الله تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}. وفي آخر: "من مشى مع ظالم ليعينه، وهو يعلم أنه ظالم .. فقد خرج عن الإِسلام".

الإعراب

{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)} .

(1) روح البيان.

ص: 388

{وَقَيَّضْنَا} : {الواو} : استئنافية. {قضينا} : فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة. {لَهُمْ} : متعلق به. {قُرَنَاءَ} : مفعول به. {فَزَيَّنُوا} : {الفاء} : عاطفة، {زينوا}: فعل وفاعل، معطوف على {قضينا}. {لَهُمْ}: متعلق بـ {زينو} ، {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول {زينوا} . {بَيْنَ} : ظرف متعلق بمحذوف صلة لـ {مَا} ، {أَيْدِيهِمْ}: مضاف إليه. {وَمَا خَلْفَهُمْ} : معطوف على {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} . {وَحَقَّ} : فعل ماض، معطوف على {قضينا}. {عَلَيْهِمُ}: متعلق بـ {حق} . {الْقَوْلُ} : فاعل. {فِي أُمَمٍ} : متعلق بمحذوف حال من ضمير {عَلَيْهِمُ} ؛ أي: حق عليهم القول كائنين في جملة أمم، أو مندرجين في جملة أمم، {قَدْ}: حرف تحقيق. {خَلَتْ} : فعل ماض وفاعل مستتر، والجملة: صفة لـ {أُمَمٍ} . {مِنْ قَبْلِهِمْ} متعلق بـ {خَلَتْ} . {مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} : متعلق بمحذوف صفة ثانية لـ {أُمَمٍ} أو حال منها لتخصصها بالصفة. {إِنَّهُمْ} : ناصب واسمه، وجملة {كَانُوا خَاسِرِينَ}: في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن}: مستأنفة مسوقة لتعليل استحقاقهم العذاب.

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27)} .

{وَقَالَ الَّذِينَ} : فعل وفاعل. {كَفَرُوا} : فعل وفاعل، صلة الموصول، وجملة القول: مستأنفة مسوقة لتقرير حالهم ومكابرتهم عند قراءة القرآن. {لَا} : ناهمة جازمة، {تَسْمَعُوا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {لَا} الناهية، والجملة: في محل النصب مقول لـ {قال} {لِهَذَا} : متعلق بـ {تَسْمَعُوا} . {الْقُرْآنِ} : بدل من اسم الإشارة. {وَالْغَوْا} : فعل أمر وفاعل، معطوف على {لَا تَسْمَعُوا}. {فِيهِ}: متعلق بـ {وَالْغَوْا} {لَعَلَّكُمْ} : ناصب واسمه، وجملة {تَغْلِبُونَ}: خبره، وجملة {لعل}: في محل النصب مقول {قال} على أنها مسوقة لتعليل الأمر قبلها. والمراد بالغلبة: حمله على السكوت عن القراءة؛ لئلا يستهوي القلوب ويستميلها بقراءة ما لم تعهده من بيان. {فَلَنُذِيقَنَّ} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت حال الذين كفروا ومكابرتهم عند قراءة القرآن، وأردت بيان عاقبتهم .. فأقول لك: لنذيقن

إلخ. و {اللام} : موطئة للقسم {نذيقن} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد.

ص: 389

{الَّذِينَ} مفعول به أول، والجملة: جواب القسم لا محل لها، وجملة القسم: مقول لجواب إذا المقدرة. وجملة إذا المقدرة: مستأنفة. وجملة {كَفَرُوا} : صلة الموصول {عَذَابًا} : مفعول ثان لـ {نذيقن} . {شَدِيدًا} : صفة {عَذَابًا} . {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} : {الواو} : عاطفة، و {اللام}: موطئة للقسم. {نجزين} : فعل مضارع وفاعل مستتر ونون توكيد ومفعول أول، والجملة: معطوفة على جملة {نذيقن} . {أَسْوَأَ} : مفعول ثان لـ {نجزينهم} . {الَّذِي} : مضاف إليه. {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه، وجملة {يَعْمَلُونَ}: خبره، وجملة {كَانُوا}: صلة الموصول.

{ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)} .

{ذَلِكَ} : مبتدأ. {جَزَاءُ} : خبره، والجملة: مستأنفة. {أَعْدَاءِ اللَّهِ} : مضاف إليه. {النَّارُ} : خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: جزاؤهم النار، أو مبتدأ، خبره: ما بعده، وهذا الإعراب هو الأوضح في معنى الكلام، وأما جعله بدلًا أو عطف بيان لجزاء .. فمعترض بأن علامة البدل: صحة حلوله محل المبدل عنه، فيصير التقدير: ذلك المذكور من الإذاقة والجزاء النار، وهذا لا يصح. {لَهُمْ}: خبر مقدم. {فِيهَا} : حال من دار الخلد. و {دَارُ الْخُلْدِ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية: إما خبر عن النار بناءً على إعرابها مبتدأ، أو حال منها، أو مستأنفة مستقلة مقررة لما قبلها، وهذا أقعد بمكان البلاغة كما سيأتي. {جَزَاءً}: مفعول مطلق منصوب بفعل مقدر، وهو مصدر مؤكد لعامله، تقديره: يجزون جزاء، والجملة: مستأنفة، أو منصوب بالمصدر المذكور قبله، أو مصدر واقع موقع الحال من النار. {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {جَزَاءً} الثاني أو الأول. {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه، {بِآيَاتِنَا}: متعلق بـ {يَجْحَدُونَ} لتضمنه معنى يكفرون، وذلك أولى من جعلها زائدة، وجملة {يَجْحَدُونَ}: خبر {كان} وجملة {كان} : صلة لما الموصولة.

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)} .

{وَقَالَ الَّذِينَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {كَفَرُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول. {رَبَّنَا} : منادى مضاف حذف منه حرف النداء، والجملة: في محل النصب مقول {قال} . {أَرِنَا} {أر} : فعل دعاء سلوكًا مسلك الأدب مع الباري

ص: 390

سبحانه، مبني على حذف حرف العلة، وفاعله: ضمير مستتر يعود على الله. و {نا} : مفعول أول، {اللَّذَيْنِ}: مفعول ثان له، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول {قال} على كونها جواب النداء؛ لأن الرؤية بصرية، وقد عديت إلى اثنين بالهمزة، وجملة {أَضَلَّانَا}: صلة لـ {الَّذِينَ} ، {مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}: جار ومجرور حال من فاعل {أَضَلَّانَا} . {نَجْعَلْهُمَا} : فعل مضارع، وفاعل مستتر ومفعول أول مجزوم بالطلب السابق. {تَحْتَ أَقْدَامِنَا}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {نجعل} على كونه مفعولًا ثانيًا له، والجملة الفعلية: لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جملة جوابية. {لِيَكُونَا} : {اللام} : حرف جر وتعليل. {يكونا} : فعل مضارع ناقص واسمه، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي {مِنَ الْأَسْفَلِينَ}: جار ومجرور خبر {يكونا} ، والجملة الفعلية مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور باللام، والجار والمجرور: متعلق بـ {نَجْعَلْهُمَا} ؛ أي: نجعلهما تحت أقدامنا لإرادة كونهما من الأسفلين في النار.

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه. {قَالُوا} : فعل وفاعل صلة الموصول. {رَبُّنَا اللَّهُ} : مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية: في محل النصب مقول {قَالُوا} . {ثُمَّ} : حرف عطف وترتيب. {اسْتَقَامُوا} : فعل وفاعل معطوف على {قَالُوا} ، {تَتَنَزَّلُ}: فعل مضارع. {عَلَيْهِمُ} : متعلق به. {الْمَلَائِكَةُ} : فاعل، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة مسوقة لبيان حال المؤمنين في الدنيا. {أَلَّا} : {أن} : حرف نصب ومصدر. {لا} : نافية، {تَخَافُوا}: فعل وفاعل منصوب بـ {أن} المصدرية، أو {أن}: مخففة من الثقيلة، و {لا}: ناهية. {تَخَافُوا} : مجزوم بـ {لا} الناهية، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر {أن} المخففة، وعلى كلا التقديرين {أن} ومدخولها: منصوب بنزع الخافض؛ أي: بأن لا تخافوا، الجار والمجرور: متعلق بمحذوف حال من {الْمَلَائِكَةُ} تقديره: قائلين بـ {أَلَّا تَخَافُوا} . {وَلَا تَحْزَنُوا} : معطوف على {تَخَافُوا} . {وَأَبْشِرُوا} : معطوف أيضًا على {تَخَافُوا} . {بِالْجَنَّةِ} : متعلق بـ {أبشروا} . {الَّتِي} : صفة لـ {الجنة} . {كُنْتُمْ} : فعل ناقص، واسمه، وجملة {تُوعَدُونَ}: خبره، وجملة {كان}: صلة

ص: 391

الموصول.

{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} .

{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ} : مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية: في محل النصب مقول للقول المحذوف الذي وقع حالًا من {الْمَلَائِكَةُ} لأنه من تتمة مقول الملائكة. {فِي الْحَيَاةِ} : متعلق بـ {أَوْلِيَاؤُكُمْ} ؛ لأنه جمع ولي من الولاية بمعنى الحفظ؛ أي: نحن الحفظة لأعمالكم. {الدُّنْيَا} صفة لـ {الْحَيَاةِ} . {وَفِي الْآخِرَةِ} : معطوف على ما قبله. {وَلَكُمْ} : {الواو} : عاطفة. {لكم} : خبر مقدم. {فِيهَا} : جار ومجرور حال من ضمير المخاطبين، {مَا}: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، والجملة الاسمية: في محل النصب معطوفة على جملة {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ} على كونها مقول القول، {تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ}: فعل وفاعل، والجملة: صلة لـ {مَا} الموصولة، والعائد: محذوف، تقديره: تشتهيه أنفسكم. {وَلَكُمْ} : خبر مقدم. {فِيهَا} : حال من ضمير المخاطبين. {مَا} : المحم موصول في محل الرفع، مبتدأ مؤخر، والجملة: معطوفة على ما قبلها، وجملة {تَدَّعُونَ}: صلة لـ {مَا} الموصولة، والعائد: محذوف، تقديره: ما تدعونه. {نُزُلًا} : مصدر واقع في موضع الحال من الهاء المحذوفة في {تَدَّعُونَ} أو من {مَا} الموصولة؛ أي: ولكن فيها ما تدعونه حال كونه معدًا لكم. {مِنْ غَفُورٍ} : صفة لـ {نُزُلًا} . {رَحِيمٍ} : صفة {غَفُورٍ} أو هو جمع نزل كصابر وصبر، فيكون حالًا من {الواو} في {تَدَّعُونَ} ، أو من {الكاف} في {لكم} ، فعلى هذا تتعلق {مِنْ غَفُورٍ} بـ {تَدَّعُونَ}؛ أي: ما تطلبونه من {غَفُورٍ رَحِيمٍ} .

{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} .

{وَمَنْ} : {الواو} : استئنافية، {مَنْ}: اسم استفام في محل الرفع مبتدأ. {أَحْسَنُ} : خبره، والجملة: مستأنفة. {قَوْلًا} : تمييز محول عن المبتدأ، منصوب باسم التفضيل {مِمَّنْ}: جار ومجرور متعلق بـ {أَحْسَنُ} ، {دَعَا}: فعل ماض وفاعل مستتر. {إِلَى اللَّهِ} : متعلق بـ {دَعَا} والجملة الفعلية: صلة {مَن}

ص: 392

الموصولة. {وَعَمِلَ صَالِحًا} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على {دَعَا} . {وَقالَ} : معطوف على ما قبله أيضًا. {إِنَّنِي} : {إن} : حرف نصب، و {النون}: للوقاية، و {الياء}: اسمها. {مِنَ الْمُسْلِمِينَ} : خبرها، وجملة {إن}: في محل النصب مقول {قال} .

{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} .

{وَلَا} : {الواو} : استئنافية. {لا} : نافية. {تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ} : فعل وفاعل. {وَلَا} {الواو} : عاطفة. {لا} : زائدة لتأكيد النفي. {السَّيِّئَةُ} : معطوف على الحسنة، والجملة الفعلية: مستأنفة. {ادْفَعْ} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة: جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب. {بِالَّتِي} : متعلق بـ {ادْفَعْ} . {هِيَ أَحْسَنُ} : مبتدأ وخبر، والجملة: صلة الموصول. {فَإذَا} {الفاء} : إما تعليلية وهي التي كان ما بعدها علة لما قبلها، أو فصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا دفعت بالتي هي أحسن، وأردت بيان ثمرته .. فأقول لك: إذا الذي

إلخ. {إذا} : فجائية، في محل النصب على الظرفية المكانية متعلق بمعنى التشبيه الآتي، والظرف يتقدم على عامله؛ لأنهم يتوسعون في الظروف ما لا يتوسعون في غيرها، أو حرف لا تحتاج إلى متعلق تتعلق به. {الَّذِي}: مبتدأ. {بَيْنَكَ} : منصوب على الظرفية الاعتبارية. متعلق بمحذوف خبر مقدم. {وَبَيْنَهُ} : معطوف على {بَيْنَكَ} . {عَدَاوَةٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية: صلة الموصول. {كَأَنَّهُ} {كأن} : حرف نصب وتشبيه، و {الهاء}: اسمها. {وَلِيٌّ} : خبرها، {حَمِيمٌ}: صفة {وَلِيٌّ} وجملة {كأن} : في محل الرفع خبر الموصول؛ أعني: {الَّذِي} والجملة الاسمية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، والتقدير؛ فأقول لك: الذي بينك وبينه عداوة مشبه بولي حميم في تلك الحضرة؛ أي: في المكان الذي حصل فيه دفع السيئة بالحسنة، وجملة إذا المقدرة: مستأنفة، ويجوز أن تكون الجملة التشبيهية في محل نصب على الحال، والموصول: مبتدأ أيضًا، و {إذا} التي للمفاجاة: خبره، والعامل في هذا الظرف من الاستقرار هو: العامل في هذه الحال، ومحط الفائدة في هذا الكلام هو الحال، والتقدير: ففي الحضرة المعادي مشبهًا لولي الحميم، وقدمه أبو البقاء على

ص: 393

ما قبلها.

{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)} .

{وَمَا} : {الواو} : استئنافية، أو اعتراضية. {ما}: نافية. {يُلَقَّاهَا} : فعل مضارع مغير الصيغة، ومفعول ثان، والضمير لخصلة دفع السيئة بالحسنة. {إِلَّا}: أداة حصر. {الَّذِينَ} : نائب فاعل لـ {يلقى} والجملة الفعلية: مستأنفة أو اعتراضية، وجملة {صَبَرُوا}: صلة الموصول. {وَمَا} : {الواو} : عاطفة. {ما} : نافية. {يُلَقَّاهَا} : فعل مضارع ومفعول ثان. {إلا} : أداة حصر. {ذُو} : نائب فاعل لـ {يلقى} . {حَظٍّ} : مضاف إليه، {عَظِيمٍ}: صفة {حَظٍّ} والجملة الفعلية: معطوفة على ما قبلها. {وَإِمَّا} : {الواو} : استئنافية أو عاطفة. {إما} {إن} : حرف شرط أدغمت نونها في {ما} الزائدة. {يَنْزَغَنَّكَ} : فعل مضارع في محل الجزم بـ {إِنَّ} الشرطية؛ مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. و {الكاف} : مفعول به. {مِنَ الشَّيْطَانِ} : حال من {نَزْغٌ} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها و {نَزْغٌ} : فاعل. {فَاسْتَعِذْ} : {الفاء} : رابطة الجواب وجوبًا. {استعذ} : فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد. {بِاللَّهِ} : متعلق بـ {استعذ} ، والجملة في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية: معطوفة على جملة {ادْفَعْ} ، أو مستأنفة. {إِنَّهُ}: ناصب واسمه. {هُوَ} : ضمير فصل أو مبتدأ. {السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ؛ خبرَانِ لـ {إن} أو لـ {هُوَ} والجملة: خبر {إن} ، وجملة {إن}: مستأنفة مسوقة لتعليل الأمر بالاستعاذة.

{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)} .

{وَمِنْ} : {الواو} : استئنافية. {آيَاتِهِ} : جار ومجرور خبر مقدم. {اللَّيْلُ} : مبتدأ مؤخر. {وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} : معطوفات على {اللَّيْلُ} والجملة: مستأنفة مسوقة لبيان جمل من آيات الله {لَا} : ناهية جازمة. {تَسْجُدُوا} : فعل وفاعل، مجزوم بـ {لَا} الناهية. {لِلشَّمْسِ}: متعلق به. {وَلَا} : {الواو} : عاطفة. {لا} : زائدة زيدت لتأكيد نفي ما قبلها {لِلْقَمَرِ} : معطوف

ص: 394

على {لِلشَّمْسِ} والجملة: مستأنفة. {وَاسْجُدُوا} : فعل أمر وفاعل معطوف على {لَا تَسْجُدُوا} ، {لِلَّهِ}: متعلق بـ {سجدوا} . {الَّذِي} : صفة للجلالة. {خَلَقَهُنَّ} : فعل ماض، وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة: صلة الموصول. {إِن} : حرف شرط، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، في محل الجزم بـ {إِنْ} الشرطية على كونها فعل شرط لها. {إِيَّاهُ}: ضمير نصب منفصل في محل النصب مفعول مقدم لـ {تَعْبُدُونَ} وجملة {تَعْبُدُونَ} : خبر {كان} وجواب {إِن} الشرطية: محذوف دل عليه ما قبله، تقديره:{إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} فاسجدوا لله الذي خلقهن. وجملة {إِن} الشرطية: مستأنفة ..

{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} .

{فَإِنِ} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا أمرتهم بالسجود، وأردت بيان ما هو اللازم لك إذا أبوا من السجود .. فأقول لك:{إنْ} : حرف شرط، {اسْتَكْبَرُوا}: فعل ماض وفاعل، في محل الجزم بـ {إنْ} الشرطية، على كونه فعل شرط لها، وجوابها: محذوف، تقديره:{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا} عن السجود .. فدعهم وشانهم، وجملة {إنْ} الشرطية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة: مستأنفة. {فالَذِينَ} {الفاء} : تعليلية للجواب المحذوف. {الذين} : مبتدأ. {عِنْدَ رَبِّكَ} : ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول، والظرفية هنا ظرفية مكانة وتشريف، وهي عبارة عن الزلفى والكرامة. {يُسَبِّحُونَ}: فعل وفاعل. {لَهُ} ، متعلق بـ {يُسَبِّحُونَ}. {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}: ظرفان متعلقان بـ {يُسَبِّحُونَ} أيضًا، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: مسوقة لتعليل الجواب المحذوف. {وَهُمْ} : {الواو} : حالية. {هم} مبتدأ، وجملة:{لَا يَسْأَمُونَ} : خبره، والجملة الاسمية: في محل النصب حال من فاعل {يُسَبِّحُونَ} .

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} .

{وَمِنْ آيَاتِهِ} : خبر مقدم. {أَنَّكَ} : ناصب واسمه. {تَرَى} : فعل مضارع،

ص: 395

وفاعل مستتر يعود على محمد أو على أي مخاطب. {الْأَرْضَ} : مفعول به؛ لأن رأى بصرية. {خَاشِعَةً} : حال من {الْأَرْضَ} ولك أن تجعل الرؤية علمية، فيكون {خَاشِعَةً}: مفعولًا ثانيًا لها وجملة {تَرَى} في محل الرفع خبر {أَنّ} وجملة {أنّ} في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء والتقدير ومن آياته رؤيتك {الْأَرْضَ خَاشِعَةً} ؛ أي: خشوعها ويبوستها، والجملة الاسمية: معطوفة على جملة قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} . {فَإِذَا} {الفاء} : عاطفة. {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان {أَنْزَلْنَا} : فعل وفاعل. {عَلَيْهَا} : متعلق بـ {أَنْزَلْنَا} ، {الْمَاءَ}: مفعول به، والجملة الفعلية: في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف: متعلق بالجواب الآتي. {اهْتَزَّتْ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {الْأَرْضَ} . {وَرَبَتْ} : معطوف عليه، والجملة الفعلية: جواب {إذا} : لا محل لها من الإعراب وجملة {إذا} معطوفة على جملة {أَنَّكَ} ، والتقدير:{وَمِنْ آيَاتِهِ} رؤيتك {الْأَرْضَ خَاشِعَةً} واهتزازها وربوها وقت إنزالنا الماء عليها، {إِنَّ الَّذِي}: ناصب واسمه، وجملة {أَحْيَاهَا}: صلة الموصول. {لَمُحْيِ} : {اللام} : حرف ابتداء، {محي الموتى} خبر {إِنَّ} وجملة {إِن} مستأنفة، {إِنَّهُ}: ناصب واسمه، {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ}: متعلق بـ {قَدِيرٌ} . و {قَدِيرٌ} خبر {إنّ} وجملة {إنّ} : مستأنفة مسوقة لتعليل جملة {إِنَّ} المذكورة قبلها.

{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه، {يُلْحِدُونَ}: فعل وفاعل. {فِي آيَاتِنَا} : متعلق به، والجملة: صلة الموصول. {لَا} : نافية. {يَخْفَوْنَ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر {أن} وجملة {إِنَّ} : مستأنفة مسوقة لبيان حال الملحدين. {عَلَيْنَا} : جار ومجرور متعلقان بـ {يَخْفَوْنَ} . {أَفَمَنْ} {الهمزة} : للاستفهام التقريري؛ أي: لتقرير وتعيين أحد المستويين، داخلة على محذوف معلوم من السياق، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أمن يلحد في آياتنا خير أم من يؤمن بها خير؟ فمن يلقى في النار خير أم من يدخل الجنة خير؟ والجملة المحذوفة: مستأنفة أو إنشائية، لا محل لها من الإعراب. {من}: اسم موصول مبتدأ. {يُلْقَى} : فعل مضارع مغير الصيغة ونائب فاعل مستتر. {فِي النَّارِ} :

ص: 396

متعلق به، والجملة: صلة الموصول {خَيْرٌ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: معطوفة على تلك المحذوفة. {أَمْ} : حرف عطف. {مَنْ} : اسم موصول معطوفة على {مَنْ} الأولى، وجملة {يَأْتِي}: صلته. {آمِنًا} : حال من فاعل {يَأْتِي} . {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} : ظرف متعلق بـ {يَأْتِي} أو بـ {آمِنًا} ، وكان مقتضى السياق أن يقال: أم من يدخل الجنة، ولكن عدل عنه إلى ما ذكر، ليصرح بأمنهم انتفاء الخوف عنهم أصلًا، وذلك أثلج لصدورهم وأقر لعيونهم. {اعْمَلُوا}: فعل أمر وفاعل. {مَا} : اسم موصول في محل النصب مفعول به، والجملة: مستأنفة مسوقة للتهديد، وجملة {شِئْتُمْ}: صلة الموصول، والعائد: محذوف؛ أي: ما شئتموه. {إِنَّهُ} : ناصب واسمه. {بِمَا} متعلق بـ {بَصِيرٌ} وجملة {تَعْمَلُونَ} صلة لـ {ما} . {بَصِيرٌ} خبر {إن} وجملة {إن} : مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه. {كَفَرُوا} : صلة الموصول. {بِالذِّكْرِ} : متعلق بـ {كَفَرُوا} . {لَمَّا} : ظرف بمعنى حين مجرد عن معنى الشرط متعلق بـ {كَفَرُوا} {جَاءَهُمْ} : فعل ومفعول، وفاعله: ضمير يعود على الذكر، والجملة الفعلية: في محل الجر مضاف إليه لـ {لَمَّا} وخبر {إِنَّ} : محذوف، تقديره: لا يخفون علينا، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة، وهذا الوجه أظهر الأوجه الجارية في خبر {إِنَّ} ، ويؤيده كون {إنَّ} الثانية بدلًا من {إن} الأولى، فيجري عليها ما يجري على الأولى، فيكون خبرها نفس خبرها، وقيل: إنه محذوف، تقديره: معذبون أو مهلكون، وقيل: إنه محذوف، تقديره: نجازيهم، وقيل: خبرها: قوله: {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ} وقيل: خبرها قوله: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} كما هو مبين في المطولات مع علته. {وَإِنَّهُ} : {الواو} : حالية. {إنه} : ناصب واسمه. {لَكِتَابٌ} {اللام} : حرف ابتداء. {كتاب} : خبره {عَزِيزٌ} : صفة {كتاب} والجملة: في محل النصب حال من {الذكر} وجملة {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} : صفة ثانية لـ {كتاب} . {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} متعلق بـ {يَأْتِيهِ} . {وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} : معطوف على {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} . {تَنْزِيلٌ} : خبر ثان لـ {إِنَّهُ} ، {مِنْ حَكِيمٍ}: متعلق بـ {تَنْزِيلٌ} {حَمِيدٍ} : صفة لـ {حَكِيمٍ} .

{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)} .

ص: 397

{مَا} : نافية. {يُقَالُ} : فعل مضارع مغير الصيغة. {لَكَ} : متعلق بـ {يُقَالُ} . {إلَّا} : أداة حصر. {مَا} : نائب فاعل لـ {يُقَالُ} ؛ أي: إلا مثل ما قيل للرسل. {قَدْ} : حرف تحقيق. {قِيلَ} : فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله: ضمير يعود على {مَا} والجملة صلة لـ {مَا} ، {لِلرُّسُلِ}: متعلق بـ {قِيلَ} ، {مِنْ قبْلِكَ}: حال من {الرسل} . وجملة {مَّا يُقَالُ} : مستأنفة مسوقة لتسليته صلى الله عليه وسلم على ما يناله من أذى الكفار. {إنَّ رَبَّكَ} : ناصب واسمه، {لَذُو}:{اللام} : حرف ابتداء، {ذو} خبر {إِنَّ}. {مَغفِرَةٍ}: مضاف إليه. {وَذُو عِقَابٍ} : معطوف على {ذو مغفرة} . {أَلِيمٍ} : صفة {عِقَابٍ} ، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة مسوقة لتعليل الأمر بالصبر الدال عليه السياق؛ أي: فاصبر على أذاهم، واعف عنهم {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} .

{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)} .

{وَلوْ} : {الواو} : استئنافية، {لو}: حرف شرط، {جَعَلْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول أول، {قُرْآنًا}: مفعول ثان. {أَعْجَمِيًّا} : صفة {قُرْآنًا} . {لَقَالُوا} : {اللام} : رابطة لجواب {لو} الشرطية. {قالوا} : فعل وفاعل جواب {لو} الشرطية، وجملة {لو} الشرطية: مستأنفة مسوقة للرد على تساؤلهم {لولَا} : حرف تحضيض بمعنى هلا. {فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} : فعل مغير الصيغة ونائب فاعله، والجملة: في محل النصب مقول {قالوا} {أَأَعْجَمِيٌّ} : {الهمزة} : للاستفهام الإنكاري. {أعجمي} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو؛ أي: القرآن {أعجمي} . {وَعَرَبِيٌّ} : {الواو} : عاطفة. {عربي} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: وهو؛ أي: المرسل به {عربي} والجملة: معطوفة على جملة {اعجمي} ، والجملتان: في محل النصب مقولتان {لَقَالُوا} . {قُل} : فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة: مستأنفة. {هُوَ} : مبتدأ. {لِلَّذِينَ} : جار ومجرور حال من {هُدًى} ؛ لأنه صفة نكرة تقدمت عليه، وجملة {آمَنُوا}: صلة الموصول. {هُدًى} : خبر المبتدأ. {وَشِفَاءٌ} : معطوف على {هُدًى} ، والجملة الاسمية: في محل النصب

ص: 398

مقول {قالوا} {وَالَّذِينَ} : {الواو} : عاطفة. {الَّذِينَ} مبتدأ، وجملة {لَا يُؤْمِنُونَ} صلته والعائد محذوف تقديره لا يؤمنون به، {فِي آذَانِهِمْ}: خبر مقدم. {وَقْرٌ} : مبتدأ مؤخر، ولا بد من تقدير رابط؛ أي: منه، والجملة الاسمية: خبر {الَّذِينَ} ، وجملة {الَّذِينَ}: معطوفة على ما قبلها على كونها مقول {قُل} ، {وَهُوَ}: مبتدأ، {عَلَيْهِمْ}: حال من {عَمًى} ، و {عَمًى}: خبر المبتدأ، والجملة: معطوفة على ما قبلها. {أُولَئِكَ} : مبتدأ، وجملة {يُنَادَوْنَ}: خبره، والجملة: مستأنفة، أو في محل النصب مقول {قُل}. {مِنْ مَكَانٍ}: متعلق بـ {يُنَادَوْنَ} : {بَعِيدٍ} : صفة {مَكَانٍ} .

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45)} .

{وَلَقَدْ} : {الواو} : استئنافية، و {اللام}: موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق، {آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} فعل وفاعل ومفعولان، والجملة: جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم: مستأنفة مسوقة لبيان أن الاختلاف في أمر الكتب المنزلة ليس بدعًا، بل هو قديم في الأمم السالفة. {فَاخْتُلِفَ}:{الفاء} : عاطفة. {ختلف} : فعل ماض مغير الصيغة، {فيه}: جار ومجرور نائب فاعل لـ {اختلف} ، والجملة: معطوفة على جملة {اختلف} . {وَلوْلَا} : {الواو} : عاطفة، {لولا}: حرف امتناع لوجود {كلِمَةٌ} : مبتدأ، خبره: محذوف وجوبًا لسد جواب {لولا} : مسده، تقديره: موجودة. {سَبَقَتْ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {كلِمَةٌ} . {مِنْ رَبِّكَ} : متعلق بـ {سَبَقَتْ} والجملة الفعلية: صفة لـ {كلِمَةٌ} . {لَقُضَى} : {اللام} : رابطة لجواب {لولا} . {قضي} : فعل ماض مغير الصيغة. {بَيْنَهُمْ} : منصوب على الظرفية الاعتبارية، والظرف: متعلق بـ {قضي} على كونه نائب فاعل له، وقيل: نائب فاعله ضمير يعود على المصدر المفهوم من {قضي} ؛ أي: {لَقُضِىَ} القضاء {بَيْنَهُمْ} والجملة الفعلية: جواب {لولا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لولا}: معطوفة على جملة {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى} . {وَإِنَّهُم} : {الواو} : عاطفة {إنهم} : ناصب واسمه. {لَفِى} : {اللام} : حرف ابتداء. {في شك} : جار ومجرور خبر {إنّ} . {مّنْهُ} : متعلق بمحذوف صفة لـ {شَكٍّ} . {مُرِيبٍ} : صفة ثانية لـ {شَكٍّ} أو {مِنْهُ} : متعلق

ص: 399

بـ {شَكٍّ} {مُرِيبٍ} صفة لـ {شَكٍّ} ، وجملة {إنّ} معطوفة على جملة {لولا} .

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)} .

{مَنْ} : اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. {عَمِلَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر في محل الجزم بـ {مَنْ} على كونه فعل شرط لها. {صَالِحًا}: مفعول به، أو نعت لمصدر محذوف، {فَلِنَفْسِهِ}:{الفاء} : رابطة الجواب وجوبًا. {لنفسه} : جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: فعمله لنفسه، والجملة الاسمية: في محل الجزم بـ {مَّنْ} ، على كونها جوابًا لها، وجملة {مَّنْ} الشرطية: مستأنفة. {ومَنَ} : {الواو} : عاطفة. {من} : اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الجواب. {أَسَاءَ} : فعل ماض وفاعل مستتر في محل الجزم بـ {مَّن} على كونه فعل شرط لها. {فَعَلَيْهَا} : {الفاء} : رابطة الجواب. {عليها} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: فإساءته {عليها} والجملة الاسمية: في محل الجزم بـ {مَّن} الشرطية على كونا جوابًا لها، وجملة {مَّنْ} الشرطية: معطوفة على جملة {مَّنْ} الأولى. {وَمَا رَبُّكَ} : {الواو} : عاطفة. {مَا} : حجازية. {رَبُّكَ} : اسمها، {بِظَلَّامٍ}:{الباء} : زائدة. {ظلام} : خبرها منصوب. {لِلْعَبِيدِ} : متعلق بـ {ظلام} وجملة {مَا} الحجازية: معطوفة على جملة {مَّنْ} الشرطية.

التصريف ومفردات اللغة

{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ} ؛ أي: يسرنا وهيأنا، من التقييض بمعنى التيسير والتهيئة، يقال: قيضته له؛ أي: هيأته ويسرته، ومنه المقايضة بمعنى المعاوضة، يقال: ثوبان قيضان؛ أي: كل منهما مكافىء للآخر في الثمن. {قُرَنَاءَ} : جمع قرين، بمعنى: نظير؛ أي: أخدانًا وأصحابًا وأصدقاء من غواة الجن والإنس، يستولون عليهم استيلاء القيض على البيض، والقيض: القشر الأعلى من البيض.

{وَالْغَوْا فِيهِ} : فعل أمر من لغي بالكسر يلغى بالفتح، وفيها معنيان:

أحدهما: أنه من لَغِيَ: إذا تكلم باللغو، وهو: ما لا فائدة فيه.

والثاني: أنه من لَغَى بكذا: إذا رمى به، فتكون في بمعنى الباء؛ أي: ارموا

ص: 400

به وانبذوه، وإما أن يكون من لَغى بالفتح يلغى بالفتح أيضًا، كسَعى يسعى، حكاه الأخفش، وكان قياسه الضم، كغزا يغزو، ولكنه فتح لأجل حرف الحلق، وقرىء: بضم الغين، من لغا يلغو كدعا يدعو، هذا ما قرره السمين.

وعبارة الزمخشري: {وَالْغَوْا فِيهِ} بفتح الغين وضمها، يقال: لَغى يلغي ولغا يلغو، واللغو: الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته. والمعنى هنا؛ أي: عارضوه باللغو والباطل حين يقرأ لتشوّشوا عليه، وأصله على قراءة الفتح: الغيوا، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، قلبت ألفًا فالتقى ساكنان ثم حذفت الألف فصار والغوا، وعلى قراءة الضم الغووا، تحركت الواو وانفتح ما قبلها، قلبت ألفًا فالتقى ساكنان فحذفت الألف، ثم حركت عين الكلمة بالضم؛ لتدل على الواو المحذوفة فصار: والغوا.

{رَبَّنَا أَرِنَا} من رأى البصرية، و {الهمزة}: للتعدية إلى مفعول ثان، فالضمير مفعول أول، والموصول مفعول ثان. كما مر. وأصله: أرئينا؛ أي: صيرنا رائين بأبصارنا، فحذفت الياء التي هي لام الكلمة لبناء الفعل على حذف حرف العلة، و {الهمزة}: الثانية التي هي عين الكلمة لنقل حركتها إلى الراء قبلها، التي هي فاء الكلمة، فصار وزنه أفنا، فان الهمزة الموجودة ليست من الكلمة بل هي لتعدية الفعل. اهـ شيخنا.

{أَضَلَّانَا} أصله: أضللانا، نقلت حركة اللام الأولى إلى الضاد فسكنت فأدغمت في اللام الثانية {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا} والفرق بين الخوف والحزن: أن الخوف غم يلحق الإنسان لخوف مكروه في المستقبل، والحزن: غم يلحق الإنسان من فوات نافع أو حصول ضار. قوله: {اسْتَقَامُوا} أصل: استقوموا، نقلت حركة الواو إلى القاف فسكنت ثم قلبت الواو ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن. {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ} جمع ولي، أصله: أولياي، أبدلت الياء همزة لتطرفها إثر ألف زائدة. {مَا تَدَّعُونَ} أصله: تدتعيون، تفتعلون، أبدلت تاء الافتعال دالًا وأدغمت فيها الدال فاء الكلمة، ثم استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فلما سكنت .. التقى ساكنان، فحذفت الياء وضمت العين لمناسبة الواو، فهو افتعال من الدعاء بمعنى الطلب. وفي المصباح: وادعيت الشيء تمنيته وادعيته طلبته. اهـ. {وما يلقاها} أصله: يلقيها بوزن يفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها،

ص: 401

من التلقية نظير زكى تزكيةً.

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ} أصله: إن ما على أن {إنْ} : شرطية، و {ما} مزيدة لتأكيد معنى الشرط والاستلزام، فلذا لحقت نون التوكيد بفعل الشرط، فإنها لا تلحق الشرط ما لم يؤكد، والنزغ والنسغ بمعنًى وهو شبه النخس، والشيطان ينزغ الإنسان كأنه ينخسه يبعثه على ما لا ينبغي، والمراد: الوسوسة. وفي معاجم اللغة: نزغ ينزغ، من باب ضرب نزغًا، نزغ بين القوم: أفسد، ويقال: نزغ الشيطان بينهم؛ أي: أغرى بعضهم ببعض، ونزغه الشيطان إلى المعاصي؛ أي: حثه، ونزغ الشيطان: وساوسه وما يحمل الإنسان على المعاصي.

{وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} من السآمة، وهي الملالة؛ أي: لا يملون ولا يفترون. {اهْتَزَّتْ} من الاهتزاز؛ وهو التحرك؛ أي: تحرك بالنبات. {وَرَبَتْ} يقال: ربا ربوًا وربًا: زاد ونما، والفرس ربوًا: إذا انتفخ من عدْوٍ أو فَزع. وقال الراغب: {وَرَبَت} ؛ أي: زادت زيادة المتربي، ويقال: للموضع المرتفع: ربوة ورابية، وأصله: ربو، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم لما اتصلت تاء التأنيث بالفعل .. التقى ساكنان فحذفت الألف. {يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} من الإلحاد، والإلحاد في الأصل: مطلق الميل والانحراف، ومنه اللحد؛ لأنه في جانب القبر، ثم خص في العرف بالانحراف عن الحق إلى الباطل؛ أي: يميلون عن الاستقامة، وهو بضم الياء: مضارع ألحد في دين الله؛ أي: جار وعدل، وقرىء: بفتح الياء مضارع لحد من باب قطع لغة فيه. وقال في "الكشاف": يقال: ألحد الحافر ولحد: إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق.

{لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} أصله: يخفيون، قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. {يُلْقَى فِي النَّارِ} فيه إعلال بالقلب، أصله: يلقى بوزن يفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح. {الْقِيَامَةِ} الياء فيه منقلبة عن واوه. {شِئْتُمْ} أصله: شيء بوزن فعل، بكسر العين، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم لما أسند الفعل إلى ضمير الرفع المتحرك .. سكن آخره فالتقى ساكنان: الألف وآخر الفعل، فحذفت الألف فصار اللفظ شأت، فحذفت حركة فائه، ونقلت إليها حركة مجانسة لتلك العين المحذوفة؛ لتدل عليها، ولما كانت العين هنا ياءً .. نقلت إلى الفاء كسرة؛ لأنها هي التي تناسب الياء، وهكذا كل أجوف من هذا النوع.

ص: 402

{قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} قال أبو حيان: والياء فيه: للمبالغة في الوصف، وليس النسب فيه حقيقيًا كأحمري ودراري. قال الرازي في "لوامحه": فهي كياء كرسي وبختي، وفرق بينهما الشيخ، فقال: ليست كياء كرسي وبختي، فإن ياء كرسي وبختي بنيت الكلمة عليها بخلاف أعجمي، فإنهم يقولون: رجل أعجم وعجمي، والأعجمي: هو الذي لا يفصح ولا يفهم كلامة.

{يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} أصله: يناديون، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. {مَكَانٍ} أصله: مكون بوزن مفعل اسم مكان، نقلت حركة الواو إلى الكاف، ثم أبدلت الواو ألفًا لتحركها في الأصل وفتح ما قبلها حالًا. {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} مصدر: عمِيَ يعمَى كصدِي يصدى صدًى، هوِي يهوَى هوًى. {وَمَنْ أَسَاءَ} الأصل فيه: أسوأ، بوزن أفعل، نقلت حركة الواو إلى السين، ثم أبدلت ألفًا لتحركها في الأصل، وانفتاح ما قبلها الآن.

{بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ؛ أي: بذي ظلم؛ فظلام: صيغة نسب، كتمار ويقال وخباز، لا صيغة مبالغة، وهذا التقرير أحسن من غيره.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الاستعارة المكنية في قوله: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا} وقد تقدم إجراؤها كثيرًا.

ومنها: التجريد في قوله: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله، مبالغةً لكماله فيها، وله أقسام.

فمنه: ما يكون بدخول في المنتزع منه كما هنا: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} ؛ أي: في جهنم، وهي دار الخلد، لكنه انتزع منها دارًا أخرى مبالغة.

ومنه: ما يكون بـ {من} التجريدية كقولهم: لي من فلان صديق حميم؛ أي: قد بلغ فلان حدًا من الصداقة، يصح معه أن يستخلص منه آخر مثله فيها، وله أقسام كثيرة مذكورة في محلها.

ص: 403

ومنها: الحصر المستفاد من تعريف طرفي الجملة في قوله: {قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} ؛ أي: ما لنا رب إلا الله سبحانه، مثل: صديقي زيد.

ومنها: الإيجاز البليغ في قوله: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} ؛ لأن الاستقامة كلمة شملت جميع صفات التقوى.

ومنها: الطباق بين الحزن والبشارة في قوله: {وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا} وفي قوله: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} وفي قوله: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} ، وفي قوله:{عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} ؛ لأن الولاية بمعنى الصداقة.

ومنها: الجناس المماثل بين {الْحَسَنَةُ} و {أَحْسَنُ} في قوله: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .

ومنها: التكرار في قوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} مبالغةً في التأكيد.

ومنها: جناس الاشتقاق بين {ولا} و {قال} في قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} ، وفي قوله:{يَنْزَغَنَّكَ مِنَ} .

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} ؛ لأن النزل حقيقة فيما يعد للضيف من الطعام النفيس، ثم استعير لرزق الجنة.

ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا} .

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ} شبه وسوسة الشيطان بالنزغ الذي هو النخس والطعن؛ لأنها بعث على الشر وتحريك على ما لا ينبغي، وفيه أيضًا لتجريد المشتمل على من التجريدية في قوله:{مِنَ الشَّيْطَانِ} ؛ لأنه جرد من الشيطان شيطانًا آخر، وسماه نازغًا.

ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} ؛ لأنه ذُكِرَتْ فيه أداة التشبيه فهو مرسل، وحذف منه وجه الشبه فهو مجمل.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} مستعار الخشوع بمعنى التذلل، شبه يبس الأرض وخلوها عن الخير والبركة بكون الشخص خاشعًا ذليلًا عاريًا لا يؤبه به لدناءة هيئته، فهي استعارة تبعية بمعنى يابسة جدبة.

ص: 404

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا} ؛ لأن الإحياء في الحقيقة: إعطاء الحياة، وهي صفة تقتضى الحس والحركة، استعارة لإنبات الأرض، فالمراد بإحياء الأرض: تهييج القوى النامية فيها، وإحداث نضارتها بأنواع النبات.

ومنها: الاحتباك في قوله: {أَفَمَنْ يلْقَى في النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وهو: أن يحذف من كل من المتقابلين نظير ما أثبته في الآخر، وأصل الكلام:{أَفَمَنْ} يأتي خائفًا و {يلْقَى في النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي امِنًا} ويدخل الجنة.

ومنها: الأمر التهديدي في قوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} ؛ لأن المقصود بالأمر هنا: التهديد والوعيد لا طلب الفعل.

ومنها: الطباق بين {مغفرة وعقاب} ، وبين {أعجمي} و {عربي} .

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} حالهم في عدم قبول المواعظ وإعراضهم عن القرآن وما فيه، بحال من ينادى من مكان بعيد فلا يسمع ولا يفهم ما ينادى به، والجامع عدم الفهم في كل.

ومنها: وضع الظاهر موضع ضمير الآيات في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ} وكان مقتضى السياق أن يقال: إن الذين كفروا بها؛ لتقدم المرجع في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يلْحِدُونَ في آيَاتِنَا} ؛ لأن هذه الجملة بدل من تلك الجملة.

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} شبه الكتاب في عدم تطرق الباطل إليه بوجه من الوجوه، بمن هو محمي بحماية غالب قاهر يمنع جاره من أن يتعرض له العدو من جهة من جهاته، ثم أخرجه مخرج الاستعارة، بأن عبر عن المشبه بما عبر به عن المشبه به، فقال: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ

} إلخ.

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} فإنه أطلق الأعجمي هنا على كلام مؤلف على لغة العجم بطريق الاستعارة، تشبيهًا له بكلام من لا يفصح، من حيث إنه لا يفهم معناه بالنسبة إلى العرب.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} أي: هاد وشاف لهم، ففي إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل.

ص: 405

ومنها: المقابلة في قوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} .

ومنها: الاعتراض التذييلي المقرر لمضمون ما قبله في قوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فإنه مبني على تنزيل ترك إثابة المحسن بعمله، أو إثابة الغير بعمله، وتنزيل التعذيب بغير إساءة، أو بإساءة غيره منزلة الظلم الذي يستحيل صدوره من الله سبحانه.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (1).

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) وقع الفراغ من تفسير هذه السورة الكريمة أوائل ليلة الجمعة، الليلة الثامنة عشرة من شهر الله رجب الفرد، من شهور سنة 18/ 7/ 1414 ألفٍ وأربع مئة وأربع عشرة من الهجرة النبوية، عليه أفضل الصلوات وأزكى التحيات، وعلى جميع الآل والصحابات، ونتفرّغ بحول الله تعالى وتيسيره لتفسير سورة غافر، نسأل الله تعالى الإعانة على التمام والإكمال، كما أعان على الابتداء والافتتاح، والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا إلى يوم الدين، آمين آمين، ألف ألف آمين، يا رب العالمين.

وهذا آخر ما وفقني الله سبحانه من تفسير هذا الجزء من الكتاب الكريم، فالحمد لله على ما حبا، والشكر له على ما أسدى، والصلاة والسلام على نبي الرحمة والهدى، سيدنا محمد خير من وحّد ودعا، وعلى آله وصحبه نجوم الاهتداء، صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

اللهم وفقنا بالصالحات، وجنبنا عن الموبقات، واختم لنا بالشهادات، وألهمنا العمل لما يرضيك، والبعد عما يسخطك بفضلك وجودك وكرمك وإحسانك.

وكان الفراغ من هذا المجلد يوم الأربعاء، وقت الضحوة، اليوم الرابع من شهر شوال، من شهور سنة أربع عشرة وأربع مئة وألف 4/ 10/ 1414 من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التحيات، في مكة المكرمة، جوار الحرم الشريف، حارة الرشد من المسفلة، أمام المسجد السندي.

وهذا آخر المجلد الخامس والعشرين، ويليه المجلد السادس والعشرون، وأوله قوله تعالى:{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} .

ص: 406

شعرٌ

إِذَا مَا رَأَيْتَ لَحِيْنَا

كُنْ سَاتِرًا وَحَلِيْمَا

يَا مَنْ يُقَبِّحُ سَطْرِيْ

لِمْ لَا تَمُرُّ كَرِيْمَا

آخرُ

الْعَبْدُ ذُو ضَجَرٍ وَالرَّبُّ ذُوْ قَدَرٍ

وَالدَّهْرُ ذُوْ دُوَلٍ وَالعِلْمُ مَقْسُوْمُ

وَالْخَيْرُ أَجْمَعُ فِيْمَا اخْتَارَ خَالِقُنَا

وَفِيْ اخْتِيَارِ سِوَاهُ اللَّوْمُ وَالشُّوْمُ

آخرُ

أُعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُل يَوْمٍ

فَلَمَّا اشْتَدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِي

أُعَلِّمُهُ الْقَوَافِيَ كُلَّ حِيْنٍ

فَلَمَّا قَالَ قَافِيَةً هَجَانِيْ

آخرُ

لَقَدْ رَبَّيْتُ جَرْوًا طُوْلَ عُمْرِيْ

فَلَمَّا صَارَ كَلْبًا عَضَّ رِجْلِيْ

ص: 407