المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الدنيا، فكيف والدنيا خزفٌ فانٍ، والآخرة ذهب باقٍ. وعن ابن مسعود - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الدنيا، فكيف والدنيا خزفٌ فانٍ، والآخرة ذهب باقٍ. وعن ابن مسعود

الدنيا، فكيف والدنيا خزفٌ فانٍ، والآخرة ذهب باقٍ.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام على حصير، فقام وقد أثر في جسده، فقال ابن مسعود: يا رسول الله لو أمرتنا أن لنبسط لك لنفعل، فقال:"ما لي وللدنيا، وما أنا والدنيا إلا كراكب استظلّ تحت شجرة ثمّ راح وتركها" وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا

} الآية. قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الحياة الدنيا متاع، وليس من متاعها شيء أفضل من المرأة الصالحة، التي إذا نظرت إليها .. سرّتك، وإذا غبت عنها .. حفظتك في نفسها ومالها". وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بنيّ أكثر ذكر الموت، فإنك إذا أكثرت ذكر الموت .. زهدت في الدنيا، ورغبت في الآخرة، وإنّ الآخرة دار قرار، والدنيا غرّارة، والمغرور من اغْترّ بها".

والمعنى (1): أي يا قوم ما هذا النعيم الذي عجِّل لكم في هذه الحياة الدنيا إلا قليل المدى، تستمتعون به إلى أجل أنتم بالغوه ثم تموتون، وإن الآخرة هي دار الاستقرار التي لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا ظعن عنها إلى غيرها، وفيها إما نعيم مقيمْ وإما عذاب أليم.

‌40

- ثم بيّن كيف تحصل المجازاة في الآخرة، وأشار إلى أنّ جانب الرحمة فيها غالب على جانب العقاب، فقال:{مَنْ عَمِلَ} في هذه الدار الدنيا {سَيِّئَةً} ؛ أي: معصيةً من المعاصي كائنةً ما كانت {فَلَا يُجْزَى} في الآخرة {إِلَّا مِثْلَهَا} ولا يعذب إلا بقدرها، عدلًا من الله سبحانه، فخلود الكافرين في النار مثل لكفره ولو ساعةً لأَبديّة اعتقاده، وأما المؤمن العاصي فعقابه منقطع، إذ ليس على عزم أن يبقى مصرًّا على المعصية.

والظاهر: شمول الآية لكل ما يطلق عليه اسم السيئة، وقيل: هي خاصة بالشرك، ولا وجه لذلك، وفي الآية دليل على أنّ الجنايات سواء كانت في النفوس

(1) المراغي.

ص: 186

أو الأعضاء أو الأموال تغرم بأمثالها، والزائد على الأمثال غير مشروع {وَمَنْ عَمِلَ} عملًا {صَالِحًا} وهو (1) كل ما طلب به رضي الله تعالى أيّ عملٍ كان من الأعمال المشروعة، سواء كان {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ} كان من {أُنْثَى} ذكرهما ترغيبًا لهما في الصالحات {وَهُوَ}؛ أي: والحال أنه {مُؤْمِنٌ} بالله وبما جاءت به رسله جعل العمل عمدة، والإيمان حالًا للإيذان بأنه لا عبرة بالعمل بدون الإيمان، إذ الأحوال مشروطة على ما تقرّر في علم الأصول {فَأُولَئِكَ} الذين جمعوا بين العمل الصالح والإيمان {يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} حالة كونهم {يُرْزَقُونَ فِيهَا}؛ أي: يُعطَون فيها من نعيمها {بِغَيْرِ حِسَابٍ} ؛ أي: بغير تقدير وموازنة بعملهم، بل أضعافًا مضاعفة، فضلًا من الله ورحمة.

وفي "التأويلات النجمية": {بِغَيْرِ حِسَابٍ} ؛ أي: مما لم يكن في حساب العبد أن يرزق مثله، قال مقاتل: يقول لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة من الخير، وقيل: العمل الصالح هو لا إله إلا الله، وقرأ أبو رجاء وشيبة والأعمش والأخوان - حمزة والكسائي - والصاحبان نافع وابن عامر وحفص (2):{يَدْخُلُونَ} بفتح الياء مبنيًا للفاعل، وباقي السبعة ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن ويعقوب وأبو بكر عن عاصم والأعرج والحسن وأبو جعفر وعيسى: بضمها مبنيًا للمفعول.

والمعنى: أي من عمل في دار الدنيا معصية من المعاصي، كائنةً ما كانت فلا يعذب إلا بقدرها من غير مضاعفة للعقاب، ومن عمل بطاعة الله وائتمر بأمره وانتهى عمّا نهى عنه، ذكرًا كان أو أنثى وهو مؤمن بربّه، مصدق بأنبيائه ورسله .. فأولئك يدخلون الجنة، ويمتعون بنعيمها بلا تقدير ولا موازنة للعمل، بل يجازون أضعافًا مضاعفةً بلا انقضاء ولا نفاد.

الإعراب

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)} .

(1) روح البيان.

(2)

البحر المحيط.

ص: 187

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية، و {اللام}: موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق. {أَرْسَلْنَا} : فعل وفاعل. {مُوسَى} : مفعول به، والجملة الفعلية، جواب لقسم محذوف، تقديره: والله لقد أرسلنا موسى، وجمله القسم: مستأنفة. {بِآيَاتِنَا} : جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من {مُوسَى}؛ أي: حالة كونه مؤيّدًا بآياتنا التكوينية والتنزيلية {وَسُلْطَانٍ} : معطوف على {آياتنا} {مُبِينٍ} : صفة {وَسُلْطَانٍ} . {إِلَى فِرْعَوْنَ} : جار ومجرور متعلق بـ {أَرْسَلْنَا} {وَهَامَانَ وَقَارُونَ} : معطوفان على {فِرْعَوْنَ} وكل من الثلاثة مجرور بالفتحة، لأنها من الأسماء الأعجمية. {فَقَالُوا} {الفاء}: عاطفة. {قالوا} : فعل وفاعل معطوف على {أَرْسَلْنَا} . {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} : خبران لمبتدأ محذوف؛ أي: هو ساحر كذاب، والجملة الاسمية: في محل النصب مقول {قَالُوا} . {فَلَمَّا} {الفاء} : استئنافية. {لما} : اسم شرط غير جازم في محل نصب على الظرفية الزمانية. {جَاءَهُمْ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {مُوسَى} . ومفعول به، والجملة: فعل شرط لـ {لما} في محل جر بالإضافة {بِالْحَقِّ} : متعلق بجاءهم. {مِنْ عِنْدِنَا} : متعلق بمحذوف حال من الحق. {قَالُوا} : فعل وفاعل جواب {لما} ، لا محل لها من الإعراب، وجملة {لما}: مستأنفة. {اقْتُلُوا} : فعل أمر وفاعل، {أَبْنَاءَ الَّذِينَ}: مفعول به، ومضاف إليه، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول {قَالُوا} . {آمَنُوا} : فعل وفاعل صلة الموصول. {مَعَهُ} ظرف متعلق بـ {آمَنُوا} {وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} : فعل أمر وفاعل ومفعول به معطوف على {اقْتُلُوا} . {وَمَا} : {الواو} : حالية {مَا} : نافية {كَيْدُ الْكَافِرِينَ} : مبتدأ ومضاف إليه، وهو إظهار في مقام الإضمار؛ أي: وما كيدهم بموسى عليه السلام. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرّغ. {فِي ضَلَالٍ} : جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: في محل النصب حال من فاعل {قَالُوا} والرابط اسم الظاهر القائم مقام الضمير؛ لأنّ الأصل أن يقال: وما كيدهم.

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)} .

{وَقَالَ} {الواو} : عاطفة. {قَالَ فِرْعَوْنُ} : فعل وفاعل معطوف على {قَالُوا} {ذَرُونِي} : فعل أمر وفاعل، ونون وقاية، ومفعول به، والجملة: في محل النصب

ص: 188

مقول قال. {أَقْتُلْ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {فِرْعَوْنُ} ، مجزوم بالطلب السابق. {مُوسَى}: مفعول به، والجملة: في محل النصب مقول {قَالَ} ، {وَلْيَدْعُ}:{الواو} : عاطفة. {واللام} : حرف جزم وطلب. {يدع} : فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، وفاعله: ضمير يعود على {مُوسَى} . {رَبَّهُ} : مفعول به، والجملة: معطوفة على جملة {ذَرُونِي} ، والمقصود بالأمر هنا: التعجيز بزعمه. {إِنِّي} : ناصب واسمه، وجملة {أَخَافُ}: من الفعل المضارع، والفاعل المستتر: في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن}: في محل النصب مقول {قال} ، على كونها مسوقة لتعليل القتل {أَن}: حرف نصب ومصدر، {يُبَدِّلَ}: فعل مضارع منصوب بـ {أَن} ، وفاعله: ضمير يعود على {مُوسَى} ، {دِينَكُمْ}: مفعول به، والجملة الفعلية مع أن المصدرية: في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: إني أخاف تبديله دينكم الذي أنتم عليه، {أَوْ} حرف عطف. {أَنْ يُظْهِرَ}: معطوف على {أَنْ يُبَدِّلَ} ، {فِي الْأَرْضِ}: متعلق بـ {يُظْهِرَ} . {الْفَسَادَ} : مفعول {يُظْهِرَ} ، والتقدير: أو إظهاره الفساد في الأرض.

{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)} .

{وَقَالَ} {الواو} : عاطفة {قال موسى} : فعل وفاعل معطوف على قالوا أيضًا. {إِنِّي} : ناصب واسمه. {عُذْتُ} : فعل وفاعل في محل الرفع خبر {إن} وجملة {إن} : في محل النصب مقول {قال} . {بِرَبِّي} متعلق بـ {عُذْتُ} ، {وَرَبِّكُمْ}: معطوف على {ربي} . {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {عُذْتُ} وجملة {لَا يُؤْمِنُ} : صفة لـ {مُتَكَبِّرٍ} . {بِيَوْمِ الْحِسَابِ} متعلق بـ {يُؤْمِنُ} .

{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} .

{وَقَالَ} {الواو} : استئنافية. {قال رجل} : فعل وفاعل. {مُؤْمِنٌ} : صفة أولى لـ {رَجُلٌ} . {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} نعت ثان له. {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {رَجُلٌ} ومفعوله، والجملة: في محل الرفع صفة ثالثة

ص: 189

لـ {رَجُلٌ} ، وجملة {قال}: مستأنفة مسوقة لإيراد الحل الملائم للعقدة القصصية بعد أن عاذ موسى بربه ليكفيه شر هذا اللعين. {أَتَقْتُلُونَ} : {الهمزة} : للاستفهام الإنكاري، {تقتلون رجلًا}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل النصب مقول قال {أَنْ} : حرف نصب ومصدر. {يَقُولَ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {رَجُلًا} والجملة الفعلية مع أن المصدرية: في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا لأجله؛ أي: أتقتلونه لأجل قوله: {رَبِّيَ} : مبتدأ، {اللَّهُ}: خبره أو بالعكس والجملة الاسمية: في محل النصب مقول لـ {يَقُولَ} ، {وَقَدْ}:{الواو} : حالية. {قد} : حرف تحقيق. {جَاءَكُمْ} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به، {بِالْبَيِّنَاتِ}: متعلق بـ: جاء. {مِنْ رَبِّكُمْ} : حال من {البينات} والجملة الفعلية: في محل النصب حال من {رَجُلًا} فإن قيل: هو نكرة .. فالجواب: أنه في حيز الاستفهام، وكل ما سَوّغ الابتداء بالنكرة سوغ انتصاب الحال منها، ويجوز أن يكون حالًا من فاعل {يَقُولَ} . اهـ "سمين".

{وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} .

{وَإِنْ} : {الواو} : عاطفة. {إن} : حرف شرط جازم. {يَكُ} : فعل مضارع ناقص مجزوم بـ {إن} الشرطية، وعلامة جزمه السكون الظاهر على النون المحذوفة للتخفيف، واسمها: ضمير مستتر يعود على {رَجُلًا} . {كَاذِبًا} : خبرها. {فَعَلَيْهِ} : {الفاء} : رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا. {عليه} : خبر مقدم. {كَذِبُهُ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية: في محل الجزم جواب {إن} الشرطية، وجملة {إن} الشرطية معطوفة على جملة {أَتَقْتُلُونَ} على كونها مقولًا لـ {قال} {وَإِنْ يَكُ}: جازم ومجزوم. {صَادِقًا} : خبر {يَكُ} . {يُصِبْكُمْ} : فعل مضارع ومفعول به مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونه جوابًا لها. {بَعْضُ الَّذِي} : فاعل ومضاف إليه، وجملة {إن} الشرطية: معطوفة على جملة {إِن} الأولى، وجملة {يَعِدُكُمْ}: صلة الموصول، والعائد: محذوف، تقديره: يعدكموه، {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، وجملة {لَا يَهْدِي}: خبره وجملة {إِنَّ} : في محل النصب مقول {قال} على كونها مسوقة لتعليل ما قبلها. {مَنْ} : اسم موصول في محل النصب مفعول {يَهْدِي} . {هُوَ مُسْرِفٌ} : مبتدأ وخبر. {كَذَّابٌ} : خبر ثان،

ص: 190

والجملة الاسمية: صلة {مَنْ} الموصولة.

{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)} .

{يَا قَوْمِ} : {يا} حرف نداء. {قوم} : منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة، وجملة النداء، في محل النصب مقول {قَالَ}؛ لأنه من تتمة كلام الرجل المؤمن. {لَكُمُ}: خبر مقدم. {الْمُلْكُ} : مبتدأ مؤخر، {الْيَوْمَ}: ظرف متعلق بما تعلق به الخبر. {ظَاهِرِينَ} : حال من الضمير في {لَكُمُ} والعامل فيها وفي اليوم ما تعلق به لكم. اهـ "سمين". {فِي الْأَرْضِ} : متعلق بـ {ظَاهِرِينَ} ؛ أي: غالبين في الأرض، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالَ}. {فَمَنْ}:{الفاء} : فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم ما قلت لكم، وأردت النصيحة لكم .. فأقول لكم {مَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ}. {مَنْ}: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ. {يَنْصُرُنَا} : فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به. {مِنْ بَأْسِ اللَّهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يَنْصُرُنَا} ، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة: في محل النصب مقول {قَالَ} ، ويصح أن تكون {الفاء}: عاطفة ما بعدها على جملة قوله: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} وإن طال الفصل، {إِنْ}: حرف شرط جازم. {جَاءَنَا} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الـ {بَأْسِ} ومفعول به، والجملة: في محل الجزم بـ {إِنْ} الشرطية على كونها فعل شرط لها، وجوابها معلوم مما قبلها، تقديره: إن جاءنا بأس الله فمن ينصرنا منه، وجملة {إِن} الشرطية: في محل النصب مقول {قَالَ} . {قَالَ فِرْعَوْنُ} : فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة. {مَا} : نافية. {أُرِيكُمْ} : فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول أول. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ، {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول ثان لـ {أُرِيكُمْ} . والجملة الفعلية: في محل النصب، مقول {قَالَ}. {أَرَى}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {فِرْعَوْنُ} ، والجملة: صلة لـ {مَا} الموصولة والعائد: محذوف، تقديره: إلا ما أراه لنفسي. {وَمَا} : {الواو} : عاطفة، {ما}: نافية. {أَهْدِيكُمْ} : فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به أول. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {سَبِيلَ الرَّشَادِ} : مفعول ثان لـ {أَهْدِيكُمْ} والجملة الفعلية: في محل

ص: 191

النصب معطوفة على جملة {مَا أُرِيكُمْ} على كونها مقولًا لـ {قَالَ} .

{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)} .

{وَقَالَ} {الواو} : عاطفة. {قال الذي} : فعل وفاعل معطوف على {قَالَ فِرْعَوْنُ} ، وجملة {آمَنَ}: صلة الموصول، وجملة النداء. في قوله {يَا قَوْمِ}: في محل النصب مقول {قال} ، {إِنِّي}: ناصب واسمه، وجملة {أَخَافُ}: خبره. {عَلَيْكُمْ} : متعلق بـ {أَخَافُ} ، {مِثْلَ}: مفعول به لـ {أَخَافُ} . {مِثْلَ} : مضاف. {يَوْمِ} : مضاف إليه. {يَوْمِ} : مضاف. {الْأَحْزَابِ} : مضاف إليه، وكثرة الإضافة لا تخرج الكلام عن الفصاحة، لورودها في الكتاب والسنة. {مِثْلَ}: بدل عن {مِثْلَ} الأول، أو عطف بيان له وهو مضاف، {دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} مضاف إليه. {وَعَادٍ وَثَمُودَ}: معطوفان على {قَوْمِ نُوحٍ} . {وَالَّذِينَ} : في محل الجر معطوف على {قَوْمِ نُوحٍ} أيضًا. {مِنْ بَعْدِهِمْ} : جار ومجرور صلة الموصول، {وَمَا اللَّهُ}:{الواو} : عاطفة، {ما}: حجازية: {اللَّهُ} اسمها، وجملة {يُرِيدُ}: خبرها، {ظُلْمًا}: مفعول به لـ {يُرِيدُ} . {لِلْعِبَادِ} : متعلق بـ {ظُلْمًا} وجملة {ما} الحجازية: معطوفة على جملة {يَا قَوْمِ} على كونها مقولًا لـ {قال} .

{وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)} .

{وَيَا قَوْمِ} : معطوف على جملة النداء الأول، {إِنِّي}: ناصب واسمه. {أَخَافُ} : خبره، وجملة {إن}: معطوفة على جملة {إن} الأولى على كونها مقولًا لـ {قال} {عَلَيْكُمْ} : متعلق بـ {أَخَافُ} {يَوْمَ التَّنَادِ} : مفعول به لـ {أَخَافُ} . {يَوْمَ} : مضاف، {التَّنَادِ}: مضاف إليه مجرور بالمضاف، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة تبعًا لرسم المصحف، منع من ظهورها الثقل؛ لأنه اسم منقوص. {يَوْمَ}: بدل من {يَوْمَ} الأول. {تُوَلُّونَ} : فعل وفاعل مرفوع بثبات النون. {مُدْبِرِينَ} : حال من فاعل {تُوَلُّونَ} ، والجملة الفعلية: في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} . {مَا} : نافية حجازية. {لَكُمْ} : خبرها مقدم {مِنَ اللَّهِ} : متعلق بـ {عَاصِمٍ} {مِنْ} : زائدة. {عَاصِمٍ} : اسمها مؤخر، وجملة {مَا} الحجازية: في محل النصب

ص: 192

حال ثانية من فاعل {تُوَلُّونَ} ، ولك أن تهمل {مَا} ؛ لتقدم خبرها، {وَمَنْ}:{الواو} : عاطفة. {من} : اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط أو الجواب أو هما. {يُضْلِلِ اللَّهُ} : فعل وفاعل مجزوم بـ {من} الشرطية على كونها فعل شرط لها. {فَمَا} : {الفاء} : رابطة. {ما} : تميمية أو حجازية. {لَهُ} : خبرها مقدم أو خبر مقدم {مِنْ} : زائدة. {هَادٍ} : اسمها مؤخر أو مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية: في محل الجزم بـ {مَن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {مَن} الشرطية في محل النصب معطوفة على ما قبلها على كونها مقولًا لـ {قال} .

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} .

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية أو عاطفة، و {اللام}: موطئة للقسم. {قد} : حرف تحقيق. {جَاءَكُمْ يُوسُفُ} : فعل ماض ومفعول به وفاعل، والجملة: جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم: مستأنفة أو معطوفة على ما قبلها. {مِنْ قَبْلُ} : جار ومجرور حال من {يُوسُفُ} ؛ أي: من قبل موسى، فبناء الظرف على الضم؛ لأن المضاف إليه منوي معناه {بِالْبَيِّنَاتِ}: متعلق بـ {جَاءَكُمْ} {فَمَا} : {الفاء} : عاطفة. {ما} : نافية. {زِلْتُمْ} : فعل ماض ناقص و {التاء} : اسمها. {فِي شَكٍّ} : خبرها، وجملة {زال} معطوفة على جملة {جَاءَكُمْ} {مِمَّا}: جار ومجرور صفة لـ {شَكٍّ} وجملة {جَاءَكُمْ} : صلة لـ {ما} الموصولة. {بِهِ} : متعلق بـ {جَاءَكُمْ} {حَتَّى} : حرف جر وغاية لقوله: {ما زلتم} ، {إِذَا}: ظرف لما: يستقبل من الزمان. {هَلَكَ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {يُوسُفُ} . والجملة: في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف: متعلق بالجواب. {قُلْتُمْ} : فعل وفاعل جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذَا} من فعل شرطها وجوابها: في محل الجر بـ {حَتَّى} تقديره: {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ} إلى قولكم وقت هلاكَه: {لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} : الجار والمجرور صفة ثانية لـ {شَكٍّ} أو متعلق بـ {زال} {لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ} ناصب وفعل وفاعل {مِنْ بَعْدِهِ} جار ومجرور حال من {رَسُولًا} لأنه صفة نكرة قدمت عليها، {رَسُولًا}: مفعول به، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول

ص: 193

{قُلْتُمْ} .

{كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ في آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)} .

{كَذَلِكَ} : جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. {يُضِلُّ الله} : فعل وفاعل، {مَنْ}: اسم موصول في محل النصب مفعول {يُضِلُّ} . {هُوَ} : مبتدأ. {مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} : خَبرَانِ لَهُ، والجملة الاسمية: صلة {مَنْ} الموصولة، والتقدير:{يُضِلُّ الله} سبحانه {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} : إضلالًا مثل الإضلال الفظيع الواقع لفرعون وقومه، والجملة الاسمية: في محل النصب مقول {قَالَ} ، {الَّذِينَ}: مبتدأ، {يُجَادِلُونَ}: فعل وفاعل صلة الموصول. {في آيَاتِ اللهِ} : متعلق بـ {يُجَادِلُونَ} ، {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ}: متعلق به أيضًا، وجملة {أَتَاهُمْ}: في محل الجر صفة لـ {سُلْطَانٍ} . {كَبُرَ} : فعل ماض قال على التعجب والاستعظام لجدالهم، وفاعله: ضمير مستتر يعود على المصدر المفهوم من {يُجَادِلُونَ} . {مَقْتًا} : تمييز محول عن الفاعل؛ أي: كبر مقت جدالهم؛ أي: المقت المرتب على جدالهم. {عِنْدَ اللهِ} متعلق بـ {كَبُرَ} ، {وَعِنْدَ الَّذِينَ}: معطوف على {عِنْدَ اللهِ} ، وجملة {آمَنُوا}: صلة {الَّذِينَ} وجملة {كَبُرَ} : من الفعل والفاعل في محل الرفع خبر المبتدأ، والتقدير: الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم، كبر جدالهم وعظم عند الله وعند الذين آمنوا من جهة كونه ممقوتًا، والجملة الاسمية: مستأنفة؛ لأنه ابتداء كلام من الله تعالى. قال أبو حيان في "النهر": والأولى في إعراب هذا الكلام أن يكون {الَّذِينَ} : مبتدأ، وخبره {كَبُرَ} والفاعل: ضمير المصدر المفهوم من {يُجَادِلُونَ} ، وهذه الصفة موجودة في فرعون وقومه، ويكون الواعظ لهم قد عدل عن مخاطبتهم إلى الاسم الغائب لحسن مجاورته لهم واستجلاب قلوبهم، وهنا أوجه عن الإعراب، أوصلها بعضهم إلى عشرة لا طائل تحتها، وأولاها بالذكور، وأقربها إلى المعقول ما ذكرناه، وقال أبو البقاء:{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} فيه أوجه:

أحدها: أن يكون خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم الذين، وهم يرجع على قوله:{مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} ؛ لأنه في معنى الجمع.

ص: 194

والثاني: أن يكون مبتدأ، والخبر {يَطْبَعُ الله} والعائد: محذوف؛ أي: على كل قلب متكبر منهم. {كَذَلِكَ} : خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الأمر كذلك، وما بينهما معترض.

الثالث: أن يكون الخبر {كَبُرَ مَقْتًا} ؛ أي: كبر قولهم مقتًا.

والرابع: أن يكون الخبر محذوفًا؛ أي: معاندون، ونحو ذلك.

والخامس: أن يكون منصوبًا بإضمار أعني. وقال الزمخشري: الذين يجادلون بدل من {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} نظرًا لمعنى مَنْ لا للفظ بها، لأنها جمع في المعنى لأنه لا يريد مسرفًا واحدًا، فكأنه قال: كل مسرف، {كَذَلِكَ} صفة لمصدر محذوف؛ أي: طبعًا مثل ذلك الطبع. {يَطْبَعُ الله} : فعل وفاعل. {عَلَى كُلِّ} : متعلق بـ {يطبع} ، {كُلِّ}: مضاف. {قَلْبِ} : مضاف إليه. {قَلْبِ} : مضاف. {مُتَكَبِّرٍ} : مضاف إليه. {جَبَّارٍ} : صفة {مُتَكَبِّرٍ} أو {مُتَكَبِّرٍ} على تنوين {قَلْبِ} صفة أولى له، {جَبَّارٍ}: صفة ثانية له.

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا في تَبَابٍ (37)} .

{وَقَالَ} : {الواو} : عاطفة. {قال فرعون} : فعل وفاعل معطوف على الجمل التي قبلها، أو مستأنفة استئنافًا بيانيًا. {يَا هَامَانُ}: منادى مفرد العلم في محل النصب مبني على الضم، وجملة النداء، في محل النصب مقول {قَالَ} ، {ابْنِ}: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وفاعله: ضمير مستتر يعود على {هامان} ، تقديره: أنت، والجملة: في محل النصب مقول {قال} على كونها جواب النداء. {لِي} : متعلق بمحذوف حال من {صَرْحًا} لأنه صفة نكرة قدمت عليه. {صَرْحًا} : مفعول به، {لَعَلِّي}: ناصب واسمها، وجملة {أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ}: خبر {لعل} ، وجملة {لعل} في محل النصب مقول {قال}. {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ}: بدل من الأسباب بدل كل من كل، وفائدة الإبدال: أن الشيء إذا أبهم ثم أوضح .. كان تفخيمًا لشأنه، وهذا هو مراد فرعون. {فَأَطَّلِعَ}: بالنصب {الفاء} : عاطفة سببية. {أطلعَ} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد {الفاء} السببية

ص: 195

الواقعة في جواب الأمر، وهو {ابْنِ} أو في جواب الترجي وهو {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} وفاعله: ضمير مستتر يعود على {فِرْعَوْنُ} تقديره: أنا، والجملة الفعلية، صلة أن المضمرة وأن مع صلتها: في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: ليكن بناؤُك صرحًا لي فاطلاعي إلى إله موسى، أو ليكن بلوغي الأسباب أسباب السموات، فاطلاعي على إله موسى، وقرىء {فأطلع} بالرفع، على أن {الفاء}: عاطفة مجردة عن معنى السبب على {أَبْلُغُ} فهو داخل في حيز الترجي، {إِلَى إِلَهِ مُوسَى}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {أطلع} {وَإِنِّي} : {الواو} : عاطفة، {إني}: ناصب واسمه، {لَأَظُنُّهُ}:{اللام} : حرف ابتداء. {أظنه} : فعل مضارع ناسخ، وفاعل مستتر، ومفعول أول. {كَاذِبًا}: مفعول ثان، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر {إن} وجملة {إن} : معطوفة على جملة {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي} على كونها مقولًا لـ {قال} ، {وَكَذَلِكَ}:{الواو} : استئنافية. {كَذَلِكَ} : {الكاف} : صفة لمصدر محذوف تقديره: تزيينًا مثل ذلك التزيين المذكور؛ أي: كتزيين القول المذكور له، {زُيِّنَ}: فعل ماض مغير الصيغة. {لِفِرْعَوْنَ} : متعلق به، {سُوءُ عَمَلِهِ}: نائب فاعل لـ {زُيِّنَ} ، والجملة الفعلية مستأنفة. {وَصُدَّ}: فعل ماض مغير الصيغة معطوف على {زُيِّنَ} ، ونائب فاعله: ضمير يعود على {فِرْعَوْنَ} ، {عَنِ السَّبِيلِ} متعلق بـ {صُدَّ} {وَمَا}:{الواو} : عاطفة أو حالية. {ما} : نافية. {كَيْدُ فِرْعَوْنَ} : مبتدأ ومضاف إليه، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {في تَبَابٍ}: خبر المبتدأ، والجملة، معطوفة على جملة {زُيِّنَ}: أو حال من نائب فاعل {زُيِّنَ} .

{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)} .

{وَقَالَ الَّذِي} : فعل وفاعل معطوف على {قَالَ فِرْعَوْنُ} ، {آمَنَ}: فعل ماض وفاعل مستتر صلة {الَّذِي} {يَا قَوْمِ} : منادى مضاف، وجملة النداء: في محل النصب مقول {قال} ، {اتَّبِعُونِ}: فعل أمر مبني على حذف النون، و {الواو}: فاعل، و {النون}: للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسرة نون الوقاية: في محل النصب مفعول به، وقرىء: بإثباتها وحذفها وصلًا ووقفًا، هذا بالنظر للفظ، وأما في الرسم فهي محذوفة لا غير، لأنها من ياءات الزوائد، والجملة

ص: 196

الفعلية: في محل النصب مقول {قال} على كونها جواب النداء. {أَهْدِكُمْ} ؛ فعل مضارع مجزوم بالطلب السابق، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وهي الياء، وفاعله: ضمير مستتر وجوبًا، تقديره: أنا و {الكاف} : مفعول به، {سَبِيلَ}: مفعول به ثان أو منصوب بنزع الخافض، {الرَّشَادِ}: مضاف إليه، والجملة الفعلية. جملة جوابية لا محل لها من الإعراب، ولكنها في محل النصب مقول {قال} .

{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)} .

{يَا قَوْمِ} : منادى مضاف، وجملة النداء: في محل النصب مقول {قال} . {إِنَّمَا} : أداة حصر، بمعنى ما النافية وإلا المثبتة، {هَذِهِ}: مبتدأ. {الْحَيَاةُ} بدل، {الدُّنْيَا}: نعت {الْحَيَاةُ} {مَتَاعٌ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: في محل النصب مقول {قال} . {وَإِنَّ} : {الواو} : عاطفة. {إِنَّ} : حرف نصب. {الْآخِرَةَ} : اسمها {هِيَ} : ضمير فصل أو مبتدأ. {دَارُ الْقَرَارِ} : خبر {إِنَّ} أو خبر {هِيَ} ، والجملة خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ}: في محل النصب معطوفة على ما قبلها على كونها مقول {قال} ، {مَنْ} اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط أو الجواب أو هما، {عَمِلَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية على كونها فعل شرط لها. {سَيِّئَةً}: مفعول به {فَلَا} {الفاء} : رابطة لجواب {مَنْ} الشرطية جوازًا. {لا} : نافية. {يُجْزَى} : فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله: ضمير مستتر تقديره: هو يعود على {مَنْ} . {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {مِثْلَهَا} : مفعول ثان لـ {يُجْزَى} والجملة الفعلية: في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية: في محل النصب مقول {قال} ، {ومن}:{الواو} : عاطفه. {مَنْ} : اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط أو الجواب أو هما، {عَمِلَ}: فعل ماض في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وفاعله: ضمير يعود على {مَنْ} ، {صَالِحًا}: مفعول به، أو نعت لمصدر محذوف؛ أي: عملًا صالحًا. {مِنْ ذَكَرٍ} : حال من فاعل {عَمِلَ} . {أَوْ أُنْثَى} : معطوف على {ذَكَرٍ} . {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} : مبتدأ وخبر، والجملة: في محل

ص: 197

النصب حال من فاعل {عَمِلَ} . {فَأُولَئِكَ} : {الفاء} : رابطة لجواب {مِنْ} الشرطية وجوبًا. {أولئك} : مبتدأ. {يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: في محل الجزم بـ {مَنْ} على كونها جوابًا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة {مَنْ} الأولى. {يُرْزَقُونَ}: فعل ونائب فاعل. {فِيهَا} : جار ومجرور حال من {واو} : {يُرْزَقُونَ} أو متعلق به {بِغَيْرِ حِسَابٍ} : جار ومجرور ومضاف إليه صفة لمفعول به محذوف، تقديره:{يُرْزَقُونَ} رزقًا واسعًا بلا حساب ولا تبعة، وجملة {يُرْزَقُونَ}: في محل النصب حال من {واو} {يَدْخُلُونَ} .

التصريف ومفردات اللغة

{وَسُلْطَانٍ} والسلطان: الحجة والبرهان. {فِرْعَوْنَ} : ملك القبط بالديار المصرية. {وَهَامَانَ} : وزيره. {وَقَارُونَ} : كان أكثر الناس في زمانه تجارةً ومالًا. {كَذَّابٌ} والكذاب: هو الذي عادته الكذب، بأن يكذب مرةً بعد أخرى، ولم يقولوا: سحار؛ لأنهم كانوا يزعمون أنه ساحر، وأن سحرتهم أسحر منه، كما قالوا:{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)} كما مر في مبحث التفسير.

{أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} : {الهمزة} : فيه مبدلة من واو أصله أبناو أبدلت الواو همزة لتطرفها إثر ألف زائدة. {واستحيوا} : أصله استحييوا: أمر من استحيي من باب استفعل، ومضارعه: يستحييون استثقلت الضمة على الياء الثانية، فنقلت إلى الأولى بعد سلب حركتها، ثم حذفت الياء الثانية لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة؛ لأنها لما سلبت حركتها .. سكنت فوزنه استفعوا.

{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي} من عاذ يعوذ، كقال يقول، أصله: عوذ، قلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار عاذ، كقال، ثم لما أسند الفعل إلى ضمير الرفع المتحرك .. سكن آخره، فالتقى ساكنان: الألف والذال الساكنة، فحذفت الألف ثم سلبت حركة الفاء وعوض عنها شكلة مجانسة للعين المحذوفة التي هي الواو، والمجانس لها هو الضمة، فقيل: عذت بوزن قلت بضم الفاء، والعوذ: الالتجاء إلى الغير والتعلق به.

{ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} ؛ أي: اتركوني، يقال: ذره؛ أي: دعه، يذره تركًا ولا

ص: 198

تقل وذرًا، وأصله: وذره يذره، كوسعه يسعه، لكن ما نطقوا بماضيه ولا بمصدره ولا باسم الفاعل كما في "القاموس".

{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ} والرجل المؤمن: هو ابن عم فرعون، وولى عهده وصاحب شرطته، وهو الذي نجا مع موسى عليه الصلاة والسلام، وهو المراد بقوله:{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} . {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} وآل الرجل، خاصته الذي يؤول إليه أمرهم للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين، واسمه: شمعان، بالمعجمة على وزن سلمان، كما مر. وأصله: أهل أبدلت الهاء همزةً توصلًا لإبدالها ألفًا، ثم أبدلت ألفًا حرف مد مجانسًا لحركة الهمزة المفتوحة قبلها، وقيل: إن أصله أول، قلبت الواو همزةً لتحركها وانفتاح ما قبلها.

قال الشاطبي - رحمه الله تعالى - مبينًا الخلاف في كلمة آل:

فإِبدالُهُ من هَمزةٍ هاءٌ اصْلُها

وقد قالَ بعضُ النَّاسِ مِنْ واوٍ ابْدِلا

{بِالْبَيِّنَاتِ} وهي الشواهد الدالة على صدقه. {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا} : {يَكُ} : مضارع كان، وأصله: يكون بوزن يفعل، نقلت حركة الواو إلى الكاف فسكنت إثر ضم فصارت حرف مد، ولما دخل الجازم {إِنْ} الشرطية على الفعل .. سكن آخره فصار اللفظ يكونْ، فالتقى ساكنان فحذفت الواو لذلك، ثم حذفت النون أيضًا حذفًا غير مطرد، كما ذكره في "الخلاصة" بقوله:

وَمِنْ مُضَارعٍ لكَانَ مُنْجَزِمْ

تُحْذَفُ نُوْنٌ وَهُوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ

{مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} المسرف: المقيم على المعاصي المستكثر منها، والكذاب: المفتري. {يَوْمَ التَّنَادِ} هو يوم القيامة، تَسَمَّى بذلك لأن الناس ينادي فيه بعضهم بعضًا للاستغاثة. قال أمية بن أبي الصلت:

وَبَثَّ الْخَلْقَ فِيْهَا إِذْ دَحَاهَا

فَهُمْ سُكَّانُهَا حَتَّى التَّنَادِ

وأصله: يوم التنادي بالياء، على أنه مصدر تنادى القوم بعضهم بعضًا تناديًا بضم الدال، ثم كسر لأجل مناسبة الياء المحذوفة لتناسب الفواصل، وأصل هذه الياء واو من الندوة، وهو مكان الالتقاء. {يَوْمَ تُوَلُّونَ} أصله: توليون استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان فحذفت الياء وضمت اللام لمناسبة الواو.

ص: 199

{مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} الدأب: العادة المستمر عليها والشأن. {فَمَا زِلْتُمْ} من زال يزال، كخاف يخاف أصل زال: زول، كخاف أصله: خوف قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح ثم لما أسند الفعل إلى ضمير الرفع المتحرك، سكن آخره فالتقى ساكنان: الألف وآخر الفعل، فحذفت الألف فصار اللفظ: زلتم فحذفت حركة الفاء، ونقلت إليه شكلة العين المحذوفة، وهي الكسرة لأن ماضيه من باب فعل بكسر العين، فقيل {زِلْتُمْ} بوزن فِلتم.

{يُضِلُّ الله} أصله: يضال نقلت حركة اللام الأولى إلى الضاد فسكنت، فأدغمت في اللام الثانية، {مُرْتَابٌ} فيه إعلال بالقلب، أصله: مرتيب بصيغة اسم الفاعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح. {صَرْحًا} والصرح: القصر الشامخ المنيف. وفي "المصباح": الصرح بيت واحد يبنى مفردًا طويلًا ضخمًا. وفي "الكشاف": الصرح: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر، وإن بعد اشتقوه من صرح الشيء بالتشديد إذا ظهر، فإنه يكون لازمًا أيضًا، وفي "السمين" في سورة النمل: الصرح: القصر أو صحن الدار أو بلاط يتخذ من زجاج، وأصله: من التصريح، وهو: الكشف. اهـ.

وهذه المادة عجيبة في مدلولها، لإنها تدل في جميع مشتقاتها على الظهور والإبانة، قالوا: لبن صريح: إذا ذهبت رغوته وخلص، وعربي صريح، من عرب صرحاء غير هجناء، ونسب صريحٍ، وكأس صراح: لم تمزج، وصرحت الخمرة: ذهب عنها الزبد، ولقيته مصارحةً؛ أي: مجاهرةً، وصرح النهار: ذهب سحابه وأضاءت شمسه، وصرح بما في نفسه وبنى صرحًا وصروحًا وقعد في صرحة داره؛ أي: في ساحتها.

{الْأَسْبَابَ} : جمع سبب، وهو ما يتوصل به إلى شيء من حبل وسلم وطريق، والمراد هنا: الأبواب، قال زهير بن أبي سلمى:

وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ

وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ

والسبب أيضًا: من مقطعات الشعر حرف متحرك وحرف ساكن، أو حرفان متحركان، والأول يسمى خفيفًا، والثاني ثقيلًا. {إِلَّا في تَبَابٍ} والتباب: الخسران والهلاك، ومنه قوله تعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} . {فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} أصله:

ص: 200

فأطتلع، أبدلت تاء الافتعال طاءً وأدغمت فيها الطاء. {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ} أصله: أظننه بوزن أفعله، نقلت حركة النون الأولى إلى الظاء فسكنت فأدغمت في الثانية. {سَبِيلَ الرَّشَادِ} والرشد والرشاد: الاهتداء لمصالح الدنيا والدين. {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} والمتاع: اسم مصدر من تمتّع بمعنى المتعة، وهي التمتع والانتفاع، لا بمعنى السلعة؛ لأنّ وقوعه خبرًا عن الحياة الدنيا يمنع منه. اهـ من "الروح".

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: عطف الخاص على العام في قوله: {بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} ؛ تفخيمًا لشأن الخاص.

ومنها: تخصيص فرعون وهامان بالذكر؛ لأنّ الإرسال إليهما إرسال إلى القوم كلهم.

ومنها: المبالغة في قوله: {كَذَّابٌ} ، وفي قوله:{سَاحِرٌ كَذَّابٌ} .

ومنها: المقابلة بين القتل والاستحياء في قوله: {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} .

ومنها: إطلاق الجمع على الواحد في قوله: {قَالُوا اقْتُلُوا} لأنّ القائل هو فرعون وحده؛ لأنه بمنزلة الكل، كما في قوله:{سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} .

ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا في ضَلَالٍ} إشعارًا بعلة الحكم، وذمًّا لهم بالكفر، وحق العبارة أن يقال: وما كيدهم.

ومنها: الاعتراض بهذه الجملة في تضاعيف ما حكي عنهم من الأباطيل للمسارعة إلى بيان بطلان ما أظهروه، وإضمحلاله بالمرة، اهـ "أبو السعود".

ومنها: الإتيان بلام الأمر في قوله: {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} للتعجيز؛ لأنه أمر تعجيز بزعمه أنّ موسى لا يمنعه ربّه منه.

ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا} .

ص: 201

ومنها: الطباق بين قوله: {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا} وقوله: {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا} .

ومنها: إعادة النكرة نكرة في قوله تعالى: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا} بعد قوله: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} لأنّ المراد بالنكرة الثانية غير الأولى، لأنّ المراد بالأولى شمعان ابن عمّ فرعون، وبالثانية موسى جريًا على القاعدة المشهورة عندهم المذكورة في قول بعضهم:

ثُمَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُشْتَهَرَهْ

إِذَا أَتَت نَكِرَةً مُكَرَّرَهْ

تَغَايَرَتْ وَإِنْ يُعَرَّفْ ثَانِيْ

تَوَافَقَا كَذَا الْمُعَرَّفَانِ

ومنها: الحصر المستفاد من تعريف طرفي الجملة في قوله: {رَبِّيَ الله} مثل: صديقي زيد لا غير.

ومنها: الإتيان بضمير المخاطبين في قوله: {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} حيث لم يقل من ربه، تهييجًا لهم على التأمل في أمره، والاعتراف به، وترك المكابرة معه؛ لأنّ ما كان من قبل رب الجميع يجب اتباعه، وإنصاف مبلغه. اهـ من "الروح".

ومنها: التعريض في قوله: {إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} لأنه عرّض به لفرعون؛ لأنه {مُسْرِفٌ} حيث قتل الأبناء بلا جرم {كَذَّابٌ} حيث ادّعى الألوهية، لا يهديه الله سبيل الصواب ومنهاج النجاة، بل يفضحه ويهدم أمره.

ومنها: الإجمال ثم التفصيل في قوله: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)

} إلخ.

ومنها: التشبيه في قوله: {كَذَلِكَ يُضِلُّ} ، وقوله:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله} وقوله: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ} .

ومنها: الإسناد العقلي في قوله: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي} لما فيه من إسناد ما للعَمَلَةِ إلى الآمر.

ومنها: الإبهام ثم الإيضاح في قوله: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} لأنّ في إبهامها أولًا، ثم إيضاحها تفخيمًا لشأنها، وتشويقًا للسامع إلى معرفتها.

ص: 202

ومنها: المقابلة بين قوله: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} وقوله: {وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} فقد قابل بين الدنيا والآخرة، وهي من المحسنات البديعية.

ومنها: التنوين في قوله: {مَتَاعٌ} إفادة للتقليل.

ومنها: التعريض في قوله: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} فإن فيها تعريضًا بأن ما يسلكه فرعون وقومه سبيل الغي والضلال.

ومنها: المقابلة في قوله: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً} ، وقوله:{وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا} .

ومنها: الطباق في قوله: {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 203

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ في الدُّنْيَا وَلَا في الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ في النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ في النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا في ضَلَالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ في آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ في صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (63) الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)} .

ص: 204

المناسبة

قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن (1) هذا المؤمن لما رأى تمادي قومه في تمردهم وطغيانهم .. أعاد إليهم النصح مرةً أخرى، فدعاهم أولًا إلى قبول هذا الدين الذي هو سبيل الخير والرشاد، ثم بيّن لهم حقارة الدنيا وعظم شأن الآخرة، وأنها هي الدار التي لا زوال لها، ثم ذكر أنه يدعوهم إلى الإيمان بالله، الذي يوجب النجاة والدخول في الجنات، وهم يدعونه إلى الكفر الذي يوجب الدخول في النار، ثم أردف هذا ببيان أنْ الأصنام لا تستجاب لها دعوه، فلا فلائدة في عبادتها، ومردُّ الناس جميعًا إلى الله العلم بكل الأشياء، وهو الذي يجازي كل نفس بما كسبت، وأن المسرفين في المعاصي هم أصحاب النار، ثم ختم نصحه بتحذيرهم من بأس الله، وتفويض أمره إلى الله الذي يدفع عنه كل سوء يراد به، ثم أخبر سبحانه بأنه استجاب دعاءه فوقاه السوء الذي دبّروه له، وحفظه مما أرادوه به من اغتياله، وأحاط بآل فرعون سوء العذاب فغرقوا في البحر، ويوم القيامة يكون لهم أشد العذاب في النار.

قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)

} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر في أول السورة أنه لا يجادل في آيات الله إلا القوم الكافرون، ثم ردّ على أولىك المبطلين المجادلين، تسليةً لرسوله، وتصبيرًا له على تحمل أذى قومه .. أردف ذلك وعده له بالنصرة على أعدائه في الدنيا والآخرة، وتلك سنة الله تعالى، فهو ينصر الأنبياء والرسل، ويقيّض لهم من ينصرهم على أعدائهم، ويملأ قلوبهم بنور اليقين، ويلهمهم أنّ النصرة لهم آخرًا مهما تقلبت بهم الأمور.

وعبارة أبي حيان هنا قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى

} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنه سبحانه لما ذكر (2) ما حل بآل فرعون، واستطرد من ذلك إلى ذكر شيء من أحوال الكفار في الآخرة .. عاد إلى ذكر ما منح رسوله موسى عليه

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 205

السلام، فقال:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى} تأنيسًا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتذكيرًا لما كانت العرب تعرفه من قصة موسى عليه السلام. انتهى.

قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله (1) سبحانه لما ذكر (2) فيما سلف أنهم يجادلون في آيات الله بغير سلطان، وكان من جدلهم أنهم ينكرون البعث، ويعتقدون استحالته، ويعملون أَقْبسة وَهْميّة وقَضايا جَدلية، كقولهم:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)} وقولهم: {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48)} .. ذكر هنا برهانًا يؤيد إمكان حدوثه، ويبعد عن أذهانهم استحالته، وهو خلقه للسموات والأرض ابتداءً على عِظم أجرامهما، ومن قدر على ذلك .. فهو قادر على إعادتكم، كما جاء في الآية الأخرى:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} .

قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ

} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما أثبت أن يوم القيامة حق، وكان المرء لا ينتفع فيه إلّا بطاعة الله، والتضرع له، وأشرف أنواع الطاعات الدعاء؛ أي العبادة لا جرم، أمر الله تعالى بها في هذه الآية، ولما كانت العبادة لا تنفع إلا إذا أقيمت الأدلة على وجود المعبود .. ذكر من ذلك تعاقب الليل والنهار، وخلق السموات والأرض، وخلق الإنسان في أحسن صورة، ورزقه من الطيبات.

أسباب النزول

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ في آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ

} الآية، سبب نزولها (3): ما أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم، قال السيوطي بسند صحيح عن أبي العالية: إن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الدجال يكون منّا في آخر الزمان، ويكون من أمره كذا وكذا، فعظّموا أمره وقالوا: نصنع كذا وكذا، فأنزل الله:{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ في آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ في صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} ، قال: لا يبلغ الذي يقول: {فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} فأمر نبيّه

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

(3)

الشوكاني.

ص: 206