المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بأس الله، ولم يسيروا في نواحي الأرض وأرجائها {فَيَنْظُرُوا} يجوز - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: بأس الله، ولم يسيروا في نواحي الأرض وأرجائها {فَيَنْظُرُوا} يجوز

بأس الله، ولم يسيروا في نواحي الأرض وأرجائها {فَيَنْظُرُوا} يجوز أن يكون مجزومًا بالعطف على {يَسِيرُوا} وأن يكون منصوبًا على أنه جواب الاستفهام {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ}؛ أي: كيف كان حال من قبلهم، ومآلهم من الأمم المكذبة لرسلهم، كعاد وثمود وأضرابهم، وكانت ديارهم ممر تجار قريش {كَانُوا}؛ أي: كان الذين من قبلهم {هُمْ أَشَدَّ} وأكثر {مِنْهُمْ} ؛ أي: من مشركي مكة {قُوَّةً} ؛ أي: قدرةً وتمكنًا من التصرفات.

وإنما (1) جيء بضمير الفصل مع أن حقه التوسط بين معرفتين كقوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ؛ لمضاهاة أفعل من للمعرفة في امتناع دخول اللام عليه.

وقرأ الجمهور: {أَشَدُّ مِنْهُمْ} بالغيبة، وقرأ ابن عامر {أشد منكم} على الالتفات.

{و} أكثر {آثَارًا فِي الْأَرْضِ} مثل: القلاع الحصينة والمدن المتينة {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ} سبحانه؛ أي: عاقبهم وأهلكهم {بِذُنُوبِهِمْ} ؛ أي: بسبب كفرهم وتكذيبهم {وَمَا كَانَ لَهُمْ} ؛ أي: للأمم المكذبة {مِنَ اللَّهِ} ؛ أي: من عذاب الله تعالى {مِنْ وَاقٍ} يقيهم وحافظ يحفظهم ودافع يدفع عنهم العذاب. وقرأ ابن كثير: {واقي} بالياء في الوقف

‌22

- {ذَلِكَ} ؛ أي: ما ذكر من الأخذ {بِأَنَّهُمْ} ؛ أي: بسبب أنهم {كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} ؛ أي: بالمعجزات أو بالأحكام الظاهرة والحجج الواضحة {فَكَفَرُوا} بما جاؤوهم به وكذّبوا رسلهم {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ} تعالى أخذًا عاجلًا {إِنَّهُ} تعالى {قَوِيٌّ} ؛ أي: متمكن مما يريد غاية التمكن {شَدِيدُ الْعِقَابِ} لأهل الشرك، لا يعتبر عقاب دون عقابه، فهؤلاء المشركون من أهل مكة قد شاهدوا مصارعهم وآثار هلاكهم، فباي وجه أمنوا أن يصيبهم مثل ما أصابهم من العذاب، أو المعنى: أنه قوي على الانتقام من الأعداء للأولياء، شديد العقاب في الانتقام من الأعداء. وفي "فتح الرحمن": قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ

} الآية. فإن قلت: لم قال هنا: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} بضمير الجمع، وفي التغابن: بإفراده، حيث قال هناك:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ....} الآية؟

(1) روح البيان.

ص: 143

قلت: جمع الضمير هنا؛ موافقة لما قبله في قوله: {كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وأفرده ثم؛ لأنه ضمير الشأن، زيد توصلًا إلى دخول {أن} على {كان} .

والحال: أن الله سبحانه (1) حذّر هؤلاء المشركين مما حل بمن قبلهم من الأمم التي كانت أقوى منهم وأعظم آثارًا، كعاد وثمود، والسعيد من وعظ بغيره، فقال واعظًا ومذكّرًا: ألم يسر هؤلاء المشركون بالله في البلاد، فيروا عاقبة الذي كانوا من قبلهم من الأمم ممن سلكوا سبيلهم في الكفر وتكذيب الرسل، وقد كانوا أشدّ منهم بطشًا، وأبقى في الأرض أثرًا، فلم تنفعهم شدة قواهم وعظيم آثارهم إذ جاء أمر الله، فأخذوا بما أجرموا من المعاصي، واكتسبوا من الآثام، فأبيدوا جميعًا، وصارت مساكنهم خاويةً بما ظلموا، وما كان لهم من عذاب الله من حافظ يدفعه عنهم.

فائدة: وفي "شرح الأسماء" للزورقي: القوي هو الذي لا يلحقه ضعف في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فلا يمسّه نصب ولا تعب، ولا يدركه قصور ولا عجز في نقض ولا إبرام، ومن عرف أن الله تعالى هو القوي .. رجع إليه عن حوله وقوته، وخاصيته: ظهور القوة في الوجود، فما تلاه ذو همة ضعيفة إلا وجد القوة، ولا ذو جسم ضعيف إلا كان له ذلك، ولو ذكره مظلوم بقصد إهلاك الظالم ألف مرة .. كان له ذلك، وكفي أمره.

الإعراب

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)} .

{حمَ (1)} تقدم القول في إعراب فواتح السور، وأيسر ما فيها: أنها خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هذه السورة حم؛ أي: مسماة بـ {حم (1)} ، والخبر؛ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف على قراءة السكون، أو ضمة ظاهرة في آخره على قراءة الزهري، والجملة: مستأنفة

(1) المراغى.

ص: 144

استئنافًا نحويًا. {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} : مبتدأ. {مِنَ اللَّهِ} : جار ومجرور، خبره، والجملة: مستأنفة استئنافًا بيانيًا. {الْعَزِيزِ} : صفة أولى للجلالة. {الْعَلِيمِ} : صفة ثانية لها. {غَافِرِ الذَّنْبِ} : صفة ثالثة. {وَقَابِلِ التَّوْبِ} : معطوف على {غَافِرِ} . فإن قلت: لم زيدت الواو في هذه الصفة دون باقيها؟ قلت: زيدت هنا لإفادة الجمع بين رحمتي: مغفرة الذنب وقبول التوب. {شَدِيدِ الْعِقَابِ} : صفة رابعة. {ذِي الطَّوْلِ} : صفة خامسة. {لَا} : نافية. {إلَهَ} : اسمها، وخبرها: محذوف، تقديره: موجود. {إلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {هُو} : بدل من الضمير المستكن في خبر {لَا} ، والجملة الاسمية: مستأنفة، أو حال لازمة من لفظ الجلالة. {إليه}: خبر مقدم، {الْمَصِيرُ}: مبتدأ مؤخر، والجملة: في محل النصب حال من ضمير {هُوَ} ، أو مستأنفة. {مَا}: نافية. {يُجَادِلُ} فعل مضارع. {فِي آيَاتِ اللَّهِ} : متعلق به. {إلَّا} : أداة استثناء مفرغ {الَّذِينَ} : فاعل، والجملة: مستأنفة، وجملة {كَفَرُوا}: صلة الموصول. {فَلَا} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت أن المجادلين في آيات الله كفار .. فلا يغررك إمهالهم وتقلبهم في أسفارهم للتجارة المربحة، فإنهم مأخوذون بكفرهم. {لَا}: ناهية جازمة. {يَغرُرْكَ} : فعل مضارع ومفعول به، مجزوم بـ {لا} الناهية. {تَقَلُّبُهُمْ}: فاعل. {فِي الْبِلَادِ} : متعلق بـ {تَقَلُّبُهُمْ} والجملة الفعلية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)} .

{كَذَّبَتْ} : فعل ماض. {قَبْلَهُمْ} : ظرف متعلق بمحذوف حال من {قَوْمُ نُوحٍ} . {قَوْمُ نُوحٍ} : فاعل. {وَالْأَحْزَابُ} : معطوف على {قَوْمُ نُوحٍ} . {مِنْ بَعْدِهِمْ} : حال من {الْأَحْزَابُ} ، والجملة الفعلية: مستأنفة. {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ} : فعل وفاعل معطوف على {كَذَّبَتْ} . {بِرَسُولِهِمْ} : متعلق بـ {همت} . {لِيَأْخُذُوهُ} : {اللام} : حرف جر وتعليل، {يأخذوه}: فعل وفاعل ومفعول به منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، والجملة الفعلية مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور: متعلق بـ {همت} ؛ أي: وهمت كل أمة برسولها إيقاعه

ص: 145

في الشر لأخذهم إياه وقتله. {وَجَادَلُوا} : فعل وفاعل معطوف على {همت} {بِالْبَاطِلِ} : متعلق بـ {جادلوا} . {لِيُدْحِضُوا} : {اللام} : حرف جر وتعليل. {يدحضوا} : فعل مضارع وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي. {بِهِ} : متعلق بـ {يدحضوا} . {الْحَقَّ} : مفعول به، والجملة في تأويل مصدر مجرور بـ {اللام} الجار والمجرور متعلق بـ {جادلوا}؛ أي: جادلوا بالباطل لدحضهم الحق بالباطل. {فَأَخَذْتُهُمْ} : {الفاء} : عاطفة {أخذتهم} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {جادلوا} ، {فَكَيْفَ}:{الفاء} : عاطفة. {كيف} : اسم استفهام في محل النصب خبر كان مقدم عليها وجوبًا. {كاَنَ} : فعل ماض ناقص. {عِقَاب} : اسم كان مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة؛ اجتزاء عنها بالكسرة، وهو مضاف وياء المتكلم المحذوفة في محل الجر مضاف إليه، وجملة {كاَنَ}: معطوفة على جملة {أخذتهم} . {وَكَذَلِكَ} : الواو: استئنافية. {كَذَلِكَ} : جار ومجرور صفة لمصدر محذوف، تقديره: حقًا مثل ما حق قضاءه، وحكمه بالتعذيب على الأمم المكذبة المذكورة {حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} ، {حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ}: فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة {عَلَى الَّذِينَ} : متعلق بـ {حَقَّتْ} ، وجملة {كَفَرُوا}: صلة الموصول. {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} : ناصب واسمه وخبره، وجملة {أنّ}: في تأويل مصدر مرفوع على كونه بدلًا من {كَلِمَتُ رَبِّكَ} : بدل كل من كل؛ أي: حق على الذين كفروا كونهم من أصحاب النار.

{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} .

{اَلَذِينَ} : مبتدأ، وجملة {يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} صلة الموصول. {وَمَنْ حَوْلَهُ}: معطوف على الموصول، {حَوْلَهُ}: ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة {مَنْ} الموصولة، وجملة {يُسَبِّحُونَ}: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: مستأنفة. {بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} : جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل {يُسَبِّحُونَ} ؛ أي: ملابسين بحمده تعالى. {وَيُؤْمِنُونَ} : فعل وفاعل معطوف على {يُسَبِّحُونَ} ، {بِهِ}: متعلق بـ {يومنون} ، {وَيَسْتَغْفِرُونَ}: فعل وفاعل معطوف أيضًا على {يُسَبِّحُونَ} : {لِلَّذِينَ} : متعلق بـ {يَسْتَغْفِرُونَ} ، {آمَنُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول. {رَبَّنَا} : منادى مضاف

ص: 146

منصوب حذف منه حرف النداء للتخفيف، وجملة النداء: في محل النصب مقول لقول محذوف، وقع حالًا من فاعل {يَسْتَغْفِرُونَ}؛ أي: حال كونهم قائلين {رَبَّنَا} ، {وَسِعْتَ}: فعل وفاعل، {كُلَّ شَيْءٍ}: مفعول به. {رَحْمَةً وَعِلْمًا} : تمييزان محولان من فاعل {وَسِعْتَ} ؛ أي: وسعت رحمتك وعلمك كل شيء، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول لذلك القول المحذوف. {فَاغفِر} : (الفاء): فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا كانت رحمتك واسعةً، وعلمك واسعًا .. فنقول لك:{اغفر} ، (اغفر): فعل دعاء وفاعل مستتر، {لِلَّذِينَ}: متعلق به، والجملة الدعائية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة: في محل النصب مقول للقول المحذوف، وجملة {تَابُوا}: صلة الموصول. {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {تَابُواْ} ، {وَقِهِمْ}: فعل دعاء وفاعل مستتر ومفعول به أول معطوف على {فَاغفِر} . {عَذَابَ الْجَحِيمِ} : مفعول ثان.

{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)} .

{رَبَّنَا} : منادى مضاف حذف منه حرف النداء، كرره للمبالغة في الجؤار. {وَأَدْخِلْهُمْ}: فعل دعاء وفاعل مستتر يعود على الله ومفعول أول. {جَنَّاتِ عَدْنٍ} : مفعول ثان، والجملة: معطوفة على جملة {قِهِمْ} {الَّتِي} : صفة لـ {جَنَّاتِ} . {وَعَدتهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول به صلة {الَّتِي} ، والعائد: محذوف، تقديره: إياها. {وَمَن} ، في قوله:{وَمَنْ صَلَحَ} : اسم موصول في محل النصب معطوف على ضمير {أدخِلْهُم} أو على ضمير {وَعَدْتَهُمْ} والأول: أرجح، كما قاله الفراء. {صَلَحَ}: فعل وفاعل مستتر يعود على {مَنْ} ، صلة {مَنْ} الموصولة. {مِنْ آبَائِهِمْ}: جار ومجرور حال من فاعل {صَلَحَ} . {وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} : معطوفان على {آبَائِهِمْ} . {إنَّكَ} : ناصب واسمه. {أَنْتَ} : ضمير فصل. {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} : خبر {إن} ، وجملة {إن}: في محل النصب مقول للقول المحذوف.

{وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} .

ص: 147

{وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} : فعل دعاء وفاعل مستتر ومفعولان معطوف على {وَأَدْخِلْهُمْ} . {وَمَنْ} {الواو} : عاطفة. {مَن} : اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط أو الجواب أو هما. {تَقِ} : فعل مضارع وفاعل مستتر مجزوم بـ {مِنَ} الشرطية، على كونها فعل شرط لها. {السَّيِّئَاتِ}: مفعول به. {يَوْمَئِذٍ} : {يَوْمَ} : منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ {تَقِ} . {يَوْمَ} : مضاف. {إذْ} : ظرف لما مضى من الزمان، في محل الجر مضاف إليه، مبني بسكون مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين. {فَقَد}:{الفاء} : رابطة لجواب {مَنْ} الشرطية وجوبًا. {قد} : حرف تحقيق. {رَحِمْتَهُ} : فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم بـ {مِنَ} الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية: مقول للقول المحذوف. {وَذَلِكَ} {الواو} : عاطفة {ذَلِكَ} : مبتدأ، {هُوَ}: ضمير فصل. {الْفَوْزُ} : خبر. {الْعَظِيمُ} : صفة لـ {الْفَوْزُ} والجملة الاسمية: في محل النصب معطوفة على ما قبلها، على كونها مقولًا للقول المحذوف.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه. {كَفَرُوا} : صلة الموصول. {يُنَادَوْنَ} : فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعل، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر {إنَّ} ، وجملة {إنَّ}: مستأنفة. {لَمَقْتُ اللَّهِ} : {اللام} : حرف ابتداء، أو لام قسم. {مقت الله}: مبتدأ، ومضاف إليه، وهو من إضافة المصدر لفاعله، والمعفول به محذوف؛ أي: إياكم. {أَكبَرُ} : خبر المبتدأ. {مِنْ مَقْتِكُمْ} : متعلق بـ {أَكبَرُ} {أَنْفُسَكُمْ} : مفعول {مَقْتِكُمْ} : وهو من إضافة المصدر إلى فاعله، والجملة الاسمية: في محل النصب مفعول ثان لـ {يُنَادَوْنَ} أو جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم: في محل النصب مفعول ثان لـ {يُنَادَوْنَ} . {إذْ} : ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بـ {مقت الله}. {تُدْعَوْنَ}: فعل مضارع ونائب فاعل، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ {إذْ} . {إِلَى الْإِيمَانِ} : متعلق بـ {تُدْعَوْنَ} . {فَتَكْفُرُونَ} : {الفاء} : عاطفة. {تكفرون} : فعل وفاعل

ص: 148

معطوف على {تُدْعَوْنَ} . {قَالُواْ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {رَبَّنَا}: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ}. {أَمَتَّنَا}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل النصب مقول قالوا على كونها جواب النداء. {اثْنَتَيْنِ} : منصوب على المفعولية المطلقة؛ لأنه مما ناب فيه العدد عن المصدر؛ أي: إماتتين اثنتين. {وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} منصوب على المفعولية المطلقة أيضًا؛ أي: إحياءَتين اثنتين. {فَاعْتَرَفْنَا} : {الفاء} : عاطفة. {اعترفنا} : فعل وفاعل معطوف على {أحييتنا} ، {بِذُنُوبِنَا}: متعلق به. {فَهَل} : {الفاء} : عاطفة {هل} : حرف استفهام. {إِلَى خُرُوجٍ} : خبر مقدم. {مِنْ سَبِيلٍ} : {من} حرف جر زائد. {سَبِيلٍ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية: معطوفة على جملة {اعترفنا} على كونها مقول {قَالُوا} .

{ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)} .

{ذَلكُم} : مبتدأ، {بِأَنَّهُ}: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة: مستأنفة. {أنه} : ناصب واسمه، {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان. {دُعِيَ اللَّهُ} : فعل ماض ونائب فاعل، {وَحْدَهُ}: حال من الجلالة، والجملة الفعلة: في محل الجر مضاف إليه، على كونها فعل شرط لها، وجملة {كَفَرْتُمْ}: جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذَا}: من فعل شرطها وجوابها: في محل الرفع خبر {أن} : وجملة {أن} في تأويل مصدر مجرور بالباء، والتقدير: ذلكم كائن بسبب كفرانكم توحيد الله تعالى وقت دعائه. {وَإِن} : {الواو} : عاطفة، {إنْ}: حرف شرط، {يُشْرَكْ}: فعل مضارع مغير الصيغة مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط له. {بِهِ} : جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل لـ {يشُرَك} ، {تُؤْمنُواْ}: فعل وفاعل مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية معطوفة على جملة {إذا} ، {فالحكم}:{الفاء} : عاطفة؛ لأن هذا الكلام من جملة ما يقال لهم. {الحكم} : مبتدأ. {لله} : خبره، {الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}: صفتان للجلالة، والجملة معطوفة على جملة قوله تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ

} إلخ؛ لأنها من جملة ما يقال لهم في الآخرة.

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)

ص: 149

فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)}.

{هُوَ اْلَذِى} : مبتدأ وخبر {يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} : فعل وفاعل ومفعولان؛ لأنه من رأي البصرية، تعدى بالهمزة إلى مفعولين، والجملة: صلة الموصول، والجملة الاسمية: مستأنفة مسوقة لتعليل كون الحكم لله تعالى. {وَيُنَزِّلُ} : فعل مضارع، وفاعله: ضمير يعود على الموصول، والجملة: معطوفة على جملة {يُرِيكُمْ} . {مِنَ السَّمَاءِ} : متعلق بـ {ينزل} وكذلك {لَكمُ} . {رِزْقًا} : مفعول به. {وَمَا} : {الواو} : عاطفة. {مَا} : نافية. {يَتَذَكَّرُ} : فعل مضارع. {إلَّا} : أداة استثناء مفرغ {مَنْ} اسم موصول في محل الرفع فاعل، والجملة الفعلية: معطوفة على الجملة الاسمية أو حال من ضمير المخاطبين، وجملة {يُنِيبُ}: صلة الموصول، {فَادْعُوا اللَّهَ}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أن التذكر خاص بمن ينيب، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم .. فأقول لكم {ادْعُوا اللَّهَ}. {ادْعُوا اللَّهَ}: فعل وفاعل ولفظ الجلالة مفعول به. {مُخْلِصِينَ} : حال من فاعل {ادعوا} . {لَه} : متعلق بـ {مُخْلِصِينَ} . {الدِّينَ} : مفعول {مُخْلِصِينَ} والجملة الفعلية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة: مستأنفة. {وَلَوْ} : {الواو} : عاطفة. {لو} : حرف شرط. {كَرِهَ الْكَافِرُونَ} : فعل وفاعل ومفعوله محذوف، تقديره: إخلاصكم أو دعوتكم، والجملة: فعل شرط لـ {لو} وجوابها محذوف دل عليه السياق، تقديره: ولو كره الكافرون فادعوه: وجملة {لو} الشرطية: معطوفة على جملة شرط محذوف، تقديرها: إن رضي الكافرون دعوتكم .. فادعوه وإن كره الكافرون .. فادعوه والجملة المحذوفة: في محل النصب حال من فاعل: فادعوا؛ أي: {فَادْعُوُه} حال كونكم سواء عليكم رضاؤهم وكراهتهم. {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو سبحانه رفيع الدرجات، والجملة: مستأنفة. {ذُو الْعَرْشِ} : خبر ثان، وجملة {يُلْقِي الرُّوحَ} خبر ثالث {يُلْقِي}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله. {الرُّوحَ} : مفعول به، والمراد بـ {الرُّوحَ} هنا: الوحي {مِنْ أَمْرِهِ} : حال من {الرُّوحَ} ؛ أي: حال كونه ناشئًا {مِنْ أَمْرِهِ} . {عَلَى مَنْ} : متعلق بـ {يُلْقِي} ، وجملة {يَشَاءُ}: صلة {مَن} الموصولة، والعائد: محذوف، تقديره: على من يشاؤه

ص: 150

{مِنْ عِبَادِهِ} : حال من العائد المحذوف. {لِيُنْذِرَ} : {اللام} : حرف جر وتعليل. {ينذر} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، أو على الرسول، {يَوْمَ التَّلَاقِ}: مفعول به على التوسع ومضاف إليه، والجملة الفعلية مع أن المضمرة، في تأويل مصدر مجرور بـ {اللام} تقديره: لإنذاره الناس عذاب {يَوْمَ التَّلَاقِ} . والجار والمجرور: متعلق بـ {يُلْقِي} .

{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)} .

{يَوْمَ} : بدل من {يَوْمَ التَّلَاقِ} : بدل كل من كل منصوب على المفعولية. {هُمْ بَارِزُونَ} : مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية: في محل الجر بإضافة {يَوْمَ} إليه. {لَا} : نافية. {يَخْفَى} : فعل مضارع. {عَلَى اللَّهِ} : متعلق به، {مِنْهُمْ}: حال من {شَيْءٌ} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {شَيْءٌ} : فاعل {يَخْفَى} . والجملة الفعلية: في محل النصب حال من ضمير {بَارِزُونَ} . {لِمَنِ} {اللام} : حرف جر. {من} : اسم استفهام في محل الجر بـ {اللام} الجار والمجرور: خبر مقدم. {الْمُلْكُ} : مبتدأ مؤخر. {الْيَوْمَ} : ظرف متعلق بـ {الْمُلْكُ} والجملة من المبتدأ والخبر: في محل النصب مقول لقول محذوف تقديره: يقول الرب سبحانه لهم {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} وجملة القول المحذوف: مستأنفة، أو حال من الجلالة؛ أي: لا يخفي على الله منهم شيء حال كون الله قائلًا لهم: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} {لِلَّهِ} : خبر لمبتدأ محذوف تقديره: الملك كائن لله سبحانه. {الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} : صفتان للجلالة، والجملة الاسمية: مقول لقول محذوف، تقديره: ويقول الرب أيضًا في الجواب: الملك {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} وجملة القول المحذوف: معطوفة على القول المحذوف قبله، وقال الزمخشري: ينادي منادٍ فيقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فيجيبه أهل المحشر: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} . {الْيَوْمَ} : منصوب على الظرفية متعلق بـ {تُجْزَى} ، {تُجْزَى}: فعل مضارع مغير الصيغة {كُلُّ نَفْسٍ} : نائب فاعل، والجملة الفعلية من تتمة المقول للقول المحذوف سابقًا. {بِمَا}:{الباء} : حرف جر وسبب. {ما} : موصولة أو مصدرية، الجار والمجرور متعلق بـ {تُجْزَى}. {كَسَبَتْ}: فعل ماض وفاعل مستتر، والجملة: صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد: محذوف، تقديره: بما كسبته أو لـ {ما} المصدرية؛ أي: بكسبها، ولكنه على تقدير مضاف؛ أي: جزاء ما

ص: 151

كسبته. {لا} : نافية للجنس. {ظُلْمَ} : اسمها. {الْيَوْمَ} : ظرف متعلق بمحذوف خبر {لَا} ، تقديره: لا ظلم كائن اليوم، وجملة {لَا}: من اسمها وخبرها من تتمة القول المحذوف. {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} : ناصب واسمه وخبره، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة مسوقة لتعليل عدم الظلم؛ أي: إنه تعالى لا يشغله حساب عن حساب، فهو سريع في حسابه، عادل في حكمه.

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)} .

{وَأَنْذِرْهُمْ} : {الواو} : استئنافية. {أنذرهم} : فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول أول. {يَوْمَ الْآزِفَةِ} : مفعول ثان، والجملة الفعلية: مستأنفة. {إِذِ} : بدل من {يَوْمَ الْآزِفَةِ} : بدل كل من كل. {الْقُلُوبُ} : مبتدأ {لَدَى} : منصوب على الظرفية بفتحة مقدرة. {الْحَنَاجِرِ} : مضاف إليه، والظرف: متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، تقديره: إذ القلوب مرتفعة لدى الحناجر، والجملة الاسمية: في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذِ} ، {كَاظِمِينَ}: حال من الضمير المستكن في الخبر، وعوملت {الْقُلُوبُ} في جمعها بالياء والنون معاملة أصحابها؛ أي: حال كون أصحابها {كَاظِمِينَ} . {مَا} : نافية، تميمية أو حجازية. {لِلظَّالِمِينَ}: خبر مقدم أو خبر لـ {مَا} الحجازية مقدم على اسمها. {مِنْ} : زائدة، {حَمِيمٍ}: مبتدأ مؤخر أو اسمها مؤخر. {وَلَا شَفِيعٍ} : معطوف على {حَمِيمٍ} وجملة {يُطَاعُ} : صفة لـ {شَفِيعٍ} والجملة الاسمية: في محل النصب حال من أصحاب {الْقُلُوبُ} أيضًا، وقوله:{لِلظَّالِمِينَ} إظهار في مقام الإضمار؛ أي: حالة كونهم عادمي {حَمِيمٍ} ينفعهم وعادمي {شَفِيعٍ} يقبل في حقهم.

{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)} .

{يَعْلَمُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، {خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}: مفعول به، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: الأعين الخائنة، والجملة الفعلية: خبر رابع للمبتدأ المحذوف الذي أخبر عنه بـ {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} وما بعده، أو هو خبر من أخبار {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ} أو حال لازمة من {سَرِيعُ الْحِسَابِ}. {وَمَا}: اسم

ص: 152

موصول في محل النصب معطوف على {خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} . {تُخْفِي الصُّدُورُ} : فعل وفاعل، والجملة: صلة الموصول، والعائد: محذوف، تقديره: تخفيه الصدور {وَاللَّهُ} : {الواو} : عاطفة، أو استئنافية. {اللهُ}: مبتدأ، وجملة {يَقْضِي}: خبره. {بِالْحَقِّ} : متعلق بـ {يَقْضِي} أو حال من فاعل {يَقْضِي} . والجملة الاسمية مستأنفة، أو معطوفة على جملة {يَعْلَمُ} عطف اسمية على فعلية. {وَالَّذِينَ}: مبتدأ، وجملة {يَدْعُونَ}: صلة الموصول، والعائد: محذوف، تقديره: يدعونهم. {مِنْ دُونِهِ} : متعلق بـ {يَدْعُونَ} ، وجملة {لَا يَقْضُونَ}: خبر المبتدأ. {بِشَيْءٍ} : متعلق بـ {يَقْضُونَ} . {إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه. {هُوَ} : ضمير فصل. {السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} : خبران لـ {إِنَّ} . وجملة {إِنَّ} : مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)} .

{أَوَلَمْ} : {الهمزة} : للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، و {الواو}: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أغفلوا عن انتقام الله سبحانه من الأمم المكذبة للرسل، ولم يسيروا في الأرض، والجملة المحذوفة، جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب. {لَمْ}: حرف نفي وجزم. {يَسِيرُوا} : فعل مضارع مجزوم بـ {لَمْ} ، و {الواو}: فاعل {فِي الْأَرْضِ} : متعلق به. {فَيَنْظُرُوا} : {الفاء} : عاطفة. {ينظروا} : فعل وفاعل معطوف على {يَسِيرُوا} . {كَيْفَ} : اسم استفهام في محل النصب خبر مقدم لـ {كَانَ} . {كَانَ} : فعل ماض ناقص. {عَاقِبَةُ الَّذِينَ} : اسمها، وجملة {كَانَ}: في محل النصب ساد مسد مفعول {ينظروا} : معلق عنها باسم الاستفهام. {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه. {مِنْ قَبْلِهِمْ} : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر {كَانُوا} : وجملة {كَانَ} : صلة الموصول. {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه. {هُمْ} ضمير فصل {أَشَدَّ} : خبر {كَانَ} . {مِنْهُمْ} متعلق بـ {أَشَدَّ} ، {قُوَّةً}: تمييز محول عن اسم {كَانَ} ، {وَآثَارًا}: معطوف على {قُوَّةً} . {فِي الْأَرْضِ} : صفة لـ {آثارا} ، وجملة {كَانَ}: مستأنفة، وجاز دخول ضمير الفصل بين معرفة ونكرة، وهو لا يقع إلا بين معرفتين؛ لأن النكرة هنا وهي {أَشَدَّ} بمثابة المعرفة من حيث امتناع دخول أل عليها؛ لأن اسم التفضيل

ص: 153

المقرون بـ {مِنَ} لا تدخل عليه أل. {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ} : {الفاء} : عاطفة. {أخذهم الله} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة: معطوفة على جملة {كَانُوا} . {بِذُنُوبِهِمْ} : متعلق بـ {أخذهم} {وَمَا} : {الواو} : عاطفة. {كَانَ} : فعل ماض ناقص. {لَهُمْ} : خبر كان مقدم. {مِنَ اللَّهِ} : متعلق بـ {وَاقٍ} . {مِنَ} : زائدة {وَاقٍ} : اسم {كَانَ} مؤخر، وجملة {كَانَ}: معطوفة على جملة {أخذ} .

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)} .

{ذَلِكَ} : مبتدأ. {بِأَنَّهُمْ} : جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: مستأنفة. {أنهم} : ناصب واسمه. {كَانَتْ} : فعل ناقص واسمها ضمير يعود على الرسل. {تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ} : فعل ومفعول به وفاعل. {بِالْبَيِّنَاتِ} : متعلق بـ {تَأْتِيهِمْ} والجملة الفعلية: خبر {كان} وجملة {كَانَ} : في محل الرفع خبر {أَن} ، وجملة {أن}: في تأويل مصدر مجرور بالياء، والتقدير: ذلك الأخذ والعذاب كائن بسبب إتيان رسلهم بالبينات وكفرهم بها. {فَكَفَرُوا} : {الفاء} : عاطفة. {كفروا} : فعل وفاعل معطوف على {كَانَتْ} . {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ} : معطوف على {كَفَرُوا} ، {إِنَّهُ قَوِيٌّ}: ناصب واسمه وخبره الأول، {شَدِيدُ الْعِقَابِ}: خبر ثان لها، وجملة {إن}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

التصريف ومفردات اللغة

{غَافِرِ الذَّنْبِ} والغافر: الساتر، والذنب: الإثم، يستعمل في كل فعل يضرّ في عقباه، اعتبارًا بذنب الشيء؛ أي: آخره.

{قابل التوب} والقابل: هو الذي يستقبل الدلو من البئر فيأخذها، والقابلة: التي تقبل الولد عند الولادة، وقبلتُ عذره وتوبته وغير ذلك، والتوب: مصدر، كالتوبة وهو ترك الذنب على أحد الوجوه كما مر. وفي "المختار": التوبة: الرجوع عن الذنب، وبابه: قال، يقال: تاب يتوب توبًا وتوبة أيضًا، وقال الأخفش: والتوب: جمع توبة، كدوم ودومة، اهـ.

{ذِي الطَّوْلِ} والطول: الفضل والزيادة والإنعام الواسع، وفي "الصحاح": والطول بالفتح: المن، يقال منه: طال يطول - من باب قال - إذا امتن عليه. وقال

ص: 154

الماوردي: الفرق بين المن والفضل: أن المن عفو عن ذنب، والتفضل إحسان غير مستحق، والطَّول: مأخوذ من الطَّول، كأنه طال بإنعامه على غيره، وقيل: لأنه طالت مدة إنعامه. اهـ.

{الْمَصِيرُ} : المرجع، وأصله: المصير، بوزن المفعل بكسر العين؛ لأنه من يفعِل المكسور العين، نقلت حركة الياء إلى الصاد فسكنت إثر كسرة فصارت حرف مد.

{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ} الجدال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله: من جدلت الحبل، أحكمت فتله، فإن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه.

{فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} والغرة: غفلة في اليقظة، قال في "المفردات": التقلب: التصرف، وقال الراغب: البلد: المكان المحدود، المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه، وجمعه: بلاد وبلدان.

{وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ} قصدت، والهم: عقد القلب على فعل شيء قبل أن يفعل من خير أو شر.

{لِيَأْخُذُوهُ} من الأخذ بمعنى الأسر، والأخيذ: الأسير؛ أي: ليأسروه ويحبسوه. كما مر.

{لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} ؛ أي: ليزيلوا الحق. {حَقَّتْ} ؛ أي: وجبت. {كَلِمَتُ رَبِّكَ} ؛ أي: حكمه بالإهلاك. {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} أمر من وقى يقي وقايةً، وهي حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، وفيه إعلالان، حذف فاء الكلمة وهي الواو، إذ قياس مضارعه: يوقي، حذفت الواو التي هي فاء الكلمة؛ لوقوعها بين عدوّتَيها الياء والكسرة، وحذف لام الكلمة؛ لبناء الأمر على ما يجزم به مضارعه، فلم يبق إلا عين الكلمة. {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ} أصله: توقي، حذفت فاء الكلمة التي هي الواو للعلة السابقة، ثم حذفت لام الكلمة وهي الياء للجازم، فلم يبق من الكلمة إلا عينها فصار الفعل على وزن "تع".

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ} من المناداة، وهي وكذا النداء: الدعوة ورفع الصوت، أصله: يناديون، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، فالتقى ساكنان،

ص: 155

فحذفت الألف دالة عليها.

{لَمَقْتُ اللَّهِ} والمقت: البغض الشديد لمن يراه متعاطيًا لقبيح، والبغض: نفار النفس من الشيء ترغب عنه، وهو ضد الحب، وهو انجذاب النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه، ومقت الله: غضبه وسخطه، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، وحذف مفعوله؛ أي: مقت الله أنفسكم الأمارة بالسوء. {إِذْ تُدْعَوْنَ} أصله: تدعوون، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، ثم حذفت لالتقاء الساكنين.

{أَمَتَّنَا} من أمات الرباعي، أصله: أموت، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، فصار أمات، ثم أسند الفعل إلى تاء الفاعل فسكن آخره، وهو التاء لام الكلمة، فالتقى ساكنان: الألف وآخر الفعل، فحذفت الألف لبقاء دالها، فصار أمتْتَنا، فأدغمت التاء الأولى التي هي لام الكلمة في تاء الفاعل فصارت {أَمَتَّنَا} .

{إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ} فيه إعلال بالقلب، أصله: دعو، قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسرة.

{فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} أصله: العليو، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما ساكنةً فقلبت الواو ياءً وأدغمت فيها الياء.

{وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} فيه إعلال بالنقل والتسكين والقلب، أصله: ينوب، نقلت حركة الواو إلى النون فسكنت الواو إثر كسرة فقلبت ياءً حرف مد. {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} والرفيع: إما صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها بعد النقل إلى فعل بالضم، كما هو المشهور بمعنى عظيم الصفات، أو صيغة مبالغة محولة عن اسم الفاعل، فيصح فيه الوجهان. كما في "السمين".

{يَوْمَ التَّلَاقِ} التلاقي: مصدر تلاقى الخماسي، وقياسه: أن يكون ما قبل آخره مضمومًا، لكنه كسر لمناسبة الياء. {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} يقال: برز بروزًا: خرج إلى البراز؛ أي: الفضاء، كتبرز وظهر بعد الخفاء كبرز بالكسر. {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ} أصله: تجزى، بوزن تفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

{يَوْمَ الْآزِفَةِ} هو يوم القيامة، سميت بذلك لأزوفها؛ أي: لقربها من أزف الرحيل؛ أي: قرب. وفي "المصباح": أزف الرحيل أزفًا من باب تعب وأزوفًا: دنا وقرب، وأزفت الآزفة: القيامة. وفي "الأساس": أزف الرحيل: دنا وعجل، ومنه

ص: 156

أقبل يمشي الأزفى بوزن الجمزى، وكأنه من الوزيف، و {الهمزة}: بدل عن واو. وفي "الروح": الآزفة فاعلة من أزف الأمر على وزن علم: إذا قرب، والمراد: القيامة، ولذا أنث، ونظيره:{أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)} ؛ أي: قربت القيامة، وسميت بالآزفة لأزوفها، وهو القرب، لأن كل آت قريب، وإن استبعد اليائس أمده.

{لَدَى الْحَنَاجِرِ} جمع حنجرة، وهي الحلقوم، وفي "القاموس": والحنجور: السِقط الصغير، وقارورة للذريرة، والحلقوم كالحنجرة، والحناجر جمعه. {كَاظِمِينَ} يقال: كظم غيظه؛ أي: رد غضبه وحبسه في نفسه بالصبر وعدم إظهار الأثر. {وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} فيه إعلال بالنقل والتسكين والقلب، أصله: يطوع، نقلت حركة الواو إلى الطاء فسكنت، لكنها قلبت ألفًا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن.

{خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} فيه إعلال بالقلب، أصله: خاونة؛ لأنه من خان يخون، واوي العين، قلبت الواو في الوصف همزةً حملًا له في الإعلال على فعله خان، حيث أعل بقلب الواو عينه ألفًا لتحركها بعد فتح، {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ}: أصله يدعوون بواوين: الأولى لام الكلمة، والثانية واو الجماعة، فاستثقلت الضمة على الواو لام الكلمة فحذفت، فلما سكنت .. التقى ساكنان، فحذفت لام الكلمة وبقيت واو الجماعة، فوزنه يَفعون. {لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} أصله: يقضيون، استثقلت الضمة على الياء، فحذفت، فلما سكنت .. التقى ساكنان فحذفت الياء، ثم ضمت الضاد لمناسبة الواو.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الطباق بين {الذَّنْبِ} و {التَّوْبِ} ، وبين {أَمَتَّنَا} {وَأَحْيَيْتَنَا} .

ومنها: الحصر في قوله: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} .

ومنها: المقابلة في قوله تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} فقد قابل بين التوحيد والإشراك، والكفر والإيمان.

ص: 157

ومنها: إيراد {إِذَا} وصيغتي الماضي في الشرطية الأولى، و {إِنَّ} وصيغتي المضارع في الشرطية الثانية؛ للدلالة على كمال سوء حالهم، كما في "أبي السعود".

ومنها: الإتيان بصيغة المضارع في قوله: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ

} إلخ. في كلا الفعلين للدلالة على تجدد الإراءة والتنزيل واستمرارهما، كما في "أبي السعود".

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} فإنه من إطلاق المسبب وإرادة السبب؛ لأنه أطلق الرزق وأراد المطر؛ لأن الماء سبب في جميع الرزق.

ومنها: الكناية في قوله: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ} فإنه كناية عن الوحي؛ لأنه كالروح للجسد، فهو مجاز مرسل، علاقته: السببية، وجعله الزمخشري استعارة تصريحية، وليس ببعيد.

ومنها: الإسجال بغير مغالطة في قوله: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} وهو فن طريف من فنون البلاغة، وهو أن يقصد المتكلم غرضًا من ممدوح، فيأتي بألفاظ تقرر بلوغه ذلك الغرض إسجالًا منه على الممدوح به، وبيان ذلك: أن يذكر شرطًا يلزم من وقوعه وقوع ذلك الغرض، ثم يخبر بوقوعه وإن لم يكن قد وقع بعد ليقع المشروط، اهـ "درويش".

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} ؛ لأن المراد بالإماتتين الإثنتين: خلقهم أمواتًا أولًا، وإماتتهم عند انقضاء آجالهم ثانيًا، وقد أوضح ذلك بقوله في آية أخرى:{وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} ففي تسمية خلقهم أمواتًا إماتة مجاز مرسل؛ لأنه باعتبار ما كان، اهـ "درويش".

ومنها: الاستفهام بمعنى اليأس في قوله تعالى: {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} ففي هذا الاستفهام يأس مقنط، واستحالة مفرطة، كأنهم لفرط ما يكابدونه يتمنون الخروج من هذا الأسى المطبق من الهول المستحكم.

ومنها: تنكير {خُرُوجٍ} للدلالة على أي خروج كان، سواء أكان سريعًا أم بطيئًا، وإنما يقولون ذلك تعللًا وتحيرًا.

ص: 158

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} لتجسيد الهول في ذلك اليوم الذي تكون فيه مشارفتهم للنار، فعند ذلك ترفع قلوبهم عن مقارها فتلصق بحناجرهم، فلا هي تخرج فيموتوا ويستريحوا، ولا هي ترجع إلى مواطنها فيتنفسوا الصعداء ويتروّحوا، ولكنها معترضة كالشَّجا.

ومنها: عكس الظاهر في قوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} إذ لا شفيع لهم أصلًا، فضلًا عن أن يكون مطاعًا، وكان الظاهر أن يقال: ولا يطاع فيهم شفيع.

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} ؛ لأن إسناد الخيانة إلى النظرة مجاز؛ لأن الخائن هو الناظر.

ومنها: التهكم في قوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} ؛ لأن هذا تهكم بهم؛ لأن الجماد لا يقال فيه: يقضي ولا يقضي.

ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا

} إلخ. وفيه تهديد للمشركين بذكر عاقبة من كانوا قبلهم من الأمم المكذبة للرسل.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 159

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا

} الآيات، مناسبة هذه الآيات

ص: 160

لما قبلها: أن الله سبحانه لما سلى (1) رسوله صلى الله عليه وسلم بذكر عاقبة الكفار الذين كذبوا الرسل قبله، بمشاهدة آثارهم .. سلاه أيضًا بذكر قصص موسى مع فرعون مع ما أوتي من الحجج الباهرة، كذبه فرعون وقومه، وأمروا بقتل أبناء بني إسرائيل، وأمر فرعون بقتل موسى خوفًا أن يبدل دينهم، أو يعيث في الأرض فسادًا، فتعوذ موسى بربه ورب بني إسرائيل من كل جبار متكبر، لا يؤمن بالجزاء والحساب.

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن ذلك المؤمن لما سمع رأي فرعون في موسى، وتصميمه على قتله، وإقامة البراهين على صحة رأيه، وأنه لا سبيل إلى العدول عن ذلك .. أعاد النصح مرةً أخرى لقومه، لعلهم يرعوون عن غيهم، ويتوبون إلى رشدهم، فذكرهم بأس الله سبحانه وسننه في المكذبين للرسل، وضرب لهم الأمثال بما حل بالأحزاب من قبلهم، كقوم نوح وعاد وثمود، ثم ذكرهم بأهوال يوم القيامة، يوم لا عاصم من عذاب الله، ثم أعقب ذلك بتذكيرهم بما فعل آباؤهم الأولون مع يوسف من قبل، من تكذيبهم برسالته ورسالة من بعده، فأحل الله بهم من البأس ما صاروا به مثلًا في الأخرين، وكان لسان حاله يقول: هاأناذا قد أسمعت ونصحت فما قصرت، والأمر إليكم فيما تفعلون. اهـ.

قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر فيما سلف تكبر فرعون وجبروته .. أبان هنا أنه بلغ من عتوِّه وتمرده وافترائه في تكذيب موسى عليه الصلاة والسلام أن أمر وزيره هامان أن يبني له قصرًا شامخًا من الآجر؛ ليصعد به إلى السماء ليطلع إلى إله موسى عليه الصلاة والسلام، ومقصده من ذلك الاستهزاء به، ونفي رسالته، وأكد ذلك بالتصريح بقوله:{وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} ثم أرشد إلى أن هذا وأمثاله صنيع المكذبين الضالين، وأن عاقبة تكذيبهم الهلاك والخسران.

قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما حكى (2) عن موسى أنه ما زاد حين سمع مقالة فرعون الداعية إلى قتله على أن استعاذ بالله من شره .. أردف ذلك ببيان أن الله

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

ص: 161