المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة غافر سورة غافر، وتسمى سورة المؤمن وسورة الطول، مكية نزلت - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌سورة غافر سورة غافر، وتسمى سورة المؤمن وسورة الطول، مكية نزلت

‌سورة غافر

سورة غافر، وتسمى سورة المؤمن وسورة الطول، مكية نزلت بعد الزمر قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة، وقال ابن عباس وقتادة: إلا آيتين نزلتا بالمدينة، وهما قوله:{يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ} والتي بعدها، وقال الزجاج: وذكر أن الحواميم كلها نزلت بمكة. وآيها: خمس وثمانون، وقيل: اثنتان وثمانون آية. وكلماتها: ألف ومئة وتسع وتسعون. وحروفها: أربعة آلاف وتسع مئة وستون حرفًا.

الناسخ والمنسوخ فيها: وقال أبو عبد الله محمد بن حزم: سورة المؤمن كلها محكم، غير آيتين:

أولاهما: قوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} الآية (55). نسخ الأمر بالصبر بآية السيف.

والآية الثانية: قوله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} الآية (77)، نسخت أيضًا بآية السيف، انتهى.

تسميتها: سميت سورة غافر؛ لأن الله سبحانه ذكر هذا الوصف الجليل، الذي هو من صفات الله الحسنى في مطلع السورة الكريمة {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} وكرر ذكر المغفرة في دعوة الرجل المؤمن:{وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} . وتسمى سورة المؤمن لذكر قصة مؤمن آل فرعون فيها.

المناسبة لما قبلها:

1 -

أنه (1) ذكر في سابقتها ما يؤول إليه حال الكافر وحال المؤمن، وذكر هنا أنه غافر الذنب؛ ليكون ذلك استدعاءً للكافر إلى الإيمان، والإقلاع عن الكفر.

2 -

أنه ذكر في كل منهما أحوال يوم القيامة، وأحوال الكفار فيه، وهم في

(1) المراغي.

ص: 110

المحشر، وهم في النار.

وقال أبو حيان (1): مناسبة أول هذه السورة لآخر الزمر: أنه تعالى لما ذكر ما يؤول إليه حال الكافرين وحال المؤمنين .. ذكر هنا أنه تعالى غافر الذنب وقابل التوب؛ ليكون ذلك استدعاءً للكافر إلى الإيمان، وإلى الإقلاع عما هو فيه، وأن باب التوبة مفتوح، وذكر شدة عقابه وصيرورة العالم كلهم إليه؛ ليرتدع عما هو فيه، وأن رجوعه إلى ربه فيجازيه بما يعمل من خير أو شر. انتهى.

فضلها: ومن فضائلها:

ما أخرجه (2) محمد بن نصر وابن مردويه عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، وأعطاني الراءات إلى الطواسين مكان الإنجيل، وأعطاني ما بين الطواسين إلى الحواميم مكان الزبور، وفضّلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي".

وأخرج أبو عبيد في "فضائله" عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: إن لكل شيء لبابًا، ان لباب القرآن آل حم.

وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن المنذر والحاكم والبيهقي في "الشعب" عن ابن مسعود قال: الحواميم ديباج القرآن.

وأخرج أبو عبيد ومحمد بن نصر وابن المنذر عنه قال: إذا وقعت في آل حم .. وقعت في روضات دمثات، أتأنق فيهن.

وأخرج أبو الشيخ وأبونعيم والديلميّ عن أنس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحواميم ديباج القرآن".

وأخرج البيهقي في "الشعب" عن خليل بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحواميم سبع، وأبواب النار سبع، تجيء كل حم منها تقف على باب من هذه الأبواب، تقول: اللهم، لا تدخل من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرؤني".

وأخرج أبو عبيد وابن سعد ومحمد بن نصر وابن مردويه والبيهقي في

(1) البحر المحيط.

(2)

الشوكاني.

ص: 111

"الشعب" عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حم المؤمن إلى {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} وآية الكرسي حين يصبح .. حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي .. حفظ بهما حتى يصبح.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال (1): إن مثل صاحب القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلًا، فمر بأثر غيث، فبينما هو يسير فيه ويتعجّب منه؛ إذ هبط على روضات دمثات، فقال: عجبت من الغيث الأول، فهذا أعجب منه وأعجب، فقيل له: إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن، وإن مثل هذه الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن، وقال سعيد بن ابن إبراهيم: كل آل حم تسمى العرائس.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل شيء ثمرة، وإن ثمرة القرآن ذوات حم، هن روضات حسان مخصبات متجاورات، فمن أحبّ أن يرتع في رياض الجنة .. فليقرأ الحواميم".

وعنه أيضًا: "مثل الحواميم في القرآن، كمثل الحبرات في الثياب". ذكرهما الثعلبيّ، اهـ "قرطبي". وقال الجوهري وأبو عبيد: وآل حم سور في القرآن، فأما قول العامة: الحواميم فليس من كلام العرب، وقال أبو عبيد: الحواميم سور في القرآن على غير قياس، قال: والأولى أن تجمع بذوات حم.

فتلخص من مجموع هذه الأخبار (2): أن هذه السور السبع تسمى الحواميم، وتسمى آل حم، وتسمى ذوات حم، فلها جموع ثلاثة، خلافًا لمن أنكر الأول منها. تأمل.

وقال محمد بن القاسم الأنباري (3): العرب تقول: وقع في الحواميم وفي آل حميم، أنشد أبو عبيدة:

حَلفْتُ بِالسَّبْعِ اللَّوَاتِيْ طُوِّلَتْ

وَبِمِئِيْنَ بَعْدَهَا قَدْ أُمِئِيَتْ

وَبِمَثَانٍ ثُنيَتْ فَكُرِّرَتْ

وَبِاالطَّوَاسِيْنِ اْللَّوَاتِيْ ثُلِّثَتْ

وَبِالْحَوَامِيْمِ اللَّوَاتِيْ سُبِّعَتْ

وَبِاْلْمُفَصَّلِ اللَّوَاتِيْ فُصِّلَتْ

(1) الخازن.

(2)

الفتوحات.

(3)

زاد المسير.

ص: 112

فمن قال وقع في آل حميم .. جعل حاميم اسمًا لكلهن، ومن قال: وقع في الحواميم جعل حم، كأنه حرف واحد بمنزلة قابيل وهابيل، وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي: قال: من الخطأ أن تقول: قرأت الحواميم، وليس من كلام العرب، والصواب أن تقول: قرأت آل حاميم.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 113

بسم الله الرحمن الرحيم

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)} .

ص: 114

المناسبة

لقد قدمنا لك بيان المناسبة بين أول هذه السورة وآخر سابقتها، وأما قوله تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا

} الآيات، فمناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما (1) بين أن القرآن كتاب أنزله لهداية الناس، وسعادتهم في دنياهم وآخرتهم، إذا هم عملوا بهديه .. ذكر أحوال من يجادل فيه لغرض إبطاله، وإخفاء نوره، ثم أرشد رسوله أن لا يغتر بأحوال أولئك المجادلين، وتركهم سالمين في أبدانهم وأموالهم، يتصرفون في البلاد للتجارة لسعة الرزق، والتمتع بزخرف الدنيا، فإنه سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر، كما فعل بأمثالهم من الأمم الماضية، ممن كذبوا رسلهم، فحل بهم البوار في الدنيا، وسينزل بهم النكال في الآخرة، في جهنم وبئس القرار.

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما أبان ما أظهره المشركون للمؤمنين من العداوة ومجادلتهم للرسل بالباطل؛ لإطفاء نور دعوتهم .. أردف ذلك ببيان أن أشرف المخلوقات، وهم الملائكة الذين يحملون العرش، والحافون حول العرش، يحبون المؤمنين، ويطلبون لهم ولآبائهم وأزواجهم وذريّاتهم المغفرة من ربهم، فلا تبال أيها الرسول بهؤلاء المشركين، ولا تقم لهم وزنًا، وكفاك نصرة حملة العرش والحافين حوله.

وعبارة أبي حيان: مناسبتها لما قبلها (2): أنه تعالى لما ذكر جدال الكفار في آيات الله وعصيانهم .. ذكر طاعة هؤلاء المصطفين من خلقه، وهم حملة العرش ومن حوله، وهم الحافون به من الملائكة. انتهى.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر فيما سلف أحوال المشركين المجادلين في آيات الله .. أردف ذلك ببيان أنهم يوم القيامة يعترفون بذنوبهم، وباستحقاقهم ما سيحل بهم من النكال والوبال، ويسألون الرجوع

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 115