الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عوملتا معاملة العقلاء، وجمعتا لتعدد مدلولهما.
والمعنى (1): أي فقال لتلك العوالم السماوية، وللأرض التي دارت حولها: ائتيا كيف شئتما، طائعتين أو كارهتين، فأجابتا فقالتا: أتينا طائعين. قال ابن عباس رضي الله عنهما قال الله تعالى للسموات: أطلعي شمسك وقمرك وكواكبك، وأجري رياحك وسحابك، وقال للأرض: شقي أنهارك، وأخرجي شجرك وثمارك، طائعتين أو كارهتين، قالتا:{أَتَيْنَا طَائِعِينَ} .
وفي هذا دلالة على الحركة المستمرة المعبّر عن سببها بالجاذبية، فهي حركة تجري جري طاعة، لا جري قسر، فإنا نشاهد أنا نرمي الحجر إلى أعلى قسرًا، فيأبى إلا أن ينزل إلى الأرض بطريق الجاذبية إلى جسم أكبر منه وهي الأرض، وهكذا الأرض مجذوبة إلى الشمس التي هي أصلها بحركة دورية دائمة، طوعًا لا قسرًا، لأن القسرية كرمي الحجر إلى أعلى سريعة الزوال، أما حركة الطاعة .. فهي دائمة ما دام المطيع متخلقًا بخلقه الذي هو فيه.
12
- وقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} تفسير (2) وتفصيل لتكوين السماء المجمل المعبر عنه بالأمر، وجوابه لا أنه فعل مرتب على تكوينها، والضمير لـ {السَّمَاءِ} على المعنى، فإنه في معنى الجمع لتعدد مدلوله، فـ {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} حال، أو هو؛ أي: الضمير مبهم يفسره {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} كضمير ربه رجلًا فـ {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} : تمييز.
والمعنى: خلقهن وأحكمهن وفرغ منهن، حال كونهن سبع سموات، أو خلقهن من جهة كونهن سبع سموات، خلقًا إبداعيًا؛ أي: على طريق الاختراع لا على مثال، وأتقن أمرهن بأن لا يكون فيهن خلل ونقصان، حسبما تقتضيه الحكمة، أو مفعول ثان لـ {قَضَاهُنَّ} لتضمنه معنى التصيِير؛ أي: صيرهن سبع سموات {فِي يَوْمَيْنِ} ؛ أي: في وقت مقدر بيومين، وهما يوم الخميس ويوم الجمعة، خلق السموات يوم الخميس، وما فيها من الشمس والقمر والنجوم في يوم الجمعة، وقد بين مقدار زمان خلق الأرض وخلق ما فيها عند بيان تقديرهما، فكان خلق الكل في ستة أيام حسبما نص عليه في مواضع من التنزيل.
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.
والمعنى (1): فأتم خلقهن خلقًا إبداعيًا، وأتقن أمرهن في يومين سوى الأربعة الأيام التي خلق فيها الأرض، فوقع خلق السموات والأرض في ستة أيام، كما قال:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} على ما اقتضته الحكمة وحسن النظام.
وفي "فتح الرحمن": إن قلت (2): الكلام هنا يدل على أن السموات والأرض وما بينهما خلقت في ثمانية أيام، وهو مخالف لما ذكره في سورة الفرقان وغيرها، أنها خلقت في ستة أيام.
قلت: يومًا خلق الأرض من جملة الأربعة بعدهما، والمعنى في تتمة أربعة أيام، وهي مع يومي خلق السموات ستة أيام، يوم الأحد والاثنين لخلق الأرض، ويوم الثلاثاء والأربعاء للجعل المذكور في الآية وما بعده، ويوم الخميس والجمعة لخلق السموات.
فإن قلت: السموات وما فيها أعظم من الأرض وما فيها بأضعاف، فما الحكمة في أنه تعالى خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام، والسموات وما فيها في يومين؟
قلت: لأن السموات وما فيها من عالم الغيب والملكوت والأمر، والأرض وما فيها من عالم الشهادة والملك والخلق، والأول أسرع من الثاني، أو أنه تعالى فعل ذلك في الثاني مع قدرته على فعله ذلك دفعةً واحدة؛ ليعرفنا أن الخلق على سبيل التدريج لنتأنى في أفعالنا، فخلق ذلك في أربعة أيام لمصالح وحكم اقتضت ذلك، ولهذا خلق العالم الأكبر في ستة أيام، والعالم الأصغر وهو الإنسان في ستة أشهر، وهي أقل مدة الحمل.
{وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} : عطف على {فَقَضَاهُنَّ} ؛ أي: وخلق في كل سماء منهن أمرها؛ أي: مخلوقها وسكانها، والإيحاء: عبارة: عن التكوين، والخلق مقيد بما قيد به المعطوف عليه من الوقت؛ أي: خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها وما فيها من الملائكة والبحار والبرد والثلوج وغيرها، مما لا يعلمه إلا الله سبحانه. قاله قتادة والسدي؛ قال الراغب: يقال للإبداع: أمر، وقد
(1) المراغي.
(2)
فتح الرحمن.
حمل على ذلك في هذه الآية. اهـ.
أو المعنى (1): {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ} ؛ أي: ألقى إلى أهل كل سماء أوامره وكلفهم بما يليق بهم من التكاليف، فمنهم قيام لا يقعدون إلى قيام الساعة، ومنهم سجود لا يرفعون رؤوسهم أبدًا إلى غير ذلك، والإيحاء حينئذ على معناه، ومطلق عن القيد المذكور، والآمر هو الله تعالى، والمأمور أهل كل سماء، وأضيف الأمر إلى نفس السماء؛ للملابسة، لأنه إذا كان مختصًا بالسماء .. فهو أيضًا بواسطة أهلها.
{وَزَيَّنَّا} التفات إلى نون العظمة، لإبراز مزيد العناية بالأمر {السَّمَاءَ الدُّنْيَا}؛ أي: القريبة إلى أهل الأرض {بِمَصَابِيحَ} ؛ أي: بكواكب تضيء في الليل كالمصابيح، فإنها ترى كلها متلألئة على السماء الدنيا، كأنها فيها، فالمراد بالمصابيح: جميع الكواكب النيرة التي خلقت في السموات من الثوابت والسيارات، وليس كلها في السماء الدنيا، وهي التي تدنو وتقرب من أهل الأرض، فإن كل واحد من السيارات السبع في فلك مستقل، والثوابت مركوزة في الفلك الثامن، المعبر عنه بالكرسي، إلا أن كونها مركوزة فيما فوق السماء الدنيا، لا ينافي كونها زينة لها؛ لأنَّا نرى جميع الكواكب كالسرج الموقدة فيها، وقيل: إن في كل سماء كواكب تضيء، وقيل: بل الكواكب مختصة بالسماء الدنيا، وقوله:{وَحِفْظًا} : مصدر مؤكد لفعل محذوف معطوف على {زَيَّنَّا} ؛ أي (2): وحفظنا السماء الدنيا من الآفات ومن المسترقة {حِفْظًا} ، وهي الشياطين الذين يصعدون السماء لاستراق السمع، فيرمون بشهب صادرة من نار الكواكب، منفصلة عنها، ولا يرجمون بالكواكب أنفسها، لأنها قارة في الفلك على حالها، وما ذلك إلا كقبس يؤخذ من النار، والنار باقية بحالها، لا ينتقص منها شيء، والشهاب: شعلة نار ساقطة.
وقيل المعنى (3): أي وحفظنا تلك المصابيح حفظًا من الاضطراب في سيرها، ومن اصطدام بعضها ببعض، وجعلناها تسير على نهج واحد، ما دام هذا النظام باقيًا حتى يأتي اليوم الموعود، فهناك تختل نظمها، كما قال سبحانه:{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)} .
(1) روح البيان.
(2)
روح البيان.
(3)
المراغي.