الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هكذا قال هذا المسكين، ولم يدر أنه بهذه الفلسفة التي تلقاها من شيخه يجعله كما تقول العامة:"كنا تحت المطر، فصرنا تحت المزارب". لأنه فتح على نفسه باباً للشباب الذين لا علم لهم بالسنة أن يردوا كل حديث صحيح ورد في الأمور التي ليست من الأحكام، وإنما هي في المعجزات أو بدء الخلق والجنة والنار، وبكلمة واحدة في الغيبيات التي تتوقف على اليقينيات بزعمه ويعني بذلك الأحاديث المتواترة، ثم تحفظ فقال:"أو ما قاربها" ويعني الأحاديث المشهورة التي رواها أكثر من اثنين. أما الحديث الذي تفرد به الثقة وهو صحيح عند أهل العلم فليس حجة في الغيبيات عنده فلا بد من تأويله بزعمه، وليت شعري كيف يؤول مثل هذا الحديث الذي يتحدث عن واقعة معينة؟ اللهم إلا بإنكار معناه وتعطيله حتى يتفق مع العقول المريضة والقلوب العليلة، تماماً كما فعلوا في آيات الصفات وأحاديثها!
"تحقيق شرح العقيدة الطحاوية"(ص32 - 34).
[66] باب بدعة تقسيم دلالة
الأحاديث إلى ظنية الثبوت وقطعية الثبوت
الملقى: يقول صاحب السؤال: تحدثنا مع أحد المبتدعين من الأشاعرة، ووصل الحديث أنه قال: أنا شافعي المذهب، فهل تنكرون على مذهبي؟
فقلنا له: إذا ورد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخالف قول الشافعي فهل تأخذ قول الشافعي أم حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
فقال: لا بالطبع: قول النبي، ومن ترك النبي فقد كفر.
فقلنا له: ماذا تقول فيمن ترك الأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
فقال: نحن لا ننكرها ونجحدها، ونأخذها بظنية الثبوت، ولا نأخذ به في العقيدة.
الشيخ: أوه. شنشنه نعرفها من أخزم.
من العلم الدخيل في الإسلام: تقسيم الإسلام إلى قسمين: قطعي الثبوت: ظني الثبوت، أنا أشهد بالله، وأحلف على ما أقولك: أن أعرف الناس بكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخلص الناس لرسول الله وهو: أبو بكر الصديق ما كان يعرف هذه الفلسفة.
ثم إذا انظرنا إلى الطبقة الثانية وهي طبقة التابعين.
خذوا سيد التابعين سعيد بن المُسيَّب أو المسيِّب وكان يكره أن يقال: المسيَّب رحمه الله كان أعلم التابعين، أو حتى نَكِلَ العلم إلى الله نقول: كان من أعلم التابعين وأزهدهم، وقد لقي من بعض الحكام الأمويين ما لقي بسبب أنه أبى أن يزوج ابنته بولي العهد كما يقولون اليوم، فعذبه بينما زوجها بأحد تلامذته الفقراء والمساكين.
الشاهد: هذا التابعي الجليل لا يعرف هذه الفلسفة الدخيلة في الإسلام: الإسلام منه قطعي الثبوت ومنه ظني الثبوت.
يترتب من وراء هذا التقسيم تخيير المسلم كما سمعتم في السؤال تخيير المسلم بين أن يأخذ بما كان ظني الثبوت أولا يأخذ، أهكذا كان السلف الصالح؟
لذلك نحن يا إخواننا نقول لكم: الكتاب والسنة والسلف الصالح، إنما نؤكد على مسامعكم هذا الشرط الثالث؛ لأننا نعلم يقينا مثلما أنكم تنطقون أنه لا يوجد على وجه الأرض طائفة مسلمة مهما كانت عريقة في الضلال، لا توجد طائفة
تقول: نحن لسنا على الكتاب والسنة كما سمعتم آنفا في جواب المسؤول، لكن توجد طوائف، بل جماهير المسلمين اليوم الذين يقولون: نحن مع الكتاب والسنة ولا يستطيعون بطبيعة الحال أن يقولوا إلا هذه الكلمة، لا يوجد فيهم من يقول: وعلى منهج السلف الصالح إلا طائفة قليلة جدا، هي الطائفة المنصورة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الأحاديث الصحيحة «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله، حتى تقوم الساعة» .
من هي هذه الطائفة؟
قال عليه السلام: «هم الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي» . من هم؟
هم الذين يتمسكون بما كان عليه رسول الله وأصحاب رسول الله.
أعطوا بالكم؟ ليس بما كان عليه رسول الله فقط؛ بل وأصحاب رسول الله، هكذا وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الفرقة الناجية، الفرقة الناجية لما قيل له عليه السلام: ما هي؟
جاءت هناك روايتان: إحداهم أصح من الأخرى، ولا اختلاف بينهما.
الأولى: قال: «هي الجماعة» ، الجماعة، هم أصحاب الرسول
…
الثانية: هي تفسير للجماعة قال: «هي ما أنا عليه وأصحابي» وأصحابي؛ ولذلك فمن يأخذ بالكتاب والسنة لا يلتفت إلى الأخذ بما كان عليه السلف الصالح فسيكون في ضلال مبين، وهذا واقع العالم الإسلامي اليوم وقديما بالنسبة لبعض الطوائف والفرق.
لذلك نحن ندندن حول كلمة: السلف الصالح، فهل كان السلف الصالح
يعرف فكرا أو عمليا؛ لأنني أدري أن هناك اصطلاحات
…
، لكن المهم واقعياًّ هل كان فيهم إذا جاءه حديث من شخص واحد، وهذا اسمه حديث أحاد، مثلا سعيد بن المسيَّب أو المسيَّب سمع أبا هريرة يروى حديثا له علاقة مثلا في العقيدة، مثلا في القبر، هل يرى له الخيرة ألا يأخذ به، لأنه حديث آحاد؟
ما شا الله. ما كانوا يعرفون هذه الفلسفة إطلاقاً، وإنما كان يعرفون شيئا واحداً هو ما أشار إليه ربنا عز وجل في كتابه ثم بينه [رسوله] في حديثه.
أما الكتاب فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات:6). تبينوا: تثبتوا كما بقراءة أخرى.
في الحديث الآخر، في الحديث الذي قال فيه الرسول عليه السلام:«كفى المرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع» (1). فكان التابعون يتحرون أن يعرفوا هذا الحديث يرويه تابعي آخر عن صحابي، الصحابة كلهم عدول، فإذا التابعي سمع من الصحابي مباشرة، ما عاد في عنده أبدا تردد في أن يأخذ بهذا الحديث؛ لأنه خبر آحاد. لكني كأنني أشعر من تمام فلسفة هذا الكلام أن بعضكم ما يعرف شو معنى حديث الآحاد بلا شك لأن هذا اصطلاح؟
حديث آحاد: الآن أنا أكلمكم وأنا واحد، أنا باقول: قال الله، وقال رسول الله، وقال الصحابة .. و .. والخ.
على هذه الفلسفة أنتم لكم الخيار تأخدوا ولا ما بتأخدوا، لستم مكلفين.
بينما الرسول يقول: «بلغو عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» (2)
(1) مسلم (رقم7).
(2)
البخاري (رقم327).
إلى آخر الحديث.
بذلك تنبت من وراء هذه الفلسفة آثار كثيرة جدا؛ كثير من الناس لا يؤمنون بعذاب القبر، يقولون: نحن نظن لأن الخبر ظني، البحث مع الأسف طويل، وأخشى أن يصاب بعضكم بالملل.
خبر آحاد: لو تصورنا سعيد بن المسيَّب أو المسيِّب سمع من عشرة من أصحاب الرسول أو عشرين أصحاب الرسول أن أكثر من ذلك، هذا الحديث صار عنده متواترا، شوف هذا التواتر: ما رواه جماعة من المسلمين يستحيل تواطؤهم على الكذب، فإذا افترضنا أن حديثا سمعه مثل سعيد بن المسيب عن عشرة عن عشرة من أصحاب الرسول، هذا صار عنده يقين: أن الرسول قال هذا الحديث، لكن جاء تابع تابعي مثل الإمام الزهري سمع هذا الحديث عن؟ سعيد بن المسيب، هل هذا الحديث عنده متواتر؟
لا. لأنه هو سمعه من واحد، الواحد سمعة من عشرة .. عشرين، هو عنده متواتر، لكن عند تابع التابعي الإمام الزهري هذا صار خبر آحاد.
إذن أي خبر يحدث به سعيد بن المسيب مهما كان قوته، مهما كان تواتره يصبح عند تابع التابعين ظنيا؛ أي غير قطعي الثبوت.
هذه الفلسفة تقول له: أنت بقى مخير: أن تأخذ به أو ألا تأخذ به.
من تمام الفلسفة قال: إذا كان الحديث له علاقة بالعقيدة فأنت إن أخذت به، تأخذ به وتحمله محمل الظن لا القطع، وإن كان في الحكم يجب عليك أن تأخذ به، فرقوا بين العقيدة وفرقوا بين الحكم، تفريق آخر ولهذا التفريق ذيول وآثار كثيرة؛ بحيث أنك لن تستطيع أن تأخذ من واحد من هؤلاء الذين تأثروا بهذه