الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عائشة في هذه المسألة وابن عباس ليس دقيقًا؛ لأن الرواية عن ابن عباس مضطربة كما ذكرت آنفًا.
"رحلة النور"(40أ/00:43:23)(40ب/00:00:00)
[11] باب هل وقع اختلاف بين السلف في مسائل عقدية
؟
السائل:
شيخنا: ما أُثِرَ عن بعض السلف في اختلافهم في بعض المسائل للتوحيد والعقيدة كإثبات الصورة على صورة آدم، ورؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج، ومثلاً التوسل وغيره من المسائل يا شيخ، يعني كيف نوجهها مع أن المشهور أن السلف الصالح رضي الله عنهم لم يختلفوا في العقائد؟
الشيخ:
أولاً:
ذكرتَ في جملة ما اختلفوا فيه التوسل فإلى ماذا تشير بهذا السؤال لأن علمي أنه لا خلاف بينهم في التوسل؟ هذا أولاً.
وثانيًا:
التوسل ليس من العقائد وإنما هو من الأحكام، أي هل يجوز أن يدعوَ الإنسان بدعاء فيه توسل بمخلوق؟ أو لا يجوز؟ فليس للتوسل علاقة بالعقيدة، اللهم إلا إذا اقترن مع التوسل عقيدة في لفظ المتوسل يعنيها به، فحينذاك تأخذ طورًا آخر، أما مجرد التوسل بمخلوق فذلك لا يدخل المسألة في جملة العقائد.
ثالثًا:
ماذا تعني بأنهم اختلفوا في الصورة؟ ومن هم الذين اختلفوا؟ لقد اتفقوا
على إثبات الصورة لله عز وجل في الجملة وليس في التفصيل وإنما اختلفوا في مرجع ضمير قوله عليه الصلاة والسلام: «خلق الله آدم على صورته» (1) فأيضًا حصر هذا الاختلاف في مرجع هذا الضمير ليس له علاقة أيضًا في اعتقادي بالعقيدة لأن الصورة كعقيدة متفق عليها بين علماء الحديث والسنة دون تكييف ودون تأويل، أما مرجع ضمير «خلق آدم على صورته» هذا خلاف فرعي ليس له علاقة بالعقيدة، ثم لا أذكر إذا كان جاء في سؤالك شيء آخر غير الصورة وغير التوسل وإيش؟
السائل: المعراج، رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم
الشيخ: آه، اختلفوا صحيح في هل رأى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ربه، وهذا الاختلاف لا يمكن إنكاره، ولكن لعل ذلك أيضًا مرجعه إلى تفسير قوله تعالى:{ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى} (النجم:13، 14) وجمهور العلماء من المحدثين وغيرهم على نفي رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم لربه بعينيه، والخلاف الذي يشار إليه بهذه المناسبة هنا، إنما هو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:«إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه بعينيه» لكن هذا الأثر، هذا الحديث يمكن أن يقال فيه إنه أثر وإنه حديث، فهو أثر باعتبار أن لفظه من ابن عباس، ويمكن أن يقال فيه إنه حديث باعتبار أنه يتحدث فيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، هذا الأثر أو الحديث المروي عن ابن عباس لم يستقر على هذا اللفظ الذي فيه أنه رأى ربه بعينيه، فقد جاء عنه روايتان أخريان، الأخرى:
إطلاق الرؤيا «رأى ربه» دون ذكر العينين.
(1) البخاري (رقم5873) ومسلم (رقم6821).
والأخرى وهي الثالثة:
«رآه بقلبه» وعلى هذا: فهذا الأثر أو هذا الحديث مضطرب عن ابن عباس رضي الله عنه ما بين رآه مطلقًا، ورآه بعينيه، ورآه بقلبه، والحديث المضطرب من أقسام الحديث الضعيف، وحينئذ فلا نستطيع أن نجزم بأن ابن عباس كان من عقيدته أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه ولكن مع هذا لا يمكن لكل باحث منصف أن يدعي أنه لم يكن هناك من يقول بقول ابن عباس لكن هذا القائل لا يعرف عينه ولا شخصه، أما أنه كان هناك من يقول بقول ابن عباس فذلك يمكن أن يؤخذ من نفس حديث السيدة عائشة رضي الله عنها المروي في الصحيحين من طريق مسروق رحمه الله حيث سألها قائلا لها:«يا أم المؤمنين هل رأى محمد ربه؟» الحديث.
ولا بأس بإتمامه ولكن لابد من ذكر موضع الشاهد منه فسؤال مسروق لأم المؤمنين هل رأى محمد ربه؟ يشعر الباحث بأنه كان هناك من يقول بأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه، من هو؟ الله أعلم، يمكن أن يكون هو ابن عباس نفسه ولكن ابن عباس لم يستقر رأيه على شيء من أقواله الثلاثة التي ذكرتها آنفًا، نعود إلى حديث عائشة رضي الله عنها فلما سألها وقال لها: هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد قف شعري مما قلت، قال: «يا أم المؤمنين ألم يقل رب العالمين {ولقد رآه نزلة أخرى
…
} الآية، قالت: أنا أعلم الناس بذلك سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله جناحان قد سد الأفق».
فإذاً: مرجع هذا الضمير في تفسير الرسول عليه السلام نفسه لهذه الآية إنما يعود إلى جبريل وليس إلى رب العالمين تبارك وتعالى، ثم تابعت بيانها رضي الله عنها فقالت:
"ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية:
من حدثكم أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَاّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} (الشورى: 51)."
فلا سبيل إلى رؤية الله تبارك وتعالى من أحد في هذه الحياة الدنيا، قالت:"ومن حدثكم أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئًا أُمِرَ بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة:67) ".
قالت: "ومن حدثكم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم الغيب فقد افترى وكذب على الله تبارك وتعالى ثم تلت قوله عز وجل: {قُل لَاّ يَعْلَمُ مَن في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ} (النمل:65) ".
فحديث عائشة هذا إذن فيه إشارة أنه كان هناك من يقول بأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه ولكنها نفت ذلك نفيًا باتًّا وتلت ما سبق من الآية.
وحينئذ فلا أرى في نهاية المطاف في هذا المجال لا أرى أن يقال إنه كان هناك خلاف بين السلف في مسألة عقائدية كمسألة رؤية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لربه، ثم نقول جدلاً: إن فرضنا أنه كان هناك حقيقة خلاف في مسألة ما بين السلف فذلك لا يعني أن هذا الخلاف يضر مادامت الأدلة قائمة بتأييد الوجهة الصحيحة أو القول الصحيح مما اختلفوا فيه، فالقول بأن السلف لم يختلفوا في شيء من الأمور الاعتقادية هذا يقوله بعضهم، وبحسب ما أحاط به علمه فإن استطاع أن يثبت ذلك فلا ضير لأن المرجع إلى الدليل وأنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما كان يدعو ربه تبارك وتعالى في دعاء الاستفتاح في قيام الليل كان يقول فيه: «اللهم