الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[52] باب عدم الإحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة بدعة محدثة
[قال الإمام]:
أدلة الكتاب والسنة، وعمل الصحابة، وأقوال العلماء تدل دلالة قاطعة على
…
وجوب الأخذ بحديث الآحاد في كل أبواب الشريعة، سواء كان في الاعتقاديات أو العمليات، وأن التفريق بينهما، بدعة لا يعرفها السلف، ولذلك قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى (3/ 412):
" وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات "يعني العقيدة"، كما تحتج بها في الطلبيات العمليات، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه ديناً، فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته، ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته، فأين سلف المفرقين بين البابين؟! نعم سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة، ويحيلون على آراء المتكلمين، وقواعد المتكلفين، فهم الذين يعرف عنهم التفريق بين الأمرين
…
وادعوا الإجماع على هذا التفريق، ولا يحفظ ما جعلوه إجماعاً عن إمام من أئمة المسلمين، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين
…
فنطالبهم بفرق صحيح بين ما يجوز إثباته بخبر الواحد من الدين، وما لا يجوز، ولا يجدون إلى الفرق سبيلا إلا بدعاوى باطلة
…
كقول بعضهم: الأصوليات هي
المسائل العلميات، والفروعيات هي المسائل العملية (وهذا تفريق باطل أيضاً، فإن المطلوب من العمليات)(1) أمران: العلم والعمل، والمطلوب من العلميات العلم والعمل أيضاً، وهو حب القلب وبغضه، وحبه للحق الذي دلت عليه وتضمنته، وبغضه للباطل الذي يخالفها، فليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح، وأعمال الجوارح تبع، فكل مسألة علمية، فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه، بل هو أصل العمل، وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال! وهذا من أقبح الغلط وأعظمه، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير شاكين فيه، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب، من حب ما جاء به والرضا به وإرادته، والموالاة والمعاداة عليه، فلا تهمل هذا الموضع فإنه مهم جداً، به تعرف حقيقة الإيمان.
فالمسائل العلمية عملية، والمسائل العملية علمية، فإن الشارع لم يكتف من المكلفين في العمليات بمجرد العمل دون العلم، ولا في العمليات بمجرد العلم دون العمل".
فتحرر من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى أن التفريق المذكور مع كونه باطلاً بالإجماع لمخالفته ما جرى عليه السلف، وتظاهر الأدلة المتقدمة على مخالفته، فهو باطل أيضاً من جهة تصور المفرقين عدم وجوب اقتران العلم بالعمل، والعمل بالعلم، وهذه نقطة هامة جداً تساعد المؤمن على تفهم الموضوع جيداً، والإيمان ببطلان التفريق المذكور يقيناً.
"الحديث حجة بنفسه"(ص60 - 62)
(1) الأصل: " والمطلوب منها أمران " ولعل ما أثبتناه أقرب إلى الصواب. [منه].