الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[68] باب هل إنكار خبر الآحاد يُعَدُّ كفراً
؟
يسأل السائل ما الضابط في تكفير المستهزئ بالسنة أهو العلم بكونها سنة أم غير ذلك.
الشيخ: لا شك أنه لا يجوز تكفير مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا وهو يعلم أن الذي ينكره هو ثابت في السنة، أما إذا كان جاهلاً فينبغي أن يُعَلَّم بدل أن يكفر، فمن أنكر شيئاً يؤمن بثبوته في السنة ومع ذلك فهو أنكره هذا بلا شك كافر يحل دمه.
وهذا الجواب يجرنا إلى مسالة خلافية منذ قديم ألا وهي أن كثير من العلماء المتأخرين يقسمون الحديث النبوي من حيث وروده إلينا إلى قسمين حديث متواتر، وحديث آحاد، ويبنون على ذلك أنهم يقولون من أنكر حديث التواتر فهو كافر، ومن أنكر حديث الآحاد فليس بكافر، أنا أعتقد أن هذا الجواب التفصيلي قائم على تفصيل السابق للحديث المتواتر وحديث الآحاد، وكلٌّ من التفصيلين لا أصل له في الشرع، من حيث الواقع في حديث متواتر وفي حديث آحاد؛ لأن التواتر والآحاد هو طريقة وصول الحديث إلى فرد من الأفراد، لكن هذا ليس من طبيعة الحديث، لأن الحديث هو ما صدر من فم الرسول عليه السلام وليس من القرآن، فالتفصيل السابق بالتفريق بين من أنكر حديث التواتر فهو كافر، ومن أنكر حديث الآحاد فهو فاسق، هذا ليس دقيقاً؛ إنما الصحيح أن يقال: كل من أنكر حديثاً يعتقد أن الرسول قاله فهو كافر سواء كان هذا الحديث عند زيد من الناس متواتر أو آحاد، المهم أن الشخص الذي أنكر الحديث يعتقد أن النبي عليه السلام قاله مع ذلك بيقول لك: هذا الحديث لا يمكن أن يُقبل لأنه ما يدخل في العقل إلى آخر الفلسفة العصرية المعروفة اليوم أما كونه حديث متواتر أو حديث آحاد
فهذا التفصيل لا يمكن أن يعرفه إلا في المليون واحد من المسلمين، وبالكاد أن يوجد هذا الواحد في المليون، ولذلك أنا اعتقد أن من الدسائس التي أدخلت في الإسلام بسوء نيه أو بحسن قصد لكن على كل حال هذا دخيل في الإسلام، ألا وهو التفريق بين الحديث الحديث الآحاد وحديث التواتر، ثم ربط نتيجة تختلف واحدة عن الأخرى باختلاف كون الحديث متواتراً أو آحاداً.
ذكرنا آنفاً من جملة
…
النتيجة أن من أنكر حديث التواتر فهو كافر، هو حديث متواتر عند أهل العلم، نرجع لنفس المعنى السابق، لنأتي بمثال آخر فيما بعد حديث متواتر عند أهل العلم لكن ملايين المسلمين ما عندهم خَبَرُهُ هذا الحديث، فواحد سمع به قال: هذا مش معقول مش مقبول، لكن ما عنده علم بأن هذا حديثاً قاله الرسول لكن أهل العلم يقولون حديث متواتر، وعلى عكس ذلك هو يعلم هو حديث ثابت عن الرسول لكن مو متواتر مع ذلك هو بينكره، الأول ما يكفر، والآخر بيكفر.
نتيجةٌ أخرى نتجت من التفريق بين حديث الآحاد وحديث التواتر؛ حديث الآحاد يؤخذ فيه بالأحكام دون العقيدة، حديث التواتر لا يجوز الأخذ به في العقيدة أو على الأقل لا يجب الأخذ به في العقيدة فرقوا بين حديث الآحاد فيؤخذ به في الأحكام ليس في العقيدة، أما العقيدة فلا بد أن يكون الحديث فيها - أيش؟ - متواتر هذا الكلام من العجائب أنه يقرره بعض العلماء قديماً وحديثاً؛ لو سئل هذا العالم الحديث صحيح ولَّا ضعيف؟ ما بيعرف فضلاً أن يعرف إذا قيل له هذا متواتر وإلا آحاد، (سيقول لك) شو بيعرفني هذه ما هي شغلتي؛ (إذاً كيف) قدرت تفرق بين الحديث الآحاد وحديث التواتر، ورتبت على ذلك أنه من ينكر حديث الآحاد في العقيدة لا ضير عليه لأن العقيدة لا تثبت إلا بحديث التواتر.
مع الأسف الشديد حزب التحرير وقع في هذه الطابوسة بالتعبير السوري يعني في هذا المطب في هذه الحفرة، فقال أول ما نشأ حزب التحرير: لا يجوز أخذ حديث الآحاد في العقيدة، وبعدين صار مناقشات بينهم وبين بعض أفراد من أهل السنة عدلوا عبارتهم؛ كانت سابقاً: لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة، فحولوها إلى لا يجب، كانوا من قبل في العبارة السابقة: لا يجوز؛ يعني: أن الحزبي التحريري حرام عليه أن يعتقد بحديث آحاد، لكن لما عدلوا العبارة أعطوه فسحة شويه، لا يجب عليك؛ فأنت حر بقى تأخذ بهذا الحديث ولّا ما تأخذ ما في مانع، في الأول: لا يجوز، وجرى طبعا ًمناقشات كثيرة هناك في دمشق وغير دمشق من سوريا بيني وبينهم، فاضطروا أن يعدلوا هذه العبارة وكان من جملة ما قلت لهم: يا جماعة أنتم عندما تقولون لا يجوز الأخذ بحديث الآلحاد في العقيدة معناه أنكم لا عقيده عندكم قائمة على السنة، لا يوجد هناك عقيدة تعتقدونها مأخوذة من السنة من الحديث؛ لماذا؟ لأنكم تشترطون أن يكون متواتراً، لكن هذا الحديث المتواتر في واقعه عند أهل العلم هو مجهول عند غير أهل العلم، ونُعَدِّل العبارة فنقول هذا الحديث عند أهل الاختصاص في الحديث وما أقلهم وخاصة في هذا الزمان يكون متواتراً، لكن عند عامة العلماء فضلاً عن عامة المسلمين ما عندهم خبر إلا أنه حديث آحاد، ولذلك فسوف لا تقيمون عقيدة على حديث ولو كان متواتراً عند أهل العلم؛ لماذا؟ لأنه سيعود إليكم حديث آحاد.
كنت ضربت لهم مثلاً قلت لهم: شيخكم الشيخ تقي الدين النبهاني نفترضه بأنه أعلم أهل الزمان في الحديث -وهو ليس كذلك لكن نفترض كذلك-، بحث في حديثٍ ما بحثاً هو شأنه لأنه متخصص فخرج معه أنه حديث مثلاً مثلاً: «اتقوا
البول فإن عامة عذاب القبر منه» (1)، ثبت لديه مثلاً أن هذا الحديث حديث متواتر،
إذاً هو تضمن: إن في عذاب قبر؛ هم لا يؤمنون بعذاب القبر؛ لأن ما في بالقرآن زعموا.
الآن شيخكم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اتقوا البول فإن عامة عذاب القبر منه» ، حديث متواتر عندي، أنت يا حزبي هل عندك متواتر؟ لا، ليه؟ لأن التواتر يشترط عند أهل العلم أن يتسلسل في كل طبقة؛ يعني حديث رواه أبو بكر الصديق وحده رواه عنه مليون شخص هذا حديث آحاد، مليون من الصحابة رووا حديثاً نقله إلينا واحد هذا حديث آحاد؛ إذاً لازم هذا التواتر، نخفف العدد أشوية لا يكون خيالياً يكون واقعياً؛ حديث رواه عشرة من الصحابة، وعنه عشرة من التابعين، وعنه عشرة من أتباع التابعين، وهكذا إلى أن سُطِّر هذا الحديث في عشرات كتب السنة بهذا التسلسل؛ عشرة من الصحابة، عشرة من التابعين إلى آخره، يجيء تقي الدين النبهاني وجد لهذا الحديث عشرة طرق صار عنده قناعة يقينية أن هذا الحديث قطعي قاله الرسول عليه السلام، وهذا واقع لكن حينما يقوله لحزبه: هذا الحديث المتواتر، فكل حزبي يصبح عنده الحديث حديث آحاد ليه؟ لأن الذي نقل له التواتر هو واحد انتبَهَ الحزبي، يمكن يقول: هذا حديث متواتر عندي- عند حزب التحرير-، وهذا لا وجود له عنده ولاعند غيره من الأحزاب، في عندهم عشرة من المتخصصين في علم الحديث؛ الشيخ تقي الدين والشيخ أحمد ومحمد وعبد الرحيم وعبد الرحمن إلى آخرة عشرة، كل واحد بحث في هذا الحديث ووجده متواتراً، العشرة هذول يعلنون على الملأ- حزب التحرير- أن الحديث الفلاني حديث متواتر، حينئذ يصبح هذا الحديث عند كل
(1) صحيح الجامع (رقم3002) بلفظ: تنزهوا
…
الأفراد حديثاً متواتراً ليش؟! لأن الذي نقل التواتر هو متواتر هو عشرة أشخاص، لكن هذا لا وجود له هذا لا وجود له.
ولذلك أنا قلت لهذه الجماعة: أنتم لا يمكن أن تجدوا حديثاً متواتراً؟ مرة من المرات صارت مجادلة بيني وبينهم [قلت] يا جماعة أنا شايف كتبكم ممتلئة بالأحاديث الضعيفة والتي لا أصل لها إلى آخره قالوا: نستعين بأمثالك قلت لهم ما شاء الله
…
بدكم تستعينون برجال من خارج حزبكم؟! لازم العلم ينبع منكم ويرجع على غيركم إلى آخره، فقلت لهم افترضوا أنه أنا هذا الحديث ثبت لدي بطريق التواتر، قلنا لكم حديث عذاب القبر متواتر، هذا ما أفاد التواتر عندكم؛ لأن أنا شخص واحد لابد أن يجيب لكم من أطراف العالم الإسلامي علماء متخصصون في علم الحديث يقولون نفس القول هذا بأن حديث عذاب القبر متواتر وهذا غير واقع، لذلك لا يمكن أن أتصور أنكم تؤمنون بعقيدة نابعة من حديث متواتر؛ لأن هذا التواتر لا وجود له، مش عندكم كأفراد من حزب التحرير؛ عند شيخهم الكبير تقي الدين؛ لأنه هو كأي قارئ يقرأ في كتاب يقرأ أن هذا حديث آحاد أو حديث تواتر لكن ما صار متواتراً عنده؛ لأنه قراه بدلالة شخص واحد، وهذا يختلف اختلافاً كبيرا في الحكم على الحديث بالتواتر.
في البحوث الفقهية علماء الأحناف عندهم فلسفة أخرى تتعلق بالفقه، علماء الكلام جاؤوا بالفلسفة السابقة حديث الآحاد لا تؤخذ منه عقيدة، لكن فقهاء الحنفية أيش قالوا؟ قالوا حديث الآحاد لا يجوز تخصيص القرآن به، تخصيص القرآن لا يجوز؛ لأن القرآن متواتر، وحديث الآحاد غير متواتر وبهذا الجواب يعطلون عشرات الأحكام الشرعية الثابتة في السنة الصحيحة، من ذلك مثلاً يختلفون مع جماهير الفقهاء في حكم قراءة الفاتحة؛ الجماهير يقولون: بأنها ركن
من أركان الصلاة، وهم يقولون: لا هذا واجب وليس بفرض، فضلاً عن أن يكون ركناً لا تصح الصلاة إلا به، طيب الحديث:«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ؟! يقولون هذا حديث آحاد والقرآن يقول {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} وهذا نص عام {ما تيسر من القرآن} لا يجوز تخصيصه بحديث الآحاد: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ....
ونشوف إمام المحدثين البخاري مؤلف رسالة للقراءة «جزء في القراءة» اسم الرسالة، فإذا به في أول الرسالة يقول تواتر لدينا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (كيف) بتقولوا يافقهاء يا حنفيون تقولون هذا الحديث حديث آحاد؟! هذا إمام المحدثين بيقول إنه حديث متواتر عندنا وهذا صحيح هذا الكلام، لكن صحيح عند البخاري لكن مو صحيح عند الفقهاء؛ لأنه هذا الحديث ما جاء عندهم بطريق التواتر الذي بيجيء عن اليقين، لكن هذه فلسفة دخيلة في الإسلام التفريق بين حديث وحديث؛ ما دام كلاً منهما حديث صحيح ثابت؛ لكن واحد جاء من طريق ثاني جاء من طريقين وثاني جاء من ثلاثة من عشرة إلى آخره، وكل واحد من هذا الأنواع له اسم خاص عند المحدثين: حديث مشهور، حديث مستفيض، حديث متواتر، هذه اصطلاحات للكشف عن طريقة وصول الحديث إلينا، لكن ليس المقصود من هذا الاصطلاحات أن نعطل العمل بالحديث لأنه هو في منزلة كذا، وليس في منزلة كذا، لهذا لا يجوز إلا أن نأخذ الحديث عن الرسول عليه السلام مجرد أن يكون صحيحاً أما متواتر وآحاد فهذه قضية نسبية أولاً بصورة عامة، وثانياً هي نسبية بالنسبة لأهل العلم، أما جماهير الناس لا علم عندهم.
فالتكفير إذاً ليس متعلقاً بطريقة وصول الحديث إلى منكر الحديث هل آحاد أم هو تواتر، ولا هو بطريقة وصول الحديث إلى غير المنكر، فقد يكون عند غير
المنكر متواتر، وهو ما عنده خبر بهذا الحديث، كما ذكرنا آنفاً، لكن الحديث عند جميع العلماء غير متواتر لكنه صحيح، والذي أنكره أيضاً يعتقد أنه صحيح، مع ذلك ينكره فهو كافر.
إذاً قضية التكفير لا تتعلق بما قام في نفس المكفِّر، وإنما ما قام في نفس المكفَّر؛ فإن كان المكفَّر يعتقد بأن هذا الحديث صح عن الرسول مع ذلك ينكره فلا شك بأنه يكفر بذلك، وإن قال- وإن كان لاهياً- هذا الحديث والله أنا أستبعد صحته عن الرسول والله يعلم من قلبه أنه لا ينافق، يقول ما في قلبه؛ هذا لا يكفر عند رب العالمين، لكنه إذا كان يعلم أن هذا الحديث قاله الرسول لكن ظهر بيقول أنا أشك في أن الرسول قال هذا، فهو عند الله كافر؛ لأنه في قرارة قلبه يؤمن بأن النبي عليه السلام قد قال هذا الحديث مع ذلك ينكره.
فإذاً التكفير لا يجوز أن يحكم به بالنسبة لما قام في نفس المكفِّر وإنما لما قام في نفس المكفَّر، واضح إن شاء الله.
السائل: واضح [لكن الفرق] بين المنكر والمستهزئ.
الشيخ: ما في فرق الذي يستهزئ بحديث يؤمن بأن الرسول قاله مثل ذاك الذي أنكر فهما سواء.
"الهدى والنور"(269/ 12: 27: 00)