الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا إطلاقاً، وإنما كانوا يعملون بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة المُلزمة بالأخذ بالحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون تفريق بين حديث يتعلق بحكم أو حديث يتعلق بعقيدة
…
"الهدى والنور"(409/ 51: 32: 00)
[58] باب منه
سؤال: لو سمحت في هناك خلاف بين علماء المسلمين في خبر الآحاد في العقيدة فماذا هو يعني رأيكم بالشيء الصحيح هنا؟
الشيخ: حسن، هذه المسألة يجب أن نعلم أن التفريق بين الأحكام الشرعية بحيث أنه يجب أن يأخذ ببعضها إذا صحت نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجب -هذا أقل ما يقال- ولا يجب أن يأخذ بما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في البعض الآخر هذا التقسيم دخيل في الإسلام وفلسفة لا أصل لها في دين الإسلام، وهذه المسألة تحتاج إلى كبير بحث وتطويل للكلام، وإن كان مجال الكلام فيه واسع جداً، لكني آتي الموضوع من أقرب سبيل دون أن ندخل في سرد الأدلة الشرعية التي يفهمها بعض طلاب العلم، ولكن سأذكر ما يشترك فيه جميع المسلمين في فهمه: كلنا يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بُعِثَ وحده إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً وأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، هذه النقطة الأولى التي لا يشك فيها مسلم.
النقطة الثانية: أن تبليغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإسلام كان على وجهين أو على صورتين؛ الأولى: أن يبلغ الإسلام بشخصه مباشرة إلى الناس، ونحن حينما نذكر هذه الحقيقة ما أظن أن أحداً يعجز عقله عن أن يستوعب ما سأذكره ألا وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما بلَّغ شريعة الإسلام ما بلَّغ كل فرد من أفراد المكلفين في ذلك
العالم، ونأخذ مثالاً قريبًا حينما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد الحرام في أول الدعوة التي لقي فيها ما لقي من المصاعب والشدة، هل كان الكفار الذين هم ليسوا في المسجد الحرام كانوا يسمعون كلامه كما يسمعه من كان بين يديه من الكفار؟ الجواب: لا، هذه بدهية يشترك في معرفتها كل الناس، لا يشترط أن يكون طالب علم، وهكذا إذا كان أهل مكة حينما كان الرسول يبلغهم أحكام الله وشريعة الله بتلاوته لآيات الله إنما يسمعها بعضهم فالآخرون كيف بلغتهم شريعة الله، لم تبلغهم بسماعهم كلام الرسول مباشرة وهذا أمر واقع في كل زمان ومكان، الآن في هذا المجلس قد يسمع أحد منكم حكماً أو بحثاً كهذا البحث فينقله لمن لم يكن حاضراً هذا المجلس، فالذي سمعه من المدرس سمعه منه مباشرة، لكن هذا المدرس بلغه الآخرين، الآخرون لم يسمعوا من المدرس، هذا تقريب وللرسول المثل الأكمل فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما كان يبلغ الآية أو يقرأ الحديث يسمعه الحاضرون أما الآخرون فيسمعونه بواسطة مَنْ؟ الذي سمعه من الرسول عليه السلام، هذه نقطة ثانية وبدهية جداً ما تقبل المناقشة والجدل.
ندعم ذلك ببعض الروايات المعروفة أيضاً في التاريخ الإسلامي والتي أستطيع أن أقول لا يجهلها أحد أيضاً من المسلمين، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل الرسل من طرفه إلى رؤوس الدول ملوك الدول ككسرى وقيصر والملك النجاشي وهكذا، وأرسل دعاة إلى اليمن علياً وأبا موسى ومعاذاً، فهؤلاء الرسل الذين أرسلهم الرسول عليه السلام لنقل الدعوة التي سمعوها منه صلى الله عليه وآله وسلم من فمه الشريف ينقلون ما سمعوه منه إلى أولئك الناس، فأولئك الناس لم يأتهم الشرع من النبي المعصوم، لكن جاءهم الشرع من الفرد من الشخص.
والآن ندخل في صميم بيان ضلال التفريق بين خبر الآحاد وخبر التواتر، من
المفيد أن نذكر قصة وقعت في اليمن تتعلق بأبي موسى ومعاذ، كان معاذ يدعو كما ذكرنا إلى الإسلام وكذلك صاحبه أبي موسى الأشعري، فجاء معاذ أبا موسى زائراً فوجد عنده رجلاً مولَّدًا أسيرًا، قال: ما بال هذا قالوا إنه ارتد عن دينه، ومضى عليه كذا أيام وهو لا يتوب إلى الله عز وجل، وكان راكباً، فقال: والله لا أنزل حتى ينفذ فيه حكم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من بدل دينه فاقتلوه» فنفذ فيه القتل، الآن هذا حديث «من بدل دينه فاقتلوه» (1) سمعه معاذ من رسول الله، نقله إلى أبي موسى والجماعة الذين كانوا عنده ونفذوه فوراً، هذا خبر آحاد، هل قامت الحجة بخبر الآحاد؟ قامت الحجة.
الآن نأتي إلى الفلسفة المشار إليها آنفاً هذا حكم شرعي، يقول المتفلسفون المبتدعون أنه نحن نقول بأن حديث الآحاد في الأحكام حجة، أما في العقيدة فليس بحجة، الآن أبو موسى ومعاذ وعلي وسائر الرسل الذي أرسلوا من قبل رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، هل تتصورون أنهم حينما يأتون قبيلة من القبائل أو ملكاً من الملوك أول ما يدعونه إليه الصلاة والطهارة والوضوء وإلى آخره ولَاّ العقائد؟ العقائد لا شك وهذا ما جاء التصريح به في حديث معاذ ابن جبل لما أرسله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، قال له:«ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك فأمرهم بالصلاة» وهكذا تسلسل عليه السلام في بيان الأحكام، وفي أمر معاذ أن يتسلسل في ذلك أمره أن يبدأ بماذا بالعقيدة، شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هنا تأتي الدالة الكبرى، إذاً معاذ هو فرد ودعا أولئك الناس الذين لا يعرفون من الإسلام شيئاً دعاهم إلى
(1) صحيح البخاري (رقم2854).
العقيدة أس العقائد كلها ألا وهي التوحيد، هل قامت الحجة به؟ المسلمون يعتقدون قامت الحجة به، أما المتفلسفة الذين تأثروا من بعض الآراء النابية عن الكتاب والسنة، فهم يقولون حديث الآحاد لا تقوم به الحجة في العقيدة، ومعنى هذا أحد شيئين: إما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان مخطئاً حينما أرسل معاذ وأمثاله يدعون الناس إلى الإسلام وهذا هو الكفر، إذا قال الإنسان هذا كَفَرَ خرج عن الملة، ولم يبقَ هناك إلا الشيء الآخر وهو أن الذين يقولون أن خبر الآحاد في العقيدة ليس بحجة هم الضالُّون، ولذلك أنا ذكرت مرة نكتة في مثل هذه المناسبة وهي في الحقيقة تمثل لكم ضلالة هؤلاء الناس، قلت زعموا بأن رجلاً من هؤلاء المبتدعة الذين يفرقون بين حديث وحديث وكلاهما صحيح هذا يأخذ به لأنه في الأحكام، وهذا لا يأخذ به لأنه في العقيدة، وهذا تفريق كما عرفتم من الضلال المبين، ذهب أحد هؤلاء إلى اليابان مثلاً يدعوهم إلى الإسلام، ففي طبيعة الحال بدأ هو بالعقيدة وكان من جملة ما ذكر في عقيدته أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، فقام أحد الأذكياء الحاضرين قال يا أستاذ أنا أراك متناقضاً؛ لأنك تلقننا أن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد، وأنت الآن تدرسنا العقيدة فنرجوك أن تعود من حيث أتيت، وتأتي بخبر فقه دقيق متواتر، يعني تأتي بناس يصدق عليهم أنهم على التواتر، وقُل لهم يبلغوننا ما تبلغنا أنت أن هذه هي العقيدة الإسلامية، فَبُهِتَ المحاضر لأنه ألقمه حجراً من نفس عقيدته، هو يلقنهم وهي عقيدة ومن العقيدة أن حديث الآحاد لا تكون به عقيدة إذاً أنت ماذا ستعمل عندنا هنا تُلَقِّنَّا العقيدة وأنت فرد؟! لازم يكون معك جماعة.
وهذا البحث كما قلت لكم طويل طويل جداً وحسبكم هذا المقدار، وأخيراً