المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[54] باب منه - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ١

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌أقسام موسوعة الإمامالألباني

- ‌أقسام الموسوعة

- ‌القسم الأولجامع تراث العلامة الألباني

- ‌القسم الثانيجامع الدراسات والأعمال حول العلامة الألباني وتراثه

- ‌القسم الثالثترجمة العلامة الألباني

- ‌القسم الرابعدعاوى المناوئين للعلامة الألباني والرد عليها

- ‌القسم الخامستتميم النفع بتراث العلامة الألباني

- ‌أعمال أخرى لخدمة تراث الألباني

- ‌1 - مشروع الترجمة:

- ‌2 - مشروع تصميم برنامج "تقريب علوم الألباني

- ‌3 - مشروع إنشاء أكبر موقع للعلامة الألباني على الإنترنت:

- ‌4 - المواد المرئية:

- ‌مصادر الموسوعة

- ‌أولا: المصادر المكتوبة:

- ‌ثانيًا: المصادر المسموعة

- ‌نبذة عن فنِّ جمع النظائر

- ‌أولاً: جمع النظائر باعتبار الموضوع

- ‌ثانياً: جمع النظائر باعتبار«توسيع الموضوع وتضييقه»

- ‌ثالثاً: جمع النظائر باعتبار«حال المتلقي»

- ‌رابعًا: التوسيع والتضييق لإثراء المادة

- ‌خامساً: جمع النظائر باعتبار الاستقصاء والانتقاء

- ‌سادساً: جمع النظائر باعتبار الترتيب

- ‌جمع النظائر عن إمام من الأئمة

- ‌الأسباب الدافعة لجمع تراثالأئمة وضم نظائرها

- ‌عوامل قلة الانتفاع بعلم الإمام الألباني

- ‌آثار عوامل قلة الانتفاع بعلمالإمام الألباني رحمه الله ومظاهر ذلك، وطرق معالجتها

- ‌1 - صعوبة تحرير قول العلامة الألباني في مسألةٍ من المسائل

- ‌2 - قلة الدراسات والبحوث التي كُتبت حول الإمام وتراثه

- ‌3 - ضَعْف المادة العلمية لبعض الدراسات التي كُتبت حول الألباني على قلتها

- ‌4 - حصر عِلم العلامة الألباني بالحديث

- ‌5 - فتح المجال للنَّيْل من العلامة الألباني، والتلبيس على محبيه، لعدم توفر مادة الرد على مخالفيه

- ‌المنهج الذي سلكته في إعدادجامع تراث العلامة الألباني، والصعوبات التي واجهتني

- ‌منهج العمل فيجامع تراث الألباني في العقيدة

- ‌شكر وتقدير

- ‌كلمة أخيرة

- ‌جماع أبواب مقدمات عقدية هامة

- ‌[1] باب تعريف العقيدة

- ‌[2] باب أهمية الدعوة للعقيدة

- ‌[3] باب خطورة تنكب الدعاة عن الدعوة للعقيدة الصحيحة

- ‌[4] باب أهمية إعطاء الدعاة الأولوية

- ‌[5] باب بيان أهمية تصحيح العقيدة

- ‌[6] باب الرد على من ينكر الحرص الزائد على تعليم العقيدة ويقول أن العقيدة يمكن تلقيها في دقائق

- ‌[7] باب العقيدة أساس كل انتصار على الكفار

- ‌[8] باب "لا كيف" في المغيبات

- ‌[9] باب الأمور الغيبية لا يخاض فيها بالأقيسة والآراء

- ‌[10] باب الكلام حول خلاف الصحابة في العقيدة

- ‌[11] باب هل وقع اختلاف بين السلف في مسائل عقدية

- ‌[12] باب هل دراسة العقيدة محصورةفي كتب شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌[13] باب هل يجوز تدريس العقيدة للأطفالعلى شكل قصص حكايات

- ‌[14] باب بدعة تقسيم الدين إلى أصول وفروع

- ‌[15] باب حكم التفريق بين الشريعة والعقيدة

- ‌[16] باب هل يجوز للطالبأن يجيب على سؤال في امتحان بخلاف عقيدته

- ‌جماع أبواب بيان مصادرأهل السنة والجماعة في الاستدلال في العقيدة

- ‌[17] باب من هم أهل السنة

- ‌[18] باب أهل السنة يستدلون ثم يعتقدون، أما أهل البدع فيعتقدون ثم يستدلون

- ‌[19] باب ما المقصود بالجماعةفي قولنا أهل السنة والجماعة

- ‌[20] باب مصادر الاستدلال عند أهل السنة: الكتاب، السنة، فهم سلف الأمة، وبيان أثر التنكب عن منهج فهم السلف في أبواب العقيدة

- ‌[21] باب كلمة حول مصادر الاستدلال عند أهل السنة، مع التعرض لبيان موقع العقل من هذه المصادر، وبيان خطأ تقسيم الأحاديث إلى ظنية ويقينية وما يترتب على ذلك

- ‌[22] باب من أصول الاستدلال:القرآن والسنة الصحيحة وفهم السلف

- ‌[23] باب أهمية فهم السلف للكتاب والسنة

- ‌[24] باب مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم

- ‌جماع أبواب بيان منزلة السنة بجانب القرآنوكونها مصدرًا رئيسًا من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

- ‌[25] باب وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها

- ‌[26] باب لزوم اتباع السنة على كل جيل في العقائد والأحكام

- ‌[27] باب وظيفة السنة في القرآن

- ‌[28] باب ضرورة السنة لفهم القرآنوبيان ضلال المستغنين بالقرآن عن السنة

- ‌[29] باب من أصول الخلف التي تركت السنة بسببها

- ‌[30] باب ضعف حديث معاذ في الرأي وما يستنكر منه

- ‌[31] باب بطلان تقديم القياس وغيره على الحديث

- ‌[32] باب أهمية السنة بجانب القرآن

- ‌[33] باب منزلة السنة مع القرآن، وبيان حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[34] باب هلاك من يفسر القرآن بغير السنة

- ‌[35] باب عدم كفاية اللغة لفهم القرآن

- ‌[36] باب خطأ حصر أخذ العقيدة بالقرآن وحدهوالتعرض لحجية خبر الآحاد

- ‌[37] باب ضلال منكري حجية السنة

- ‌[38] باب ذكر ضلال القرآنيين وسببه

- ‌[39] باب الرد على القرآنيين

- ‌[40] باب متى يكون للآثار الموقوفة على الصحابة في العقيدة حكم الرفع فتنزل منزلة السنة

- ‌[41] باب لا يؤخذ في العقيدة إلا بالأحاديث الصحيحة

- ‌[42] باب منه

- ‌[43] باب منه

- ‌[44] باب لا يستدل على أهل البدع إلا بما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌جماع أبواب الكلام على حجية خبر الآحاد في العقيدةوالرد على المخالفين

- ‌[45] باب يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[46] باب من الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة

- ‌[47] باب خطورة تبني رد خبر الآحاد في العقيدةوذكر أهم من صنف في الرد على ذلك

- ‌[48] باب نقض القول برد حديث الآحاد في العقيدة من وجوه عِدة

- ‌[49] باب رد شبهات حول حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[50] باب خبر الآحاد يفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان وبيان أن سبب ادعاء أهل الضلال عدم إفادة حديث الآحاد العلم هو جهلهم بالسنة

- ‌[51] باب أمثلة على العقائد الإسلامية المتواترة

- ‌[52] باب عدم الإحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة بدعة محدثة

- ‌[53] باب منه

- ‌[54] باب منه

- ‌[55] باب منه

- ‌[56] باب منه

- ‌[57] باب منه

- ‌[58] باب منه

- ‌[59] باب منه

- ‌[60] باب حجية خبر الآحاد، ومصير أهل الضلال الذين ينكرونه

- ‌[61] باب الرد على من يفرِّقفي حجية خبر الآحاد بين العقائد والأحكام

- ‌[62] باب منه

- ‌[63] باب هل يؤخذ بالحديثالحسن لغيره في أبواب العقيدة

- ‌[64] باب منه

- ‌[65] باب في ذكر بعض من أنكر حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[66] باب بدعة تقسيم دلالةالأحاديث إلى ظنية الثبوت وقطعية الثبوت

- ‌[67] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد

- ‌[68] باب هل إنكار خبر الآحاد يُعَدُّ كفراً

- ‌جماع أبواب الكلام حول العقل وموقعه من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

- ‌[69] باب العقل الفطري السليممن أصول الاستدلال عند أهل السنة ومثال ذلك

- ‌[70] باب في رد شبهات من أنكر النقل وقَدَّس العقل، وبيان أن العقل الصحيح هو المطَعَّم بالشرع التابع له، وبيان خطورة الخوض في الغيبيات بالعقل

- ‌[71] باب خطر تحكيم العقل في الشرع

- ‌[72] باب هل العقل سواء مع الكتاب والسنة في الاستدلال

- ‌[73] باب بيان ضلال من حَكَّم العقل في الشرع

الفصل: ‌[54] باب منه

[53] باب منه

[قال الإمام]:

(تقسيم) الأحاديث الصحيحة إلى قسمين:

قسم يجب على المسلم قبولها ويلزمه العمل بها وهى أحاديث الأحكام ونحوها، وقسم لا يجب عليه قبولها والاعتقاد بها وهي أحاديث العقائد وما يتعلق منها بالأمور الغيبية.

أقول: إن هذا تقسيم مبتدع لا أصل في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يعرفه السلف الصالح بل عموم الأدلة الموجبة للعمل بالحديث تقتضي وجوب العمل بالقسمين كليهما ولا فرق فمن ادعى التخصيص فليتفضل بالبيان مشكوراً وهيهات هيهات، ثم ألفت رسالتين هامتين جداًّ في بيان بطلان التقسيم المذكور الأولى:" وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة " والأخرى: " الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ".

"تمام المنة"(ص79).

[54] باب منه

(سئل الإمام عن خبر الآحاد وهل يفيد العلم أم غلبة الظن، وهل يحتج به في العقيدة أم لا، فأجاب):

يجب على المسلم أن يرفع عن ذهنه بعض التفاصيل العلمية التي هي حصيلة خبرة واجتهاد الأئمة المختصين بعلم الحديث؛ لأن هذه التفاصيل لا تفيد عامة المسلمين، الذي يجب على كل مسلم أن يخضع لكل حديث صح بأي مرتبة من مراتب الصحة، سواء كان صحيحًا .. غريبًا .. فردًا .. أو كان صحيحًا مستفيضًا

ص: 345

أو مشهورًا أو متواترًا، لأن هذه المراتب يستفيد منها أهل الاختصاص والمعرفة والعلم، ويضيع بينها غيرهم؛ فلذلك لا ينبغي لعامة المسلمين أن يلجوا هذه المساحة، وإنما عليهم فقط أن يعرفوا صح الحديث عند أهل العلم

فإذا صح انتهى الأمر.

حديث الآحاد في واقع الأمر يفيد الظن الغالب، هذا هو الأصل في خبر الآحاد، لكن كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: خبر الآحاد إذا اقترنت به قرينة من قرائن أفاد بسبب انضمام هذه القرائن إليه العلم واليقين، وكما ترى من هو الذي يستطيع أن يميز حديث آحاد له قرينة أو قرائن من حديث آحاد ليس له قرينة، فالمرجع في ذلك إذًا إلى أهل العلم، ولكن لنقُل الآن: نأخذ أعلى درجة في الحديث، هو كما تعلمون الحديث المتواتر، فكون الحديث متواترًا عند زيد من الناس من أهل الاختصاص فيلزم منه أن يكون متواترًا عند عمر من أهل الاختصاص، والعكس بالعكس، فما بالكم إذا كان الحديث متواترًا عند زيد من أهل العلم فهل من الضروري أن يكون متواترًا عند غير أهل العلم؟

وقد قلت مرة، وكررت ذلك بمناسبة أو بأخرى: من جماعة حزب التحرير الذين نشروا هذه البلبلة في العصر الحاضر بين عامة المسلمين، وهي

أن الحديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، قلت لهؤلاء: معنى ذلك أو لازم ذلك أنكم لا تتبنون عقيدة من حديث! ولو كان متواترًا، قالوا: كيف ذلك؟ فشرحت لهم الأمر بنحو ما ذكرت آنفًا: أن قضية التواتر قضية نسبية، قلت لهم مثلًا: حينما يجري النقاش في بعض المسائل الفقهية بين الحنفية الشافعية، أو بين الحنفية وأهل الحديث مثلًا، يتناقشون حول حديث صريح الدلالة لكنه ليس متواترًا، لأن من فلسفة مذهب الحنفية: أن النص الذي فيه الفرضية في الأحكام الفقهية يشترط فيه

ص: 346

شرطان: أن يكون قطعي الثبوت، وقطعي الدلالة، فإذا اختل أحد الشرطين نزل الحكم من الفرضية إلى الوجوب، والقول بالوجوب اصطلاح فقهي حنفي حيث يوجبون أشياء ولا يفرضونها، لأن الواجب عندهم وسط بين ما هو فرض وبين ما هو سنة، وحين يقولون في تعريف الفرض: هو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، أما الواجب: فيثاب فاعله ويعاقب تاركه دون معاقبة تارك الفرض.

فإذا جاء النص متواترًا مثلًا ولم يكن قطعي الدلالة [لا يفيد] الفرضية وإنما يفيد الوجوب، والعكس بالعكس: إذا كان قطعي الدلالة ولم يكن قطعي الثبوت فكذلك، فلا بد من أن يتوفر في النص أن يكون قطعي الثبوت قطعي الدلالة، مثاله: قوله عليه السلام: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» لا يقولون بركنية الفاتحة، ولهم أجوبة على ذلك، فالذي يهمنا الآن هو قولهم: أن هذا حديث آحاد ليس قطعي الثبوت، لكن إمام أهل الحديث وأمير المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري يقول في أول رسالته: وجوب القراءة وراء الإمام: تواتر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» .

فالآن: خبر من نأخذ، خبر الإمام وأمير المحدثين أو خبر الأحناف الذين يقولون: أن هذا حديث غير متواتر، نعم هو صحيح لكنه آحاد؟ فلو سلمنا للحنفية أنهم مخلصون وأنهم غير متعصبين وإلى آخره، وأنه لم يبلغهم الخبر على طريق التواتر، فنقول حينذاك: أن القضية قضية نسبية ..

فوصل بنا الكلام إلى قوله عليه السلام: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» فإن هذا الحديث أخذ منه جماهير الفقهاء في دلالته الظاهرة التي هي أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به، فقد تأولوا الحديث

ص: 347

بمعنى: لا صلاة كاملة، لماذا؟ للسبب الذي ذكرته آنفًا وهو أنهم لا يثبتون فرضًا فضلًا عن أن يثبتوا ركنًا أو شرطًا، ولا يخفى أن الركن والشرط أقوى من الفرض، فإذا لم يثبتوا الفرض بحديث آحاد فمن باب أولى لا يثبتون ركنًا أو شرطًا بحديث آحاد، على ذلك فهم تأولوا الحديث بهذا التأويل؛ لأنه عندهم حديث آحاد، بينما علماء الحديث قد حكموا بهذا الحديث بأنه يفيد شرطية قراءة الفاتحة.

والرد على الحنفية الذين قالوا: بأنه حديث آحاد، يقال: أمير المؤمنين في الحديث يقول كما ذكرت آنفًا: تواتر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» فإذًا: الحديث هنا عند الحنفية آحاد وعند البخاري متواتر، فالقضية قضية نسبية ما كان متواترًا عند هؤلاء لا ينبغي، أو لا يجب على الأقل أن يكون متواترًا عند أولئك.

كنت أتحدث عن حزب التحرير في هذا الزمان الذي أشاع هذه الفلسفة: أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، فلما ناظرتهم وجادلتهم في هذه المسألة قلت لهم: ما ذكرته آنفاً: لازم هذا أنكم .. لا تتقربون إلى الله تبارك وتعالى باعتقاد ما في حديث؛ لأنه حديث آحاد، قالوا: كيف؟ شرحت لهم أن كون الحديث آحادًا أو متواترًا هي قضية نسبية كما ذكرت آنفًا.

والآن قلت لهم: أقول لكم: لو فرضنا أن الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله هو أكبر محدث على وجه الأرض، طبعًا وهم يعلمون أنه ليس كذلك، وكان الرجل من فقهاء العصر الحاضر وفقهه تقليدي ليس فقه على بصيرة كما ينبغي أن يكون عليه كل مسلم، وبخاصة إذا كان عالمًا، فقلنا لهم: أفترض أن الرجل أكبر عالم في الحديث، قال لكم: تواتر الحديث الفلاني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندي، فهو سيظل متواترًا عنده، أما عندكم كأفراد سيصبح آحادًا، لماذا؟ لأن علماء الحديث

ص: 348

حين اصطلحوا على تسمية حديث ما بالمتواتر يشترطون التواتر في كل طبقة، مع اختلافهم البالغ والكثير في عدد التواتر، فمن قائل: عشرة وعشرين وثلاثين إلى مائة شخص، أي: لنأخذ أقرب الأمثلة: الحديث المتواتر هو الذي رواه عشرة عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، عن رسول الله .. وعن هؤلاء العشرة عشرة من التابعين، وعن هؤلاء عشرة من أتباع التابعين، وهكذا إلى أن يصنف في الكتب كتب الحديث.

فأحدنا إذا أراد أن يكون الحديث عنده متواترًا فعليه أن يقف على هذا الحديث متواترًا عند عشرة من المحدثين، أن يكون البخاري رواه من عشرة طرق، ومسلم من عشرة طرق، وأبو داود، وإلى آخره حينئذٍ صار الحديث متواترًا عند الذي حصل هذه الطرق العشرة تواترًا في حجم كتب السنة، فإذا قال الشيخ تقي الدين: هذا الحديث متواتر، فقد انقطع التواتر بينكم وبين التواتر؛ لأنه هو خبره آحاد .. هو خبره آحاد، هو يقول: حديث متواتر، فأنت تأخذ المتواتر عن فرد انقطع به التواتر، إذًا: أنتم لا يمكن أن تعتقدوا بحديث أنه متواتر.

ونكتُّ عليهم مرةً النكتة التالية: قلت: زعموا أن أحد هؤلاء ذهب إلى اليابان للتبشير بالإسلام، والشيخ تقي الدين رحمه الله له كتاب سماه: طريق الإيمان، وذكر فيه هذه الفكرة الخاطئة، وهو أن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد، فهذا الداعية الحزبي أخذ يدرس عليهم طريق الإيمان، فجاء فيما دَرَّس: أن خبر الآحاد لا يفيد العلم،

فهناك شخص كيس ذكي قال لهذا المحاضر يومًا: يا أستاذ! أنت فيما مضى درست علينا كذا وكذا: أن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد، وأنت الآن تعلمنا الإسلام العقيدة، فإذاً يجب أن ترجع أدراجك وتأتي بالعدد هذا التواتر عشرة .. عشرين .. ثلاثين، ويشهدوا معك أن هذا هو الإسلام حينئذٍ نحن نقبل منك، أما

ص: 349

الآن فلا .. هذه من لوازم فلسفة حديث التواتر وحديث الآحاد.

أنا أريد أن أقول: إن التفريق بين حديث التواتر وحديث الآحاد بأقسامه المستفيض والمشهور، هذه حقيقة واقعة، لكن من الذي يكشفها؟ يكشفها أهل العلم، هل من مصلحة عامة المسلمين أن تدرس هذه الفلسفة عليهم؟ الجواب: لا؛ لأن هذا يلقي على عقيدتهم كثيرًا من الشك والريب.

ثم إذا رجعنا إلى السلف الصالح ولأمر ما نحن ننتسب إلى السلف الصالح، ونفهم كيف تلقوا الإسلام، نجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل أفرادًا وآحادًا إلى البلاد كبلاد اليمن وبلاد الشام ونحو ذلك يعلمون الناس العلم، وبخاصة من أشهر هؤلاء الرسل معاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب، وأبو موسى الأشعري، كل هؤلاء أرسلهم الرسول عليه السلام إلى اليمن كأفراد ولم يفعل كما يفعل التبليغيون اليوم حين يخرجون زرافات .. جماعات، وليس فيهم علماء، أرسل أفرادًا، وكان من جملة ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أرسل معاذًا إلى اليمن قال له:«ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله» هذا أس العقيدة، أس التوحيد، [لكن] بزعم هؤلاء من علماء الكلام الذين جاءوا ببدعة حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة معناه -وقد قالوا هذا مع الأسف الشديد، -معناه: أن الرسول عليه السلام أرسل داعية لا تقوم به الحجة على المدعوين؛ لأنه فرد، وهذا لو نسب إلى شخص لكان عبثًا فكيف ينسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؟!

وهكذا كل الأخبار تترا بأن السلف الصالح لا يفرق بين خبر الآحاد وخبر اثنين أو أكثر إلى آخره، لكن لا شك أن هذا التفريق أمر واقع ما له دافع.

(فتاوى جدة -الأثر-" (3/ 00:04:02)

ص: 350