الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[9] باب الأمور الغيبية لا يخاض فيها بالأقيسة والآراء
[قال الإمام]:
واعلم أن كون الموتى يسمعون أو لا يسمعون إنما هو أمر غيبي من أمور البرزخ التي لا يعلمها إلا الله عز وجل فلا يجوز الخوض فيه بالأقيسة والآراء وإنما يوقف فيه مع النص إثباتا ونفيا.
"تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات"(ص37).
[وقال رحمه الله]:
- الاستدلال العقلي
…
لا مجال له في أمر غيبي.
"تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات"(ص60).
[10] باب الكلام حول خلاف الصحابة في العقيدة
سؤال: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: يقول السائل: فضيلة الشيخ! أنتم تزعمون أن العقيدة أمر قد أجمع عليه السلف، ومع ذلك نجد هناك خلاف بينهم في إثبات العين أو العينان.
الشيخ: أنتم ماذا أولًا.
مداخلة: أنتم تزعمون.
الشيخ: تزعمون نعم، ليته لطَّفها قليلاً.
مداخلة: أن العقيدة أمر قد أجمع عليه السلف، ومع ذلك نجد هناك خلاف
بينهم في إثبات العين أو العينان والساق، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر قول الله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (القلم:42) بالشدة والكرب
…
وكذلك في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه جل وعلا، فمن أثبت فيجب عليه الاعتقاد في ذلك، ومن نفى فيجب عليه اعتقاد مدلول النفي، فما موقفنا جزاكم الله خيرًا؟
الشيخ: كان ينبغي أن يكون السؤال بغير هذا التحذير؛ لأن السائل ما أظن نقل رأيي وبنى عليه توجيهه لهذا السؤال؛ ذلك لأننا نحن الذي ندين به أنه لا فرق بين ما يسمى أصولًا وبين ما .. (انقطاع صوتي)
أن يكونوا على اتفاق وعلى كلمة واحدة، إذا أمكنهم ذلك، أما وذلك قد لا يمكن أن يكون في الأصول فضلًا عن الفروع فحينئٍذ يعود الأمر إلى المجتهد إن كان قصد الحق فأصابه فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، لا فرق في ذلك كما قلنا بين الأصول والفروع، أما ادعاء الاتفاق في كل الأصول بخلاف الفروع، فهذا لا أعتقد أن عالمًا يقطع بذلك، كل ما في الأمر أننا نقول: إن السلف اتفقوا على أن الأصل في صفات الله تبارك وتعالى التي جاءت في الكتاب أو في السنة أن تمر كما جاءت ولا تؤول، هذا الذي يمكن أن يقال أنه أمر متفق عليه، أو على حد تعبير السائل: إنه أمر نزعمه وندعيه لازمين لذلك، ولكن هذا لا ينفي أن يقع بعض الخلاف في بعض المسائل التي تتعلق بهذا المنهج.
والمثال الذي ذكره السائل في تفسير الساق هذا صحيح أنه وقع فيه اختلاف، ولكن هل هناك خلاف بين هؤلاء الذين قد يختلفون في بعض الجزئيات مما يتعلق بالعقيدة أو بالتوحيد، هل بينهم خلاف في الأصل في القاعدة؟ الجواب: لا، وهذا الفرق بين أتباع السلف وبين الخلف، فالسلف هذه قاعدتهم أن يؤمنوا بكل ما جاء عن الله ورسوله دون تأويل ودون تعطيل، أما الخلف فالقاعدة عندهم
التأويل وليس هو التسليم.
وقد وجدت طائفة بين هؤلاء وهؤلاء وهم الذين يسمون بالمفوضة، فهم لا يؤمنون مسلمين بالمعاني الظاهرة لأدلة الكتاب والسنة المتعلقة بالصفات مع التنزيه، ولا هم يؤولون كما يفعل الخلف كالذين قلنا فيهم في الأمس القريب إنهم يقولون: إن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم، فالخلاف ليس في الجزئيات هذا لا يمكن الخلاص منه، وإنما الأصل في القاعدة: ما هي قاعدة السلف؟ هو الإيمان بكل ما جاء عن الله ورسوله إيمانًا بالمعاني الظاهرة المتباينة لغًة في النصوص مع التنزيه، كما في قوله تعالى، هذا دليل يستعمل كثيرًا وهو قوله عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فربنا عز وجل قدم هذه الجملة فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) تنزيهًا ليتبع هذا التنزيه بالإثبات ألا وهو قوله عز وجل: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11).
فالآن: إذا أردنا أن نسلك طريقة السلف فما يختلفون في فهم {السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) إطلاقًا؛ لأنهم يعتقدون أن صفة السمع غير صفة البصر، وأن كلًا من هاتين الصفتين كسائر الصفات الإلهية نثبتها كما جاءت مفرقين بين صفة وأخرى منزهين لله تبارك وتعالى، أن يشبه شيئًا من مخلوقاته.
ما هو موقف المعتزلة المعطلة؟ أنهم يقولون: يأخذون بالشطر الأول من الآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) تنزيه، لكنهم غلو في التنزيه وعطلوا فقالوا:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) أي: العليم، فعطلوا هاتين الصفتين؛ لأن الإنسان سميع وبصير فظنوا أنهم سووا، وظنوا أنهم بسبب فرارهم من إثبات هاتين الصفتين أنهم مع التنزيه دون التعطيل ولم يلاحظوا أن ما منه فروا بزعمهم وقعوا
في مثله؛ لأنهم حين يفسرون السمع والبصر بالغيب فالناس أيضًا فيهم عالم وجاهل، وبعض من يقول:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (الزمر:9) فإذًا هناك كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اشتراك لفظي وليس اشتراكًا حقيقيًا في المعنى، فصفة السمع وصفة البصر وصفة العين، هذه الصفات الثلاث اتصف بها ربنا تبارك وتعالى كغيرها مما جاء في القرآن، لكن كون الإنسان أيضًا يوصف بأنه سميع ويوصف بأنه بصير وقد يقال فيه عليم، فذلك لا يعني أن سمعه وبصره وعلمه كسمع الله وبصره وعلمه، لذلك فحينما فر المعتزلة بهذا التأويل للسمع والبصر والعلم يقال لهم: عطلوا صفتين حقيقتين من صفات الله تبارك وتعالى.
نعود الآن إلى الذين يفوضون، فماذا يقولون؟ يقول: نؤمن بالآية كما جاءت لكن لا ندري ما معنى عليم .. ما معنى سميع .. ما معنى بصير، نكل الأمر إلى الله تبارك وتعالى، ويلبسون على الناس أن هذا هو مذهب السلف، ليس هذا هو مذهب السلف، مذهب السلف إثبات للصفة مع التنزيه، مذهب المفوضة لا يثبتون شيئًا، يقولون: الله أعلم بمراده، أما التنزيه فهو أمر مشترك بين جميع الطوائف، سواءً السلف، أو المفوضة، أو الأشاعرة، أو الماتريدية، كلهم يلتقون في تنزيه الله عز وجل وعدم المشابهة للحوادث، لكنهم يختلفون في ما موقفهم تجاه كل الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة منها هذا المثال الذي بين
أيدينا الآن.
فإذا اختلف السلف في آية أو في حديث ما، فذلك لا يعني أنهم خرجوا عن هذه القاعدة، وإنما الخلف الذين يقولون: علم السلف أسلم، وعلم الخلف أحكم وأعلم، فالأصل إذًا في الاختلاف هو في القاعدة وليس فيما يلزم
…
اختلاف كل
من الطائفتين في جزء أو في صفة من الصفات كآية الساق، ولذلك فلا ينبغي أن يفهم أحد أن السلف لا يختلفون في شيء ما من آيات الصفات، لكن القاعدة هم متفقون عليها.
مثلًا: تفسير المعية: فقد يروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه ما قد يخالف غيره ممن جاء بعده، لكن كلهم يرجعون أخيرًا إلى إثبات الصفات كقاعدة، لا كالمعتزلة فخلافًا لمن تابعهم في كثير من الانحراف الذي انحرف فيه المعتزلة، فسمعتم آنفًا أن المعتزلة ينكرون صفة السمع والبصر، لكن الأشاعرة مثلًا يثبتونهما ولا يؤولونهما ولا ينكرون معناهما كما فعلت المعتزلة، لكن هؤلاء الخلف من الأشاعرة والمعتزلية في أصل المذهب أهو الإيمان بمعاني الصفات مع التنزيه أم الأصل هو التأويل؟ المتأخرين هؤلاء من الأشاعرة والمعتزلة بين مذهب السلف وبين مذهب الخلف فتارةً تراهم معتزلة كموقفهم من الكلام الإلهي حيث من المعتزلة يصرحون
…
بأن كلام الله مخلوق، أما الأشاعرة والماتريدية فهم يقولون: كلام الله ليس بمخلوق، ولكن إذا مخاصمتهم ودققت معهم وجدتهم في النهاية يلتقون مع المعتزلة.
في الوقت الذي يقولون فيه كلام الله صفة من صفاته خلافًا للمعتزلة لكن حينما يدقق الإنسان معهم في البحث إذا بهم يقولون: الكلام الإلهي الذي هو صفة من صفاته ليس هو الكلام الذي يؤمن به السلف، وكما قال عليه السلام في الحديث الصحيح:«من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول: ألف لام ميم حرف، بل ألف حرف، لام حرف، ميم حرف» (1) هم لا يقولون بأن كلام
(1) صحيح الجامع (رقم6469).
الله حرف لفظ وصوت كما يقول السلف، وإنما هم يلتقون مع المعتزلة في إنكار هذه الحقيقة، ولكن يختلفون عن المعتزلة بأنهم يفسرون الكلام الإلهي بما يعود إلى العلم، ولذلك حينما يردون على المعتزلة ويقولون لهم: لماذا أنتم تقولون: كلام الله مخلوق، أليس يقدر ربنا تبارك وتعالى على تفهيم موسى كلامه تبارك وتعالى؟! لا يقولون: أليس الله بقادر على أن يسمع كلامه موسى، وهو قال له:{فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (طه:13)، فيدعون هذه الوصفة المتعلقة بالكلام الله الإلهي، نأخذ من هذه الآية الصريحة:{فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (طه:13) ما يقولون المعتزلة: أليس الله بقادر أن يسمع كلامه وصوته لموسى، وإنما يقولون: أليس الله بقادر أن يفهم كلامه فأعادوا صفة الكلام إلى العلم كما يمكن أن يقال: أليس الله عز وجل بقادر على أن يعلم موسى الألواح.
فعند المعتزلة الألواح التي أنزلها الله على موسى عليه السلام وعبر عنها بقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164) يقولون صراحة: ليس الله هو الذي تكلم، وليس الله هو الذي قال:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (طه:14) وإنما الشجرة هي التي نطقت، فالله لا يتكلم ولا يتلفظ.
الماتريدية والأشاعرة يلتقون معهم في الحقيقة لكن يسمون الكلام الإلهي الثابت في القرآن بأنه كلام نفسي، لا يخرج .. لا يسمع .. لا يقرأ ونحو ذلك، فهذا ينبغي أن يكون في ذهننا: أن السلف يختلفون عن الفرق الأخرى في اتفاقهم على القاعدة وهي: تنزيه مع الإثبات، أما الآخرون فتأويل الذي هو التعطيل مع التنزيه، فلم يفدهم شيء التنزيه مع التأويل الذي يصاحبه في كثير من الأحيان التعطيل، وما أحسن ما قال ابن القيم رحمه الله، ولعله نقله عن شيخه ابن تيمية:"المعطل يعبد عدمًا، والمجسم يعبد صنمًا"، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها.
[فخلاصة المسألة]: هي أن الخلاف -كما قلت في مطلع هذه الكلمة- لا يقتصر عند المسلمين جميعًا على الفروع بل تعداه إلى الأصول والمقصود بها هي القواعد المتعلقة بالعقيدة، فذكرت أن السلف وأتباعهم من السلفيين لا يختلفون في القاعدة، ولكن قد يختلفون في بعض جزئياتها، الشأن في هذا تمامًا كالشأن في القواعد العلمية الأصولية الفقهية، فكأنما أهل الحديث لا يختلفون بعضهم مع بعض في أن المرجع عند الاختلاف إنما هو الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، وقد يختلفون مثلًا في حديث أهو صحيح أم ضعيف، هذا لا يضر، وقد يختلفون في فهم حديث صحيح وهذا لا يضر؛ لأن الأصل والقاعدة متفق عليها بينهم وليس كذلك عند من خالفهم.
وقد ذكرنا في الأمس القريب، أن كل الطوائف الإسلامية لا نستثني منهم طائفة، كلهم يقول: نحن على الكتاب والسنة لكن لا تجد منهم أحدًا يقول: وعلى ما كان عليه السلف الصالح، إذًا: هذا اختلاف في الأصل في القاعدة، فهذا الخلاف هو الذي يضر، أما الاختلاف في مسألة فذلك لا يضر لا فرق بين أن تكون هذه المسألة في العقيدة أو أن تكون في الأحكام الشرعية، إنما المهم أن يكون القاعدة والأصل متفق عليه.
فلهذا الذي أتى به السائل الآخر وهو اختلاف في الرؤية: هل رأى محمد ربه؟ نعم يوجد شيء من هذا الاختلاف، ولكن هذا الاختلاف ليس من النوع الأول، بمعنى: لم يثبت عن أحد من السلف في أنه قال جازمًا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ير ربه،
…
رأى ربه بل جاء عنهم خلاف ذلك، كل ما في الأمر ممن أثبت الرؤية هو ابن عباس رضي الله عنه لكن الروايات التي وردت عنه مضطربة، فلذلك ما يستطيع العالم أن يجزم بأن ابن عباس كان يقول بخلاف السيدة عائشة مثلًا،
السيدة عائشة كانت تنفي رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج جازمة بذلك ومستعظمة كل الاستعظام لمن قد يقول بأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه.
وقد روى الشيخان في صحيحيهما (1) من حديث مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه قال لها - مسروق هو القائل -: يا أم المؤمنين! هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد قَفَّ شعري لما قلت، قال: يا أم المؤمنين! ارحميني ولا تعجلي علي، أليس يقول الله تبارك وتعالى:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (النجم: 13 - 14) قالت: أنا أعلم الناس بذلك، سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:«رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح» ثم قالت مؤكدة نفيها لرؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لله تبارك وتعالى: ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية: من حدثكم أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تبارك وتعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (الشورى:51) وتلت قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} (الأنعام:103) فمن حدثكم بأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تعالى:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل:65) ومن حدثكم بأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئًا أمر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة:67).
هذه رواية صحيحة في الصحيحين، صريحة في أن السيدة عائشة جزمت بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرَ ربه، وعلى ذلك أحاديث تؤكد نفيها، هذا حديث مذكور؛ لأن هذا
(1) البخاري (رقم4574) ومسلم (رقم459).
من قول عائشة، لكن هناك أحاديث مرفوعة تؤكد ما قالته السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها
…
لحديث أبي ذر وهو أيضًا في حديث صحيح مسلم: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل: هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه» (1) وهذا تفصيله في حديث أبي موسى الأشعري، وقد ذكره الإمام مسلم بعد حديث أبي ذر، وفيه قال عليه السلام:«حجابه النور» فإذًا لما سئل عليه السلام: هل رأيت ربك؟ نفى ذلك، فنفي عائشة وهو زوجة الرسول عليه السلام معنى هذا أنها تكلمت بعلم تلقته من زوجها حيث لما سئل عليه الصلاة والسلام: هل رأيت ربك؟ قال: «نور» أي: هناك نور فكيف أراه؟
فهذه عائشة تقول جازمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرَ ربه ومعها حديثين
…
من الذي قاله من الصحابة في هذه القضية؟ يروى عن ابن عباس ثلاثة روايات: رأى ربه .. رأى ربه بقلبه .. رأى ربه بعينه، ثلاثة من روايات من طريق سماك بن حرب عن ابن عباس، ومعنى هذا أن الراوي للرؤية التي أثبتها ابن عباس، تارًة
…
فقال: رأى ربه، لكن المشكل: هو هل رأى ربه بعينه أم ببصيرته بقلبه؟ هنا تأتي هذه الروايات الثلاث: رأى ربه مطلقة، ثم روايتان أخريان مقيدةً، لكن إحداهما تخالف الأخرى فإحداهما تقول: رأى ربه بقلبه، والأخرى تقول: رأى ربه بعينه، فإذًا: الرواية مضطربة عن ابن عباس فلا نستطيع أن نقول إن ابن عباس يخالف قول السيدة عائشة رضي الله عنها.
والقصد من الكلمة السابقة هو أنه قد يصح مثل ذاك الاختلاف ولكن ليس كل اختلاف صحيح، وهذا مثاله، فنستطيع أن نقول إذًا: بأن نفس الخلاف بين
(1) مسلم (رقم461).