المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[59] باب منه - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ١

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌أقسام موسوعة الإمامالألباني

- ‌أقسام الموسوعة

- ‌القسم الأولجامع تراث العلامة الألباني

- ‌القسم الثانيجامع الدراسات والأعمال حول العلامة الألباني وتراثه

- ‌القسم الثالثترجمة العلامة الألباني

- ‌القسم الرابعدعاوى المناوئين للعلامة الألباني والرد عليها

- ‌القسم الخامستتميم النفع بتراث العلامة الألباني

- ‌أعمال أخرى لخدمة تراث الألباني

- ‌1 - مشروع الترجمة:

- ‌2 - مشروع تصميم برنامج "تقريب علوم الألباني

- ‌3 - مشروع إنشاء أكبر موقع للعلامة الألباني على الإنترنت:

- ‌4 - المواد المرئية:

- ‌مصادر الموسوعة

- ‌أولا: المصادر المكتوبة:

- ‌ثانيًا: المصادر المسموعة

- ‌نبذة عن فنِّ جمع النظائر

- ‌أولاً: جمع النظائر باعتبار الموضوع

- ‌ثانياً: جمع النظائر باعتبار«توسيع الموضوع وتضييقه»

- ‌ثالثاً: جمع النظائر باعتبار«حال المتلقي»

- ‌رابعًا: التوسيع والتضييق لإثراء المادة

- ‌خامساً: جمع النظائر باعتبار الاستقصاء والانتقاء

- ‌سادساً: جمع النظائر باعتبار الترتيب

- ‌جمع النظائر عن إمام من الأئمة

- ‌الأسباب الدافعة لجمع تراثالأئمة وضم نظائرها

- ‌عوامل قلة الانتفاع بعلم الإمام الألباني

- ‌آثار عوامل قلة الانتفاع بعلمالإمام الألباني رحمه الله ومظاهر ذلك، وطرق معالجتها

- ‌1 - صعوبة تحرير قول العلامة الألباني في مسألةٍ من المسائل

- ‌2 - قلة الدراسات والبحوث التي كُتبت حول الإمام وتراثه

- ‌3 - ضَعْف المادة العلمية لبعض الدراسات التي كُتبت حول الألباني على قلتها

- ‌4 - حصر عِلم العلامة الألباني بالحديث

- ‌5 - فتح المجال للنَّيْل من العلامة الألباني، والتلبيس على محبيه، لعدم توفر مادة الرد على مخالفيه

- ‌المنهج الذي سلكته في إعدادجامع تراث العلامة الألباني، والصعوبات التي واجهتني

- ‌منهج العمل فيجامع تراث الألباني في العقيدة

- ‌شكر وتقدير

- ‌كلمة أخيرة

- ‌جماع أبواب مقدمات عقدية هامة

- ‌[1] باب تعريف العقيدة

- ‌[2] باب أهمية الدعوة للعقيدة

- ‌[3] باب خطورة تنكب الدعاة عن الدعوة للعقيدة الصحيحة

- ‌[4] باب أهمية إعطاء الدعاة الأولوية

- ‌[5] باب بيان أهمية تصحيح العقيدة

- ‌[6] باب الرد على من ينكر الحرص الزائد على تعليم العقيدة ويقول أن العقيدة يمكن تلقيها في دقائق

- ‌[7] باب العقيدة أساس كل انتصار على الكفار

- ‌[8] باب "لا كيف" في المغيبات

- ‌[9] باب الأمور الغيبية لا يخاض فيها بالأقيسة والآراء

- ‌[10] باب الكلام حول خلاف الصحابة في العقيدة

- ‌[11] باب هل وقع اختلاف بين السلف في مسائل عقدية

- ‌[12] باب هل دراسة العقيدة محصورةفي كتب شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌[13] باب هل يجوز تدريس العقيدة للأطفالعلى شكل قصص حكايات

- ‌[14] باب بدعة تقسيم الدين إلى أصول وفروع

- ‌[15] باب حكم التفريق بين الشريعة والعقيدة

- ‌[16] باب هل يجوز للطالبأن يجيب على سؤال في امتحان بخلاف عقيدته

- ‌جماع أبواب بيان مصادرأهل السنة والجماعة في الاستدلال في العقيدة

- ‌[17] باب من هم أهل السنة

- ‌[18] باب أهل السنة يستدلون ثم يعتقدون، أما أهل البدع فيعتقدون ثم يستدلون

- ‌[19] باب ما المقصود بالجماعةفي قولنا أهل السنة والجماعة

- ‌[20] باب مصادر الاستدلال عند أهل السنة: الكتاب، السنة، فهم سلف الأمة، وبيان أثر التنكب عن منهج فهم السلف في أبواب العقيدة

- ‌[21] باب كلمة حول مصادر الاستدلال عند أهل السنة، مع التعرض لبيان موقع العقل من هذه المصادر، وبيان خطأ تقسيم الأحاديث إلى ظنية ويقينية وما يترتب على ذلك

- ‌[22] باب من أصول الاستدلال:القرآن والسنة الصحيحة وفهم السلف

- ‌[23] باب أهمية فهم السلف للكتاب والسنة

- ‌[24] باب مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم

- ‌جماع أبواب بيان منزلة السنة بجانب القرآنوكونها مصدرًا رئيسًا من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

- ‌[25] باب وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها

- ‌[26] باب لزوم اتباع السنة على كل جيل في العقائد والأحكام

- ‌[27] باب وظيفة السنة في القرآن

- ‌[28] باب ضرورة السنة لفهم القرآنوبيان ضلال المستغنين بالقرآن عن السنة

- ‌[29] باب من أصول الخلف التي تركت السنة بسببها

- ‌[30] باب ضعف حديث معاذ في الرأي وما يستنكر منه

- ‌[31] باب بطلان تقديم القياس وغيره على الحديث

- ‌[32] باب أهمية السنة بجانب القرآن

- ‌[33] باب منزلة السنة مع القرآن، وبيان حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[34] باب هلاك من يفسر القرآن بغير السنة

- ‌[35] باب عدم كفاية اللغة لفهم القرآن

- ‌[36] باب خطأ حصر أخذ العقيدة بالقرآن وحدهوالتعرض لحجية خبر الآحاد

- ‌[37] باب ضلال منكري حجية السنة

- ‌[38] باب ذكر ضلال القرآنيين وسببه

- ‌[39] باب الرد على القرآنيين

- ‌[40] باب متى يكون للآثار الموقوفة على الصحابة في العقيدة حكم الرفع فتنزل منزلة السنة

- ‌[41] باب لا يؤخذ في العقيدة إلا بالأحاديث الصحيحة

- ‌[42] باب منه

- ‌[43] باب منه

- ‌[44] باب لا يستدل على أهل البدع إلا بما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌جماع أبواب الكلام على حجية خبر الآحاد في العقيدةوالرد على المخالفين

- ‌[45] باب يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[46] باب من الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة

- ‌[47] باب خطورة تبني رد خبر الآحاد في العقيدةوذكر أهم من صنف في الرد على ذلك

- ‌[48] باب نقض القول برد حديث الآحاد في العقيدة من وجوه عِدة

- ‌[49] باب رد شبهات حول حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[50] باب خبر الآحاد يفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان وبيان أن سبب ادعاء أهل الضلال عدم إفادة حديث الآحاد العلم هو جهلهم بالسنة

- ‌[51] باب أمثلة على العقائد الإسلامية المتواترة

- ‌[52] باب عدم الإحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة بدعة محدثة

- ‌[53] باب منه

- ‌[54] باب منه

- ‌[55] باب منه

- ‌[56] باب منه

- ‌[57] باب منه

- ‌[58] باب منه

- ‌[59] باب منه

- ‌[60] باب حجية خبر الآحاد، ومصير أهل الضلال الذين ينكرونه

- ‌[61] باب الرد على من يفرِّقفي حجية خبر الآحاد بين العقائد والأحكام

- ‌[62] باب منه

- ‌[63] باب هل يؤخذ بالحديثالحسن لغيره في أبواب العقيدة

- ‌[64] باب منه

- ‌[65] باب في ذكر بعض من أنكر حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[66] باب بدعة تقسيم دلالةالأحاديث إلى ظنية الثبوت وقطعية الثبوت

- ‌[67] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد

- ‌[68] باب هل إنكار خبر الآحاد يُعَدُّ كفراً

- ‌جماع أبواب الكلام حول العقل وموقعه من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

- ‌[69] باب العقل الفطري السليممن أصول الاستدلال عند أهل السنة ومثال ذلك

- ‌[70] باب في رد شبهات من أنكر النقل وقَدَّس العقل، وبيان أن العقل الصحيح هو المطَعَّم بالشرع التابع له، وبيان خطورة الخوض في الغيبيات بالعقل

- ‌[71] باب خطر تحكيم العقل في الشرع

- ‌[72] باب هل العقل سواء مع الكتاب والسنة في الاستدلال

- ‌[73] باب بيان ضلال من حَكَّم العقل في الشرع

الفصل: ‌[59] باب منه

أقول يكفي أن السلف الصالح والأئمة الأربعة ما يعرفون هذه الفلسفة، ما يفرقون بين حديث العقيدة ولا يؤخذ، وحديث الأحكام يجب أن يؤخذ، ولكني سأذكر أخيراً نكتة تتعلق بطلاب العلم فيها فقه دقيق جداً، قلنا لبعض هؤلاء مرة إذا جاءكم حديث هو من ناحية فيه حكم شرعي، وهو حديث آحاد، ومن ناحية أخرى يتضمن عقيدة، فماذا تفعلون؟ إن أخذتم به لأن فيه حكم خالفتم من حيث أنكم أخذتم به؛ لأن فيه عقيدة. قال: كيف هذا مثاله؟ قلنا: هاك المثال روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ من أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» هل تأخذون بهذا الحديث وتستعيذون بالله من هذه الأربع في التشهد الأخير؟ قالوا: لابد. قلت لهم: فهل تؤمنون بما فيه من عذاب القبر، وأنتم لا تؤمنون بعذاب القبر، فماذا تفعلون؟! إن تركتم الحديث خالفتم قاعدة: وجوب الأخذ بحديث الأحكام، وإن أخذتم الحديث خالفتم قاعدة: لا يؤخذ بالحديث في العقيدة، وهكذا شأن المبطلين دائماً وأبداً، وبهذا القدر كفاية جواباً على هذا السؤال.

(الهدى والنور 541/ 25: 09: 00)

[59] باب منه

[قال الإمام]:

قد سمعتم أو قرأتم في بعض المقالات أو في بعض الكتب أن حديث الآحاد لا تثبت به العقيدة، هذا الكلام يعني معنى اصطلاحياً، فلا بد من توضيحه: العقيدة هي كل ما يتعلق بعالم الغيب مما لا يرتبط به حكم عملي، بخلاف الأحكام

ص: 357

والعبادات فهي تتعلق بأعمال المكلفين من العباد، الإيمان بالغيب دائرته واسعة جداً، لنضرب على ذلك مثلاً: عذاب القبر، عذاب القبر عقيدة لا يترتب من ورائه حكم شرعي حتى تعرف الكيفية؛ ولذلك فالإسلام يأمرنا أن نؤمن بالغيب ولا نتكلف ولا نتعمق في معرفة هذه الكيفية الغائبة عنا، فمثل عذاب القبر عقيدة من العقائد، من يقول بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، يعني: أنه إذا جاءنا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه بيان أن عذاب القبر حق فهذا الحديث ولو كان صحيحاً فلا يؤخذ به عند هؤلاء؛ لأنه يدخل تحت قولهم: حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، وهذا الأصل أو هذه العقيدة المزعومة يدخل تحتها عشرات الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يأخذ بها هؤلاء الذين قعدوا هذه القاعدة وأسسوها من محض آرائهم، بل أقول من فلسفتهم، ولا دليل لهم على ذلك من كتاب ولا سنة، بل ذلك يخالف السنة بالمعنى الذي ذكرته آنفاً، أي: ما كان عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

الآن لنذكركم بسنة من هذه السنن بعد أن عرفتم المعنى الحقيقي من

لفظة السنة إذا تلفظ بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كالحديث الأول: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» (1).

من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يرسل الرسل من طرفه عليه السلام إلى البلاد البعيدة يدعون المشركين إلى دخولهم في الإسلام، فهو أرسل معاذاً إلى اليمن، وأرسل علياً، وأرسل غيره كأبي موسى الأشعري وأرسل وأرسل، هؤلاء أرسلهم دعاة إلى الإسلام، ومن الملاحظ أن الداعي هنا هو شخص واحد، وهذا يمثل حديث الآحاد في الاصطلاح السابق.

(1) البخاري (رقم4776) ومسلم (رقم3469).

ص: 358

لعل الأمر يتطلب شيئاً زيادة في التوضيح، ما المقصود بحديث الآحاد؟ ليس المقصود فقط أنه شخص واحد يحدث عن الرسول بحديث فيسمى هذا الحديث آحاد، هو كذلك، لكن حتى لو أن شخصين حدثا بحديث عن الرسول عليه السلام أيضاً يسمى حديث آحاد وثلاثة وأربعة، حتى يبلغ العدد عدد التواتر، واختلفوا قديماً وحديثاً في تحديد عدد التواتر، ولست الآن بحاجة إلى الخوض في هذا الخلاف؛ لأنه غير مهم، المهم عدد التواتر عدد يتحقق اليقين في نفس السامع للخبر من هذا العدد الغفير، كانوا عشرة أو عشرين أو أكثر، أما إذا حدث بحديث ما شخصان أو ثلاثة فالاصطلاح المذكور آنفاً يسميه حديث آحاد، أقول هذا حتى لا يتبادر لمن لم يقرأ شيئاً من علم مصطلح الحديث المعنى اللغوي، حديث آحاد يعني اعتراض (1)، لأن المقصود به ولو كان حديث جمع وهم ثلاثة فضلاً عن اثنين فهذا يسمى حديث آحاد، فإذا جاء الحديث من طريق صحابي واحد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا حديث آحاد، وإذا رواه عن هذا الصحابي تابعي واحد فهو حديث آحاد وهو كذا حتى يسمى في الكتب المعروفة بكتب السنة.

فإذا جاء مثل ذلك الحديث: «وعذاب القبر حق» حديث آحاد أو اثنين أو ثلاثة المهم حديث آحاد وليس حديث تواتر قال الذين قالوا: حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، هذا الحديث نحن لا نأخذ به، لماذا؟ لأنه حديث آحاد، طيب ماذا يقولون؟ هنا الشاهد، ماذا يقولون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أرسل أولئك الأصحاب مرة أبا موسى .. مرة معاذ بن جبل .. مرة علي بن أبي طالب .. مرة دحية الكلبي، كثير وكثير جداً، هؤلاء أفراد كانوا يبلغون الناس الذين سمعوا باسم

(1) أي يعترض على المعنى الاصطلاحي باللغوي.

ص: 359

الرسول عليه الصلاة والسلام ولا يعرفون ماذا يدعو إليه، فأرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واحداً منهم ليعرفهم بدين الإسلام، فلو كان حديث الآحاد لا تقوم به حجة فمعنى كلامي هذا أن الرسول عليه السلام ما أحسن أسلوب الدعوة؛ لأنه أرسل أفراداً لا تقوم بهم الحجة، بناء على قاعدة: حديث الآحاد لا تقوم به حجة، أما من آمن بقوله عليه السلام السابق ذكره:«فمن رغب عن سنتي» عن منهجي وطريقي في كل ما جئت به، سواء كان أسلوباً أو غاية، الغاية هو الإسلام والأسلوب

الإسلام، «فمن رغب عن سنتي فليس مني» فإذا كان يوجد اليوم كما وجد قبل اليوم بسنين طويلة من قال: حديث الآحاد لا تثبت به العقيدة، معنى ذلك: أن الإسلام لا يثبت بقول العالم الفلاني والعالم الفلاني، معلماً الذين لا يعلمون، وأنتم تعلمون قول رب العالمين:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43).

ولقد قال بعضهم لبعض هؤلاء الذين يتبنون هذه الفلسفة الدخيلة في الإسلام والمخالفة لسنة النبي عليه الصلاة والسلام ألا وهي: حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، قال مرة: بعضكم يذهب أحياناً إلى بعض البلاد الكافرة،

مثل اليابان مثلاً يدعو إلى الإسلام، وأول ما يبدأ في الدعوة الإسلام لا بد

يبدأ بالعقيدة؛ لأنه الأصل أصل الإسلام بني على قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ

إِلَّا اللَّهُ} (محمد:19)، فحينما أنت تدعو إلى الإسلام فأنت تنقض نفسك بنفسك، كيف؟

أنت فرد وتدعو الكفار إلى أن يؤمنوا لهذا الإسلام الذي تنقله أنت إليهم وأنت تقرر لهم أن حديث الآحاد لا تقوم به الحجة، صار هنا تنافر، وصار هنا تضاد، ومعنى هذا: أنه لا يمكن أن تقوم حجة الله على أي كافر أو على أي جماعة

ص: 360

من الكفار إلا إذا ذهب جماعة من المسلمين يبلغون أولئك الأقوام دين الإسلام، هذا أمر حسن، أن يذهب جماعة من أهل العلم يبلغون الإسلام، هذا أمر حسن، ولكن إذا لم يتيسر إلا واحد أو اثنين كما فعل الرسول عليه السلام، لا تقوم حجة الإسلام بهذا الواحد أو الاثنين تلك الفلسفة الدخيلة في الإسلام تقول: لا تقوم الحجة، وهذه قاعدة معروفة: حديث الآحاد لا تقوم به حجة، وعرفتم أنه يخالف سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما أرسل دعاة من طرفه أفراداً وآحاداً.

بل قد جاء في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أرسل معاذاً إلى اليمن قال: إنك تأتي أقواماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك فأمرهم بالصلاة، فإن هم استجابوا لك فأمرهم بالزكاة بالصيام .. » وهكذا، فأمره أن يبدأ حينما يدعو أولئك النصارى بعقيدة التوحيد، عقيدة التوحيد أس العقائد الإسلامية كلها، فإذا كان حديث الآحاد وهو هنا معك لا تقوم به الحجة فلازم هذا القول أبطل ما يكون وهو: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان من الواجب عليه أن يرسل عشرات من مثل هذا الصحابي ويجتمعون كلهم ويبلغونه الإسلام، وهذا مما لم يقع من الرسول عليه السلام، لِمَ؟ لأن الحجة تقوم ولو بفرد واحد، لكن بشرط: أن يكون عالماً، بشرط: أن يكون فقيهاً، قلت آنفاً: لو ذهب جماعة من أهل العلم إلى بلد ما فدعوهم إلى الإسلام، بلا شك هذا أقوى، لكن يشترط في هؤلاء أن يكونوا من العلماء.

قلت من قبل قليل: لأني أضرب لكم مثلين مما يتعلق بواقع بعض الدعاة اليوم، فهذا هو المثل الأول: أن حديث الآحاد لا تقوم به حجة، وهذا خلاف قوله عليه السلام وفعله.

ص: 361

المثال الثاني: عرفتم من بعض الأمثلة التي ذكرتها آنفاً أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يرسل أفراداً، ما كان يرسل هؤلاء الأفراد جماعات من عامة الصحابة، أي: ممن يشملهم قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43)، أي: ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرسل أمثال أولئك الدعاة الذين سمينا لكم بعضهم كمعاذ، ما كان يرسل معه خمسة أو عشرة أو أكثر من أصحاب الرسول عليه السلام الذين ليسوا بعلماء، ونحن اليوم نعلم أن جماعة مسلمة ويغلب على ظاهرهم الصلاح والتقوى والرغبة في اتباع الأحكام الشرعية، لكنهم مع ذلك يخالفون سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كثير من تصرفاتهم، لم؟ لأنهم إما أنهم لا يعلمون السنة التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:«فمن رغب عن سنتي فليس مني» ، إما أنهم لا يعلمون هذه السنة، أو أنهم يعلمونها ويعرفونها جيداً ولكن منهج دعوتهم لم تقم على السنة، وكما يقال في مثل هذه المناسبة: أحلاهما مر، فإن كانوا لا يعلمون السنة فلذلك هم يخالفونها، فهذا بلا شك مر، وإذا كانوا يعلمونها ويعرفونها جيداً كما يعرفون أبناءهم ثم هم يحيدون عنها فهذا أمر، وحينئذ ينطبق عليهم الحديث السابق:«فمن رغب عن سنتي فليس مني» .

إذاً: هذان مثلان مما يترتب من التعدد للحزب أو تعدد الطوائف أو تعدد الجماعات بسبب تعدد المناهج، والمنهج إنما هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، كما عرفتم من حديث الفرقة الناجية:«ما أنا عليه وأصحابي» ، وأؤكد معنى هذا الحديث بقوله تعالى وأرجو أن تنتبهوا لمعنى هذه الآية ولا يتغلبن على فرد منكم فكرة قائمة منذ القديم، فلا يعرج ولا ينتبه لما يسمع من جديد من قول الرسول عليه السلام السابق ذكره ومن قول ربنا عز وجل الذي أختم به الجواب عن هذا السؤال، ألا وهو قول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا

ص: 362