الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طبقه سلفنا الصالح، ولكي نعرف ما كان عليه السلف الصالح، فيجب أن يكون عندنا كتب تروي لنا آثار السلف، كما تروي لنا أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام.
هذا فيما يتعلق بالعلم النافع
…
"الهدى والنور"(391/ 31: 29: 00) و (391/ 41: 57: 00).
[23] باب أهمية فهم السلف للكتاب والسنة
[الشيخ]: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).
أما بعد: فإن خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد
…
فإنه ليس لديَّ ما أُقدمه إليكم سوى أن أحمد الله تبارك وتعالى، أن جمعنا مع إخوان لنا يعيشون بأجسادهم بعيدين عنا ولكنهم بقلوبهم قريبون منا؛ لأن دعوة الحق التي هدانا الله تبارك وتعالى إليها وجمع كلمتنا حولها وهي دعوة اتباع الكتاب والسنة، هذه بعد
أن هدانا الله عز وجل إلى الإسلام بعامة هي أعظم النعم؛ أن هدانا الله تبارك وتعالى إلى أن نفهم الإسلام على أساس الكتاب والسنة، هذا الأساس الذي هو الضمان لكي لا ينحرف المسلمون يميناً ويساراً، وأن يكونوا على هدى من ربهم في كل زمان وفي كل مكان، ما دام أنهم قد تمسكوا بحفظ الكتاب والسنة، مصداقاً لقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم:«تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» لا أريد أن أطيل الكلام في هذه القضية لأنني أعتقد بأنكم لستم بحاجة إلى مثل هذا الكلام، ولكني أريد أن أدير كلامي أو أن أدندن على قضية قد تخفى على كثير ممن قد يشتركون معنا في هذه الدعوة - دعوة الحق- ألا وهي الكتاب والسنة قد يخفى على كثير من الذين يشتركون معنا في هذه الدعوة حقيقة جاء الكتاب والسنة يؤكدانها ويلفتان النظر إلى ضرورة التمسك بها ألا وهي ضرورة فهم الكتاب والسنة على منهج سلفنا الصالح رضي الله عنه.
هذه الغنيمة وهي أن يكون فهمنا لكتاب ربنا ولسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم على ما كان عليه السلف الصالح، ذلك لأننا في زمان قد صحا فيه كثير من الجماعات الإسلامية التي كانت من قبل في سبات عميق وفي غفوة شديدة عن ضرورة الاعتماد في المسائل الخلافية حول الكتاب والسنة، لما تجلت لهم هذه الحقيقة أو هذه القضية لم يسعهم أن يظلوا مصرين على مخالفتهم في دعوتنا القائمة على الكتاب والسنة، ولكنهم لا يزالون بعيدين عنا في منهجنا الذي نلتزمه في فهمنا لكتاب ربنا وسنة نبينا، وذلك أن يكون الفهم لهذين النظيرين على ما كان عليه السلف الصالح.
ذلك أن كل الجماعات الإسلامية الموجودة اليوم على وجه الأرض لا
يمكن لأحدٍ منها أو واحدة منها أن يعلن عدم اعتزازه بدعوة على الكتاب والسنة، ولكنهم مع هذا الاعتزاز يفسرون النصوص من الكتاب والسنة حسب ما تقتضيه تكتلاتهم وحزبياتهم، ولا يرجعون في ذلك إلى فهم النصوص على ما كان فهمها سلفنا الصالح، أكرر على مسامعكم ثم أؤيد ما أقول لكم: لا ينبغي أن تقتصر دعوتنا على الكتاب والسنة فقط بل يجب أن نضم لذلك ما أشار الله تبارك وتعالى إليه في كتابه الكريم، ثم تولى نبينا صلوات الله وسلامه عليه بيان ذلك في سنته الصحيحة، انطلاقاً منه وتجاوباً مع قول ربنا عز وجل حين خاطبه بقوله:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) مما ينبه عليه الصلاة والسلام من كلام رب الأنام قوله عز وجل في القرآن: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115) الشاهد من هذه الآية قوله عز وجل فيها ويتبع غير سبيل المؤمنين فإن هذه الآية تُلفت النظر، أن على المسلمين في كل زمان وفي كل مكان ألا يخرجوا عن سبيل المؤمنين، حيث قال رب العالمين {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115) فما حكمة هذه الجملة المعطوفة على ما قبلها، وهي ويتبع غير سبيل المؤمنين، كان من المفيد أن تكون الآية دون هذه الجملة «ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا» ، لو كانت الآية هكذا بهذا الاختصار لكان معنىً سليماً مستقيماً لا غبار عليه إطلاقا؛ لكن الله عز وجل حينما عطف على قوله {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} وقال:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} أراد بذلك أن يلفت نظر المؤمنين الذين يحذرون من أن يشاققوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، أيضاً يجب عليهم أن يحذروا من أن يخالفوا سبيل المؤمنين.
وكيف يمكن مخالفة سبيل المؤمنين مع إتباع سنة سيد المرسلين؟ الأمر
عند أهل العلم معروف جيداً؛ لأن نصوص الكتاب والسنة يمكن في بعض الأحوال أن تفسر تفسيراً، ويظهر هذا التفسير للمؤمنين بالكتاب والسنة على أن هذا هو المعنى المراد منهما، ويكون هذا التفسير خطأ؛ لأنه خالف سنة المؤمنين وسبيل المؤمنين.
وتأكيداً لهذا المعنى المتضمن في هذه الجملة المعطوفة ألا وهي قول تعالى: {ويتبع غير سبيل المؤمنين} نجد نبينا صلوات الله وسلامه عليه قد ضم هذه الضميمة في بعض الأحاديث الصحيحة تفسيراً منه لهذه الآية الكريمة، أنتم مثلا قرأتم أو سمعتم حديث الفرق الثلاث وسبعين فرقة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة،» قالوا: من هي يا رسول الله، هنا الشاهد - من هي يا رسول الله هذه الفرقة الناجية من بين ثلاث وسبعين فرقة، فرقة واحدة منها هي الناجية قال عليه السلام:«هي التي ما أنا عليه وأصحابي» ، فهنا تجدون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتصر على قوله:«على ما أنا عليه» ، وإنما عطف على ذلك قوله:«وأصحابي» ، ما السر في ذلك هذا الحديث يعتبر تفسيراً للآية التي ذكرناها آنفاً وكررناها على مسامعكم مراراً لترسخ في أذهانكم؛ إن المعنى المقصود من قوله عز وجل فيها:«ويتبع غير سبيل المؤمنين» فقد جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الفرق، وفي بيان الفرقة الناجية ووصفها بوصفين اثنين وليس بوصف واحد، وهي: أنها تكون على ما كان عليه الرسول هذا هو الوصف الأول، ولكنه جاء بوصف ثاني وأخير وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«وأصحابي» هذا الحديث وهذا اللفظ تفسيره بالرواية الأخرى وهي
الأشهر والأقوى سنداً، وهي التي تقول جواباً عن سؤال السائلين عن الفرقة الناجية قال عليه الصلاة والسلام:«هي الجماعة» ، «هي الجماعة» ، فقوله هذا تفسير للآية السابقة «ويتبع غير سبيل المؤمنين» فسبيل المؤمنين هي الجماعة والجماعة هي سبيل المؤمنين
ومعنى هذا أنه ويجب على علماء المسلمين خاصة في هذه الأزمنة المتأخرة ألا يُعْمَل فقط بدراسة السنة ومعرفة ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا أمر لا بد منه لأن تفسير القرآن لا يستقيم ولا سبيل إليه إلا بطريق السنة التي هي بيان القرآن كما ذكرنا آنفا، لا يمكن للعالم أن يكتفي على دراسة الكتاب والسنة في العصر الحاضر، بل لا بد أن يضم لذلك دراسةً ثالثةً؛ وهي: أن يعرف ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الهدى والنور؛ لأنهم قد تلقوا البيان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن، وبيان الرسول عليه السلام بالسنة القولية في كثير من الأحيان لفهمه أو لتقريبه هذه الأمور التي لا يمكن الوصول إليها إلا بمعرفة أثار السلف الصالح.
فلذلك فالحديث هذا أيضا يلتقي مع حديث آخر طالما سمعتموه أو قرأتموه في كتب الحديث، ألا وهو حديث العرباض ابن سارية رضي الله وتعالى عنه الذي قال:«وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله أوصنا وصية لا نحتاج إلى أحد بعدك أبدا؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي» - هنا الشاهد - لم يقتصر عليه الصلاة والسلام على كلمته هذه فعليكم بسنتي بل عطف عليها أيضا كما فعل في حديث الفرق: «وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» زاد
في حديث جابر رضي الله عنه «وكل ضلالة في النار» الشاهد أنكم تسمعون في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل النجاة والخلاص من الافتراق الذي سيقع فيما بعد الرسول عليه السلام إنما هو التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده؛ ذلك لأن طريقة هؤلاء الخلفاء الراشدين كطريقة عامة الصحابة الذي أَطْلَق عليهم في الحديث السابق لفظة: «الجماعة» هم اللذين فهموا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعاني الصحيحة للآيات والأحاديث القولية.
ونقولها إلى الأمة بيضاء نقية ليلها كنهارها: إذا لم يهتم العلماء بخاصة بهذا الجانب الثالث مما سبقت الإشارة إليه في هذه النصوص صار الكتاب والسنة هوى متبعاً، ونحن نجد اليوم خلافات كثيرة وكل هؤلاء المختلفين يدعون أنهم على الكتاب والسنة مهما كانت كتاباتهم وكانت تجمعاتهم، يدندنون حول الكتاب والسنة، لكنكم لا تجدون على وجه الأرض اليوم وعلى الساحة الإسلامية في هذه الجماعات من ارتضت لنفسها في فهم كتاب ربها وسنة نبيها منهج السلف الصالح، إلا جماعة واحدة على وجه الأرض لهم أسماء مختلفة والمسمى واحد؛ ففي بعض البلاد يسمى هؤلاء انتماءً إلى الجماعة المشار إليها وهي جماعة السلف، ويقولون دعوتنا دعوة السلف الصالح ونحن ننتسب إليهم ونقول: إننا سلفيون، أو نقول: نحن من أهل الحديث، أو يقولون: نحن أنصار السنة
…
ولابد من التنبيه معتذراً لإطالة الكلام في هذه المسألة الهامة لأني أتصور أن بيننا لقاءات ولقاءات كثيرة يمكن أن يَصْدْقَ فيها ما يقال اليوم إننا سنتمكن هناك من وضع النقاط على الحروف كما يقولون اليوم، لكن لا بد لي في ختام هذه الكلمة من لفتة نظر إلى أن كثيراً من الجماعات الإسلامية الأخرى التي تنتسب إلى أسماء إما أسماء لجماعة معينة من الخلف، أو أسماء إلى حزب معين من الخلف، أو إلى أشخاص معروفين
أو نحو ذلك هؤلاء؛ كلهم يكادون يجمعون على إنكار استعمال كلمة السلف أو الانتساب إليهم، كأن يقال نحن أتباع السلف أو الفرد الواحد من يقول: أنا سلفي إنهم منكرون هذه النسبة، وفي اعتقادي أنهم لو تنبهوا لمعنى هذه النسبة لما استطاعوا أن يبادروا إلى إنكار هذه النسبة؛ لأن معناها الانتساب إلى السلف الصالح الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخيرية في الحديث المتواتر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» . هؤلاء هم السلف، وعلى رأسهم محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فمن من المسلمين يستطيع إذا ما تنبه لمعنى هذه الكلمة السلف أو السلفي المنسوب للسلف الصالح من المسلمين بعد هذا يستطيع أن يتبرأ من أن يكون تابعاً للسلف؟! وبالتالي من أن يكون بشخصه سلفياً إنما يبادر إلى إنكار هذه النسبة أولئك الذين لا يعرفون قدر السلف وقيمة السلف، والسبيل التي ذكرها ربنا في الآية الأولى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115) لذلك نحن دعوتنا ليست محصورة في الكتاب والسنة - وهذا لا بد منه لكل مسلم - لكننا نضيف إلى ذلك؛ صيانةً لنا من أن ننحرف يمينا أو يساراً، وأن نكون فرقة من الفرق الاثنين وسبعين.
لو ضربنا مثلاً: من أخطر الفرق الإسلامية الموجودة اليوم الحديثة على وجه الأرض كالطائفة القاديانية مثلاً، والذين ينتسبون إلى الأحمدية تضليلاً لجماهير المسلمين هؤلاء لو قلنا لهم ما مذهبكم؟ لقالوا: الكتاب والسنة، ولكنهم يتلاعبون ويفسرون الكتاب والسنة على خلاف ما كان عليه السلف الصالح، والأمثلة في هذا المجال كثيرة وكثيرة جداً لعل لبيان
…
هذا مجال آخر، فبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين.
"الهدى والنور"(377/ 42: 00: 00)