الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شكر وتقدير
كُلَّما تناولت قلمي فيأخذ موضعه بين أناملي لِأَكْتُبَ كلمةَ حمْدٍ وشُكْرٍ وإجلال لله رب العالمين، تَذَكَّرتُ رسالة منصور بن عَمَّار إلى بشر الحافي.
فقد كتب بشر الحافي إلى منصور بن عمار: «اكتب إليَّ بما مَنَّ الله علينا» فرد عليه منصور بن عمار في رسالة قال فيها: «أما بعد يا أخي، فقد أصبح بنا من نِعم الله ما لا نحصيه، في كثرة ما نعصيه، ولقد بقيت متحيراً فيما بين هذين، لا أدري كيف أشكره؟! لجميل ما نَشَر، أو قبيح ما سَتَر» (1).
«أسأل الله الكريم الذي به الضر والنفع، والإعطاء والمنع؛ أن يجعل عملي هذا لوجهه خالصاً، وأن يداركني بألطافه إذا الظلُّ أضحى في القيامة قالصاً، وأن يتجاوز عني إنه السميع العليم، وأن يرفع به درجتي في جنات النعيم، وأن يجعله ذخيرة لي عنده إنه ذو الفضل العظيم، وأن ينفع به من تلقاهُ بالقبول، إنه جوادٌ كريم، وأن يخفف عني كل تعب ومؤنه، وأن يمدَّني بحسن المعونة، وأن يهب لي خاتمة الخير، ويقيني مصارع السوء، وأن يتجاوز عن فرطاتي يوم التناد، ولا يفضحني بها على رؤوس الأشهاد، أنا ووالدي وأولادي، وأقاربي وأحبابي، ويحلنا دار المقام من فضله بواسع طوله وسابغ نوله، إنه هو الجواد الكريم، الرؤوف الرحيم.
وهذا العمل ما كان في قدرتي، فإنني- والله- معترف بقصر الباع، وكثرة
(1) انظر «تاريخ بغداد» (13/ 74).
الزلل، ولكنَّ فضل الله لا يُعَلَّلُ بشيء من العِلل.
فلهذا رَجَوتُ أن أكون متصفاً بإحدى الخصال الثلاث التي إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا منها، بل أرجو من الله الكريم اجتماعها، إنه جواد كريم حليم» (1).
- وامتثالاً لما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»
فإني أتوجه بالشكر إلى مَنْ له الفضل الأول بعد الله عز وجل في إنجاز هذا العمل الكبير، وهو أبي الفاضل، الطبيب الكبير: محمد سالم نعمان.
وإذا كان الله عز وجل قد أمر الإنسان أن يدعو لأبويه بالرحمة جزاءً شكوراً لتربيتهما له في صغره فقال سبحانه: {وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرا} ، فكيف الحال مع والدي الذي رباني صغيرًا، وأحاطني برعايته وكرمه كبيرًا.
فقد تكرم-حفظه الله وأطال في عمره- بتمويل هذا المشروع الكبير منذ وضعتُ البذرة الأولى له إلى يوم حصاده، ولا يُقدر المبالغ التي يتطلبها مثل هذا المشروع إلا من عايش مثله، ولولا ذلك لم يَعْدُ هذا العمل أن يكون أضغاث أحلام تراودني ثم سرعان ما تزول وتتبخر.
ومن جانب آخر فإن أبي - حفظه الله- لم يشغلني بحطام الدنيا الفاني، ومتاعها الزائل، ولم يدفعني للركض وراءَ مالٍ فانٍ، أو مكانة اجتماعية زائفة، بل كان -حفظه الله- خيرَ معينٍ لي فيما أنا فيه من خير ونعمةٍ.
فوفَّر لي- حفظه الله- المال والوقت، وهما رأس مال الباحث وطالب العلم في هذا الزمان، فكم عايشنا ورأينا من إخواننا طلاب العلم الأذكياء النبهاء من
(1)«تفسير السراج المنير» (4/ 453) بتصرف يسير حداً.
تميد بهم الدنيا ذات اليمين وذات الشمال لفقرهم وحاجتهم مما يضطرهم إلى ترك طلب العلم والانشغال بوظيفةٍ أو عمل، فتضيع على الأمة فرصة الانتفاع بعلمهم وجهدهم، والله المستعان.
- كما أتوجه بالشكر إلى أمّي العزيزة الغالية .. رحمها الله!
قليلٌ هم أولئك الذين يعيشون لغيرهم، وهكذا كانت هي ..
وقليلٌ هم أولئك الذين يقضون أعمارهم في العطاء ولا ينتظرون الرد، وهكذا كانت هي ..
سَهِرَت، وكَدَّت، وتعبت، وبذلت، وأعطت ..
حتى إذا اشتد الساعد واستوى السُّوق، وجاء دوري لأرد شيئاً من جميلها ..
كنتُ- وكانت- على موعدٍ مع ليلةٍ هادئة ..
ولأمرٍ ما .. لم يَزُرْنِي النوم في تلك الليلة- ولم يَزُرْهَا-
…
فانتقلتُ إلى حجرتها .. فساهرتُها والقمرَ إلى الفجر ..
وما أقساه مِن فجر ..
كانت على سفرٍ في صباح ذلك اليوم إلى الخارج ..
فودَّعتها وودَّعتني إلى لقاءٍ قريب ..
وهكذا كنَّا نظنّ ..
ثم جاءني خبرٌ من بَعِيْد .. أظلمت له الدنيا في عيني ..
إنَّ ثمة أمراً أراده الله أن يكون فكان ..
فكانت تلك الليلة هي الأخيرة ..
وسَطَرَ ذلك الفجر النهاية ..
وإنني كلما أنشأتُ أكتبُ عن أمي -أوْ لَها- خذلني قلمي، وأَغرفتِ الدموعُ قِرطاسي، وأسلمتُ فكري لذكرياتٍ لا نهاية لها، وتمنيت أن لو عادت تلك الليلة .. أو رُفِعَ أذان ذلك الفجر من جديد .. ولكن الله شاء فكان ما شاء ..
أسأل الله أن يتغمدَ أمِّي برحمته، وأن يغفر لها ويرحمها، وأن يجمعني بها في جناته، وأن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتها يوم الدين.
ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر: إلى فريق العمل الذي قام على نسخ المواد الصوتية المطلوبة وعلى أكثر مراحل الصف والتنسيق لهذا العمل، وقد كان جهدهم من أهم العوامل التي أدت إلى إنجاز هذا المشروع في وقت قصير مقارنة بحجمه.
كما أتوجه بالشكر إلى أخي الفاضل وصديقي الكريم فهد بن علي اللحجي-حفظه الله- الذي تكرم بمساعدتي في مراجعة التجربة الأخيرة للعمل قبل دفعه إلى الطبع، فوفَّرَ عليَّ وقتًا وجهداً جزاه الله خيراً كثيراً.