المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[46] باب من الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ١

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌أقسام موسوعة الإمامالألباني

- ‌أقسام الموسوعة

- ‌القسم الأولجامع تراث العلامة الألباني

- ‌القسم الثانيجامع الدراسات والأعمال حول العلامة الألباني وتراثه

- ‌القسم الثالثترجمة العلامة الألباني

- ‌القسم الرابعدعاوى المناوئين للعلامة الألباني والرد عليها

- ‌القسم الخامستتميم النفع بتراث العلامة الألباني

- ‌أعمال أخرى لخدمة تراث الألباني

- ‌1 - مشروع الترجمة:

- ‌2 - مشروع تصميم برنامج "تقريب علوم الألباني

- ‌3 - مشروع إنشاء أكبر موقع للعلامة الألباني على الإنترنت:

- ‌4 - المواد المرئية:

- ‌مصادر الموسوعة

- ‌أولا: المصادر المكتوبة:

- ‌ثانيًا: المصادر المسموعة

- ‌نبذة عن فنِّ جمع النظائر

- ‌أولاً: جمع النظائر باعتبار الموضوع

- ‌ثانياً: جمع النظائر باعتبار«توسيع الموضوع وتضييقه»

- ‌ثالثاً: جمع النظائر باعتبار«حال المتلقي»

- ‌رابعًا: التوسيع والتضييق لإثراء المادة

- ‌خامساً: جمع النظائر باعتبار الاستقصاء والانتقاء

- ‌سادساً: جمع النظائر باعتبار الترتيب

- ‌جمع النظائر عن إمام من الأئمة

- ‌الأسباب الدافعة لجمع تراثالأئمة وضم نظائرها

- ‌عوامل قلة الانتفاع بعلم الإمام الألباني

- ‌آثار عوامل قلة الانتفاع بعلمالإمام الألباني رحمه الله ومظاهر ذلك، وطرق معالجتها

- ‌1 - صعوبة تحرير قول العلامة الألباني في مسألةٍ من المسائل

- ‌2 - قلة الدراسات والبحوث التي كُتبت حول الإمام وتراثه

- ‌3 - ضَعْف المادة العلمية لبعض الدراسات التي كُتبت حول الألباني على قلتها

- ‌4 - حصر عِلم العلامة الألباني بالحديث

- ‌5 - فتح المجال للنَّيْل من العلامة الألباني، والتلبيس على محبيه، لعدم توفر مادة الرد على مخالفيه

- ‌المنهج الذي سلكته في إعدادجامع تراث العلامة الألباني، والصعوبات التي واجهتني

- ‌منهج العمل فيجامع تراث الألباني في العقيدة

- ‌شكر وتقدير

- ‌كلمة أخيرة

- ‌جماع أبواب مقدمات عقدية هامة

- ‌[1] باب تعريف العقيدة

- ‌[2] باب أهمية الدعوة للعقيدة

- ‌[3] باب خطورة تنكب الدعاة عن الدعوة للعقيدة الصحيحة

- ‌[4] باب أهمية إعطاء الدعاة الأولوية

- ‌[5] باب بيان أهمية تصحيح العقيدة

- ‌[6] باب الرد على من ينكر الحرص الزائد على تعليم العقيدة ويقول أن العقيدة يمكن تلقيها في دقائق

- ‌[7] باب العقيدة أساس كل انتصار على الكفار

- ‌[8] باب "لا كيف" في المغيبات

- ‌[9] باب الأمور الغيبية لا يخاض فيها بالأقيسة والآراء

- ‌[10] باب الكلام حول خلاف الصحابة في العقيدة

- ‌[11] باب هل وقع اختلاف بين السلف في مسائل عقدية

- ‌[12] باب هل دراسة العقيدة محصورةفي كتب شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌[13] باب هل يجوز تدريس العقيدة للأطفالعلى شكل قصص حكايات

- ‌[14] باب بدعة تقسيم الدين إلى أصول وفروع

- ‌[15] باب حكم التفريق بين الشريعة والعقيدة

- ‌[16] باب هل يجوز للطالبأن يجيب على سؤال في امتحان بخلاف عقيدته

- ‌جماع أبواب بيان مصادرأهل السنة والجماعة في الاستدلال في العقيدة

- ‌[17] باب من هم أهل السنة

- ‌[18] باب أهل السنة يستدلون ثم يعتقدون، أما أهل البدع فيعتقدون ثم يستدلون

- ‌[19] باب ما المقصود بالجماعةفي قولنا أهل السنة والجماعة

- ‌[20] باب مصادر الاستدلال عند أهل السنة: الكتاب، السنة، فهم سلف الأمة، وبيان أثر التنكب عن منهج فهم السلف في أبواب العقيدة

- ‌[21] باب كلمة حول مصادر الاستدلال عند أهل السنة، مع التعرض لبيان موقع العقل من هذه المصادر، وبيان خطأ تقسيم الأحاديث إلى ظنية ويقينية وما يترتب على ذلك

- ‌[22] باب من أصول الاستدلال:القرآن والسنة الصحيحة وفهم السلف

- ‌[23] باب أهمية فهم السلف للكتاب والسنة

- ‌[24] باب مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم

- ‌جماع أبواب بيان منزلة السنة بجانب القرآنوكونها مصدرًا رئيسًا من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

- ‌[25] باب وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها

- ‌[26] باب لزوم اتباع السنة على كل جيل في العقائد والأحكام

- ‌[27] باب وظيفة السنة في القرآن

- ‌[28] باب ضرورة السنة لفهم القرآنوبيان ضلال المستغنين بالقرآن عن السنة

- ‌[29] باب من أصول الخلف التي تركت السنة بسببها

- ‌[30] باب ضعف حديث معاذ في الرأي وما يستنكر منه

- ‌[31] باب بطلان تقديم القياس وغيره على الحديث

- ‌[32] باب أهمية السنة بجانب القرآن

- ‌[33] باب منزلة السنة مع القرآن، وبيان حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[34] باب هلاك من يفسر القرآن بغير السنة

- ‌[35] باب عدم كفاية اللغة لفهم القرآن

- ‌[36] باب خطأ حصر أخذ العقيدة بالقرآن وحدهوالتعرض لحجية خبر الآحاد

- ‌[37] باب ضلال منكري حجية السنة

- ‌[38] باب ذكر ضلال القرآنيين وسببه

- ‌[39] باب الرد على القرآنيين

- ‌[40] باب متى يكون للآثار الموقوفة على الصحابة في العقيدة حكم الرفع فتنزل منزلة السنة

- ‌[41] باب لا يؤخذ في العقيدة إلا بالأحاديث الصحيحة

- ‌[42] باب منه

- ‌[43] باب منه

- ‌[44] باب لا يستدل على أهل البدع إلا بما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌جماع أبواب الكلام على حجية خبر الآحاد في العقيدةوالرد على المخالفين

- ‌[45] باب يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[46] باب من الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة

- ‌[47] باب خطورة تبني رد خبر الآحاد في العقيدةوذكر أهم من صنف في الرد على ذلك

- ‌[48] باب نقض القول برد حديث الآحاد في العقيدة من وجوه عِدة

- ‌[49] باب رد شبهات حول حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[50] باب خبر الآحاد يفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان وبيان أن سبب ادعاء أهل الضلال عدم إفادة حديث الآحاد العلم هو جهلهم بالسنة

- ‌[51] باب أمثلة على العقائد الإسلامية المتواترة

- ‌[52] باب عدم الإحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة بدعة محدثة

- ‌[53] باب منه

- ‌[54] باب منه

- ‌[55] باب منه

- ‌[56] باب منه

- ‌[57] باب منه

- ‌[58] باب منه

- ‌[59] باب منه

- ‌[60] باب حجية خبر الآحاد، ومصير أهل الضلال الذين ينكرونه

- ‌[61] باب الرد على من يفرِّقفي حجية خبر الآحاد بين العقائد والأحكام

- ‌[62] باب منه

- ‌[63] باب هل يؤخذ بالحديثالحسن لغيره في أبواب العقيدة

- ‌[64] باب منه

- ‌[65] باب في ذكر بعض من أنكر حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[66] باب بدعة تقسيم دلالةالأحاديث إلى ظنية الثبوت وقطعية الثبوت

- ‌[67] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد

- ‌[68] باب هل إنكار خبر الآحاد يُعَدُّ كفراً

- ‌جماع أبواب الكلام حول العقل وموقعه من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

- ‌[69] باب العقل الفطري السليممن أصول الاستدلال عند أهل السنة ومثال ذلك

- ‌[70] باب في رد شبهات من أنكر النقل وقَدَّس العقل، وبيان أن العقل الصحيح هو المطَعَّم بالشرع التابع له، وبيان خطورة الخوض في الغيبيات بالعقل

- ‌[71] باب خطر تحكيم العقل في الشرع

- ‌[72] باب هل العقل سواء مع الكتاب والسنة في الاستدلال

- ‌[73] باب بيان ضلال من حَكَّم العقل في الشرع

الفصل: ‌[46] باب من الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة

[45] باب يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

-

[قال الإمام]:

يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عند أهل العلم به سواء كان في العقائد أو الأحكام وسواء أكان متواتراً أم آحاداً، وسواء أكان الآحاد عنده يفيد القطع واليقين، أو الظن الغالب على ما سبق بيانه، فالواجب في كل ذلك الإيمان به والتسليم له، وبذلك يكون قد حقق في نفسه الاستجابة المأمور بها في قول الله تبارك وتعالى:{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، وأنه إليه تحشرون} .

"الحديث حجة بنفسه"(ص70)

[46] باب من الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة

[قال الإمام]:

[من الأدلة] على وجوب الأخذ بخبر الواحد في العقيدة:

الدليل الأول: قوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} .

فقد حض الله تبارك وتعالى المؤمنين على أن ينفر طائفة منهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم -

ص: 317

ليتعلموا منه دينهم ويتفقهوا فيه. ولا شك أن ذلك ليس خاصاً بما يسمى بالفروع والأحكام بل هو أعم. بل المقطوع به أن يبدأ المعلم بما هو الأهم فالأهم تعليماً وتعلماً، ومما لا ريب فيه أن العقائد أهم من الأحكام، ومن أجل ذلك زعم الزاعمون أن العقائد لا تثبت بحديث الآحاد، فيبطل ذلك عليهم هذه الآية الكريمة، فإن الله تعالى كم حض فيها الطائفة على التعلم والتفقه عقيدةً وأحكاماً حضهم على أن ينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما تعلموه من العقائد والأحكام، و"الطائفة" في لغة العرب تقع على الواحد فما فوق. فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد عقيدة وحكماً لما حض الله تعالى الطائفة على التبليغ حضاً عاماً، معللاً ذلك بقوله:{لعلهم يحذرون} الصريح في أن العلم يحصل بإنذار الطائفة، فإنه كقوله تعالى في آياته الشرعية والكونية:{لعلهم يتفكرون} ، {لعلهم يعقلون} ، {لعلهم يهتدون} ، فالآية نص في أن خبر الآحاد حجة في التبليغ عقيدة وأحكاماً.

الدليل الثاني: قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} أي لا تتبعه، ولا تعمل به، ومن المعلوم أن المسلمين لم يزالوا من عهد الصحابة يَقْفُون أخبار الآحاد، ويعملون بها، ويثبتون بها الأمور الغيبية، والحقائق الإعتقادية مثل بدء الخلق وأشراط الساعة، بل ويثبتون بها لله تعالى الصفات، فلو كانت لا تفيد علما، ولا تثبت عقيدة لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (مختصر الصواعق- 2/ 396) وهذا مما لا يقوله مسلم.

الدليل الثالث: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} وفي القراءة الأخرى "فتثبتوا"، فإنها تدل على أن العدل إذا جاء بخبر ما فالحجة

ص: 318

قائمة به، وأنه لا يجب التثبت بل يؤخذ به حالاً، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في "الإعلام" (2/ 394):

"وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد وأنه لا يحتاج إلى التثبت، ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت حتى يحصل العلم.

ومما يدل عليه أيضاً أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذا، وفعل كذا وأمر بكذا، ونهى عن كذا، وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة، وفي "صحيح البخاري": قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عدة مواضع، وكثير من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما سمعه من صحابي غيره، وهذه شهادة من القائل، وجزم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما نسب إليه من قول أو فعل، فلو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان شاهداً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغير علم".

الدليل الرابع: سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه تدل على الأخذ بخبر الآحاد: إن السنة العملية التي جرى عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في حياته وبعد وفاته تدل أيضاً دلالة قاطعة على عدم التفريق بين حديث الآحاد في العقيدة والأحكام، وأنه حجة قائمة في كل ذلك، وأنا ذاكر الآن بإذن الله بعض ما وقفت عليه من الأحاديث الصحيحة، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في "صحيحه" - 8/ 132):

" باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، وقول الله تعالى:{فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} فلو اقتتل رجلان

ص: 319

دخلا في معنى الآية، وقوله تعالى:(إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وكيف بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمراءه واحداً بعد واحد، فإن سها أحد منهم رد إلى السنة ".

ثم ساق الإمام البخاري أحاديث مستدلاً بها على ما ذكر من إجازة خبر الواحد، والمراد بها جواز العمل والقول بأنه حجة فأسوق بعضاً منها:

الأول: عن مالك بن الحويرث قال:

" أتينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن شببه (1) متقاربون، فأقمنا عنده نحواً من عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحيماً رفيقاً، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا، أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي ".

فقد أمر صلى الله عليه وآله وسلم كل واحد من هؤلاء الشببة أن يعلم كل واحد منهم أهله، والتعليم يعم العقيدة،

بل هي أول ما يدخل في العموم فلو لم يكن خبر الآحاد تقوم به الحجة لم يكن لهذا الأمر معنى.

الثاني: عن أنس بن مالك:

أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: إبعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام. قال: فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: «هذا أمين هذه الأمة «أخرجه مسلم (7/ 29) ورواه البخاري مختصراً.

قلت: فلو لم تقم الحجة بخبر الواحد لم يبعث إليهم أبا عبيدة وحده،

(1) جمع شاب. [منه].

ص: 320

وكذلك يقال في بعثه صلى الله عليه وآله وسلم إليهم في نوبات مختلفة، أو إلى بلاد منها متفرقة غيره من الصحابة رضي الله عنهم كعلي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري، وأحاديثهم في "الصحيحين" وغيرهما، ومما لا ريب فيه أن هؤلاء كانوا يعلمون الذين أرسلوا إليهم العقائد في جملة ما يعلمونهم، فلو لم تكن الحجة قائمة بهم عليهم لم يبعثهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفرداً، لأنه عبث يتنزه عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا معنى قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في "الرسالة" (ص412):

"وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يبعث بأمره، إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان قادراً على أن يبعث إليهم فيشافههم، أو يبعث إليهم عدداً، فبعث واحداً يعرفونه بالصدق".

الثالث: عن عبد الله بن عمر قال:

" بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة " رواه البخاري ومسلم.

فهذا نص على أن الصحابة رضي الله عنهم قبلوا خبر الواحد في نسخ ما كان مقطوعاً عندهم من وجوب استقبال بيت المقدس، فتركوا ذلك واستقبلوا الكعبة لخبره، فلولا أنه حجة عندهم ما خالفوا به المقطوع عندهم من القبلة الأولى. قال ابن القيم:

"ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل شكروا على ذلك ".

الرابع: عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفاً البكالي يزعم أن

ص: 321

موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل، فقال ابن عباس: كذب عدو الله، أخبرني أبي بن كعب قال: خطبنا رسول الله، ثم ذكر حديث موسى والخضر بشيء يدل على أن موسى عليه السلام صاحب الخضر. أخرجه الشيخان مطولاً، والشافعي هكذا مختصراً (442/ 1219):

وقال الشافعي: يثبت العقيدة بخبر الواحد:

"فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يكذب به امرءاً من المسلمين، إذ حدثه أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما فيه دلالة على أن موسى بني إسرائيل صاحب الخضر".

قلت: وهذا القول من الإمام الشافعي رحمه الله دليل على أنه لا يرى التفريق بين العقيدة والعمل في الاحتجاج بخبر الآحاد، لأن كون موسى عليه السلام

هو صاحب الخضر عليه السلام هي مسألة علمية وليست حكماً عملياً كما هو مبين، ويؤيد ذلك أن الإمام رحمه الله تعالى عقد فصلاً هاماً في "الرسالة"

تحت عنوان "الحجة في تثبيت خبر الواحد" وساق تحته أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، (ص401 - 453) وهي أدلة مطلقة، أو عامة، تشمل بإطلاقها وعمومها أن خبر الواحد حجة في العقيدة أيضاً، وكذلك كلامه عليها عام أيضاً، وختم هذا البحث بقوله:

"وفي تثبيت خبر الواحد أحاديث يكفي بعض هذا منها، ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه (1) السبيل.

وكذلك حكى لنا عمن حكى لنا عنه من أهل العلم بالبلدان".

(1) خبر لم يزل. [منه].

ص: 322