المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[22] باب من أصول الاستدلال:القرآن والسنة الصحيحة وفهم السلف - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ١

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌أقسام موسوعة الإمامالألباني

- ‌أقسام الموسوعة

- ‌القسم الأولجامع تراث العلامة الألباني

- ‌القسم الثانيجامع الدراسات والأعمال حول العلامة الألباني وتراثه

- ‌القسم الثالثترجمة العلامة الألباني

- ‌القسم الرابعدعاوى المناوئين للعلامة الألباني والرد عليها

- ‌القسم الخامستتميم النفع بتراث العلامة الألباني

- ‌أعمال أخرى لخدمة تراث الألباني

- ‌1 - مشروع الترجمة:

- ‌2 - مشروع تصميم برنامج "تقريب علوم الألباني

- ‌3 - مشروع إنشاء أكبر موقع للعلامة الألباني على الإنترنت:

- ‌4 - المواد المرئية:

- ‌مصادر الموسوعة

- ‌أولا: المصادر المكتوبة:

- ‌ثانيًا: المصادر المسموعة

- ‌نبذة عن فنِّ جمع النظائر

- ‌أولاً: جمع النظائر باعتبار الموضوع

- ‌ثانياً: جمع النظائر باعتبار«توسيع الموضوع وتضييقه»

- ‌ثالثاً: جمع النظائر باعتبار«حال المتلقي»

- ‌رابعًا: التوسيع والتضييق لإثراء المادة

- ‌خامساً: جمع النظائر باعتبار الاستقصاء والانتقاء

- ‌سادساً: جمع النظائر باعتبار الترتيب

- ‌جمع النظائر عن إمام من الأئمة

- ‌الأسباب الدافعة لجمع تراثالأئمة وضم نظائرها

- ‌عوامل قلة الانتفاع بعلم الإمام الألباني

- ‌آثار عوامل قلة الانتفاع بعلمالإمام الألباني رحمه الله ومظاهر ذلك، وطرق معالجتها

- ‌1 - صعوبة تحرير قول العلامة الألباني في مسألةٍ من المسائل

- ‌2 - قلة الدراسات والبحوث التي كُتبت حول الإمام وتراثه

- ‌3 - ضَعْف المادة العلمية لبعض الدراسات التي كُتبت حول الألباني على قلتها

- ‌4 - حصر عِلم العلامة الألباني بالحديث

- ‌5 - فتح المجال للنَّيْل من العلامة الألباني، والتلبيس على محبيه، لعدم توفر مادة الرد على مخالفيه

- ‌المنهج الذي سلكته في إعدادجامع تراث العلامة الألباني، والصعوبات التي واجهتني

- ‌منهج العمل فيجامع تراث الألباني في العقيدة

- ‌شكر وتقدير

- ‌كلمة أخيرة

- ‌جماع أبواب مقدمات عقدية هامة

- ‌[1] باب تعريف العقيدة

- ‌[2] باب أهمية الدعوة للعقيدة

- ‌[3] باب خطورة تنكب الدعاة عن الدعوة للعقيدة الصحيحة

- ‌[4] باب أهمية إعطاء الدعاة الأولوية

- ‌[5] باب بيان أهمية تصحيح العقيدة

- ‌[6] باب الرد على من ينكر الحرص الزائد على تعليم العقيدة ويقول أن العقيدة يمكن تلقيها في دقائق

- ‌[7] باب العقيدة أساس كل انتصار على الكفار

- ‌[8] باب "لا كيف" في المغيبات

- ‌[9] باب الأمور الغيبية لا يخاض فيها بالأقيسة والآراء

- ‌[10] باب الكلام حول خلاف الصحابة في العقيدة

- ‌[11] باب هل وقع اختلاف بين السلف في مسائل عقدية

- ‌[12] باب هل دراسة العقيدة محصورةفي كتب شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌[13] باب هل يجوز تدريس العقيدة للأطفالعلى شكل قصص حكايات

- ‌[14] باب بدعة تقسيم الدين إلى أصول وفروع

- ‌[15] باب حكم التفريق بين الشريعة والعقيدة

- ‌[16] باب هل يجوز للطالبأن يجيب على سؤال في امتحان بخلاف عقيدته

- ‌جماع أبواب بيان مصادرأهل السنة والجماعة في الاستدلال في العقيدة

- ‌[17] باب من هم أهل السنة

- ‌[18] باب أهل السنة يستدلون ثم يعتقدون، أما أهل البدع فيعتقدون ثم يستدلون

- ‌[19] باب ما المقصود بالجماعةفي قولنا أهل السنة والجماعة

- ‌[20] باب مصادر الاستدلال عند أهل السنة: الكتاب، السنة، فهم سلف الأمة، وبيان أثر التنكب عن منهج فهم السلف في أبواب العقيدة

- ‌[21] باب كلمة حول مصادر الاستدلال عند أهل السنة، مع التعرض لبيان موقع العقل من هذه المصادر، وبيان خطأ تقسيم الأحاديث إلى ظنية ويقينية وما يترتب على ذلك

- ‌[22] باب من أصول الاستدلال:القرآن والسنة الصحيحة وفهم السلف

- ‌[23] باب أهمية فهم السلف للكتاب والسنة

- ‌[24] باب مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم

- ‌جماع أبواب بيان منزلة السنة بجانب القرآنوكونها مصدرًا رئيسًا من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

- ‌[25] باب وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها

- ‌[26] باب لزوم اتباع السنة على كل جيل في العقائد والأحكام

- ‌[27] باب وظيفة السنة في القرآن

- ‌[28] باب ضرورة السنة لفهم القرآنوبيان ضلال المستغنين بالقرآن عن السنة

- ‌[29] باب من أصول الخلف التي تركت السنة بسببها

- ‌[30] باب ضعف حديث معاذ في الرأي وما يستنكر منه

- ‌[31] باب بطلان تقديم القياس وغيره على الحديث

- ‌[32] باب أهمية السنة بجانب القرآن

- ‌[33] باب منزلة السنة مع القرآن، وبيان حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[34] باب هلاك من يفسر القرآن بغير السنة

- ‌[35] باب عدم كفاية اللغة لفهم القرآن

- ‌[36] باب خطأ حصر أخذ العقيدة بالقرآن وحدهوالتعرض لحجية خبر الآحاد

- ‌[37] باب ضلال منكري حجية السنة

- ‌[38] باب ذكر ضلال القرآنيين وسببه

- ‌[39] باب الرد على القرآنيين

- ‌[40] باب متى يكون للآثار الموقوفة على الصحابة في العقيدة حكم الرفع فتنزل منزلة السنة

- ‌[41] باب لا يؤخذ في العقيدة إلا بالأحاديث الصحيحة

- ‌[42] باب منه

- ‌[43] باب منه

- ‌[44] باب لا يستدل على أهل البدع إلا بما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌جماع أبواب الكلام على حجية خبر الآحاد في العقيدةوالرد على المخالفين

- ‌[45] باب يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[46] باب من الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة

- ‌[47] باب خطورة تبني رد خبر الآحاد في العقيدةوذكر أهم من صنف في الرد على ذلك

- ‌[48] باب نقض القول برد حديث الآحاد في العقيدة من وجوه عِدة

- ‌[49] باب رد شبهات حول حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[50] باب خبر الآحاد يفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان وبيان أن سبب ادعاء أهل الضلال عدم إفادة حديث الآحاد العلم هو جهلهم بالسنة

- ‌[51] باب أمثلة على العقائد الإسلامية المتواترة

- ‌[52] باب عدم الإحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة بدعة محدثة

- ‌[53] باب منه

- ‌[54] باب منه

- ‌[55] باب منه

- ‌[56] باب منه

- ‌[57] باب منه

- ‌[58] باب منه

- ‌[59] باب منه

- ‌[60] باب حجية خبر الآحاد، ومصير أهل الضلال الذين ينكرونه

- ‌[61] باب الرد على من يفرِّقفي حجية خبر الآحاد بين العقائد والأحكام

- ‌[62] باب منه

- ‌[63] باب هل يؤخذ بالحديثالحسن لغيره في أبواب العقيدة

- ‌[64] باب منه

- ‌[65] باب في ذكر بعض من أنكر حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[66] باب بدعة تقسيم دلالةالأحاديث إلى ظنية الثبوت وقطعية الثبوت

- ‌[67] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد

- ‌[68] باب هل إنكار خبر الآحاد يُعَدُّ كفراً

- ‌جماع أبواب الكلام حول العقل وموقعه من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

- ‌[69] باب العقل الفطري السليممن أصول الاستدلال عند أهل السنة ومثال ذلك

- ‌[70] باب في رد شبهات من أنكر النقل وقَدَّس العقل، وبيان أن العقل الصحيح هو المطَعَّم بالشرع التابع له، وبيان خطورة الخوض في الغيبيات بالعقل

- ‌[71] باب خطر تحكيم العقل في الشرع

- ‌[72] باب هل العقل سواء مع الكتاب والسنة في الاستدلال

- ‌[73] باب بيان ضلال من حَكَّم العقل في الشرع

الفصل: ‌[22] باب من أصول الاستدلال:القرآن والسنة الصحيحة وفهم السلف

وكثيرة جداً.

حينئذ يصبحون معنا، قد يختلفون معنا في التطبيق، لأن التطبيق يحتاج إلى علم، ونحن نقول: إن العلم بالكتاب والسنة مع الأسف الشديد لا يعتني الجماعات الإسلامية به، ومع ذلك فهم يريدون أن يقيموا دولة الإسلام على الجهل بالإسلام.

فنقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21). فرسول الله عز وجل بدأُ بتعليم الناس، وبدعوتهم إلى العقيدة أولا، ثم إلى العبادات وتحسين السلوك ثانياً، وهكذا ينبغي أن يعيد التاريخ نفسه.

وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين.

"الهدى والنور"(740/ 06: 01: 00)

[22] باب من أصول الاستدلال:

القرآن والسنة الصحيحة وفهم السلف

الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) .. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1) .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ

ص: 254

وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:70، 71).

أما بعد:

كلمتي (هي) بإيجاز

تتعلق بالعلم النافع، والعمل الصالح، أما العلم النافع فيشترط فيه أمران اثنان:

أما الأمر الأول: فأن يكون مستقىً من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والكتاب والسنة أمران معروفان لدى جميع المسلمين قاطبةً، على ما بينهم من اختلاف كبير أو صغير في فهم بعض نصوصهما، إلا أن الذي أريد أن أدندن حوله فيما يتعلق بالكتاب والسنة، إنما هما أمران اثنان أحدهما يتعلق بالقرآن، والآخر يتعلق بالسنة، أما الأول فهو أن يكون من طابع طالب العلم أن يكون ديدنه أن يفهم القرآن على ضوء السنة؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خاطبه الله عز وجل في القرآن الكريم بقوله:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:44).

وعلى ذلك فلا بد لطالب العلم النافع أن يعتمد في فهمه للقرآن على السنة، هذه نقطة متفق عليها والحمد لله بين المسلمين قاطبة، على ما بينهم من اختلاف في طريقة إثبات السنة، ولسنا الآن في هذا الصدد، فإذا كان من المتفق عليه بين المسلمين كافة أن القرآن يجب تفسيره بالسنة، فمن تمام العلم النافع أن نتحرى السنة الصحيحة، وهذه نقطة أو هذا أمر يخل به جماهير العلماء في العصر الحاضر؛ ذلك أنهم ينقلون من السنة ما وقفوا عليه دون تنبه، أو دون أن يأخذوا حذرهم من أن يكون ما ينقلونه من الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تصح نسبته إليه، وحينئذ يقعون في محظورين اثنين: أحدهما إثر الآخر.

ص: 255

المحظور الأول: هو التقول على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد قال في الحديث المتواتر: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» (1).

وفي رواية أخرى: «من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» (2).

ولذلك يجب على كل من كان حريصاً على العلم النافع، سواء كان من أهل العلم المشار إليهم بالبنان، أو كان من طلاب العلم البادئين في طلب هذا العلم أنه لا يجوز لهم أن ينقلوا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلا بعد أن يثبت لديهم صحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحينئذ يكون طالب العلم على المنهج الصحيح في طلبه للعلم؛ لأنه أولاً يعتمد على الكتاب والسنة، ثم هو يفسر القرآن بالسنة، وأخيراً يعتمد على السنة الصحيحة فقط دون ما لم يصح منها.

وثانياً: يكون مسؤولاً عما ينشره بين الناس من الأحاديث التي لا تكون في واقعها صحيحة النسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذا هو العلم النافع، ولكننا نضيف عادة إلى المصدرين السابقين -الكتاب والسنة- نضيف شيئاً ثالثاً، وهو ضروري جداً في زماننا هذا؛ لاختلاف وجوه الأنظار والاستنباط والاختلاف والفهم من الكتاب والسنة، فليكن العالم أو طالب العلم في منجاة في تسييره للكتاب والسنة أن يميل يميناً أو يساراً، وأن يقع في الضلال من حيث لا يريد ولا يشعر، لا بد له من أن يضم إلى اعتماده على الكتاب والسنة شيئاً ثالثاً ألا وهو الاعتماد على ما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما سئل في حديث الفرق الذي فيه أن المسلمين سيفترقون ثلاثاً وسبعين فرقه كلها في النار إلا

(1) البخاري (رقم1229) ومسلم (رقم4).

(2)

الصحيحة (4/ 246).

ص: 256

واحدة، ولما سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الفرقة الناجية من النار، قال:«هي الجماعة» ، هذه رواية.

وفي رواية أخرى قال: «» هي التي على أنا ما أنا عليه وأصحابي»، فنجد في كلِّ من الروايتين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتصر على قوله: الكتاب والسنة، وإنما قال: أولاً «الجماعة» ، ثم قال:«ما أنا عليه وأصحابي» ، فلماذا ذكر:«وأصحابي» ولم يكتف بقوله: «ما أنا عليه» ، والحقيقة أن هذا يكفي؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال في الحديث الصحيح:«تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» .

فإذاً: من تمسك بالكتاب والسنة لن يضل، ولكن ألا تعلمون معي أن كل الفرق الإسلامية ما كان منها قديماً واندثر بعضها، وما كان منها قديماً واستمرت حتى زماننا هذا، وما قد جد منها في زماننا هذا تحت أسماء ونسب كثيرة، ألا تعتقدون معي أن كل هذه الفرق لا يوجد منها فرقه تتبرأ من الكتاب والسنة، لا يوجد والحمد لله من يعلنها صريحة؛ بأنه ليس على الكتاب والسنة، وإلا حينئذ لن يعتبر من الفرق الإسلامية، وإنما كل الفرق مهما كانت عالقة في الضلال، سواء ما كان منها من الفرق القديمة أو الحديثة على التفصيل الذي ذكرته آنفاً، لا يوجد فيها إلا من يدعي دعوانا، وهي أنهم على الكتاب والسنة، وخذوا مثلاً الفرقة لعلها الفرقة الأخيرة، كفرقه انحرفت عن الكتاب والسنة، من الفرق المعاصرة والحديثة، إلا وهي الطائفة القاديانية، التي كان أصلها من قرية في الهند اسمها قاديان، وخرج منها ذلك الرجل الذي كان يسمى "ميرزا"، غلام أحمد القادياني، فإنما حرف اسمه لغرض في نفسه لسنا الآن في صدد بيان ذلك، فسمى نفسه بأحمد لكي يحمل على اسمه، قول الله عز وجل على لسان عيسى: {وَمُبَشِّرًا

ص: 257

بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصف:6)، أي أحمد القدياني، وهو إنما كان اسمه "ميرزا"، غلام أحمد القدياني "ميرزا" لقب، أما اسمه غلام أحمد، أي: خادم أحمد فحذف كلمة خادم أي: غلام، واحتفظ باسم أحمد ليحمل على نفسه تلك الآية، وشتان ما بينها وبينه، فإنه من الدجالين الكذبة، الذي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهم بقوله:«لا تقوم الساعة حتى يكون ثلاثون دجالاً، كلهم يزعم أنه نبي ولا نبي بعدي» (1)، واستطاع هذا الرجل بسبب أو بآخر أن يحمل كثيراً من الناس، ليس فقط من الأعاجم بل ومن العرب أيضاً أن ينحرف بهم عن الكتاب والسنة، فآمنوا به وصدقوه واتبعوه وجاءوا بعقائد مخالفة لإجماع المسلمين، ولسنا أيضاً في هذا الصدد، وإنما الشاهد، هؤلاء يقولون أيضاً معنا: الكتاب والسنة، فهل أفادتهم بشيء دعواهم الكتاب والسنة، وهم قد خالفوا الكتاب والسنة في كثير من نصوصهما، والشاهد هاهنا الآن كيف يجمعون بين اتباعهم لنبيهم المزعوم، وبين قول رب العالمين:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)، هنا يظهر لكم أهمية شيئين اثنين السنة وتفسير السنة، والقرآن على ما كان عليه السلف الصالح، تفسير القرآن بالسنة وتفسير السنة بما كان عليه السلف الصالح، لم يكفر هؤلاء القاديانيون بقوله تعالى:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)، بل آمنوا بالآية كما نؤمن، كذلك لم ينكروا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما جاء في الصحيحين (2) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي:«أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي» ، أيضاً آمنوا بهذا الحديث الصحيح، لكنهم كفروا بمعنى الآية والحديث معاً؛ لأنهم تأولوهما بغير تأويلهم، وفسروهما بخلاف ما كان عليه سلفنا الصالح، ومن تبعهم إلى هذا اليوم.

(1) صحيح الجامع (رقم1773).

(2)

البخاري (رقم4154) ومسلم (رقم6370).

ص: 258

ولكننا نخالفكم في تفسيركم للآية، ونفهم أن معناها خاتم النبيين أي: زينة النبيين، كما أن الخاتم زينة الإصبع كذلك الرسول عليه السلام هو زينة الأنبياء.

إذاً: هم آمنوا باللفظ القرآني، وكفروا بمعناه فلم يفدهم إيمانهم بالقرآن شيئاً، ولذلك فهم أشبه ما يكونون في تأويل هذه الآية أو ذاك الحديث بالكفار من النصارى، الذين يحاولون أن يستخرجوا من القرآن أدلة تؤيد ضلالهم

بأن عيسى عليه السلام هو ابن الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

ها أنتم عرفتم تأويلهم بل تعطيلهم لدلالة الآية على أنه لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف فسروا الحديث الصحيح:«أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي» ، قالوا: لا نبي معي، أي بعد أن فسروا الحديث بهذا التفسير الباطل، قالوا فمفهوم الحديث أنه يوجد بعدي نبي فعطلوا بذلك أيضاً أحاديث أخرى صحيحة ولم يجدوا لها تأويلاً إلا بإنكارها، مثل قوله عليه السلام:«ألا إن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبي ولا رسول بعدي» (1)، هذا الحديث أنكروه؛ لأنه مع براعتهم في التأويل بل في التعطيل لم يجدوا لهم مساغاً لتأويل هذا النص، فأطاحوا به ولم يؤمنوا به.

الشاهد من هذا المثال كل الفرق الإسلامية قديمها وحديثها تشترك معنا بالقول بالإيمان بالكتاب والسنة، ولكنها تختلف عنا في عدم تقيدهم بطريق المسلمين الذي ذكره رب العالمين في قوله:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115)، كما أنهم لم يرفعوا رؤوسهم إلى ما سبق من الحديث في

(1) صحيح الجامع (رقم1631).

ص: 259

وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم للفرقة الناجية بأنها التي تكون على ما كان عليه الرسول وأصحابه، فهم لم يلتفتوا إلى أصحابه عليه السلام، ولم يهتدوا بهديهم، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون، الذين قرنهم الرسول عليه السلام فذكرهم مع اسمه وذكر سنتهم مع سنته في حديث العرباض ابن سارية الذي فيه:«أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وأنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ .. » إلى آخر الحديث.

الشاهد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أمته أن من سيعيش من بعده سيرى اختلافاً كثيراً، فما هو المخرج من الخلاف الكثير الذي كان ولا يزال الآن يشتد في هذا الزمان، العصمة وضعها الرسول عليه السلام بين أعيننا في هذا الحديث بقوله:«فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين .. » إلى آخر الحديث.

إذاً: العصمة تمام العصمة ليس هو التمسك فقط بالسنة بل وبما كان عليه السلف الصالح، لو نظرنا اليوم إلى كل الفرق الإسلامية القائمة اليوم على الأرض الإسلامية كما قلت آنفاً قديمها وحديثها، لوجدناهم اليوم يجمعون على الكتاب والسنة، ولكنهم يخالفوننا في الرجوع إلى السلف الصالح.

إذاً: هذا هو الحكم الفصل بين من كان على السنة حقيقة، وبين من كان منحرفاً عنها ولو أنه كان يدعيها.

ذلك أن العصمة عند الاختلاف كما هو الصريح في هذا الحديث، إنما الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة بعامة والخلفاء الراشدون بخاصة، هذا هو العلم النافع.

ص: 260

خلاصة ذلك: أنه لا يكون علماً نافعاً إلا إذا كان معتمداً على الكتاب، وكان تفسير الكتاب على السنة، وكانت السنة صحيحة غير ضعيفة، وأخيراً اعتماداً في فهمهما الكتاب والسنة، على ما كان عليه سلفنا الصالح.

ولذلك نجد الفرق القائمة اليوم كلها لا صلة بينها وبين سلفها الأول مهما كان سلفهم؛ لأنهم ليس عندهم من الكتب ما يروي لهم الأحاديث الصحيحة أو بعبارة موجزة، ما يروي لهم هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل شؤون حياته كما قال عليه السلام:«ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا نهيتكم عنه» (1).

هذا العلم الجامع النافع لا يوجد عند كل الفرق الإسلامية، فضلاً عن أن يوجد عندهم من الكتب والآثار ما يصلهم بالسلف الصالح، وما يدلهم على ما كانوا عليه، لكي يقتدوا بهم تنفيذاً لقوله تعالى المذكور آنفاً:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115).

فالله عز وجل في هذه الآية يأمر باتباع سبيل المؤمنين، ويحذر من مخالفة سبيل المؤمنين، ويعتبر مشاققة ومخالفة سبيل المؤمنين مشاقة للرسول عليه الصلاة والسلام.

كل الفرق لا سبيل لها إلا أن تعود في فقهها للكتاب وللسنة إلا بما كان عليه السلف الصالح.

إذاً: العلم النافع القرآن المفسر بالسنة والسنة الصحيحة، وكلاهما مفسر بما

(1) حجة النبي (ص103).

ص: 261