المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[20] باب مصادر الاستدلال عند أهل السنة: الكتاب، السنة، فهم سلف الأمة، وبيان أثر التنكب عن منهج فهم السلف في أبواب العقيدة - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ١

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌أقسام موسوعة الإمامالألباني

- ‌أقسام الموسوعة

- ‌القسم الأولجامع تراث العلامة الألباني

- ‌القسم الثانيجامع الدراسات والأعمال حول العلامة الألباني وتراثه

- ‌القسم الثالثترجمة العلامة الألباني

- ‌القسم الرابعدعاوى المناوئين للعلامة الألباني والرد عليها

- ‌القسم الخامستتميم النفع بتراث العلامة الألباني

- ‌أعمال أخرى لخدمة تراث الألباني

- ‌1 - مشروع الترجمة:

- ‌2 - مشروع تصميم برنامج "تقريب علوم الألباني

- ‌3 - مشروع إنشاء أكبر موقع للعلامة الألباني على الإنترنت:

- ‌4 - المواد المرئية:

- ‌مصادر الموسوعة

- ‌أولا: المصادر المكتوبة:

- ‌ثانيًا: المصادر المسموعة

- ‌نبذة عن فنِّ جمع النظائر

- ‌أولاً: جمع النظائر باعتبار الموضوع

- ‌ثانياً: جمع النظائر باعتبار«توسيع الموضوع وتضييقه»

- ‌ثالثاً: جمع النظائر باعتبار«حال المتلقي»

- ‌رابعًا: التوسيع والتضييق لإثراء المادة

- ‌خامساً: جمع النظائر باعتبار الاستقصاء والانتقاء

- ‌سادساً: جمع النظائر باعتبار الترتيب

- ‌جمع النظائر عن إمام من الأئمة

- ‌الأسباب الدافعة لجمع تراثالأئمة وضم نظائرها

- ‌عوامل قلة الانتفاع بعلم الإمام الألباني

- ‌آثار عوامل قلة الانتفاع بعلمالإمام الألباني رحمه الله ومظاهر ذلك، وطرق معالجتها

- ‌1 - صعوبة تحرير قول العلامة الألباني في مسألةٍ من المسائل

- ‌2 - قلة الدراسات والبحوث التي كُتبت حول الإمام وتراثه

- ‌3 - ضَعْف المادة العلمية لبعض الدراسات التي كُتبت حول الألباني على قلتها

- ‌4 - حصر عِلم العلامة الألباني بالحديث

- ‌5 - فتح المجال للنَّيْل من العلامة الألباني، والتلبيس على محبيه، لعدم توفر مادة الرد على مخالفيه

- ‌المنهج الذي سلكته في إعدادجامع تراث العلامة الألباني، والصعوبات التي واجهتني

- ‌منهج العمل فيجامع تراث الألباني في العقيدة

- ‌شكر وتقدير

- ‌كلمة أخيرة

- ‌جماع أبواب مقدمات عقدية هامة

- ‌[1] باب تعريف العقيدة

- ‌[2] باب أهمية الدعوة للعقيدة

- ‌[3] باب خطورة تنكب الدعاة عن الدعوة للعقيدة الصحيحة

- ‌[4] باب أهمية إعطاء الدعاة الأولوية

- ‌[5] باب بيان أهمية تصحيح العقيدة

- ‌[6] باب الرد على من ينكر الحرص الزائد على تعليم العقيدة ويقول أن العقيدة يمكن تلقيها في دقائق

- ‌[7] باب العقيدة أساس كل انتصار على الكفار

- ‌[8] باب "لا كيف" في المغيبات

- ‌[9] باب الأمور الغيبية لا يخاض فيها بالأقيسة والآراء

- ‌[10] باب الكلام حول خلاف الصحابة في العقيدة

- ‌[11] باب هل وقع اختلاف بين السلف في مسائل عقدية

- ‌[12] باب هل دراسة العقيدة محصورةفي كتب شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌[13] باب هل يجوز تدريس العقيدة للأطفالعلى شكل قصص حكايات

- ‌[14] باب بدعة تقسيم الدين إلى أصول وفروع

- ‌[15] باب حكم التفريق بين الشريعة والعقيدة

- ‌[16] باب هل يجوز للطالبأن يجيب على سؤال في امتحان بخلاف عقيدته

- ‌جماع أبواب بيان مصادرأهل السنة والجماعة في الاستدلال في العقيدة

- ‌[17] باب من هم أهل السنة

- ‌[18] باب أهل السنة يستدلون ثم يعتقدون، أما أهل البدع فيعتقدون ثم يستدلون

- ‌[19] باب ما المقصود بالجماعةفي قولنا أهل السنة والجماعة

- ‌[20] باب مصادر الاستدلال عند أهل السنة: الكتاب، السنة، فهم سلف الأمة، وبيان أثر التنكب عن منهج فهم السلف في أبواب العقيدة

- ‌[21] باب كلمة حول مصادر الاستدلال عند أهل السنة، مع التعرض لبيان موقع العقل من هذه المصادر، وبيان خطأ تقسيم الأحاديث إلى ظنية ويقينية وما يترتب على ذلك

- ‌[22] باب من أصول الاستدلال:القرآن والسنة الصحيحة وفهم السلف

- ‌[23] باب أهمية فهم السلف للكتاب والسنة

- ‌[24] باب مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم

- ‌جماع أبواب بيان منزلة السنة بجانب القرآنوكونها مصدرًا رئيسًا من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

- ‌[25] باب وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها

- ‌[26] باب لزوم اتباع السنة على كل جيل في العقائد والأحكام

- ‌[27] باب وظيفة السنة في القرآن

- ‌[28] باب ضرورة السنة لفهم القرآنوبيان ضلال المستغنين بالقرآن عن السنة

- ‌[29] باب من أصول الخلف التي تركت السنة بسببها

- ‌[30] باب ضعف حديث معاذ في الرأي وما يستنكر منه

- ‌[31] باب بطلان تقديم القياس وغيره على الحديث

- ‌[32] باب أهمية السنة بجانب القرآن

- ‌[33] باب منزلة السنة مع القرآن، وبيان حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[34] باب هلاك من يفسر القرآن بغير السنة

- ‌[35] باب عدم كفاية اللغة لفهم القرآن

- ‌[36] باب خطأ حصر أخذ العقيدة بالقرآن وحدهوالتعرض لحجية خبر الآحاد

- ‌[37] باب ضلال منكري حجية السنة

- ‌[38] باب ذكر ضلال القرآنيين وسببه

- ‌[39] باب الرد على القرآنيين

- ‌[40] باب متى يكون للآثار الموقوفة على الصحابة في العقيدة حكم الرفع فتنزل منزلة السنة

- ‌[41] باب لا يؤخذ في العقيدة إلا بالأحاديث الصحيحة

- ‌[42] باب منه

- ‌[43] باب منه

- ‌[44] باب لا يستدل على أهل البدع إلا بما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌جماع أبواب الكلام على حجية خبر الآحاد في العقيدةوالرد على المخالفين

- ‌[45] باب يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[46] باب من الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة

- ‌[47] باب خطورة تبني رد خبر الآحاد في العقيدةوذكر أهم من صنف في الرد على ذلك

- ‌[48] باب نقض القول برد حديث الآحاد في العقيدة من وجوه عِدة

- ‌[49] باب رد شبهات حول حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[50] باب خبر الآحاد يفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان وبيان أن سبب ادعاء أهل الضلال عدم إفادة حديث الآحاد العلم هو جهلهم بالسنة

- ‌[51] باب أمثلة على العقائد الإسلامية المتواترة

- ‌[52] باب عدم الإحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة بدعة محدثة

- ‌[53] باب منه

- ‌[54] باب منه

- ‌[55] باب منه

- ‌[56] باب منه

- ‌[57] باب منه

- ‌[58] باب منه

- ‌[59] باب منه

- ‌[60] باب حجية خبر الآحاد، ومصير أهل الضلال الذين ينكرونه

- ‌[61] باب الرد على من يفرِّقفي حجية خبر الآحاد بين العقائد والأحكام

- ‌[62] باب منه

- ‌[63] باب هل يؤخذ بالحديثالحسن لغيره في أبواب العقيدة

- ‌[64] باب منه

- ‌[65] باب في ذكر بعض من أنكر حجية خبر الآحاد في العقيدة

- ‌[66] باب بدعة تقسيم دلالةالأحاديث إلى ظنية الثبوت وقطعية الثبوت

- ‌[67] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد

- ‌[68] باب هل إنكار خبر الآحاد يُعَدُّ كفراً

- ‌جماع أبواب الكلام حول العقل وموقعه من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

- ‌[69] باب العقل الفطري السليممن أصول الاستدلال عند أهل السنة ومثال ذلك

- ‌[70] باب في رد شبهات من أنكر النقل وقَدَّس العقل، وبيان أن العقل الصحيح هو المطَعَّم بالشرع التابع له، وبيان خطورة الخوض في الغيبيات بالعقل

- ‌[71] باب خطر تحكيم العقل في الشرع

- ‌[72] باب هل العقل سواء مع الكتاب والسنة في الاستدلال

- ‌[73] باب بيان ضلال من حَكَّم العقل في الشرع

الفصل: ‌[20] باب مصادر الاستدلال عند أهل السنة: الكتاب، السنة، فهم سلف الأمة، وبيان أثر التنكب عن منهج فهم السلف في أبواب العقيدة

الناجية، وهي طائفة أهل الحديث ومن اتبع سبيلهم من أتباع المذاهب وغيرهم.

"التعليق على متن الطحاوية"(ص108).

[20] باب مصادر الاستدلال عند أهل السنة: الكتاب، السنة، فهم سلف الأمة، وبيان أثر التنكب عن منهج فهم السلف في أبواب العقيدة

(1)

المقدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه، وبعد:

فإن الله تعالى، قد من علينا بنعمة الإيمان، ومنَّ على الأمة بعلماء هم الذين أكرمهم الله تعالى بما أعطاهم من علم لِيُنيروا للناس السبيل إلى الله وإلى عبادة الله عز وجل، وهم ورثة الأنبياء بلا ريب، ومجيئنا كان دافعه وسيبقى إن شاء الله، مرضاة الله عز وجل أولاً، وطلب العلم الذي يوصل إلى ذلك إن شاء الله، وواللهِ إنها لساعة طيبة أن نلتقي بشيخنا وبعالمنا وبأستاذنا الكبير الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، باسم أهالي الحي أولاً - حي شُويكَة - نرحب أجمل ترحيب بشيخنا الفاضل، وباسم أهالي المَفْرَقْ - وعلى وجه الخصوص طلبة العلم فيها - يرحبون أيضاً جميعاً وهم على شوقٍ كانوا في أن يلتقوا اليوم مع أستاذنا الكريم، ولا ضير فكلنا شوق إلى سماع ما عنده من دُرَرِ العلم ومن الحكمة إن شاء الله، فلنستمع إليه فيما مَنَّ الله تعالى عليه من علمه، ثم بعد أن يكتفيْ، أو أن يكتفيَ شيخنا، فإن باب السؤال سيفتح، على أن يكون السؤال مكتوباً والوُرَيْقاتُ متوفرة

(1) سيأتي الكلام على فهم السلف وأهميته بأوسع من هنا في مقدمة "جامع تراث العلامة الألباني في المنهج" يسر الله نشره، واقتصرت هنا على بعض ذلك كما نبهت عليه في المقدمة.

ص: 212

إن شاء الله، ساعة طيبة أكرر، وأهلاً بشيخنا الكريم.

الشيخ: أهلاً بكم، إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أشكر الأخ الأستاذ / إبراهيم على كلمته، وعلى ثنائه، وليس لي ما أقوله لقاء ذلك إلا الإقتداء بالخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، الذي كان الخليفة الحق والأول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فكان إذا سمع شخصاً يُثْني عليه خيراً - وأعتقد أن ذلك الثناء مهما كان صاحبه قد غلا فيه فما دام أنه خليفة رسول الله - فهو بحق، ومع ذلك - الله المستعان -، ومع ذلك كان يقول: اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، هذا يقوله الصديق الأكبر، فماذا نقول نحن من بعده؟ فأقول - إقتداءً به -: اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون.

الحَقَّ - والحَقَّ أقول - لَسْتُ بذاك الموصوف الذي سمعتموه آنفاً من أخينا الفاضل إبراهيم، وإنما أنا طالب علم، لا شيء آخر، وعلى كل طالبٍ أن يكون عند قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«بلغوا عني ولو آية، بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» (1) رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو.

(1) صحيح الجامع (رقم2837).

ص: 213

على هذا - وتجاوباً مع هذا النص النبوي الكريم والنصوص الأخرى المتواردة والمتتابعة في كتاب الله وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقوم بجهد من تبليغ الناس ما قد لا يعلمونه، ولكن هذا لا يعني أننا أصبحنا عند حُسْنَ ظن إخواننا بنا، ليس الأمر كذلك.

الحقيقة التي أشعر بها من قرارة نفسي أنني حينما أسمع مثل هذا الكلام أتذكر المثل القديم المعروف عند الأدباء، ألا وهو "إن البُغاث بأرضنا يَسْتَنْسِرُ"، "إن البُغاث بأرضنا يَسْتَنْسِرُ"، قد يخفى على بعض الناس المقصود من هذا الكلام أو من هذا المثل، البُغاث: هو طائر صغير لا قيمة له، فيصبح هذا الطير الصغير، نسراً عند الناس، لجهلهم بقوة النسر وضخامته، فصدق هذا المثل على كثيرٍ ممن يدْعُونَ بحق وبصواب، أو بخطأٍ وباطلٍ إلى الإسلام.

لكن الله يعلم أنه خَلَتِ الأرض - الأرض الإسلامية كلها - إلا من أفرادٍ قليلين جداً جداً ممن يصح أن يقال فيهم: فلان عالم، كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله لا ينتزع العلم انْتِزاعا من صدور العلماء ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقي عالماً - هذا هو الشاهد - حتى إذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهَّالاً فَسُئِلوا فأفتوا بغير علمٍ فضلوا وأضلوا» (1).

إذا أراد الله أن يقبض العلم، لا ينتزعه انتزاعاً من صدور العلماء، بحيث أنه يصبح العالم كما لو كان لم يتعلم بالمرة، لا، ليست هذه من سنة الله عز وجل، في

(1) البخاري (رقم6877) ومسلم (رقم6974).

ص: 214

عباده، وبخاصة عباده الصالحين - أن يَذْهَبَ من صدورهم بالعلم الذي اكتسبوه، إرضاءً لوجه الله عز وجل كما سمعتم آنفاً - كلمة ولو وجيزة من الأخ إبراهيم بارك الله فيه أن هذا الاجتماع إنما كان لطلب العلم، فالله عز وجل حكمٌ عدلٌ لا ينتزع العلم من صدور العلماء حقاً، ولكنه جرت سنة الله عز وجل في خلقه، أن يقبض العلم بقبض العلماء إليه، كما فعل بسيد العلماء والأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حتى إذا لم يُبْقِِ عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فَسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، ليس معنى هذا: أن الله عز وجل يُخْلي الأرض، من عالمٍ تقوم به حجة الله على عباده، ولكن معنى هذا: أنه كلما تأخر الزمن كلما قَلَّ العلم، وكلما تأخر ازداد قلةً ونقصاناً حتى لا يَبْقى على وجه الأرض من يقول: الله، الله.

هذا الحديث تسمعونه مراراً - وهو حديث صحيح -: «لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله، الله» (1)، «من يقول: الله الله»، وكثيراً من أمثال هؤلاء المشار إليهم في آخر الحديث المذكور، قَبْض الله العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقي عالماً اتخذ الناس رؤوسا جُهّالاً، من هؤلاء الرّؤوس، من يفسر القرآن والسنة بِتَفاسير مُخالفة لما كان عليه العلماء - لا أقول: سلفاً فقط بل وخلفاً أيضاً-.

فإنهم يحتجون بهذا الحديث: (الله، الله) على جواز بل على استحباب ذكر الله عز وجل باللفظ المفرد (الله، الله)

إلى آخره، لكي لا يغتر مُغْتَر ما أو يجهل جاهلٌ ما حينما يسمع هذا الحديث بمثل ذلك التأويل بدا لي ولو عرضاً أن أُذَكِّرَ إخواننا الحاضرين بأن هذا التفسير باطلٌ:-

(1) مسلم (رقم392).

ص: 215

أولاً: من حيث أنه جاء بيانه في رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وثانياً: لأن هذا التفسير لو كان صحيحاً لجرى عليه عمل سلفنا الصالح رضي الله عنهم، فإذْ لم يفعلوا دل إعراضهم عن الفعل بهذا التفسير على بطلان هذا التفسير.

فكيف بكم إذا انضم إلى هذا الرواية الأخرى - وهذا بيت القصيد كما يقال - أن الإمام أحمد رحمه الله روى هذا الحديث في مسنده (1) بالسند الصحيح بلفظ: «لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله» إذن هذا هو المقصود بلفظة الجلالة المكرر، المكررة في الرواية الأولى، الشاهد: أن الأرض اليوم مع الأسف الشديد خَلَتْ من العلماء الذين كانوا يملؤون الأرض الرحبة الواسعة بعلمهم وينشرونه بين صفوف أمتهم فأصبحوا اليوم كما قيل:

وقد كانوا إذا عدوا قليلاً

فصاروا اليوم أقل من القليلِ

فنحن نرجو من الله عز وجل أن يجعلنا من طلاب العلم الذين يَنْحَوْنَ منحى العلماء حقاً ويسلكون سبيلهم صِدْقاً، هذا ما نرجوه من الله عز وجل أن يجعلنا من هؤلاء الطلاب السالكين ذلك المسلك الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:«من سلك طريقاً يلتمس به علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة» رواه مسلم (2).

وهذا يفتح لي باب الكلام على هذا العلم، الذي يُذْكَرُ في القرآن كثيراً وكثيراً جداً، كَمِثْلِ قوله تعالى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الزمر:9) وقوله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ

(1)(3/ 201رقم13104).

(2)

(رقم7028).

ص: 216

دَرَجَاتٍ} (المجادلة:11) ما هو هذا العلم الذي أثنى الله عز وجل على أهله والمتلبسين به وعلى من سلك سبيلهم؟

الجواب - كما قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تلميذ شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله:

العلم قال الله قال رسوله

قال الصحابة ليس بالتَّمْويه

ما العلم نَصْبَكَ للخلاف سفاهة

بين الرسول وبين رأي فقيه

كلاّ ولا جَحْد الصفات ونفيها

حذراً من التمثيل والتشبيه

فالعلم إذن نأخذ من هذه الكلمة ومن هذا الشعر الذي نادراً ما نسمعه في كلام الشعراء لأن شعر العلماء هو غير شعر الشعراء، فهذا رجل عالم، ويُحْسِنُ الشعر أيضاً، فهو يقول: العلم: "قال الله"، في المرتبة الأولى، "قال رسول الله" في المرتبة الثانية، "قال الصحابة" في المرتبة الثالثة، هنا سأجعل كلمتي في هذه الأمسية الطيبة المباركة إن شاء الله، كلمة ابن القيم هذه تُذَكِّرُنا بحقيقة هامة جداً جداً طالما غفل عنها جمهور الدعاة المنتشرين اليوم في الإسلام باسم الدعوة إلى الإسلام، هذه الحقيقة ما هي؟

المعروف لدى هؤلاء الدعاة جميعاً: أن الإسلام إنما هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا حق لا ريب فيه ولكنه ناقص هذا النقص هو الذي أشار إليه ابن القيم في شِعْرِهِ السابق فَذَكَرَ بعد الكتاب والسنة، الصحابة، العلم: قال الله قال رسوله قال الصحابة

إلى آخره.

الآن نادراً ما نسمع أحداً يَذْكُرُ مع الكتاب والسنة، الصحابة، وهم كما نعلم جميعاً رأس السلف الصالح الذين تواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «خير

ص: 217

الناس قرني» ولا تقولوا كما يقول الجماهير من الدعاة: خير القرون، خير القرون ليس له أصل في السنة، السنة الصحيحة في الصحيحين وغيرهما من مراجع الحديث والسنة مُطْبِقَة على رواية الحديث بلفظ:«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (1).

هؤلاء الصحابة الذين هم على رأس القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، ضَمَّهم الإمام ابن قيم الجوزية إلى الكتاب والسنة، فهل كان هذا الضم منه رأياً واجتهاداً واستنباطاً يمكن أن يتعرض للخطأ؟ لأن لكل جواد كَبْوَة، إنْ لم نقل:

بل كبوات.

الجواب: لا، هذا ليس من الاستنباط ولا هو من الاجتهاد الذي يقبل احتمال أن يكون خطأً، وإنما هو اعتماد على كتاب الله وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما الكتاب: فقول ربنا عز وجل في القرآن الكريم: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115)، {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} لم يقتصر ربنا عز وجل في الآية - ولو فعل لكان حقاً - لم يقل: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى وإنما قال - لحكمة بالغة وهي التي نحن الآن في صدد بيانها وشرحها قال: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ، {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (النساء:115) هذه الآية أرجو أن تكون ثابتةً في ألبابكم وفي قلوبكم ولا تذهب عنكم، لأنها الحق مثلما أنكم تنطقون وبذلك تنجون عن أن تنحرفوا يميناً أو يساراً وعن أن تكونوا ولو في جزئية واحدة أو في مسألة واحدة من فرقة من الفرق الغير الناجية، إن لم نقل: من الفرق الضالة، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال

(1) البخاري (رقم2509) ومسلم (رقم6635).

ص: 218

في الحديث المعروف وأقتصر منه الآن على الشاهد منه: «وسَتَفْتَرِقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فِرْقَة كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «هي الجماعة» (1) الجماعة: هي سبيل المؤمنين، فالحديث إنْ لم يكن وحياً مباشراً من الله على قلب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا فهو اقتباس من الآية السابقة:{ويتبع غير سبيل المؤمنين} إذا كان من يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين قد أُوْعِدَ بالنار، فالعكس بالعكس: من اتبع سبيل المؤمنين فهو مَوْعود بالجنة ولا شك ولا ريب، إذن رسول الله لما أجاب عن سؤال: ما هي الفرقة الناجية؟ من هي؟ قال: «الجماعة» ، إذن، الجماعة: هي طائفة المسلمين، ثم جاءت الرواية الأخرى تُؤَكِّدُ هذا المعنى بل وتزيده إيضاحاً وبياناً، حيث قال عليه السلام:«هي ما أنا عليه وأصحابي» ، «أصحابي» إذن هي سبيل المؤمنين، فحينما قال ابن القيم رحمه الله في كلامه السابق ذِكْره "والصحابة" وأصحابه عليه السلام، فإنما اقتبس ذلك من الآية السابقة ومن هذا الحديث، كذلك الحديث المعروف حديث العرباض ابن سارية رضي الله تعالى عنه أيضاً أَقْتَصِر منه الآن - حتى نُفْسِحَ المجال لبعض الأسئلة- على مَوْضِع الشاهد منه، حيث قال عليه السلام:«فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» (2).

إذن، هنا كالحديث الذي قبله وكالآية السابقة، لم يَقُلِ الرسول عليه السلام: فعليكم بسنتي فقط، وإنما أضاف أيضاً إلى سُنَّتِهِ: سنة الخلفاء الراشدين، من هنا، نحن نقول وبخاصة في هذا الزمان، زمان تضاربت فيه الآراء والأفكار والمذاهب وتكاثرت الأحزاب والجماعات حتى أصبح كثير من الشباب المسلم يعيش

(1) صحيح الجامع (رقم2042)

(2)

صحيح الجامع (رقم2549).

ص: 219

حيران، لا يدري إلى أي جماعة ينتسب؟ فَهُنا يأتي الجواب في الآية وفي الحديثين المذكورين، اتبعوا سبيل المؤمنين، سبيل المؤمنين في العصر الحاضر؟ الجواب: لا، وإنما في العصر الغابر، العصر الأول، عصر الصحابة، السلف الصالح، هؤلاء ينبغي أن يكونوا قدوتنا وأن يكونوا متبوعنا، وليس سواهم على وجه الأرض مطلقاً.

إذن دعوتنا - هنا الشاهد وهنا بيت القصيد- تقوم على ثلاثة أركان على الكتاب والسنة وإتباع السلف الصالح، فمن زعم بأنه يتبع الكتاب والسنة ولا يتبع السلف الصالح، ويقول بلسان حاله وقد يقول بلسان قاله وكلامه: هم رجال ونحن رجال، فإنه يكون في زَيْغٍ وفي ضلال، لماذا؟ لأنه ما أخذ بهذه النصوص التي أسمعناكم إياها آنفاً، لقد اتبع سبيل المؤمنين؟ لا، لقد اتبع أصحاب الرسول الكريم؟ لا، ما اتبع؟ اتبع إن لم أقل هواه، فقد اتبع عقله، والعقل معصوم؟ الجواب: لا، إذن فقد ضل ضلالاً مبيناً، أنا أعتقد أن سبب الخلاف الكثير المتوارث في فرق معروفة قديماً والخلاف الناشئ اليوم حديثاً هو: عدم الرجوع إلى هذا المصدر الثالث: وهو السلف الصالح فكلٌّ يدَّعي الانتماء إلى الكتاب والسنة، وطالما سمعنا مثل هذا الكلام من الشباب الحيران، حيث يقول: يا أخي هؤلاء يقولون: الكتاب والسنة، وهؤلاء يقولون: الكتاب والسنة فما هو الحَكَمُ الفصل؟ الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، فمن اعتمد على الكتاب والسنة دون أن يعتمد على السلف الصالح ما اعتمد على الكتاب والسنة، وإنما اعتمد على عقله، إنْ لم أقل: على هواه.

من عادتي أن أضرب بعض الأمثلة، لتوضيح هذه المسألة بل هذا الأصل الهام، وهو على "منهج السلف الصالح"، هناك كلمة تُرْوى عن الفاروق عمر ابن

ص: 220

الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: إذا جادلكم أهل الأهواء والبدع بالقرآن فجادلوهم بالسنة، فإن القرآن حَمّالُ وجوه، من أجل، لماذا قال عمر هذه الكلمة؟ أقول: من أجل ذلك قال الله عز وجل مخاطباً نبيه عليه السلام في القرآن بقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) تُرى هل يستطيع مسلم عربي - هو كما يقال سيبويه زمانه في المعرفة باللغة العربية وأدبها وأسلوبها - هل يستطيع أن يفهم القرآن من غير طريق رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم؟ الجواب: لا، وإلا كان قوله تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) عبثاً، وحاشى كلام الله أن يكون فيه أي عبث، إذن، من أراد أن يفهم القرآن من غير طريق الرسول عليه السلام فقد ضل ضلالاً بعيداً، ثم هل بإمكان ذلك الرجل أن يفهم القرآن والسنة من غير طريق الرسول عليه الصلاة والسلام (أظن هنا سبق لسان من الشيخ رحمه الله وأظنه يقصد الصحابة رضوان الله عليهم)؟ الجواب - أيضاً -: لا، ذلك لأنهم هم الذين:-

أولاً: نقلوا إلينا لفظ القرآن الذي أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام.

وثانياً: نقلوا لنا بيانه عليه السلام الذي ذُكِرَ في الآية السابقة وتطبيقه عليه الصلاة والسلام لهذا القرآن الكريم، هنا لابد لي من وقفة أرجو أن تكون قصيرة، بيانه عليه السلام يكون على ثلاثة أنواع:

1 -

لفظاً.

2 -

وفعلاً.

3 -

وتقريراً.

ص: 221

لفظا ً: من الذي ينقله؟ أصحابه، فعله: من الذي ينقله؟ أصحابه، تقريره: من الذي ينقله؟ أصحابه، من أجل ذلك لا يمكننا أن نَسْتَقِلَّ في فهم الكتاب والسنة على مداركنا اللغوية فقط، بل لابد أن نستعين على ذلك، لا يعني هذا أن اللغة نستطيع أن نستغني عنها، لا، ولذلك نحن نعتقد جازمين أن الأعاجم الذين لم يُتْقِنوا اللغة العربية وقعوا في أخطاء كثيرة وكثيرة جداً، وبخاصة إذا وقعوا في هذا الخطأ الأصولي: وهو عدم رجوعهم إلى السلف الصالح في فهم الكتاب والسنة، لا أعني من كلامي السابق عدم الاعتماد على اللغة، كيف؟ وإذا أردنا أن نفهم كلام الصحابة فلا بد أن نفهم اللغة العربية كما أنه لابد لفهم القرآن والسنة من معرفة اللغة العربية، لكننا نقول: إن بيان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المذكور في الآية السابقة، هو على ثلاثة أقسام:

1 -

قول.

2 -

وفعل.

3 -

وتقرير.

لنضرب مثلاً أو أكثر - إذا اضطررنا إليه لنستوعب أن هذا التقسيم هو الأمر الواقع ماله من دافع -: قوله تبارك وتعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} (المائدة:38) السارق - انظروا الآن كيف لا يمكننا أن نعتمد في تفسير القرآن على اللغة فقط - السارق لغةً: هو كل من سرق مالاً من مكانٍ حَريز، مهما كان هذا المال ليس ذا قيمة، سرق بيضة - مثلاً - سرق فلساً، قرشاً، هذا لغةً: سارق، قال تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} (المائدة:38)، هل كل من سرق تُقْطَعْ يده؟ الجواب: لا، لِمَ؟ لأن المُبَيِّن الذي تولى تَبْيينَ المُبَيَّن - المُبَيِّن رسول الله، والمُبَيَّن كلام الله - قد بين لنا رسول الله من الذي تقطع يده من

ص: 222

السارقين فقال: «لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً» (1) أخرجه البخاري ومسلم من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، فمن سرق أقل من رُبْع دينار - وإن كان يُسَمّى لغةً: سارق - ولكنه لا يُسَمّى شرعاً سارقاً، إذن من هنا نتوصل إلى حقيقة علمية كثير من طلاب العلم هم غافلون عنها، هناك لغةٌ عربية متوارثة ولغة شرعية، الله اصطلح عليها لم يكن للعرب الذين يتكلمون بلغة القرآن التي نزل بها القرآن ما كانوا يعرفون من قبل مثل هذا الاصطلاح، فإذا أطلق السارق لغةً: شَمِلَ كل سارق، أما إذا ذُكِرَ السارق شرعاً، فلا يشمل كل سارق، وإنما من سرق ربع دينار فصاعداً، إذن: هذا مثالٌ واقعي أننا لا نستطيع أن نستقل في فهم الكتاب والسنة على معرفتنا باللغة العربية، وهذا ما يقع فيه كثير من الكُتّاب المعاصرين اليوم، يُسَلِّطون معرفتهم باللغة العربية على آيات ٍكريمة والأحاديث النبوية فيفسرونها، فيأتوننا بتفسير بِدْعِيٍّ لا يعرفه المسلمون من قبل، لذلك نقول يجب أن نفهم أن دعوة الإسلام الحق هي قائمة على ثلاثة أصول وعلى ثلاثة قواعد:

1 -

الكتاب.

2 -

والسنة.

3 -

وما كان عليه سلفنا الصالح.

{والسارق والسارقة} إذن لا تُفَسَّر هذه الآية على مُقْتَضى اللغة، وإنما على مُقْتَضى اللغة الشرعية التي قالت:«لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً» ثم قال في تمام الآية: {فاقطعوا أيديهما} ما هي اليد في اللغة؟ هذه كلها يد من أنامل إلى ..

(1) مسلم (رقم4494).

ص: 223

فهل تقطع من هنا أم من هنا أم من هنا بين ذلك الرسول بفعله، ليس عندنا هناك حديث صحيح - كما جاء في تحديد السرقة التي يستحق السارق أن تُقْطَع يده من أجلها ليس عندنا حديث - يحدد لنا مكان القطع من بيانه القولي، وإنما عندنا بيان فعلي تطبيقي عملي، من أين نعرف هذا التطبيق؟ من سلفنا الصالح أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذا هو القسم الثاني وهو البيان الفعلي.

القسم الثالث: إقرار الرسول عليه السلام للشيء: لا يُنْكِرُهُ ولا ينهى عنه، هذا الإقرار ليس قولاً منه، ولا فعلاً صدر منه، إنما هذا الفعل صدر من غيره، كل ما صدر منه أنه رأى وأقر، فإذا رأى أمراً وسكت عنه وأقره صار أمراً مقرراً جائزاً، وإذا رأى أمراً فأنكره ولو كان ذلك الأمر واقعاً من بعض الصحابة ولكن ثبت أنه نهى عنه حينئذٍ هذا الذي نهى عنه يختلف كل الاختلاف عن ذلك الذي أقره، وهاكم المثال للأمرين الاثنين - وهذا من غرائب الأحاديث -: يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما: كنا نشرب ونحن قيام، ونأكل ونحن نمشي، في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام. تحدث عبد الله في هذا الحديث عن أمرين اثنين:

1 -

عن الشرب من قيام.

2 -

وعن الأكل ماشياً.

وأن هذا كان أمراً واقعاً في عهد الرسول عليه السلام، فما هو الحكم الشرعي بالنسبة لهذين الأمرين: الشرب قائماً والأكل ماشياً؟ إذا طبقنا كلامنا السابق نستطيع أن نأخذ الحكم طبعاً بضميمة لا بُدَّ منها وهي: من كان على علمٍ بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولاً وفعلاً وتقريراً، فإذا رجعنا إلى السنة الصحيحة فيما يتعلق بالأمر الأول الذي ابْتُلِيَ كثير من المسلمين إنْ لم أقل ابْتُلِيَ به أكثر المسلمين

ص: 224

بمخالفة قول الرسول الكريم، ألا وهو: الشرب قائماً - كانوا يشربون قياماً كانوا يلبسون الذهب كانوا يلبسون الحرير هذه حقائق لا يمكن إنكارها - لكن هل أقر الرسول ذلك؟ الجواب: أنكر شيئاً وأقر شيئاً، فما أنكره صار في حدود المُنْكَر، وما أقره صار في حدود المعروف، فأنكر الشرب قائماً في أحاديث كثيرة - ولا أريد الإفاضة فيها حتى ما نخرج -:

أولاً: عما خططنا لأنفسنا من أن نختصر الكلام في هذا الموضوع إفساحاً لمجال الأسئلة.

وثانياً: إن هذه المسألة لِوَحْدِها تحتاج إلى جلسة خاصة.

لكن حسبي أن أروي لكم حديثاً صحيحاً أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (1) من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشرب قائماً» وفي لفظٍ: «زَجَرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشرب قائماً» إذن هذا الذي كان يفعل بشهادة حديث ابن عمر في عهد الرسول عليه السلام قد نهى هو عنه، فصار ما كانوا يفعلونه أمراً ملغياًّ، بِنَهْيِ الرسول عنه، لكن الشطر الثاني من الحديث وهو: أنهم كانوا يأكلون وهم يمشون، ما جاءنا نَهْيٌ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستفدنا من هذا الإقرار حكماً شرعياً، إلى هنا أكتفي الآن لبيان ضرورة الاعتماد على فهم الكتاب والسنة على ما كان عليه السلف الصالح وليس أن يستقل الإنسان بفهم الكتاب والسنة كيف ما بدا لعلمه إن لم نقل: لجهله.

لكن لابد بعد أن تَبَيَّنَ أهمية هذا القيد "على منهج السلف الصالح" أن أُقَرِّبَ لكم بعض الأمثلة:

(1)(رقم5393) بلفظ: «زَجرَ عن الشرب» ، وعنده بلفظ:«نهى» من حديث أبي سعيد الخدري (رقم5397).

ص: 225

قديماً تفرق المسلمون إلى فرق كثيرة: تسمعون بالمعتزلة، تسمعون بالمرجئة، تسمعون بالخوارج، تسمعون بالزيدية فضلاً عن الشيعة الرافضة وهكذا، ما في هؤلاء طائفة مهما كانت عريقةً في الضلال لا يشتركون مع سائر المسلمين، في قولهم: نحن على الكتاب والسنة، ما أحد منهم يقول: نحن لا نتبنى الكتاب والسنة، وإلا لو قال أحد منهم هذا خرج من الإسلام بالكلية، إذن، لماذا هذا التفرق ما دام أنهم جميعاً يعتمدون على الكتاب والسنة؟ وأنا أشهد أنهم يعتمدون على الكتاب والسنة، ولكن كيف كان هذا الاعتماد؟ دون الاعتماد على الأصل الثالث:"على ما كان عليه السلف الصالح" مع ضميمةٍ أخرى لابد أيضاً من التنبيه عليها وهي: أن السنة تختلف كل الاختلاف عن القرآن الكريم، من حيث: أن القرآن الكريم محفوظ بين دفتي المصحف كما هو معلوم لدى الجميع، أما السنة فهي:

أولاً: موزعة في مئات الكتب - إن لم أقل: ألوف الكتب - منها قسم كبير جداً لا يزال في عالم الغيب في عالم المخطوطات، ثم حتى هذه الكتب المطبوعة منها اليوم فيها الصحيح وفيها الضعيف، فالذين يعتمدون على السنة سواء كانوا من الذين ينتمون إلى أهل السنة والجماعة وعلى منهج السلف الصالح، أو كانوا من الفرق الأخرى، كثير من هؤلاء من لا يميزون السنة الصحيحة من الضعيفة، فيقعون في مخالفة الكتاب والسنة، بسبب اعتمادهم على أحاديث ضعيفة أو موضوعة، الشاهد: هناك بعض الفرق التي أشرنا إليها تُنْكِرُ بعض الحقائق القرآنية والأحاديث النبوية قديماً وأيضاً حديثاً، القرآن الكريم يثبت ويبشر المؤمنين بنعمة عظيمة جداً يحظَوْن بها يوم يلقون الله عز وجل في جنة النعيم، حيث يتجلى رب العالمين عليهم فيرونه، كما قال ذلك العالم السلفي:

ص: 226

يراه المؤمنون بغير كيف

وتشبيهٍ وضربٍ من مثالِ

هذا عليه نصوص من القرآن وعشرات النصوص من أحاديث الرسول عليه السلام، كيف أَنْكَرَ هذه النعمة بعض الفرق القديمة والحديثة؟ أما القديمة: المعتزلة اليوم لا يوجد فيما علمت على وجه الأرض من يقول: نحن معتزلة، نحن على مذهب المعتزلة، لكنني رأيت رجلاً أحمق، يعلن أنه معتزلي وينكر حقائق شرعية جداً، لأنه ركب رأسه، فأولئك المعتزلة أنكروا هذه النعمة، وقالوا: بعقولهم الضعيفة، قالوا: مستحيل أن يُرَى الله عز وجل، فماذا فعلوا؟ هل أنكروا القرآن؟ الله يقول في القرآن الكريم:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} (القيامة:22، 23) هل أنكروا هذه الآية؟ لا، لو أنكروها لكفروا وارتدوا، لكن إلى اليوم أهل السنة حقاً يحكمون على المعتزلة بالضلال، لكن لا يُخْرِجونهم من دائرة الإسلام، لأنهم ما أنكروا هذه الآية، وإنما أنكروا معناها الحق الذي جاء بيانه في السنة كما سنذكر، فالله عز وجل حين قال في حق المؤمنين أهل الجنة:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} (القيامة:22، 23) تأولوها، دوبَلوا عليها آمنوا بها لفظاً، وكفروا بها معنىً، والألفاظ - كما يقول العلماء: - هي قوالب المعاني، فإذا آمنا باللفظ وكفرنا بالمعنى فهذا الإيمان لا يُسْمِنُ ولا يغني من جوع، لكن لماذا هؤلاء أنكروا هذه الرؤيا؟ ضاقت عقولهم أن يتصوروا وأن يتخيلوا أن هذا العبد المخلوق العاجز، بإمكانه أن يرى الله عز وجل جهرةً، كما طلب اليهود من موسى، فأعجزهم الله عز وجل بالقصة المعروفة:{انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} (الأعراف:143) ضاقت عقولهم، فاضطروا أن يتلاعبوا بالنص القرآني وأن يؤولوه، لماذا؟ لأن إيمانهم بالغيب ضعيف وإيمانهم بعقولهم أقوى من إيمانهم بالغيب الذي أُمِروا به في مطلع سورة البقرة:{ألم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة:1 - 3) فالله غيب الغيوب، فمهما

ص: 227

ربنا تحدث عن نفسه، فعلينا أن نصدق وأن نؤمن به، لأن مدارِكِنا قاصرة جداً، ما اعترف المعتزلة بهذه الحقيقة، ولذلك جحدوا كثيراً من الحقائق الشرعية، منها: قوله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} (القيامة:22، 23) كذلك الآية الأخرى وهي قد تكون أخفى بالنسبة لأولئك الناس من الآية الأولى، وهي قوله عز وجل:{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس:26)، {للذين أحسنوا الحسنى} أي: الجنة، {وزيادة} أي: رؤية الله في الآخرة، هكذا جاء الحديث في صحيح مسلم بسنده الصحيح عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: {للذين أحسنوا الحسنى} قال عليه السلام: «الجنة» ، {وزيادة}:«رؤية الله» .

أنكر المعتزلة وكذلك الشيعة - وهم معتزلة في العقيدة -، الشيعة معتزلة في العقيدة أنكروا رؤية الله، المصرح في الآية الأولى والمبين من رسول الله في الآية الأخرى، مع تواتر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأوقعهم تأويلهم للقرآن في إنكار الأحاديث الصحيحة عن الرسول عليه السلام، فخرجوا عن أن يكونوا من الفرقة الناجية:«ما أنا عليه وأصحابي» الرسول كان على الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم، لأنه جاء في الصحيحين من أحاديث جماعة من أصحاب الرسول عليه السلام، منهم: أبو سعيد الخدري، منهم: أنس بن مالك، خارج الصحيح أبو بكر الصديق وهكذا، قال عليه الصلاة والسلام:«إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته» (1)، روايتين:

1 -

«لا تضامُون» بالتخفيف.

2 -

و «لا تضامُّون» بالتشديد.

والمقصود: لا تَشُكّون في رؤيته كما لا تشكون في رؤية القمر ليلة البدر ليس

(1) البخاري (رقم529) ومسلم (رقم1466).

ص: 228

دونه سحاب، أنكروا هذه الأحاديث بعقولهم، إذن هم ما سَلَّموا وما آمنوا، فكانوا ضعيفي الإيمان هذا مثال مما وقع فيه بعض الفرق قديماً.

وعلى هذا حديثاً اليوم: الخوارج، ومنهم: الإباضية، الذين الآن نشطوا في الدعوة إلى ضلالهم، ولهم مقالات الآن ورسائل ينشرونها، ويُحْيون الخروج الذي عُرِفَ به الخوارج من قديم في كثير من انحرافاتهم، منها: إنكارهم رُؤْيَة الله عز وجل في الجنة.

الآن نأتيكم بمثال حديث: القاديانيون، ربما سمعتم بهم، هؤلاء يقولون كما نقول: نحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، يصلون الصلوات الخمس، يقيمون الجمعة، يحجون إلى بيت الله الحرام، ويعتمرون، لا فرق بيننا وبينهم هم كمسلمين، لكنهم يخالفوننا في كثير من العقائد منها - وهنا الشاهد - قولهم: بأن النبوة لم تُغْلَق بابها، يقولون بأنه سيأتي أنبياء بعد محمد عليه السلام، ويزعمون بأنه جاء أحد منهم في قاديان في بلدة في الهند، فمن لم يؤمن بهذا النبي عندهم فهو كافر، كيف قالوا هذا مع الآية الصريحة:{وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)؟ كيف قالوا هذا مع الأحاديث المتواترة بأنه: «لا نبي بعدي» (1)؟ فأوَّلوا القرآن والسنة، وما فسروا القرآن والسنة كما فسرها السلف الصالح وتتابع أيضاً المسلمون على ذلك، دون خلاف بينهم، حتى جاء هذا الزائغ الضال المسمى بميرزا غلام أحمد القادياني، فزعم بأنه نبي، وله قصة طويلة لسنا الآن في صددها، فاغتر به كثير ممن لا علم عندهم بهذه الحقائق التي هي: صيانة للمسلم من أن ينحرف يميناً ويساراً كما انحرف القاديانيون هؤلاء مع

(1) البخاري (رقم3268) ومسلم (4879).

ص: 229