الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[6] باب الرد على من ينكر الحرص الزائد على تعليم العقيدة ويقول أن العقيدة يمكن تلقيها في دقائق
السائل: بارك الله فيك يا شيخنا! في عندي سؤال ثمة له علاقة، يعني: هو منهجي أيضاً في تتمة البحث لكن ما هو في الجانب الفقهي، لكن في الجانب العقائدي .. من المعلوم أن الدعوة السلفية كذلك فيما تدعو إليه كما تدعو إلى تحكيم الكتاب والسنة في فهم السلف الصالح في المسائل العملية والعبادات وغيرها، فهي كذلك تدعو إلى تحكيم الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح وما عرف بالعقيدة السلفية وتعلمها والحرص عليها؛ لأن البدء بالإيمان بالله تبارك وتعالى واليوم الآخر هو من مهمات الإسلام؟
الشيخ: حق.
مداخلة: ولكن هناك شبهات ثلاث هي في الحقيقة تدور حول نقطة واحدة فلذلك أنا أذكر الشبهات الثلاث وهي يعني: حرصاً على الوقت أجمعها الثلاث شبهات ثم بعد ذلك يكون الرد على ما شئتم.
فيقولون الشبهة الأولى: يقال: أنه لازم من دراسة العقيدة ما يصح به الإيمان وهذا من الممكن تعلمه في دقائق معدودة.
الشبهة الثانية: يقولون: إن دراسة العقيدة على وجه التفصيل ولا سيما في أبواب الردود على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم، (تدخل) الناس فيما لم يوجب الله عز وجل عليهم معرفته ويعرضهم للافتتان في دينهم، كما أن تدريس العقيدة مفصلة يوقع الناس في الحيرة والتذبذب.
الشبهة الثالثة: اتهام العلماء السلفيين بأنهم يدندنون حول مسائل الشرك
والتوحيد دون أن يدخلوا في بحث ما تحتاج إليه الأمة من تحكيم الشريعة ومصارعة الطواغيت وإنكار المنكر، ومن غير أن ينقلوا الدعوة إلى واقع عملي تطبيقي.
يعني: هي ثلاث شبهات لكن في الحقيقة كلها مؤداها عدم دراسة العقيدة وعدم الحرص على (التوسع فيها).
الشيخ: أما الشبهة الأولى فهي كأخرياتها وكأخواتها شنشنة نعرفها من أقدم الذي يقول: أن العقيدة يمكن تلقيها في دقائق نسأل هذا القائل: ما هي هذه العقيدة التي يمكن أن يتلقاها المسلم في دقائق هل يعني هو أن يتلقى العقيدة مجملاً في دقائق أم تفصيلياً في دقائق؟ إن قال مجملاً نحن نقول: ممكن هذا إجمالاً كما هو في حديث: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه إلى آخره» (1) أما إن قال أيضاً يمكن تلقي العقيدة تفصيلياً في دقائق، فنحن سنقول له أولاً: هل تعني العرب أم تعني العجم، فمن قوله: أعني العرب، أليس كذلك؟ أنت شاعر بقى بالمشكلة انصب حالاً حالك، يعني: مدافعاً عنهم، أو معبراً عن شبهاتهم، فسنقول له: إن كنت تقصد العرب فقط، فهذه أول خطيئة؛ لأنك تعلم أن الإسلام لم يرسل إلى العرب خاصة، وإنما أرسل إلى الناس كافة.
ثم نقول ثانياً: هل تعني العرب الأقحاح الذين يفهمون اللغة العربية لغة القرآن الكريم دون أن يتعلموا؟ فإن قال: نعم، نقول أيضاً جهلت؛ لأن العرب دخلتهم العجمة وأصبح من يعيش في عقر البلاد العربية لا يستطيع أن يفهم القرآن وهو نزل بلغة العرب إلا بدراسة مقدمات لغوية وعلوم يسمونها اصطلاحاً بعلوم الآلة ونحو ذلك، حينئذ نتوصل إلى القول بأن هذا العالم الذي يريد أن يعلم الناس
(1) صحيح البخاري (رقم50) وصحيح مسلم (رقم102).
العقيدة التي جاءت بالكتاب والسنة هل هو يعيش في جو يشبه الجو الأول السلفي الأول الذي يمثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه، أم هو يعيش في أجواء من التفرق الفكري والتفسخ الأخلاقي والسلوكي؟ أظن أيضاً سيكون جوابه إن شاء الله على الحق إنه يقول: لا. هو يعيش الآن في جو يختلف كل الاختلاف عن الجو السابق.
إذاً: هذا الذي يقول: إنه ممكن فهم العقيدة على الوجه التفصيلي الذي جاء به الكتاب والسنة في دقائق فإنما هو يعيش في خيال، ثم نحن نجعله تحت أمر واقع، أعطني نشوف العقيدة في دقائق، هب لي أنا رجل بدوي جاي من الصحراء أريد أن أتعلم العقيدة الإسلامية ما هي؟
مداخلة: قائل هذا القول يربط بين العقيدة وبين ما تصح به العقيدة فيقول: إن الإنسان حين يطالب بالإسلام، إنما يؤمر بمعرفة الله عز وجل معرفة عامة، وبأن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن يؤمن بما عَرَّف به صلى الله عليه وآله وسلم الإيمان، أو كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم
…
الشيخ: هذا يعود إلى كلامي السابق إجمالاً.
مداخلة: نعم.
الشيخ: طيب! لكن هو لا يؤمن معنا بأنه يجب بعد ذلك أن يتعلم الإسلام تفصيلياً على اعتبار أن العلم ينقسم إلى قسمين علم عيني وعلم كفائي، وهذا ما أظن أحداً ينكره، الآن هو يتكلم عن الرجل انظر الآن ضلال هؤلاء الناس اللي بيعيشوا بالأحلام، بيتصوروا أولاً إنه مجتمعنا هو مجتمع الرسول عليه السلام، ثانياً بيتصور كل مسلم: مسلم ابن مسلم ابن مسلم الله أعلم وين ينتهي، بيتصور أنه اليوم أسلم، يا أخي فيه فرق بين اللي دخل في الإسلام حديثاً، وبين اللي عايش في
مجتمع إسلامي فهذا يختلف عن الأول تماماً، رجل كافر يريد أن يسلم (ماذا سنقول له) نقول: اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، صار مسلماً بشهادة الحديث صحيح، «فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» (1).
(
…
انقطاع
…
)
لا يتعلم لا العقيدة بتفاصيلها ولا العبادة بتفاصيلها ما أظن يصل الجهل إلى الاعتراف بمثل هذا الإسلام المجمل، لا بد أن يقول: لا؛ يجب عليه فيما بعد أن مثلاً يتعلم كيفية الطهارة، كيفية الصلاة، كيفية الصيام مثلاً إذا جاء شهر رمضان إلى آخره، هذه التفاصيل لا بد أن يتعلمها ليتم إسلامه، تُرَى الإيمان أليس كذلك، هذا الإيمان المجمل الذي نقلته عنهم، أليس هو وبكتبه وبرسله إجمالاً، ترى! إذا جاء التفصيل ماذا يقولون عنه، إذا جاءه التفصيل يجب الإيمان به أم لا؟
مداخلة: لا شك أنه يجب الإيمان به.
الشيخ: نعم.
مداخلة: يجب الإيمان به إذا جاءه التفصيل.
الشيخ: هو هكذا، هل يتصور أنهم يقولون لا.
مداخلة: هم لا يقولون، لا، ما ذكرتم يا شيخ، لكن هم وقعوا في الجزء الذي ذكرته أنهم وقعوا في الجهل المطبق، حيث إنهم
…
الشيخ: هذا هو لذلك فنحن يجب أن نكون وهم أن يكونوا معنا في الواقع،
(1)"صحيح البخاري"(رقم 25) و"صحيح مسلم"(رقم135).
واقعنا الآن والحقيقة هذا الذي بيجعل نحن دعوتنا ليست بالسهلة، الناس اليوم يفهمون إنه ممكن الإنسان يعرف الإسلام كله في جلسة واحدة؛ لأنه بيجيبوا لك مثال الأعرابي، هل علي غيرهم قال:«لا إلا أن تتطوع» (1). لك يا أخي هذاك إسلام لسه ما كمل، جاء من البداوة يريد أن يسلم، لكن لسه الإسلام ينزل بأحكامه وبجهاده وبكذا وبكذا إلى آخره، فنحن الآن لا يجب علينا، بل لا يجوز لنا أن نرجع قهقرى نحن من كمل لنا هذا الإسلام جملة وتفصيلاً، فإذا ما وقع المسلم في مثل هذا الجو المختلف فيه أشد الاختلاف، وكما ذكرنا آنفاً مع الدكتور ثلاثة وسبعين فرقة لا ينجو منها إلا فرقة واحدة، قالوا: من يا رسول الله قال: «هي التي على ما أنا عليه وأصحابي» (2) نحن الآن ألسنا يجب علينا وعليهم هؤلاء السائلين الشاكين المغتابين أليس من الواجب عليهم أن يحرصوا أن يكونوا من الفرقة الناجية؟ لا شك أنه سيكون جوابهم نعم، يا أخي أنت لست الآن في زمن الرسول تجي تجلس مع الرسول وتسمع الحكم منه مباشرة، بينك وبين الرسول أربعة عشر قرناً، وفيه أمامك في طريقك عثرات وعثرات سوف يجيك حديث، بل سوف تجيك آية، لو كنت بين يدي الرسول يكفيك المؤنة، إذا أشكل عليك معناها مثل ما وقع بالنسبة لبعض الصحابة حينما أشكل عليهم آية:{وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الأنعام:82) تذكرون الآية والحديث؟ قالوا: إذاً أينا ليس ذاك الرجل الذي ظلم نفسه، قال: ليس ذاك، ألم تقرأوا قول الله تبارك وتعالى:{يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (3)(لقمان:13) فأزال الرسول عليه السلام هذه الشبهة من أذهانهم فأنت أيها المسلم في القرن الرابع عشر في أول الخامس عشر لست في
(1) البخاري (رقم46) ومسلم (رقم109).
(2)
صحيح الجامع (رقم5343).
(3)
البخاري (رقم32) ومسلم (رقم342).
صحبة الرسول حتى إذا عليك يجي يعطيك الجواب وتسلم تسليماً أمامك هذه المسافات الطويلة، بدك تعرف هذا الحديث صحيح ولا مو صحيح؟ بدك تعرف هذا الحكم هل أخذ من كتاب أم من السنة؟ أم الإجماع عليه بيصير فيه خلاف تارة في تصحيحه وفي تضعيفه، أم من القياس، ثم هذا القياس، هل هو قياس جلي أم هو قياس خفي؟ الآن وضْعنا غير ذاك الوضع يا مساكين، فهم اللي جاهلين بهذا العلم بيستسهلوا الأمر وبيقول لك: ممكن العقيدة واحد يتعلمها في دقائق معدودة.
ولذلك فنحن الحقيقة يجب أن نمضي قُدُماً في طريقنا الشاق الطويل المديد، وأنا أقول في بعض الكلمات لما أذكر عليه السلام حينما كان جالساً بين أصحابه فتلا قوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام:153) جاء الحديث مصوراً في بعض كتب الحديث بأن الخط المستقيم طويل، والخطوط التي حوله خطوط قصيرة (1)، أنا أفهم من هذا الحديث غير ما نطق به الرسول أكثر مما نطق به الرسول، أي: أفهم الشيء الذي نطق به الرسول زائد ما أشار إليه الرسول بهذا الرسم الرائع البديع الخط المستقيم هو الصراط، والخطوط القصيرة هي التي على رأسه، على كل خط منها شيطان يدعو الناس إليه، هذا الشيطان، وأنا سمعت هذا بأذني هاتين من بعض من يزعمون أنهم يدعون إلى الإسلام، ويريدون أن يقيموا دولة الإسلام عن طريقة القفز إلى رأس الأهرام بخطوة واحدة، بيقولوا: والله أنتم دعوتكم الحقيقة صحيحة، لكن يا أخي شوف طريق طويلة شاق، متى بدنا نصل لإقامة الدولة المسلمة والمجتمع الإسلامي؟؛ أنا بقول الرسول رسم هذا الخط ردًّا على
(1) صحيح سنن ابن ماجه (رقم11).
هؤلاء، بيقول لهم: شوفوا هذا الخط الطويل حف بالمكاره، شوفوا هذه الخطوط القصيرة حفت بالشهوات، فهم يريدون أن يصلوا بالطرق القصيرة هذه ولن يصلوا أبداً، وتجربة هذا العصر من طوائف من الجماعات الإسلامية أكبر دليل على أن على رأس كل طريق شيطاناً عملياً يدعو الناس إليه فيخرجون عن الخط المستقيم، ونحن علينا أن نبقى في هذا الخط المستقيم، ولا يضيرنا ولا يهمنا أن الناس يقولون: هذا خط طويل وشاق و .. و .. إلى آخره، وبهذه المناسبة يعجبني كلام ذلك الشاعر العربي الجاهلي وأتمنى أنه يكون في المسلمين من يكون تفكيرهم في الإسلام كتفكيره في جاهليته، هو ذلك امرؤ القيس الذي قال:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنَّا لاحقين بقيصر
فقلت له لا تبكِ عينك إنما
نحاول ملكاً أو نموت فنعذر
شو علينا نحن إذا استمررنا نمشي في الصراط المستقيم، وما وصلنا لإقامة الدولة المسلمة، هذا العالم الإسلامي صار له قرون يتخبط في البعد عن الكتاب والسنة، فإذا نحن أخذنا الصراط المستقيم ومشينا خطوات قليلة، وين لنوصل؟ مش مهم أن نصل، المهم أن نمشي في الخط المستقيم، ذلك الجاهلي فهم الحقيقة الواقعية العلمية وإن كان هدفه أيش، هدفه الدنيا هدفه الملك، لكن بيقول: نحاول ملكاً أو نموت فنعذر، ونحن هكذا مع ربنا تبارك وتعالى نحاول أن نعيد الحياة الإسلامية وأن نقيم الدولة المسلمة بعد محاولة إعادة الحياة الإسلامية فإن وصلنا فبها، وإن لم نصل فلسنا مكلفين؛ لأن الأمر كله بيد الله تبارك وتعالى،