الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[25] باب وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها
[قال الإمام]:
إن من المتفق عليه بين المسلمين الأولين كافة، أن السنة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - هي المرجع الثاني والأخير في الشرع الإسلامي، في كل نواحي الحياة من أمور غيبية اعتقادية - أو أحكام عملية، أو سياسية، أو تربوية وأنه لا يجوز مخالفتها في شيء من ذلك لرأي أو اجتهاد أو قياس، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله في آخر " الرسالة ":" لا يحل القياس والخبر موجود "، ومثله ما اشتهر عند المتأخرين من علماء الأصول:" إذا ورد الأثر بطل النظر "،" لا اجتهاد في مورد النص " ومستندهم في ذلك الكتاب الكريم، والسنة المطهرة.
أما الكتاب ففيه آيات كثيرة، أجتزىء بذكر بعضها في هذه المقدمة على سبيل الذكرى {فإن الذكرى تنفع المؤمنين} .
1 -
قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً} (الأحزاب: 36).
2 -
وقال عز وجل: {يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم} (الحجرات: 1).
3 -
وقال: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} (آل عمران:32).
4 -
وقال عز من قائل: {وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيداً. من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً} (النساء:80).
5 -
وقال: {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (النساء:59).
6 -
وقال: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال: 46).
7 -
وقال: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا، فإن توليتم فاعملوا أنما على رسولنا البلاغ المبين} (المائدة: 92).
8 -
وقال: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63).
9 -
وقال: {يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون} (الأنفال: 24).
10 -
وقال: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين} (النساء13 - 14).
11 -
وقال: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت
المنافقين يصدون عنك صدوداً} (النساء:60 - 61).
12 -
وقال سبحانه: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} (النور:52).
13 -
وقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله إن الله شديد العقاب} (الحشر: 7).
14 -
وقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} (الأحزاب:21).
15 -
وقال: {والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى} (النجم:1 - 4).
16 -
وقال تبارك وتعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل:44).
إلى غير ذلك من الآيات المباركات.
-[أما] الأحاديث الداعية إلى اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل شيء [فمنها]:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى «أخرجه البخاري في "صحيحه - كتاب الاعتصام ".
2 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان،
فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلا، فاضربوا له مثلا، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيه مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها يفقهها، فقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا فالدار الجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فمن أطاع محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فقد عصى الله، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم فرق (1) بين الناس» أخرجه البخاري أيضاً.
3 -
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فأنطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق» . أخرجه البخاري ومسلم.
4 -
عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه (وإلا فلا) ". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة والطحاوي وغيرهم بسند صحيح.
5 -
عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:» ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم
(1) أي يفرق بين المؤمنين والكافرين بتصديقه إياه وتكذيب الآخرين له. [منه].
الله، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه (1)، فإن لم يقروه، فله أن يعقبهم بمثل قراه». رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد بسند صحيح.
6 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم (ما تمسكتم بهما) كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض» . أخرجه مالك مرسلاً، والحاكم مسنداً وصححه.
- ما تدل عليه النصوص السابقة:
وفي هذه النصوص من الآيات والأحاديث أمور هامة جداً يمكن إجمالها فيما يلي:
1 -
أنه لا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله، وأن كلا منهما، ليس للمؤمن الخيرة في أن يخالفهما، وأن عصيان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كعصيان الله تعالى، وأنه
ضلال مبين.
2 -
أنه لا يجوز التقدم بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما لا يجوز التقدم بين يدي الله تعالى، وهو كناية عن عدم جواز مخالفة سنته صلى الله عليه وآله وسلم، قال الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/ 58):" أي لا تقولوا حتى يقول، وتأمروا حتى يأمر، ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضي ".
3 -
أن التولي عن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو من شأن الكافرين.
(1) أي يضيفوه [منه].
4 -
أن المطيع للرسول صلى الله عليه وآله وسلم مطيع لله تعالى.
5 -
وجوب الرد والرجوع عند التنازع والاختلاف في شيء من أمور الدين إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قال ابن القيم (1/ 54):
"فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل -يعني قوله: وأطيعوا الرسول- إعلاماً بأن طاعته تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء كان ما أمر به في الكتاب، أو لم يكن فيه، فإنه " أوتي الكتاب ومثله معه "، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول " ومن المتفق عليه عند العلماء أن الرد إلى الله إنما هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول، هو الرد إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته، وأن ذلك من شروط الإيمان.
6 -
أن الرضى بالتنازع، بترك الرجوع إلى السنة للخلاص من هذا التنازع سبب هام في نظر الشرع لإخفاق المسلمين في جميع جهودهم، ولذهاب قوتهم وشوكتهم.
7 -
التحذير من مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما لها من العاقبة السيئة في الدنيا والآخرة.
8 -
استحقاق المخالفين لأمره صلى الله عليه وآله وسلم الفتنة في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة.
9 -
وجوب الاستجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمره، وأنها سبب الحياة الطيبة، والسعادة في الدنيا والآخرة.
10 -
أن طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب لدخول الجنة والفوز العظيم، وأن معصيته
وتجاوز حدوده سبب لدخول النار والعذاب المهين.
11 -
أن من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر أنهم إذا دعوا إلى أن يتحاكموا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإلى سنته، لا يستجيبون لذلك، بل يصدون عنه صدوداً.
12 -
وأن المؤمنين على خلاف المنافقين، فإنهم إذا دعوا إلى التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بادروا إلى الاستجابة لذلك، وقالوا بلسان حالهم وقالهم:" سمعنا وأطعنا "، وأنهم بذلك يصيرون مفلحين، ويكونون من الفائزين بجنات النعيم.
13 -
كل ما أمرنا به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يجب علينا اتباعه فيه، كما يجب علينا أن ننتهي عن كل ما نهانا عنه.
14 -
أنه صلى الله عليه وآله وسلم أسوتنا وقدوتنا في كل أمور ديننا إذا كنا ممن يرجو الله واليوم الآخر.
15 -
وأن كل ما نطق به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما لا صلة بالدين والأمور الغيبية التي لا تعرف بالعقل ولا بالتجربة فهو وحي من الله إليه. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
16 -
وأن سنته صلى الله عليه وآله وسلم هي بيان لما أنزل إليه من القرآن.
17 -
وأن القرآن لا يغني عن السنة، بل هي مثله في وجوب الطاعة والاتباع، وأن المستغني به عنها مخالف للرسول عليه الصلاة والسلام غير مطيع له، فهو بذلك مخالف لما سبق من الآيات.
18 -
أن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما حرم الله، وكذلك كل شيء جاء به