الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما ذكرنا، وإنما العمل الصحيح ما وافق السنة، والزيادة على ذلك زيادة في الدين، والنقص منه نقص في الدين، قال ابن القيم (1/ 299) مفسراً للزيادة والنقص المذكورين:
" فالأول القياس، والثاني التخصيص الباطل، وكلاهما ليس من الدين، ومن لم يقف مع النصوص، فإنه تارة يزيد في النص ما ليس منه، ويقول هذا قياس، ومرة ينقص منه بعض ما يقتضيه، ويخرجه عن حكمه ويقول: هذا تخصيص ومرة يترك النص جملة، ويقول: ليس العمل عليه، أو يقول: هذا خلاف القياس، أو خلاف الأصول. (قال): ونحن نرى أنه كلما اشتد توغل الرجل في القياس اشتدت مخالفته للسنن، ولا نرى خلاف السنن والآثار عند أصحاب الرأي والقياس، فلله كم من سنة صحيحة صريحة قد عطلت به، وكم من أثر درس حكمه بسببه، فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية على عروشها، معطلة أحكامها، معزولة عن سلطانها وولايتها، لها الاسم، ولغيرها الحكم، لها السكة والخطبة ولغيرها الأمر والنهي، وإلا فلماذا تُرِكَ (1)؟
"الحديث حجة بنفسه"(ص39 - 43)
[32] باب أهمية السنة بجانب القرآن
[قال الإمام]:
[في] حقيقة الأمر: إن ادعاء أن القرآن هو فقط المرجع الوحيد وليس للسنة دخل في بيان القرآن فهو كفر بالقرآن، الذي يقول بأني لا أؤمن إلا بالقرآن هو
(1) ثم ضرب الإمام أمثلة عديدة للأحاديث التي تُركت بسبب مخالفتها لتلك القواعد، فانظرها في الرسالة المشار إليها.
يكفر بالقرآن؛ ذلك لأن القرآن مما قال فيه رب الأنام: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44){وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ} (النحل:44) ها نحن ذكرنا آنفاً الصلوات الخمس وكيف أنها تنقسم إلى أقسام، من أين أخذت هذه الأقسام? لا شيء منها بهذا التوضيح في القرآن الكريم، لكن هو بيان الرسول عليه السلام الذي أشار الله إليه في الآية السابقة {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44). أي إن هذه الآية تعني أن بيان الرسول عليه السلام ينقسم إلى قسمين: بيان لفظي وهو تبليغ القرآن إلى الأمة .. تبليغ القرآن للأمة، والبيان الآخر هو بيان بمعنى التفصيل .. ولذلك جاء حديث الرسول عليه السلام في الصحيح، وأنا بهذه المناسبة أقول: ينبغي انتقاء هذه الأحاديث، وتقديمها لطلابكم هناك حتى تستقيم العقيدة الصحيحة ويعرفون قدر السنة، وأهمية الرجوع إليها مع القرآن الكريم، ذكرت حديثاً وهو قوله عليه السلام:«لا يقعدن أحدكم متكئاً على أريكته يقول هذا كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً حللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه .. ألا إنما حرم رسول الله مثلما حرم الله» ؛ ذلك لأن الله يقول في القرآن الكريم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:1 - 4).
إذاً السنة علم من العلوم يجب أن يؤخذ من أهل الاختصاص فيه، وكل من قال هذا صحيح وهذا ضعيف نقول له: هل أنت عالم بعلم الحديث? إن ادعى ذلك نقول: هات نشوف أثبت صحة هذا الحديث، بطريقة علماء الحديث، الأصل هو السند كما تعلمون .. الأصل في معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة إنما هو السند.
المنزلة الثانية أو المرتبة الثانية في النقد ونقد المتن الذي يسمى في
الاصطلاح العصري اليوم بالنقد الداخلي، يسمون نقد الأسانيد بالنقد الخارجي، ونقد المتون في الاصطلاح الحديثي بالنقد الداخلي .. هذا النقد الداخلي إذا ما سلط عليه عقول البشر أصبح القرآن الكريم محل انتقاد؛ لأن القرآن الكريم لا يؤمن به الكفار مثلاً فلو قيل للكافر قصة ضرب موسى للحجر وانبثق منه اثنتا عشرة عيناً، وضرب البحر فكان كل فرق كالطود العظيم .. هذه الأشياء لا يؤمن بها الكفار وسيكون هذا غير صحيح مع أنه ثابت بالقرآن الكريم وبطريقة التواتر، القرآن الكريم لا يخضع لنقد مطلقاً، وإنما ينبغي على المسلمين أن يفهموه، وهذه مناسبة نتعرض لذكرها أيضاً بطريقتين اثنتين سبقت الإشارة إليهما وهي: الرجوع إلى بيان الرسول عليه السلام {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) أنتم تعلمون مثلاً (أنه) مُسَطَّر في كتب الفقه بعض الأحكام لا نجدها في القرآن الكريم مثلاً تحريم البنت من الرضاعة .. تحريم البنت من الرضاعة، هذا ليس مذكوراً في القرآن الكريم لكنه مذكور في الحديث، بل الأحاديث الصحيحة، ومن أصحها قوله عليه السلام:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (1)، فهذا الحديث هو من بيان الرسول عليه السلام الذي ذكر في القرآن {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} (النساء:23) ثم ضم الرسول عليه السلام
إلى هذا التحريم المذكور في القرآن الكريم هذا التحريم المذكور في حديثه: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، هنا يظهر أهمية: إن ما حرم رسول الله مثلما حرم الله.
إذا رجعنا الآن وفهمنا أن الذين يدعون بأنهم لا يؤمنون بشيء من السنة إنما القرآن فهم كفروا بالقرآن؛ لأن القرآن يأمرنا بالرجوع إلى الرسول عليه السلام في
(1) البخاري (رقم2502).