الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل لأهل البدع توبة
؟
مداخلة: قرأت الحديث يا شيخنا في تفسير الجلالين يقول: قال صلى الله عليه وآله وسلم: «{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام: 159] إنما أهل البدع وأهل الأهواء والضلالة من هذه الأمة، يا عائشة إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع ليس لهم توبة، يا عائشة إني منهم براء إني برئ منهم وهم منا براءة» فما مدى صحة هذا الحديث؟ وما معنى: غير أصحاب البدع والأهواء ليس لهم توبة؟
الشيخ: طبعاً هذا الحديث ضعيف سنداً ومتناً كما يقول علماء الحديث سنداً ومتناً.
أما السند فلأن فيه علة تمنع من الحكم عليه بالصحة طبعاً أنا الآن غير مستحضر لهذه العلة سوى أني أعرف أن الحديث لا يصح من حيث إسناده، أما أنه لا يصح من حيث متنه، فهذا واضح جداً؛ لأن صاحب البدعة مهما كانت بدعته فسوف لا تكون أشر عند الله عز وجل من شرك الكافر المشرك، فإذا كان الأمر كذلك وكان معلوماً عند كل مسلم قوله تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
فهذا النص صريح بأن الله عز وجل من الممكن الجائز بالنسبة إليه تبارك وتعالى ليس فقط أن يقبل توبة المبتدع، بل وأن يغفر له بدعته، ولو لم يتب منها؛ لأن بدعته ليست شركاً، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
هذا جواب على افتراض أن البدعة ليست كالشرك، وإنما هي دون ذلك.
وإذا افترضنا أن البدعة التي أريد بهذا الحديث هي: نوع من أنواع الشرك حينئذ نستدل بقوله تبارك وتعالى في صفات الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68 - 70].
لقد بدأ الله عز وجل بذكر المذنبين المجرمين في هذه الآية بالمشركين فقال: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
…
} [الفرقان: 68] إلى آخر الآية.
ثم استثنى أي: بعد أن حكم لهؤلاء بالنار قال: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70].
إذاً: لنفترض أن هذا المبتدع بدعته بدعة شركية، فلماذا لا يتوب الله عليه إذا تاب؟ وقد قال تعالى في الآية السابقة: إلا من تاب.
فهذا دليل على بطلان هذا المتن بعد أن لم يثبت هذا المتن على طريقة المحدثين أي: من جهة السند، فإذاً: هذا الحديث لا يصح لا إسناداً ولا متناً، لكن يمكن أن يقال: لو افترضنا أن لهذا الحديث أصلاً يمكن أن يقال: بأن راويه الذي بسببه ضعف إسناد الحديث هذا كان من أصحاب الأوهام والأخطاء في رواية الحديث.
هناك حديث ثابت عن الرسول عليه السلام قد يتوهم كثير من الناس أنه هذا
الحديث هو بمعنى حديثك، ما هو الحديث؟ «أبى الله أن يجعل لصاحب بدعه توبة» .
هذا حديث صحيح: «أبى الله أن يجعل لصاحب بدعة توبة» .
فربما فهم ذلك الراوي بسوء فهمه، أو ساء حفظه فروى هذه الجملة التي لها صحة بتلك الجملة أن الله لا يقبل توبة المبتدع لا، أبى الله أن يجعل لصاحب بدعة توبة لا تعني أنه لو تاب توبة نصوحاً لا يقبل الله توبته للسبب الذي ذكرته آنفاً.
إذاً: ما معنى: «أبى الله» هذا إباء يسمى في لغة العلماء كوني إباء كوني وليس إباء شرعياً بمعنى: قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] طيب.
هذه الكفريات هذه الشركيات، وهذه المعاصي التي تقع في هذا الكون هي بإرادة الله أم لا؟ الجواب: تأملوا في الآية، إذا ما كان عندكم فكرة سابقة أن إرادة الله تشمل كل شيء، ولذلك جاء في عقيدة الإيمان بالله وملائكته في آخره وبالقدر خيره وشره إذاً: الخير والشر كلاهما بإرادة الله وتقديره، هذا هو الذي يعنونه بأنه هذه الإرادة كونية، فالحديث يعني: أبى الله أي: إرادة كونية أن يجعل لصاحب بدعة توبة، لكن ليس هذا إرادة شرعية أي: إذا تاب المشرك يقبل توبته؟ يقبل توبته بدليل ما سبق وغيرها، في إرادة يقابل الإرادة السابقة الإرادة الكونية إرادة شرعية.
فهناك فرق كبير جداً بين الإرادة الشرعية وبين الإرادة الكونية:
الإرادة الكونية تشمل الخير والشر، تشمل الهدى والضلال الإيمان والكفر، هذه ما اسمها؟ إرادة كونية يقابلها الإرادة الشرعية، الإرادة الشرعية خاصة بالخير
خاصة بالإيمان، قال تعالى:{وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] هذه آية في القرآن صريحة، {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] هل يريد لعباده الكفر؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: هاه، أخطأ صاحبنا؛ لأننا نحن في صدد القول أنه الإرادة الكونية شاملة، الإرادة الكونية شاملة إبليس لما كفر مش رغم أنفه كما يقال رب العالمين حاشاه، إنما بإرادة الله عز وجل، لكن هذه إرادة كونية وليست شرعية؛ لأن الإرادة الشرعية لا تشمل الكفر.
الإرادة يمكن الآن.
أن نجعل لها قسمين نقسم الإرادة إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية.
الإرادة الكونية شاملة للخير والشر من إيمان وكفر
…
إلى آخره.
الإرادة الشرعية لا تتعلق إلا بالإيمان والعمل الصالح، وهنا تفسر الإرادة الشرعية بالرضا.
أما الإرادة الكونية لا تفسر بالرضا، وقد ظهر لكم الفرق؟ إرادة كونية تشمل كل شيء سواءً كان خيراً أو شراً، كفر وربنا قال:{وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7].
أما الإرادة الشرعية فهي خاصة بما أمر الله به، لذلك قال أحد العلماء:
مريد الخير والشر القبيح
…
ولكن ليس يرضى بالمحال
هو يريد الخير والشر إرادة كونية، ولكن والشر ليس يرضى به بحال، لا يرضى؛ لأنه قال:{وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7].
حينئذ يشيب ابن آدم على ما شب عليه، هذه قاعدة الإنسان الذي يشب على الخير في الغالب يموت على الخير، يشب على الإيمان يموت على الإيمان، والعكس بالعكس تماماً، فلا يجوز أن يقال: لا يقبل التوبة من المبتدع لا، الله يقبل التوبة من عباده ويعفو عن كثير.
ولا يجوز أن نقول: لا يقبل التوبة من المشرك؛ لأنه صرح في القرآن الكريم أنه يقبل التوبة.
فالمبتدع أسوأ أحواله أن يكون مشركاً، أسوأ أحواله أن يكون مشركاً، فإذا تاب تاب الله عليه، لكن أنا أريد أن أبين الفرق بين هذا الحديث الضعيف، وبين الحديث الصحيح:«أبى أن يجعل لصاحب بدعة توبة» .
هنا الجعل بمعنى: الإرادة الكونية، مش الإرادة الشرعية، فلو فرضنا أن مشركاً تاب، تاب الله عليه، لو فرضنا أن مبتدعاً تاب تاب الله عليه، إذاً: ما معنى: «أبى الله أن يجعل لصاحب بدعة توبة» ؟ أي: المبتدع من أولئك الذين يقال لهم: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} [التوبة: 37] ولذلك فهل يتوب الإنسان الذي مثله كمثل أولئك الذين قال الله عز وجل عنهم في القرآن: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103 - 104].
فإنسان كان مشركاً أو كان مبتدعاً يحسب أنه يحسن صنعاً هذا يتصور أن يتوب؟ لا يتصور أن يتوب.
من هنا يقول العلماء: ضرر البدعة على صاحبها أخطر من ضرر المعصية؛ لأن المعصية حينما يرتكبها العاصي يعرف أنه عاصي فيرجع أنه يوماً ما يتوب إلى الله من معصيته التي هو عارف بأنها معصية، لكن المبتدع الذي لسان حاله
يقول: رب زدني؛ لأنه يتقرب ببدعته إلى الله عز وجل، فهذا لا يتصور أن يتوب إلى الله.
فإذاً: حديثنا: «أبى الله أن يجعل لصاحب بدعة توبة» هذا إرادة كونية، أما لو تصورنا وهذا ممكن أن يقع ولو بندرة كالمشرك الذي يعيش دهره الطويل مشركاً صعب جداً أن يتوب إلى الله؛ لأنه شاب على ما شب عليه، لكن نادراً ممكن أن يقع.
كذلك المبتدع ممكن أن يتوب إلى الله عز وجل، لكن هذا على طريقة نادرة جداً حينما يتبين له أنه كان عايشاً في الأوهام، أنه هو يعيش في طاعة الله في ظنه، وإذا هو يعيش في معصية الله من حيث أنه ابتدع في دين الله ما لم ينزل الله به سلطاناً.
إذاً: الآن استفدنا ضعف الحديث المسؤول عنه أولاً، وصحة الحديث الثاني غير المسئول عنه ثانياً، واستفدنا الفرق الجوهري بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية.
وثالثاً وأخيراً: استنتجنا من الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية الفرق بين الحديث الضعيف، وبين الحديث الصحيح.
الحديث الضعيف حكم شرعي: «لا يقبل الله توبة مبتدع» .
هذا باطل؛ لأنه قلنا لو كان بدعته شركاً فالله يقبل، أما البدعة المذكورة في الحديث الصحيح فهي: إرادة ليست شرعية، وإنما إرادة كونية.
فمن هنا ظهر الفرق واستفدنا من الجولة القصيرة هذه فوائدة ثلاثة:
ضعف الحديث الأول، صحة الحديث الثاني، الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية.
ومن هنا: نفهم معنى قول ذلك العالم:
مريد الخير والشر القبيح
…
ولكن ليس يرضى بالمحال
وبهذا ينتهي الجواب.
مداخلة: جزاك الله خير.
ولذلك الإمام الشاطبي في كتاب الاعتصام يذكر قولاً يقول يستحيل على كل صاحب بدعة أن يتوب من بدعته.
الشيخ: هو هذا لذلك قلت لكم: العلماء يقولون: شر البدعة على صاحبها أشر من شر المعصية على صاحبها لماذا؟ العاصي يمكن أن يتوب؛ لأنه يعرف نفسه أنه عاصي.
المبتدع لسان حاله يقول: رب زدني؛ لأنه يتقرب إلى الله عز وجل، والله لا يقبل، فهذا التقرب كما تعلمون:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» هكذا.
مداخلة: كذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو المذكور في صحيح الترغيب والترهيب في كتاب التمسك بالسنة.
والحديث فيما معناه يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «أبى الله أن يقبل من كل صاحب بدعة عمل حتى يدع بدعته» ومن ذلك هذا.
الشيخ: هو هذا، نعم.
مداخلة: جزاكم الله خير.
الشيخ: أي نعم.
(الهدى والنور/704/ 18: 18: 00)
(الهدى والنور/704/ 25: 23: 00)
(الهدى والنور/704/ 45: 27: 00)