الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل العادات تدخل في البدع
مداخلة: هل العادات تدخل في البدع.
الشيخ: لا، العادات تدخل في عموم قوله عليه السلام:«أنتم أعلم بأمور دنياكم» ، فإذا كانت العادة لا تخالف الشريعة، فلك الخيار إما أن تفعلها أو تدعها، وإنما جاء عليه السلام بتحقيق ما قاله تعالى في القرآن:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فهو جاء للقيام بوظيفة بيان الدين، أما الدنيا فهي كما ترون في كل يوم شيء جديد، ولهذا قال في الحديث المعروف:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
(الهدى والنور /251/ 12: 08: 00)
مداخلة: ولو كانت هذه العادات المتعلقة بالعبادات.
الشيخ: ولو كانت هذه العادات متعلقة بالعبادات، يمكن أنت تعني ولو كانت توهم أنها من العبادات، أما على حسب ظاهر كلامك، تقدر تضرب مثال؟
مداخلة: مثلاً في الجنائز فيه عادات كثيرة أو مثلاً الخيط الذي يمد في بعض المساجد.
الشيخ: هذا خرج عن موضوع سؤالك الأول، في عادات تتعلق بالعبادات، وفي عادات منفصلة عن العبادات، فأنت جئت مثالاً بالخيط الذي يمد في بعض المساجد، فهذه عادة تعود إلى ما قلت لك لعلك تعني عادات متعلقة بالعبادات،
وتبين أن ظني كان في محله، ليس عادة محضة، وإنما مرتبطة بعبادة، حينئذ نحن ننظر لهذه العادة، ما هو الدافع للناس عليها، إن كان الدافع هو شيء له علاقة بالتدين، فهنا ننظر إن كان هذا التدين القصد به زيادة التقرب إلى الله، فخرجت عن كونها عادة ودخلت في كونها عبادة، وبالتالي كونها عبادة غير شرعية، وشملها الحديث السابق:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ، أما إن كانت هذه الوسيلة ليست مقصودة لذاتها، وإنما لأنها في ظرف من ظروف بعض الناس تحقق مصلحة شرعية أولاً هي هذه المصلحة لا تتحقق إلا بها، وثانياً لا (انقطاع)
وأحسن مثال لدينا هو ما ذكرته من الخط، فمد الخط في المساجد بدعة ضلالة لا يجوز الاعتماد عليها في المساجد، اللهم إلا في بعض المساجد وفي وقت محدد، أعني: المساجد التي بنيت منحرفة عن القبلة أو لم تكن في الأصل بنيت مسجداً، إنما كانت داراً ثم أوقفت مسجداً واتفق على أن قبلة هذه الدار منحرفة يميناً أو يسار، فهنا لتصحيح تسوية الصف للجماهير من المصلين لا بأس من مد الخيط هذا أو هذا الخط، تنبيهاً وتعليماً ولكن ليس إلى الأبد؛ لأنه ينبغي اتخاذ وسيلة أخرى يستغنى بها عن هذه الوسيلة الأولى، كأن يصحح مثلاً قبلة المسجد ببنائه باب، ولو شكلي ولو من خشب خفيف أو ما شابه ذلك، بحيث أن الداخل رأساً يتوجه إلى القبلة، أما المساجد التي قبلتها صحيحة واتجاهها إلى القبلة والكعبة صحيح، فوضع هذا الخط من البدع الضلالة؛ لأنها تنافي السنة، أعني: تنافي سنة تسوية الصفوف، وتنافي قيام أئمة المساجد بواجب الأمر بتسوية الصفوف، وما يتعلق بالمصلين فإنهم إذا اعتادوا الصلاة في المساجد، وتسوية الصفوف فيها على الخيط، فقد يصلون في مسجد ليس فيه خيط، وقد يكون في المصليات التي بدأت تنتشر هذه السنة والحمد لله في كثير
من البلاد يصلون في العراء، فتجد الصف من أسوأ الصفوف، لا يحسنون؛ لأنهم لم يتمرنوا في مساجدهم، ولم يمرنهم أئمتهم على تسوية الصف؛ لأنهم لا يصلون إلا على الخيط، فهم يعتمدون مع أئمتهم على الصلاة على الخيط المبتدع، وهذا بلا شك من وحي الشيطان، وتأكيداً لبعض الآثار التي جاءت عن بعض سلفنا الذي يقول: ما أحدثت بدعة إلا وأميتت سنة. هذه حقيقة نلمسها لمس اليد.
وهذه هو المثال بين أيديكم، مد الخط في المسجد لكي لا يقول أحد للثاني يا أخي تقدم وتأخر، حتى يصبح الصف مستقيماً تماماً كما كان الرسول يفعل والخلفاء من بعده، حتى كان في زمن عثمان رضي الله عنه لما اتسع المسجد النبوي بالمصلين، وتكاثرت الصفوف تكاثراً عظيماً جداً، وكل شخصاً معيناً بتسوية الصفوف، فهو يأمر الجميع بتسوية الصفوف ويساعده ذلك الموظف، فلا يقولوا: الله أكبر، إلا بعد أن يسمع من المسوي للصفوف بأن الصفوف قد استوت، هذه السنن قد ألغيت منذ زمن بعيد، ثم وجدت الآن الوسائل الميسرة لمد الخط في المساجد، وتفننوا فيها، وصاروا يطبعوا السجاجيد بخط أبيض، ليس هناك مد خط من أول المسجد إلى آخره، هذا كله تعطيل لأمر تسوية الصفوف الذي كان الرسول عليه السلام يبالغ في الحض على تسويتها إلى درجة أنه كان يقول:«لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» «سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من حسن الصلاة» في الرواية الأخرى: «من تمام الصلاة» .
ومع صحة هذه الأحاديث بالمناسبة أقول، قد أهدرها الأئمة؛ لأن الإمامة والتأذين اليوم ككل الوظائف الدينية أصبحت كسائر الوظائف الحكومية، وظيفة
يؤديها الموظف لا يقصد بها وجه الله، ولا يبتغي بها وجه الله تبارك وتعالى، فالإمام بده يخلص من هالوظيفة كإنسان حامل الحمل على أكتافه بده يرميه أرضاً، بينما الإمام ما شاء الله ربنا هيأ له جو يكتسب بواسطته ألوف الحسنات ليلاً ونهاراً، «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، دون أن ينقص من أجورهم شيئاً» فهذا الإمام كلما دل أحد المصلين على سنة أو على حكم شرعي فاهتدى به المصلي، كلما فعله كتب أجره لذلك الذي أرشده، لكن لم يعد هناك رغبة في مثل هذه الأجور الآجلة بقدر ما عندهم من الرغبة في الأجور العاجلة، لذلك فإمام المساجد لا يكاد تقام الصلاة إلا ويقول: الله أكبر، لا يأمر الناس بتسوية الصفوف، بمثل هذين الحديثين الصحيحين ونحوهما، وإن سمعت فلتسمعن حديث لا أصل له، استووا، إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج، حديث لا أصل له.
مداخلة:
…
الشيخ: الميت ما يستحق العزاء هذا، حديث لا أصل له في كتب السنة إطلاقاً، ويعجب الإنسان كيف تشيع هذه الأحاديث، هذه عندنا في الشام في سوريا مشهور هذا الحديث، وجئت هنا وسمعته أيضاً، وهكذا، فالأحاديث الصحيحة أماتوها، والأحاديث التي لا أصل لها أحيوها، وكذلك يفعلون بالسنن يميتونها، وكل يوم بدعة جديدة، ومن هذه البدع هذا الخيط.
إذاً: الخط هذا الذي يوضع في المسجد تارة يكون بدعة ضلالة، وهذا قد عرفتم السبب، وتارة قد يكون من باب المصلحة المرسلة، لتقويم القبلة في مسجد صفته كما ذكرت لكم آنفاً، لكن الرضا بهذا الخيط في المسجد هذا الذي منحرف عن القبلة، فهذا أيضاً لا يجوز؛ لأنه يجب تقويم الجدار حتى الإنسان
يستوي في صلاته إلى القبلة، ثم نحن نلاحظ بعض الملاحظات يكون المسجد نسميه قطعتين، داخلي وخارجي، الداخلي يسموه الحرم، الساحة ساحة المسجد أو قسم ملحق بالمسجد، فتجد الناس الذين يصلون في الداخل على الخيط على القبلة، أما الناس الذين يصلون وراء منحرفين عن القبلة؛ لأنه قبلتهم الجدار الذي أمامهم، وهذا الجدار فاصل بين القسم الخارجي والقسم الداخلي، فهم يستقبلون الجدار، فتجد الذي في داخل المسجد يصلي هكذا، وهذا يصلي هكذا؛ لأنه هذا مقتدي بالخيط والخيط وجه إلى القبلة، وهذا مقتدي بالجدار الذي هو الجدار المتأخر عن جدار القبلة، السبب غفلة الناس وعدم انتباههم، واعتمادهم على وسائل مادية، ليست خارجة من العقل ولا من اللب والقلب، أظن أنك عرفت أن المثال الذي أتيت به قد يكون تارة وسيلة شرعية في وقت محدد، وحينئذ يدخل في باب المصالح المرسلة، وتارة يكون من باب البدعة الضلالة التي اتفق العلماء على الحكم عليها ببدعيتها؛ لأنهم وإن اختلفوا في كون هل يوجد في الإسلام بدعة حسنة أم لا، لكنهم اتفقوا أن البدعة إذا كانت مخالفة للسنة فهي ضلالة، هذه ليس فيها خلاف إطلاقاً، لكن بدعة لا تخالف السنة مخالفة مباشرة، وجد من قال مع الأسف أنها تكون بدعة حسنة.
إذاً: ما سميته أنت من العادات ثم أوضحت بأن لها صلة أحياناً ببعض العبادات، هذه قد تدخل في باب المصالح المرسلة، فتكون جائزة، ولا تدخل فتكون بدعة ضلالة. يا الله يا كريم. تفضل.
(الهدى والنور /251/ 09: 08: 00)