المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التحذير من الابتداع في الدين - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى - جـ ٨

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌الزواج في بلاد الكفروالزواج من كتابيات

- ‌الزواج في بلاد الكفر بنية الطلاق

- ‌الزواج من الكتابيات

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌‌‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌ضابط الكتابي الذي يجوز مناكحتهوالأكل من طعامه

- ‌كيف تتزوج الفتاة في الدول الكافرة

- ‌الهجرة من بلاد الكفر

- ‌الهجرة من الدار التي يكثر فيها الفسق

- ‌الهجرة من البلاد التي تُحَارب فيها الدعوة

- ‌جواز الهجرة إلى بلاد الكفرإذا عدمت البلاد الإسلامية

- ‌الرجوع من بلاد الهجرة

- ‌الهجرة من بلاد الكفر

- ‌متفرقات في أبوابالولاء والبراء

- ‌استغابة وسب المشركين

- ‌الدعاء على الكفار

- ‌حكم الأكل من طعام أهل الكتابفي أعيادهم

- ‌معاملة محسني النصارى بالحسنى

- ‌حفر قبور للنصارى

- ‌حكم الجمع بين مقابر المسلمين والنصارى

- ‌اتباع جنائز أهل الكتاب

- ‌نصرانية حامل فأين تدفن

- ‌امرأة نصرانية يُشك في إسلامهافهل تدفن في مقابر المسلمين

- ‌امرأة نصرانية تريد أن تهب مالها لمسلمةمقابل أن تحفر لها قبرها وتزينه

- ‌رجل مات في بلاد الكفرفهل يدفن في التابوت

- ‌مصاحبة الأهل الكافرين إلى المقبرة

- ‌حكم الدفن في بلاد الكفار

- ‌حكم دخول الكنيسة لرؤية الآثاروزيارة المتاحف

- ‌حكم توصيل الناس إلى الكنيسة

- ‌العمل عند أهل الكتاب

- ‌العمل تحت إمرة كافر

- ‌حكم قول المسلم: أنا نصراني

- ‌كيفية مناقشة الكفار

- ‌مواساة أهل الكتاب لدعوتهم إلى الإسلام

- ‌الاستعانة بالمشركين

- ‌حكم التهرب من الخدمة العسكرية

- ‌حكم التجنس بجنسية بلد كافر

- ‌باب منه

- ‌الحصول على جواز سفر أجنبي

- ‌دار الإسلام ودار الكفر

- ‌الفرق بين دار الإسلامودار الكفر ودار الحرب

- ‌تطبيق الأحكام الشرعية في دار الكفر

- ‌هل النصارى في هذا العصر أهل كتاب

- ‌العمل في الشرطةوما شابهها في بلاد الكفر

- ‌القوانين في بلاد الكفر

- ‌تهنئة النصارى بأعيادهم

- ‌المسلمون ومدارس التنصير

- ‌حديث: فاضطروهم إلى أضيق الطرقات

- ‌حديث: اضطروهم إلى أضيق الطرق

- ‌الفرح ببعض أخبار الغربيين

- ‌السلام على النصارى

- ‌ذبائح أهل الكتاب

- ‌العمل بسفارة أجنبية

- ‌التحاكم إلى محاكم الكفار

- ‌إهداء المصحف لكافر

- ‌استقدام الخَدَم الأجانب إلى بلاد المسلمين

- ‌استقدام الأجانب إلى البلاد الإسلامية

- ‌عيد المعلم

- ‌حكم إقامة محاضرات عن المسيحعليه السلام في رأس السنة الميلادية

- ‌حكم تحية العَلَم

- ‌كتاب أصول البدع

- ‌التحذير من البدع

- ‌ذم البدع

- ‌التحذير من الابتداع في الدين

- ‌خطر الابتداع

- ‌خطر الابتداع

- ‌خطورة الإحداث في الدين

- ‌كلمة حول معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)(كتاب الله وسنتي) وخطورة الإحداث في الدين

- ‌حول ظاهرة مخالفة السنة

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌خطورة الابتداع وبيان أنهلا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌خطورة الابتداع وبيان أنهلا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌قول ابن عمر: من ابتدعبدعة فرآها حسنة

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌لا بدعة حسنة في الإسلام

- ‌الاستدلال بقول عمر: نعمت البدعةهي على البدعة الحسنة

- ‌لا بدعة حَسَنة في الإسلام

- ‌باب منه

- ‌قول عمر: نعمت البدعة هذه

- ‌هل في الدين بدعة حسنة

- ‌البدعة والمصالح المرسلة

- ‌المصلحة المرسلة والبدعة

- ‌متى يقال: فلان مبتدع؟ والكلام علىالفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة

- ‌ضابط المصالح المرسلة

- ‌المصالح المرسلة

- ‌متفرقات في أصول البدع

- ‌صاحب البدعة المكفرة

- ‌الرواية عن صاحب بدعة

- ‌ضابط البدعة

- ‌هل العادات تدخل في البدع

- ‌هل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:كل بدعة ضلالة من العام المخصوص

- ‌قاعدة: كل نص عام

- ‌الفرق بين العبادات المطلقة والمقيدة،وأثر ذلك في أبواب البدع

- ‌هل البدعة وصاحبها في النار

- ‌بين البدعة والسنة التركية

- ‌قول بعضهم: البدعة خاصةبالتغيير لا بالزيادة

- ‌الرد على أهل البدع

- ‌هل لأهل البدع توبة

- ‌هل تُترك سنة من السننإذا صارت شعارًا لأهل البدع

الفصل: ‌التحذير من الابتداع في الدين

‌التحذير من الابتداع في الدين

الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد: فمن المعلوم عند كل مسلم مهما كان علمه وثقافته أن العمل الصالح لا يفيد صاحبه شيئاً ما لم يكن مقروناً بالإيمان بالله ورسوله، ذلك هو الأصل

ص: 151

الأول من أصول الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن هذا الإيمان لا يفيد صاحبه شيئاً إذا ما أخل به صاحبه في جانب من جوانب الإيمان وأعظم هذه الجوانب هو الإشراك بالله تبارك وتعالى نوعاً من أنواع الشرك الأكبر الذي حدثنا عنه القرآن الكريم مخاطباً لنا في شخص نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].

لا يشك مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معصوم أن يقع في شيء من الشرك ولذلك قلنا بأن الله عز وجل خاطب أمته صلى الله عليه وآله وسلم حينما خاطبه وَوَجَّه خطابه له بما سمعتم: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65].

وكذلك العمل الصالح ولو اقترن به الإيمان النافع فهذا العمل الصالح لا ينفع صاحبه إلا إذا اقترن به أمران اثنان، وفي هذه النقطة أريد أن أجعل أو أن أدير هذه في هذه الأمسية الطيبة إن شاء الله:

لقد ذهب علماء المسلمين انطلاقاً من قول رب العالمين: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} فهذا أول شرط لمن يريد النجاة يوم القيام .. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] هو أن يعمل عملاً صالحاً، وقد جاءت الآيات الكريمة تترا كلما ذكرت الإيمان قرنت مع الإيمان العمل الصالح، ومن أشهر ما جاء في ذلك تلك السورة التي جمعت فأوعت وهي سورة العصر:{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3].

ولقد كان من هدي أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم هدي طالما أصبح المسلمون الخلف قد أعرضوا عن هذه العادة الطيبة التي كان عليها الصحابة حيث كانوا إذا تفرقوا

ص: 152

تفرقوا بعد أن يذكر بعضهم بعضاً بهذه السورة المباركة: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3].

فيجب إذاً بعد أن يعلم المسلم علماً يقينياً ما هو الإيمان المنجي، ثم يؤمن به حقاً يجب عليه أن يعلم ما هو العمل الصالح حتى يتقرب به إلى الله تبارك وتعالى زلفى.

لقد اشترط علماء التفسير عند الآية السابقة: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] شرطين اثنين، وعليهما مدار الكلام الآن:

أما الشرط الأول: فهو أن يكون العمل الذي يريد المسلم أن يتقرب به إلى الله تبارك وتعالى على وفق السنة .. مطابقاً لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العمل الصالح، وهذا معناه: أن يكون متبعاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن لا يكون مبتدعاً شيئاً في سنته مهما كانت نيته صالحةً يبتغي بها وجه الله، فلن يفيده هذا العمل ولو كان مقترناً بالنية الصالحة ما دام أنه خالف في عمله سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

والأدلة التي استند واعتمد عليها العلماء في وضعهم لهذا الشرط ليكون العمل صالحاً وهو الشرط الأول الأدلة الدالة على ذلك كثيرة وكثيرة جداً، من أشهرها ما سمعتم آنفاً في خطبتي لهذه الجلسة وهذه الخطبة أيضاً من الأمور التي أخل بها .. لا أعني المسلمين كلهم وعامتهم وإنما أعني به خاصة المسلمين فإنكم لا تكادون تسمعون درساً أو محاضرة أو توجيهاً سواء كان ذلك هكذا مباشرة أو بالإذاعة أو بأي وسيلة أخرى .. لا تكادون تسمعون أحداً يفتتح خطبته أو درسه أو بحثه بما سمعتم آنفاً:

ص: 153

إن الحمد لله نحمده ونستيعنه ونستغفره إلى آخر ذلك، وفيه يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» هذه الخطبة يجب أن نهتم بها نحن الذين نزعم أننا نريد أن نكون هداة للناس ندعوهم إلى اتباع الكتاب والسنة، وإلى العمل الصالح ثم نحن نبدأ فنخالف هذه السنة في أول دروسنا.

لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب في الصحابة هذه الخطبة وتسمى بخطبة الحاجة، وقد يستعملها بعضهم في مناسبة عقد الزواج، وهي محلها في كل خطبة وفي كل درس يرجوا المدرس أن يصل في درسه إلى حاجته التي يبتغيها ألا وهي أن ينتفع الحاضرون بما يسمعون منه، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفتتح خطبه كلها ودروسه كلها بهذه الخطبة التي تعرف عند العلماء بخطبة الحاجة وكان يكرر هذا الكلام في هذه الخطبة لترسخ في أذهان الصحابة وهم بالتالي ينقلون إلى من بعدهم.

«أما بعد: فإن خير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم» وفي رواية: «فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمر محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» يقول العلماء المُحَقِّقون: إنما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكرر هذه الخطبة بكل مناسبة ترسيخاً لهذه القاعدة العظيمة في أذهان السامعين: «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» .

من الأدلة الكثيرة التي تؤيد أن يكون العمل الصالح على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحديث المتفق عليه بين الشيخين بين البخاري ومسلم، أما الحديث الأول حديث خطبة الحاجة فهو في صحيح مسلم، أما حديثنا التالي فقد اتفق البخاري مع مسلم في روايتهما إياه من حديث السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» في

ص: 154

هذا الحديث بيان يحتاجه كثير من الناس الذين تلتبس عليهم البدعة الدينية بالبدعة الدنيوية، وهذه نقطة يجب أن نكون على بينة منها حتى لا يختلط علينا الحق بالباطل؛ ذلك أن الإسلام إنما جاء ليكمل العبادات .. ليهيئ المسلمين ليكونوا سعداء في الدنيا والأخرى؛ وذلك بأن يشرع لهم هذه الأعمال الصالحة التي تقربهم إلى الله زلفى، ولم يأت لإصلاح الأمور الدنيوية التي هم يصلون إليها باجتهادهم وبابتكاراتهم وباختراعاتهم كما ترون الآن الكفار قد سبقوا المسلمين أشواطاً كثيرة في الاختراعات والابتكارات المتعلقة بتسهيل أمور الدنيا، هذه الأمور المتعلقة بالأمور الدنيوية ليس لها علاقة مطلقاً بالبدعة المذمومة شرعاً.

هذا الحديث الثاني يوضح لنا الحديث الأول حينما قال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا» أي: من أحدث في ديننا هذا «ما ليس منه فهو رد - على صاحبه -» ولذلك فلا ينبغي أن يشكل على أحد من الناس كما سمعنا ذلك كثير وكثير جداً حينما نحض المسلمين جميعاً إلى أن يعودوا في عباداتهم إلى سنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ونحذرهم اتباعاً منا له عليه الصلاة والسلام من كل محدثة في الدين كما سمعتم: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» .

هذا الحديث الثاني إذاً يوضح أن البدعة الضلالة ما كان لها علاقة بالعبادة وبالدين «من أحدث في أمرنا هذا» أي: في ديننا هذا، «ما ليس منه فهو رد» .

ولأمر ما نحن ننتمي إلى السلف الصالح؛ ذلك .. لعلي في الجلسة السابقة تعرضت لهذا الجانب أن السلف الصالح هم الذين تلقوا القرآن وحديث الرسول عليه السلام من فمه غضاً طرياً، ثم تلقوه من الرسول عليه الصلاة والسلام مطبقاً

ص: 155

عملياً، فهم الذين فهموه فهماً صحيحاً بالتالي وجب علينا أن نفهم أمر ديننا من كتاب ربنا ومن سنة نبينا، وتطبيق علماء السلف في هذه السنة.

هنا نحن نقول في قوله عليه السلام: «كل بدعة ضلالة» : جاء عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قوله الذي يعتبر مفسراً لهذا العموم: «كل بدعة ضلالة» قال ابن عمر مفسراً وموضحاً ومبيناً: وإن رآها الناس حسنة، كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة، وهذا يلفت نظرنا إلى مسألة طالما سمعناها انحرف القائلون بها عن سنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

ولعلي أتعرض إلى هذا فيما بعد وقريباً إن شاء الله، فإني أريد أن أذكركم بتتمة لبعض هذه النصوص التي تؤكد لكم هذه القاعدة العظيمة جداً جداً، «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» وبخاصة بعد تفسير ابن عمر لها بقوله: وإن رآها الناس حسنة.

أظن أن الكثيرين منكم قرأ أو سمع حديث العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه، قال:«وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! أوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» هنا لا توجد زيادة وكل: «وكل ضلالة في النار» وإنما هي في الحديث الأول حديث خطبة الحاجة.

الشاهد من هذا الحديث: أنه يفيدنا فائدة جديدة لم تذكر في الأحاديث السابقة، وهكذا يجب على كل باحث فقيه يريد أن يتفقه في السنة أن يلم وأن يجمع كل الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد حتى يخرج من هذا الجمع

ص: 156

بقضية كاملة لا نقص فيها، هنا يقول الرسول عليه السلام مخبراً لنا بقوله:«وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً» كأن سائل سأل والواقع أنه ما سأل؛ لأن الله عز وجل يلهم نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب قبل أن يسأل .. كأن سائلاً سأل: يا رسول الله! إذا نحن رأينا هذا الخلاف الذي أنت تخبرنا به بقولك: «وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً» فماذا نفعل يا رسول الله إذا رأينا هذا الاختلاف الكثير فماذا نفعل؟ فأجابهم عليه الصلاة والسلام دون أن يسألوه كما ذكرنا .. «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» إلى آخر الحديث.

إذاً: المخلص من أي فرقة، ومن أي خلاف يقع بين المسلمين هو اللجوء إلى سبيل المؤمنين الأولين، حيث قال عليه السلام بلسان عربي مبين: فإذا رأيتم الخلاف فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، فهل المسلمون اليوم إذا ما وقعوا في مسألة خلافية رجعوا فيها إلى الائتمار بأمره عليه السلام هذا وغيره مما جاء في القرآن وفي السنة فإذا رأيتم خلافاً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي.

الجواب مع الأسف: قل من يفعل ذلك من المسلمين، وهم الذين يحرصون أشد الحرص على أمرين اثنين لا انفصام ولا انفصال بينهما، ألا وهو معرفة السنة التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أولاً، ثم الحرص كل الحرص على تطبيقها ثانياً في أنفسهم، ثم فيمن يلوذ بهم، ثم فيمن يعيشون حوله وهكذا.

الآن نحن في مسألة واحدة وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذم ذماً عاماً كل بدعة في الدين، فهل المسلمون وقفوا عند هذا الذم العام لكل بدعة في العبادة في الإسلام أم اختلفوا؟ الواقع أنهم اختلفوا؛ لأنني أعتقد أن من كان منكم من طلاب العلم، بل ومن كان سامعاً للعلم ائتماراً منه بالأثر الوارد عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى

ص: 157

عنه حين قال: كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ولا تكن الرابعة فتهلك.

فلا بد أنكم إما أنكم من طلاب العلم، أو على الأقل من الذين يجلسون في مجالس العلم أنكم سمعتم يوماً ما مقولة تقال في مثل هذه المناسبة: ما رآه المسلمون حسن فهو حسن، ويضاف إلى ذلك أن بعضهم يقول: لا يا أخي! هناك في الإسلام بدعة حسنة، فكيف أنت تقول: كل بدعة ضلالة، هذه النقطة يجب أن يكون المسلم الذي يريد فعلاً أن يأتمر بالآية التي نحن في صدد بيانها {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110] فإن البدعة الدخيلة في الإسلام ليست من الإسلام في شيء، وبطبيعة الحال ليس من العمل الصالح في شيء، فإذا الإنسان المسلم تقرب إلى الله عز وجل بما لم يشرعه الله على لسان رسول الله فذلك يكون عملاً غير صالح وبالتالي يكون عملاً غير مرجو النجاة يوم القيامة به.

فهنا شبهتان تذكران بهذه المناسبة: الأولى ذكرتها مع الأخرى، ما رآه المسلمون حسناً فهو حسن، فما يكاد العالم البصير في دينه ينكر أمراً يعلم أن هذا الأمر ليس من الإسلام في شيء إلا جوبه بقوله: يا أخي! المسلمون هكذا يفعلون، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» وقد يحتج بعضهم بحديث آخر، والحديث الأول لا يصح حتى لا يفوتني ولأعود إليه، أما الحديث الآخر فهو صحيح ولكن لا يصح الاستدلال به على معارضة قوله عليه السلام في الأحاديث السابقة:«كل بدعة ضلالة» .. «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وحديث العرباض بن سارية وغير ذلك.

هذا الحديث الثاني هو قوله عليه الصلاة والسلام: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم

ص: 158

شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئةً فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أوزارهم شيء».

هذا حديث صحيح أما الحديث الأول فهو غير صحيح، ومع ذلك فلكل من الحديثين معنىً غير المعنى الذي يركن إليه الذين يضربون بهذا المعنى .. القاعدة الجوهرية التي كان الرسول عليه السلام يذكر بها أصحابه بين يدي كل خطبة.

أما الحديث الأول: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» نبحث الآن في الحديث من الناحية الحديثية ثم نثني عليه للكلام في الناحية الفقهية منه، أما الناحية الحديثية فالحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده من طريق أبي داود الطيالسي وهذا أيضاً في مسنده كلاهما بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال هو، ولم يقل: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في هذا الحديث الذي سمعتم مصدره من مسندي أبي داود الطيالسي وأحمد بن حنبل الشيباني .. «إن الله تبارك وتعالى بعث محمداً رسولاً وجعل له وزراء وأنصار فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» أظن من كان منكم يعلم شيئاً من اللغة العربية وآدابها سيفهم ما أقوله بسرعة واضحة.

أل .. فما رآه المسلمون: أل هنا في اصطلاح العلماء إما أن يكون هذا الحرف للاستغراق والشمول فيشمل كل المسلمين في كل العصور وفي كل الدهور، وإما أن يكون هذا الحرف هنا أل التعريف ما يسمى عندهم بأل العهد، وهذا يفيد التخصيص العموم أو الشمول، وهذا المعنى الثاني هو المقصود في هذا الحديث الموقوف على ابن مسعود، لماذا؟ لأن السياق الذي بعده جاء هذا السياق هو يتحدث عن أصحاب الرسول عليه السلام؛ لأنه ذكر أن الله عز وجل بعث محمداً رسولاً، قال:«جعل له وزراء وأنصاراً» إذاً: هؤلاء الوزراء

ص: 159

والأنصار هم المقصودون في قوله: «فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» .

وبخاصة أنه ذكر هذا الحديث الموقوف عليه بمناسبة اختيار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر الصديق خليفةً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:«فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» أي: ما دام أن المسلمين اختاروا أبا بكر خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأوه أمراً حسناً بل واجباً فهو عند الله حسن.

وحينئذٍ يكون الحديث هذا الموقوف ليس له علاقة مطلقاً بموضوع ما رآه جماعة من المسلمين في عصر من العصور حسناً .. كلا ثم كلا، ليس لهذا الحديث على أنه موقوف .. أكرر على مسامعكم أن هذا الحديث لا يجوز للمسلم أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما رآه المسلمون .. » إلى آخره، وإنما يقول: قال صحابي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن مسعود: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» ويفسره على هذا النحو الذي ذكرته لكم .. هذا النحو الذي دلت عليه المناسبة التي فيها ذكر هذا الحديث الموقوف أولاً، ثم أل .. المسلمون .. أل العهد، أي: الذين ذكروا قبل قوله: «فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» حينئذٍ يكون هذا الحديث يلتقي تماماً مع آية في القرآن الكريم ألا وهي قول رب العالمين: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] أي: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» أي: هؤلاء المسلمون الذين ذكروا في هذه الآية أن أحداً إذا خالف سبيل المسلمين كما لو خالف سيد المرسلين، وأظن أيضاً تعرضت لهذه الآية في الجلسة السابقة:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] أي: يخالف

ص: 160

بالسبيل التي كان عليها السلف الأول .. السلف الصالح.

فهل كان السلف الصالح يرون أن في الإسلام عبادة لم يشرعها الرسول عليه الصلاة والسلام ولا فعلها الصحابة الكرام ومع ذلك يجوز للمسلم أن يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى؟ الجواب: لا، وبخاصة وقد ذكرنا لكم قول ابن عمر في توضيح قول الرسول عليه السلام:«كل بدعة ضلالة» قال ابن عمر: وإن رآها الناس حسنة.

أم الأقوال الأخرى التي أثرت ورويت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأكيداً منهم بأقوالهم وبأفعالهم لهذه القاعدة العامة .. كل بدعة ضلالة فهي أشياء كثيرة وكثيرة جداً لا يمكن إحصاؤها في هذه الجلسة ولكن لا بأس من التذكير ببعضها ..

ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي هو من كبار علماء الصحابة وقرائهم بخاصة حيث صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.

هذا الصحابي الجليل الذي من فضله أن فقه الإمام أبي حنيفة أول الأئمة الأربعة رحمهم الله تبارك وتعالى .. فقه هذا الإمام أكثره قائم على أحاديث وفتاوى ابن مسعود، ماذا قال هذا الصحابي الجليل؟ قال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق، هذا الحقيقة نصيحة عالم ما أحوجنا نحن أن ننصح أنفسنا بها .. اتبعوا، أي: النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه؛ لأنهم هم الذين يمثلون سبيل المؤمنين .. أو من يمثل هذه السبيل هم أصحاب الرسول عليه السلام وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا .. لماذا؟ فقد كفيتم .. عليكم بالأمر

ص: 161

العتيق .. قد كفيتم يشير بهذا إلى نصوص في الكتاب والسنة منها الآية المشهورة ألا وهي قوله تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] .. {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] إذاً: فقد كفيتم .. لقد جاء الله عز وجل بهذا القرآن وببيان الرسول عليه الصلاة والسلام بكل ما يحتاجه المسلمون من العبادات؛ ولذلك لا قياس في العبادة ..

القياس هو الأصل الرابع من الأصول الأربعة عند جماهير العلماء .. الكتاب والسنة والإجماع الصحيح والقياس .. لكن هذا الأصل الرابع وهو القياس لا يجوز أن يصار إليه في العبادات؛ ذلك لأن العبادات محصورة بخلاف الحوادث التي تقع على الناس فهي لا يمكن أن تنتهي؛ ولذلك كان الرأي الراجح عند العلماء أن القياس مصدر .. بل هو المصدر الرابع من مصادر الشريعة، لكن هذا القياس لا يعمل عمله في توسيع دائرة العبادة؛ لأن الله عز وجل قد أكمل تشريع العبادات بتمامها؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام .. حديثين اثنين:

الحديث الأول في صحيح مسلم: «ما بعث الله نبياً إلا وكان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم» ما بعث الله نبياً إلا كان حقاً، أي: واجباً لازماً عليه، أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، ترى! هل قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الواجب؟ لا شك أنه قام به خير قيام، وقد قال ربه عز وجل له في القرآن:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67].

الحديث الثاني: وهو أمس بموضوعنا من الحديث الأول، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه» رواه الإمام الشافعي في

ص: 162

مسنده أو في سننه.

إذاً: صدق الله حينما قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] الدين هو ما يتدين به الإنسان ويتقرب به إلى رب الأنام، فإذاً: صدق ابن مسعود حينما قال في الأثر السابق: فقد كفيتم، أي: لماذا تتعبون أنفسكم بابتداعكم العبادات في الدين وقد كفاكم رب العالمين بأن أرسل إليكم رسولاً مُبَيِّناً مُوَضِّحاً كل ما أنتم بحاجة إليه من عبادات تفصيلياً لا حاجة للقياس فيها إطلاقاً وبخاصة إذا ما كان هذا القياس مخالفاً للنصوص الصريحة المتقدمة آنفاً والآثار الثابتة عن السلف الصالح.

ثانياً: ومنها قول ابن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق.

هذا قوله، ويحسن أن نقدم إليكم مثلاً يمس حياة كثير من المتعبدين اليوم بحسن نية ولكن بسوء عمل، ما هو العمل؟ هو الابتداع في الدين .. اسمعوا القصة التالية: القصة يرويها الإمام الدارمي في سننه بإسناده الصحيح أن أبا موسى الأشعري جاء صباح يوم إلى دار عبد الله بن مسعود فوجد الناس ينتظرونه قال لهم: أخرج أبو عبد الرحمن - عبد الله بن مسعود كنيته أبو عبد الرحمن - قالوا له: لا، فجلس ينتظره إلى أن خرج، فقال له: يا أبا عبد الرحمن: لقد رأيت في المسجد آنفاً شيئاً أنكرته - وأرجوا الانتباه إلى هذه الكلمة والتي تليها - رأيت في المسجد آنفاً شيئاً أنكرته ومع ذلك لم أر إلا خيراً .. كيف يجتمعان؟ ! رأى خيراً ومع ذلك أنكره .. حق ذلك؛ لأنه رأى عبادةً لم يرها في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال له: ماذا رأيت؟ قال: إن عشت فستراه .. رأيت في المسجد أناساً حلقاً حلقاً وفي وسط كل حلقة منها رجل يقول لمن حوله: سبحوا كذا .. احمدوا كذا ..

ص: 163

كبروا كذا .. وأمام كل رجل منهم حصى يعد به التسبيح والتكبير والتحميد، قال ابن مسعود: أفلا أنكرت عليهم؟ ! قال: لا، انتظار أمرك أو انتظار رأيك .. قال: أفلا أنكرت عليهم وأمرتهم أن يعدوا سيئاتهم فلن تضيع من حسناتهم عند الله شيء .. {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] قال: لا، انتظار أمرك أو انتظار رأيك.

عاد ابن مسعود إلى داره وخرج متلثماً هكذا، وانطلق إلى المسجد حتى لا يرى ووقف عند الحلقات فرأى ما وصف له أبو موسى، فكشف عن وجهه اللثام وقال لهم: ويحكم! ما هذا الذي تصنعون؟ أنا عبد الله بن مسعود صحابي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لما عرفوه قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى .. حصى، يعني: شيء بسيط، حصى نعد به التسبيح والتكبير والتحميد، قال: عُدُّوا سيئاتكم وأنا الضامن لكم أن لا يضيع من حسناتكم شيء، وَيْحكم ما أسرع هلكتكم! هذه ثيابه صلى الله عليه وآله وسلم لم تبل وهذه آنيته لم تكسر، أي: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث عهد بمفارقة الأصحاب .. أما آن لكم أن تحدثوا في الدين ما لم يكن معروفاً في عهده عليه الصلاة والسلام، فأجابوه، والحق أن هذا الجواب هو لسان أكثر المتعبدين ولكن على غير هدى من ربهم .. نفوسهم طيبة .. نواياهم حسنة .. ولكنهم لما خالفوا سنة الرسول عليه السلام ما أجروا إن لم يكن قد وزروا، قالوا: ماذا قالوا؟ والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير.

ترى! هل تغني النية الصالحة عن العمل، أي: أن يكون عمل الإنسان غير صالح لكن نيته صالحة يكفيه؟ ! لا يكفيه .. وهنا بيت القصيد: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] كما أن النية الصالحة لا تشفع للعمل الطالح فيجعله صالحاً، كذلك إذا كان العمل

ص: 164

صالحاً موافقاً للسنة ولكن النية غير صالحة لا يفيده هذا العمل الصالح شيئاً إطلاقاً فلا بد من اجتماع الشرطين المذكورين.

عندما قال أولئك الناس لابن مسعود وهم صادقون فيما يقولون: والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لا يصيبه .. هذه حقيقة مرة! أي: من أراد الخير اتخذ سبيله، سلك السبيل الذي يوصل إلى الخير كما قال عليه الصلاة والسلام مؤكداً لكلمة ابن مسعود ..

بل والله أعلم - والآن هذه خاطرة بدرت لي لأول مرة في حياتي - والله أعلم أن ابن مسعود أخذ هذه الكلمة من حديث الذي رواه عن الرسول عليه السلام: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان بين أصحابه يوماً فخط لهم على الأرض خطاً مستقيماً، وقرأ الآية الكريمة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] وخط خطوطاً عن يمين الخط المستقيم ويساره - وقال عليه السلام موضحاً للخط المستقيم -: هذا صراط الله، وهذه طرق على جنبي الطريق المستقيم وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعوا الناس إليه» .

وهذا الحديث يجب أن نأخذ عبرة .. ما يكفي المسلم أن يعيش هكذا سبهللاً، فلتان في الحياة .. يا أيها الناس اتبعوا الناس! لا، أيها الناس اتبعوا سيد الناس، أي: عليكم أن تعرفوا سنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم في أمور حياتكم الدينية كلها، سواء ما كان منها عقيدةً، أو ما كان منها عبادةً، أو ما كان منها سلوكاً، كل ذلك يجب أن يكون معلوماً عند كل مسلم يرجو النجاة يوم القيامة كما قلنا آنفاً.

فالظاهر أن ابن مسعود لما قال لهم: وكم من مريد للخير لا يصيبه، يشير إلى هذا الحديث أنهم ما سلكوا الطريق المستقيم، وإذاً: فهم سوف لا يصلون كما قال الشاعر القديم:

ص: 165

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها

إن السفينة لا تجري على اليبس

فإذاً: الذي يرجو النجاة يجب أن يتمسك بسفينة النجاة وهي ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الهدى والنور، قال: وكم من مريد للخير لا يصيبه! إن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا فقال: «سيكون في أمتي أقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» سيكون في أمتي أقوام يمرقون من الدين بسرعة غريبة جداً كما يمرق السهم من الرمية، أي: من الدابة المرمية.

العبرة من هذه القصة في خاتمتها .. قال الذي حدث بهذه القصة: فلقد رأيت أولئك الأقوام أي: أصحاب الحلقات .. حلقات الذكر غير المشروع، قال: فلقد رأينا أولئك الأقوام يقاتلوننا يوم النهروان! وما معنى هذا الكلام؟ أصحاب الذكر غير المشروع هذه البدعة الصغيرة أودت بهم إلى البدعة الكبيرة وهي الخروج على علي بن أبي طالب الخليفة الراشد ومقاتلتهم له، فما كان منه ولم يسعه إلا أن يقاتلهم حتى استأصل شأفتهم ولم ينج منهم إلا رجلين أو ثلاثة.

لذلك اقتبسنا من هذه القصة شبيه ما يذكره بعض الفقهاء أن الذنوب الصغائر بريد الكبائر .. الذنوب الصغائر إذا ما استمر عليها المسلم وأصر عليها فستكون عاقبة أمرها أن توصله إلى الذنوب الكبائر، كذلك البدع الصغائر التي يستسهلها بعض الناس .. ويقولون لك: يا أخي! ماذا فيها هذه؟ ! لا يفكر تماماً كما قال بعض الفقهاء أيضاً: لا تستصغر المعصية فإنها عظيمة حينما تتذكر عظمة الله تبارك وتعالى وأنه قد نهاك عنها فيجب أن تنتهي منها، كذلك أيها المبتلى ببعض البدع تتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى لا تقل: ماذا فيها؟ فيها أن الإسلام قد كمل فإذا ما قلت: هذه بدعة حسنة فمعنى ذلك أنك تستدرك على هذا الرب الذي أنزل في القرآن الكريم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي

ص: 166

وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3].

-بقي في نفسي كلمات أرجو أن تكون قليلات حتى نفسح المجال لتلقي بعض الأسئلة حول الموضوع السابق إن كان هناك سائل أو حول غيره ذكرت لكم آنفاً أكثر من مرة في تضاعيف كلمة الآية الكريمة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] إلى آخرها فالذي يريد أن أثني على ما مضى من البيان والكلام تنبيه الحاضرين إلى ألا ينظروا إلى هذه المسألة بنظرة اللا مبالاة وقلة الاهتمام والتي قد يعبر عن ذلك بعض الناس بقولهم هذه يا أخي مسائل فرعية بل قد يقول بعضهم هذه من القشور وليست من اللباب فلا تشغلونا بالقشور عن اللباب ولا تشغلونا بتوافه من الأمور عن مهمها، فأقول تحذيراً ونصحاً والدين النصيحة كما تعلمون: لا يجوز أن يصدر شيء من هذا الكلام من مسلم بعد أن نُبِّهَ على خطورة هذه القاعدة وهي قوله عليه السلام: «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» مع ذاك البيان الذي أحاط بجوانب كثيرة من نصوص السنة والآثار السلفية لا ينبغي للمسلم أن يقول، أولاً بعامة لا يجوز أن يقسم الشريعة إلى لباب وقشور أو إلى مسائل هامة وغير هامة، لأنه من المعلوم عند جميع الباحثين أن الإسلام يجب أن يتبنى كلاً لا يجزأ، ومعنى هذا بقواعده وفروعه، ومعنى هذا بفروضه ومندوباته، يجب أن يحمل الإسلام أولاً علماً وثانياً عملاً ولكن في حدود لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فإذا كنت أنت أيها المسلم اخترت لك منهجاً في حياتك يشبه ذاك المنهج الذي عبر عنه ذلك الرجل الأعرابي أو النجدي حينما جاء سائلاً نبيه عليه الصلاة والسلام عما فرض الله له فبعد أن بين له خمس صلوات وصوم شهر واحد في السنة وهو رمضان إلى آخره، قال: هل علي غيرهن يا رسول الله؟ قال: لا إلا أن تتطوع إلا أن تتطوع، قال والله يا رسول الله لا أزيد عليهن ولا أنقص فإذا اختار الرجل المسلم منهج هذا الأعرابي أو هذا

ص: 167

النجدي وأنه لا يريد أن يتقرب إلى الله إلا بما فرض الله فليس لنا عليه سبيل من الانتقاد،

ولكن إياه وليحذر من أن ينتقد المخالف له الذي يحافظ على الفرائض ويحافظ على السنن ويحافظ على المندوبات والمستحبات وكل العبادات حذاري أن ينكر شيئاً من ذلك، وبمثل هذه الألفاظ التي نسمعها في كثير من الأحيان هذه أمور تافهة، هذه قشور، سبحان الله، هذه عبادات فلماذا تسميها بأمور تافهة، وتارة بقشور، على أن القشور التي يشبه هذا البعض بعض العبادات المشروعة بها القشور المادية التي نراها في بعض الثمار المعروفة ما خلقها الله عبثاً بل نحن نعلم بالتجربة أن هذا اللب لولا القشر ما تهنينا به، ولا انتفعنا به، إذاً ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت، فإذا خلق ثمرة وأحاطها قشراً فذلك لحكمة بالغة، كذلك إذا شرع الله عز وجل في الشريعة أموراً هي فريضة وأخرى هي دون الفريضة فما شرع ذلك عبثاً وإنما لفائدة عظيمة جداً، ويجب أن نعرف هذه الفائدة بمثل هذه المناسبة وهي كما جاء في الحديث الصحيح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن تمت فقد أفلح وأنجح وإن نقصت فقد خاب وخسر، في حديث آخر وهو الشاهد وإن نقصت قال الله تبارك وتعالى انظروا هل لعبدي من تطوع فتتم له به فريضته، إذاً هذا التطوع لا يصح أن يقال إنه من توافه الأمور ومن القشور لأن هذا التطوع في شرع الله عز وجل وفي فضل الله عز وجل على عباده سيقوم مقام الفرائض التي إما أن يكون ضيعها أصلاً وإما أن يكون قد نقص فيها فعلاً، فالرسول عليه السلام يخبرنا بأن الله عز وجل من فضله على عباده يوم القيامة يقول للملائكة انظروا هل لعبدي من تطوع، فتتم له به فريضته.

إذاً لا يجوز هذا التفريق لأن كلاً مما هو بتعبيرهم لب أو قشر هو أمر مرغوب فيه مشروع، فلا يجوز الاستهانة بالقشر لأنه لا يجوز الاستهانة باللب، ومتى

ص: 168

استهنا بالقشر وصلت الاستهانة كما علمتم من الحديث إلى اللب.

فأريد مما سبق أن هذه المسألة لو كان في الإسلام لب وقشر لو كان في الإسلام أمور تافهة فهذه الكلمة التي صدرت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشرحناها لكم آنفاً هي من لب اللب إذا صح أيضاً هذا التعبير، وأقول متحفظاً: لماذا؟ لأن الرسول عليه السلام ما كان عبثاً بين يدي كل خطبة يذكر الصحابة: «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» ولهذا تأكيداً لهذا الذي أقوله لقد جاء في «صحيح البخاري» أن حبراً من أحبار اليهود جاء إلى عمر أمير المؤمنين في خلافته فقال يا أمير المؤمنين آية في كتاب الله لو علينا معشر يهود نزلت لاتخذنا يوم وجوبها عيداً قال عمر ما هي؟ قال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] قال أنا أعلم الناس بنزولها، لقد نزلت ورسول الله في عرفات ويوم جمعة، فإذاً نزلت الآية في يوم عيدين: عيد الجمعة، وعيد عرفة، إذاً هذه الآية عرف الحبر اليهودي قيمتها وقد يمكن أن يكون كان حبراً من اليهود ثم هداه الله، وقد يمكن أن يكون قد ضل في ضلاله، ما يهمنا، لكن على كل حال انتبه لهذا الفضل الإلهي على المسلمين حين امتن عليهم بهذه الآية الكريمة اليوم أكملت لكم دينكم إلى آخرها، إذاً هذا الإكمال وبإتمام فضل عظيم جداً من الله تبارك وتعالى، فهل نحن معشر المسلمين عرفنا هذه الحقيقة؟ أقولها آسفاً: جماهير المسلمين من الدعاة فمن دونهم لم ينتبهوا لعظمة هذه النعمة الإلهية على عباده المؤمنين بينما ذاك الحبر اليهودي قد انتبه وقال لو علينا نزلت لاتخذنا يوم نزولها عيداً فقال عمر نزلت يوم عيد يوم جمعة ويوم عرفة بناء على عظمة هذه الآية، ماذا قال أحد الأئمة الأربعة وهو إمام دار الهجرة الإمام مالك ابن أنس رحمه الله قال -انتبهوا، ولا تظنوا أن المسألة من توافه الأمور أو من القشور كما يقولون- قال رحمه الله ورضي عنه: من ابتدع في الإسلام بدعة

ص: 169

ليس بدع كثيرة، من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وعلى اله وسلم خان الرسالة، من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة يقول لك ماذا فيها، فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وعلى اله وسلم خان الرسالة، اقرؤوا قول الله تبارك وتعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذ ديناً -كلام يكتب بماء الذهب كما يقولون من قبل- فما لم يكن يومئذ ديناً، لا يكون اليوم ديناً، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُح به أَوَّلها، إذاً أختم الكلمة وقوفاً عند هذه الجملة المالكية المدنية، مالك يقول ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، والآن تجد في المجتمع الإسلامي طوائف وجماعات وفرق وأحزاب وإلى آخرها وكلها تنشد العز للإسلام وعود الحكم للإسلام ولكنهم إلا من شاء الله وقليل ما هم يصدق عليهم قول الشاعر العربي القديم:

أوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا يا سعد تورد الإبل

لماذا؟ لأن مالك رحمه الله سمعتم أنه قال لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، سؤال مختصر جداً، وجواب مختصر، لماذا صلح أولها بالإيمان والعمل الصالح الإيمان والعمل الصالح كلاهما لا يمكن الوصول إليهما إلا بالعلم النافع، وما هو العلم النافع العلم النافع، جمعه إمام من أئمة المسلمين في أبيات من الشعر حينما قال العلم أنا أنهي الكلام بهذه الأبيات.

العلم قال الله قال رسوله

قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العمل نصبك للخلاف سفاهة

بين الرسول وبين رأي فقيه

كلا ولا جحد الصفات ونفيها

حذراً من التعطيل والتشبيه

وبهذا القدر كفاية ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما سمعنا وأن يلهمنا العمل

ص: 170

بما تعلمنا وهو على كل شيء قدير.

(الهدى والنور / 538/ 47: 00: 00).

(الهدى والنور / 538/ 14: 10: 00).

ص: 171